قبل أربعة عقود زمنية ونيف, أنشئت هنا في القدس ومن على جبل الزيتون منظمة التحرير الفلسطينية عبر المؤتمر الفلسطيني الاول لتباشر مسؤولياتها ولتباشر تمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وفي الشتات. وكسبا لثقة الشعب الفلسطيني ومتابعة حركته النضالية المسلحة والعمل على استمرارها وتصعيدها بما يحقق الدفع التحريري لدى الجماهير حتى النصر( م 3 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية). انخرط في المنظمة التي أسسها أحمد الشقيري في العام 1964 بدعوة من جمال عبد الناصر أثناء عقد مؤتمر القمة العربي الأول في ذات العام, كثير من الفلسطينيين, وما لبثت أن استولت جميع فصائل وحركات التحرير الفلسطينية على المنظمة ولجنتها التنفيذية. ولم يبق خارجها أحد, مع ملاحظة أن حماس والجهاد الإسلامي لم تكونا موجودتين آنذاك, ولم تكونا قد أسستا بعد. بذا غدت منظمة التحرير الفلسطينية ( المنظمة ) الإطار الأكبر والأوسع والأهم لتمثيل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية وبخاصة بعد مؤتمر الرباط في العام 1974. وأصبحت المنظمة الناطق الوحيد باسم الشعب الفلسطيني. وكانت تعقد مجلسا وطنيا إثر آخر رغم ضخامة العدد الذي يتشكل منه حيث بلغ 397 عضوا, وتتخذ فيه القرارات السياسية. ويتخلل ذلك اجتماعات مستمرة للجنتها التنفيذية. وبين هذا وذاك كانت دوائرها الإثنتي عشرة المتعددة الإختصاصات, تقوم بأنشطة مختلفة وثرية. وكان وجودها على الساحة ملموساً ومحسوساً. بقيت المنظمة في صعود وهبوط في مركزها الدولي, وفق الأوضاع السياسية التي شهدتها المنطقة, وبخاصة بعد تحرير الكويت وأزمة الخليج. إلى أن عقدت منظمة التحرير اتفاقا مع الحكومة الإسرائيلية في العام 1993 وعرف فيما بعد بإتفاقيات أوسلو, حيث شمل إعلان المبادىء واتفاقيات القاهرة وواشنطن فيما بعد.منذ ذلك التاريخ بدأ يتغير كل شيء. قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير وهو هيئة وسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية في العاشر من شهر تشرين ألاول من العام 1993 بتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية ( السلطة ) من عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية وآخرين من الداخل والخارج. وتكون رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في يد الرئيس ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة. الناظر لحال المنظمة بعد هذا التاريخ يكاد يصاب بالصدمة لرؤية حالها ومن انقلاب أوضاعها رأسا على عقب. بل يرى اختلالا واضحا وفاضحا في ميزان القوى بين المنظمة والسلطة. فبعد أن كانت المنظمة مصدر قيام السلطة وهي التي اتخذت قرارا بإنشائها, غدت السلطة هي الممثل الشرعي والوحيد ونحت جانبا المنظمة, بحيث يمكن القول أن اختطافا قانونيا قد تم في العلن وليس سرا من قبل السلطة للمنظمة. وجرى تحول بارز وواضح بين أهل الخارج والداخل بحيث أصبحت الوظيفة والدخل والعمل لمن يدخل من الخارج. ومن بقي في الخارج عوقب بالتقنين في وقت كان من أصعب الأوضاع المالية أساسا. بل إن المانحين في بداية تشكيل السلطة طلبوا صراحة وضمنا عدم تحويل أي جزء من أموالهم لأنشطة المنظمة أو فلسطينيي الخارج أو السفارات أو المخيمات تقدمة لشل أنشطة المنظمة وإنهاء وجودها . وتوقفت ضريبة الخمسة بالمائة من رواتب وأجور الفلسطينين في الخارج. وبدت أجهزة المنظمة تذوي وتخور. وبدأ التثاقل والتثاؤب يدب في أنشطة المنظمة وأشخاصها. وبدت دوائر المنظمة التي كانت تعج بالنشاط وفق معاييرهم تصاب بالوهن والضعف وتحل محلها دوائر السلطة في النشاط والفرص