مفتاح
2025 . السبت 7 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

منذ طفولتنا المبكرة والمتأخرة ونحن نعيش حياة البؤس، والحزن، والألم، والمفاجآت غير السارة.. حتى أن الفرح والسرور هو الاستثناء في حياتنا. وليس أدل على ذلك من تلك العادة التي تناقلناها، جيلاً بعد جيل، وهي إذا ضحكنا و/أو فرحنا علينا أن نقول: «اللهم أعطنا خير هذا الضحك.. اللهم عافنا من خاتمته». ويأتي ذلك الدعاء على قاعدة الخوف مما يخبؤه القدر لكل من يضحك أو يبتسم!!

لقد جاءت ثقافة الخوف الدائم والقلق من المستقبل، نتيجة تراكمات حملتها النكبات المتتالية، والهزائم المتتابعة منذ مئات السنين.. فمنذ الانتصارات التي حققها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله والأمة تعيش النكبات والهزائم المتتابعة.

أما جيلنا، والجيل الذي سبقنا، فقد تعززت لدينا ثقافة الخوف من القادم من خلال علاقتنا مع الاحتلال، إذ أن السائد مع هذا الاحتلال هو أن نعيش الخدعة تلو الأخرى. فكلما أُعلِن عن تسهيلات على الحواجز تُفاجَأُ بأن من يمر على تلك الحواجز يتعرض لمستويات أكثر قسوة من الاهانة، والتأخير، والحجز المطول... الخ. وكلما أُعلِنَ عن تبييض السجون تُفاجأ بأن السجون قد امتلأت بأبنائنا حتى أنها تضيق بهم.

وكلما أُعلِنَ عن وقف الاستيطان تُفاجأُ بتوسعة المستوطنات وتسمينها؛ بمضاعفة عدد المساكن فيها، وزيادة مساحة الأراضي المصادرة بالقوة لصالح تلك المستوطنات. وكلما أُعلِنَ عن تهدئة ما، أو وقف لاطلاق النار تُفاجأُ بأن أعداد الجثامين التي تتوالى على ثلاجات الموتى يتضاعف ليتضاعف أعداد الشهداء، والجرحى والمعاقين.. والمشاهد متعددة يصعب حصرها.

قبل بضعة أيام عايشنا مؤتمر القمة العربي الذي حمل الرقم (20)، والذي تعمق فيه الشرخ بين الأخوة، الذين نعتقد بأنهم هم العمق الحامي لنا في المحن والأزمات، وقد أدت «الشروخات» المختلفة والمتعددة التي تعاني منها الأمة إلى أن تصبح قضيتنا، بالنسبة للحكام من أبناء جلدتنا، في حكم المنتهية أو أنها تقع في ذيل سلم الأولويات للأنظمة العربية الرسمية. وأقل ما يُقال حول هذا المؤتمر أنه مضحك-مبكي، مفرح-مؤلم، محبط-مؤمل.. ففيه كل ما يخطر على بالك من المشاعر المتناقضة التي تجعلك تتحرك وسط ألغام زرعها الاستعمار، والجهل، والتخلف، والإصرار على التخلف والتبعية..

بالرغم من الصورة المأساوية التي عبر عنها المؤتمر، وبالرغم مما تعيشه القضية الفلسطينية في عمقها العربي، إلا أن وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندوليزا رايس) حضرت إلى المنطقة في اللحظة التي وصل فيها المؤتمر العشريني إلى ذروته. ولعل رايس قد تخوفت من أن يكون للمؤتمر فعل ما، مباشر أو غير مباشر، اتجاه الشعب الفلسطيني، فسارعت بالحضور إلى المنطقة لتدخل في المزاد العلني حول استحقاقات المرحلة، والأثمان التي يعرضها المزاودون للحصول على الصيد الثمين، ألا وهو: المحافظة على أمن اسرائيل وتحرير سكانها من الخوف والقلق والهلع والازعاج..

