ليس قرار مجلس النواب الأمريكي الرقم 185، والذي تمَّ تبنيه بالإجماع، ولا يُلْزِم الحكومة الأمريكية بتبنِّيه، هو ما حَمَلَني على الكتابة في موضوع هذا القرار، والخاص بـ "اللاجئين اليهود" من الدول العربية، وإنَّما ما أظهره إعلاميون وسياسيون عرب من سوء فهم لمعنى هذا القرار في مَعْرِض تعليقهم عليهم، وتحليلهم لأبعاده، حتى أنَّ بعضهم دعانا إلى التعامل الإيجابي الذكي معه، واقتناص هذه الفرصة، واغتنام "زلَّة لسان" هذا المجلس، عِلَماً أنَّ مشروع قرار مماثِل قُدِّم إلى المجلس الآخر للكونغرس، وهو مجلس الشيوخ، من أجل بحثه والتصويت عليه. إنَّني لا أعرف كيف فَهِمَ هؤلاء قرار مجلس النواب الأمريكي، الخاص به فقط، والذي من خلاله عبَّر المجلس عن "شعوره" تجاه قضية "اللاجئين اليهود"، على أنَّه مطالبة (من قِبَل المجلس) بـ "عودة اللاجئين اليهود إلى الدول العربية التي أتوا إلى إسرائيل منها"! وعملاً باقتراحهم أن نتعامل مع هذا القرار على نحو إيجابي وذكي، دعوا إلى استثماره إعلامياً وسياسياً؛ لأنَّ "مطالبة هذا المجلس بعودة اللاجئين اليهود إلى الدول العربية" تُقوِّض الأساس الذي قامت عليه إسرائيل، والمتمثِّل في أنَّ هذه الدولة هي "الوطن القومي للشعب اليهودي"، ومن حقِّ اليهودي، أي يهودي، أن يصبح مواطِناً كامل الحقوق في هذه الدولة. ثمَّ اقترحوا على الدول العربية، التي هاجر منها يهود إلى إسرائيل، خُطَّةً وشروطاً محدَّدة لفتح باب العودة إليها في وجه أولئك اللاجئين اليهود. والغريب في الأمر أنَّ هؤلاء الإعلاميين والسياسيين العرب لم يكلِّفوا أنفسهم عناء الإجابة عن سؤال "لماذا يريد مجلس النواب الأمريكي، وأصحاب مشروع القرار وهم منظَّمات يهودية أمريكية (وأوروبية) كبرى (كمنظمة "العدالة من أجل اليهود في الدول العربية") عودة اللاجئين اليهود إلى الدول العربية؟". ومع ذلك، أدرجوا قرار مجلس النواب الأمريكي في سياق الجهود المبذولة، أمريكياً وإسرائيلياً، لابتناء حل نهائي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أنقاض "حق العودة (لهم إلى حيث كانوا قبل تشريدهم)". ولا أعرف كيف وفَّقوا بين هذا وذاك، فإذا كان مجلس النواب الأمريكي يرى أنَّ حلَّ مشكلة اللاجئين اليهود يكمن في عودتهم إلى حيث كانوا قبل قدومهم إلى إسرائيل، فهذا إنَّما يعني، ضِمناً على الأقل، أنَّه، أي المجلس، لا يستطيع الاعتراض على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى حيث كانوا قبل قدومهم إلى بعض الدول العربية. إنَّ مغزى القرار، والذي غاب عن أبصارهم وبصائرهم، يكمن في رغبة مجلس النواب الأمريكي في اصطناع أوجه تماثُل وتَشابُه بين المشكلتين (مشكلة اللاجئين اليهود ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين) وفي سُبُل وطرائق حلهما، فاللاجئون اليهود من الدول العربية إنَّما هُم، في الأصل، "جماعة قومية" كانت تقيم منذ 2500 في بلدان ليست بوطنهم القومي الأصلي، فعادوا إلى وطنهم هذا، أي إلى إسرائيل؛ ولكنَّ عودتهم (التي هي حقُّ قومي وتاريخي لهم) لم تكن في طريقة "حضارية وإنسانية"؛ ذلك لأنَّ الدول العربية التي كانوا يقيمون فيها قد اعتدت على حقوقهم المدنية، و"أجبرتهم على ترك بيوتهم فيها"، وهذا إنَّما يعني لكل من يُحْسِن الفهم أنَّ هؤلاء اليهود لم يُهجَّروا من وطنهم القومي؛ ولكن هُجِّروا (بأساليب فظَّة ووحشية) إلى وطنهم القومي. و"الحل" لمشكلتهم لا يكمن في عودتهم إلى حيث كانوا، وإنَّما في بقائهم حيث هُمْ، أي في وطنهم القومي إسرائيل، على أنْ يُعوَّضوا مالياً (في المقام الأوَّل) عمَّا لحق بهم من خسائر مادية ومعنوية على أيدي العرب. ويزعم القرار أنَّ عدد هؤلاء "اللاجئين اليهود" كان (عند تركهم الدول العربية) 850 ألف يهودي، ويزيد، بالتالي، وبحسب زعم القرار نفسه، عن عدد الفلسطينيين الذين شُرِّدوا من فلسطين عام 1948. وبفضل هذا الاصطناع لأوجه التماثُل والتشابه بين المشكلين وحلهما يصبح ممكناً وجائزاً أن نفهم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على النحو الآتي: قبل سنة 1948 كانت "جماعة قومية عربية" تعيش في أرضٍ ليست بوطنها القومي، هي "أرض إسرائيل"، فتركوها، وذهبوا إلى أراضي دول عربية؛ والحل لمشكلتهم، بالتالي، لا يكمن في عودتهم إلى حيث كانوا، وإنَّما في توطينهم حيث هُم الآن، مع تعويضهم مالياً عن بيوتهم وممتلكاتهم في "أرض إسرائيل". ولتأسيس "شرعية دولية" لهذا الحل للمشكلتين يُفَسِّر قرار مجلس النواب الأمريكي قرار مجلس الأمن الرقم 242 على أنَّه دعوة دولية إلى "حلٍّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين واليهود"؛ ذلكَ لأنَّه تحدَّث عن "اللاجئين" على وجه العموم، ولم يَقُلْ إنَّ هؤلاء اللاجئين هُمْ الفلسطينيون حصراً. هل اتَّضَحت الآن "الصورة"؟ إنَّ كل ما أرادوا توضيحه من خلال قرار مجلس النواب الأمريكي هو أنَّ كلا اللاجئين (اللاجئ اليهودي واللاجئ الفلسطيني) قد ترك "منزلاً" له في أراضي دولة ليست بوطنه القومي؛ وعليه، لا بدَّ من أن يعوَّض عن ذلك مالياً، على أن يبقى حيث هو الآن، فوطنه القومي الأصلي ليس حيث كان! هذا إنَّما هو جوهر ومغزى القرار الذي يحوضُّننا على التعامل معه بذكاء وإيجابية، وعلى فهمه على أنَّه إقرار من قِبَل مجلس النواب الأمريكي بفشل المشروع الصهيوني في فلسطين، ومطالبة، من قِبَلِه أيضاً، بعودة اللاجئين اليهود إلى حيث كانوا قبل قدومهم إلى إسرائيل!
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|