والثراء. وما لبثت أن غدت السلطة هي اللاعب الأقوى في المحفل الإسرائيلي والعربي والدولي, وتراجع دور المنظمة ورجالاتها في الخارج . بل غدا السفراء الفلسطينيون ينتظرون ماليتهم من خلال ميزانية السلطة وقنواتها, وإن لم تقدم لهم السلطة مالا فقل يا رحمن يا رحيم. وليس سرا أن الكثيرين منهم عملوا في أعمال لا تمت للعمل الديبلوماسي بصلة من أجل تمويل أنشطتهم وبخاصة أن أوضاعا صعبة مالية مرت على السلطة ذاتها قبل وقت ليس بقصير. رافق هذا الوضع جمود في الهياكل الرئيسة للمنظمة وبخاصة المجلس الوطني المغيب والمجلس المركزي الذي يفترض فيه أن يجتمع كل شهرين مرة في وقت عياب المجلس الوطني الفلسطيني, فضلا عن غياب اللجنة التنفيذية ذاتها وعزوفها عن القيام بدورها كسلطة عليا لمنظمة التحرير واضعة للسياسات والخطط وكممثلة وحيدة للشعب العربي الفلسطيني وكأنها تنازلت عن ذلك الدور لصالح مجلس وزراء السلطة. فضلا عما اصطلح بتسميته تعديل الميثاق الوطني في اجتماع غزة وتلك الأسئلة الحائرة التي تتعلق بالألفاظ والعبارات والشعارات النضالية الموجودة بكثرة على الساحة اللفظية في نظام منظمة التحرير الفلسطيينة والميثاق الوطني الفلسطيني مثل العمل الفدائي والتحرير والكفاح المسلح واسترداد فلسطين وحرب التحرير الشعبية وما شابه ذلك من ألفاظ. يقابل ذلك انتعاش وازدهار بالمفردات السياسية السلطوية بل احتكار للسلطة السياسية بكل مظاهرها من قبل السلطة الوطنية سواء في إطار منصب رئيس السلطة الوطنية أو في إطار منصب رئيس الوزارة. ليس هذا بكاء على الأطلال ولا نبشا للقبور ولا عودة للماضي ولا طلبا لمطلب خاص ولا تحبيذا أو تفضيلا لوضع دون آخر, بل هو دعوة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتوزيع الإختصاصات بين المنظمة والسلطة في ظل المستجدات الضاغطة والمبادىء الوطنية الفلسطينية وثوابت النضال الوطني الفلسطيني. فالتنافس بين الجهتين ضار ولا يخدم القضية الفلسطينية , وتهميش جهة على حساب جهة أو مخاصمة جهة على حساب جهة أمر يضر ولا ينفع. هذا مطلب لإعادة بناء المنظمة بشكل ديموقراطي والتحرر من نظام الكوتة القديم والمحاصصة فهي صاحبة الشرعية العربية والدولية عملا بقرار القمة العربية والمجتمع الدولي. هذا مطلب لإختصار عدد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني لأقل من النصف بل يكفي الثلث من حوالي سبعمائة عضو. تخيلوا معي أن أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الحاليين هم أكثر من أعضاء مجلسي الكونغرس الأمريكي مجتمعين.هل يعقل أن نكون بهذا الكرم الحاتمي في قضية سيادية أم أن الموضوع لا يخرج عن منح الأوصاف والمناصب والإمتيازات!! يبدو أن منظمة التحرير الفلسطينية قد شاخت وأدركها الوهن وعجزت عن القيام برسالتها المتمثلة بالتحريرلفلسطين جزئيا أو كليا. لذا لا بد من إعادة بناء المنظمة بشكل ديموقراطي, وضخ دماء جديدة من كل الأنواع في عروقها. لا بد من تقوية المنظمة ومن تقوية السلطة بشكل متواز وليس واحدة على حساب الأخرى . لا بد من التوقف عن اختزال العمل الوطني في نظام الكوتة والمحاصصة وكأن الكفاءات محصورة في أولئك دون سواهم. لا بد من إحياء جميع هياكل المنظمة بعد دراستها وتعديلها بما يحقق فاعليتها فعلا وليس رقما فالكيف هو المهم وليس الكم. المطلوب فكر تنفيذي جديد يرى المشاركة في السلطة السياسية مطلبا مقبولا وواقعا, ونفيا لإحتكارها من جهة واحدة. وفي النهاية قبول للآخر وربط وثيق بين أنشطة المنظمة والسلطة ومجالات عمل كل منهما وليس تبديدا لجهودهما إن لم نقل تناحرهما. القدس
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|