وبعد أَخذٍ ورَدٍ تمخضت زيارة رايس تلك فَوَلَدَت ما لا يخطر على بال كل من سبقوها بأن توقعت «أن تقوم إسرائيل بـخطوات ذات معنى لتحسين حياة الفلسطينيين»، وقالت خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني إنه «يتعين على الفلسطينيين بالمقابل، تحسين الأوضاع الأمنية بالنسبة لإسرائيل».[1]

أما النتيجة فكانت الاعلان عن نية اسرائيل إزالة أكثر من (50) حاجزاً (!!). وعندما سمعنا بالخبر أغرقنا في الضحك، وهو من نوع الضحك الذي نُتبعه بالتوجه إلى الخالق، جل شأنه، أن يعافينا من تبعاته. وهكذا كان إحساسنا صادقاً؛ فالخبر لم يكن سوى كذبة، من العيار الثقيل، وذلك للأسباب التالية:

v أن عدد الحواجز المعلن عن النية لإزالتها هو أقل بكثير من (عُشْرِ) العدد الإجمالي للحواجز الثابتة التي تخنق أبناء شعبنا، وتعيق حركتهم، وتمتهن حريتهم.

v أن ما سمي بالحواجز لم يكن حواجز فعلية، من النوع الذي نعرفه، بل هي أكوام ترابية على مداخل بعض القرى في شمال الوطن. أما الحواجز الرئيسية، التي تعيق كل شيء، فلم ولن يتم إزالتها، بل أنها أصبحت ما يشبه الحدود الدائمة التي لا يمكن المساس بها.

v حتى تلك الأكوام الترابية، والتي لن تعني إزالتها الكثير من الأمل بالمستقبل، فإن العزم على إزالتها قد تعرض لهجمات من شخصيات إسرائيلية مختلفة؛ بحجة أنه في «حال إزالتها فإن إسرائيل قد تصبح في خبر كان»!!

v في النهاية، لن تُزال الحواجز طالما أن اسرائيل تهيمن على كل شيء، وطالما أن «القبان يميل لصالحها»، وطالما أننا أصبحنا نختلف حول الثوابت، وحول الحد الأدنى.

أما الأدهى والأمَرُّ فإن كذبة إزالة تلك الأكوام الترابية قد صاحبها قرارات ببناء أكثر من ألفي وحدة سكنية، وتوسعة الجدار، ومصادرة المزيد من الأراضي، والمزيد من الأحكام الجائرة بحق أسرى الحرية والاستقلال من أبناء شعبنا، وأَسْرِ المزيد من أبنائنا وبناتنا الذين يضافون للآلاف العشرة الرابضون خلف القضبان. تلك القرارات التي تُمَرَّرُ كـ «همسة» وسط «ضجيج إزالة الحواجز»، الذي تناغمت الدبلوماسية الأمريكية على وقعه، لتقول للفلسطينيين: «لقد أحضرنا لكم الدولة التي بها تحلمون!»

إن المراقب لهذه الأحداث يجد نفسه أمام كمٍ هائلٍ من الأسئلة/ التساؤلات، منها: هل أن إزالة الحواجز، الموصوفة أعلاه، يشفع لاسرئيل اتخاذ كل تلك القرارات التي «تكسر ظهرنا»؟ وهل أن ضمير السياسة الخارجية الأمريكية مرتاح لنتائج جولات رايس في المنطقة؟

لو أُجري استفتاء على الشعب الفلسطيني لكانت النتيجة أن الشعب سيقول: لا لإزالة الحوجز التي سَيُمَرّر عبرها ما يؤدي إلى اتساع الجرح الفلسطيني النازف منذ قرن من الزمن.

أما «باتريك سيل»[2] وهو كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط، فقد أدلى بدلوه حول ما آل إليه الوضع الفلسطيني، بطرح السؤال التالي: إلى متى سيتحمّل الفلسطينيون ظروف حياتهم الحالية المريعة - واحتضار الحلم بالعيش في دولة - قبل أن ينفجروا؟ وفي ختام مقاله يقول باتريك سيل: (...) لا عجب بالتالي أن يكون الخيار المتاح أمام الفلسطينيين هو بين الاستسلام الذليل والمقاومة المسلّحة. ففي الحالتين يبدو المستقبل قاتماً. لقد أصبح قيام الدولة الفلسطينية سراباً يتلاشى في البعيد كلما تم الاقتراب منه.

[1] عن: معاً، مساء 30/3/2008م

[2] انظر مقال باتريك سيل في (شبكة معاً)، بعنوان: سقوط حلّ الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، 5/ نيسان/ 2008م.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required