مناطق التوتر والصراع واللااستقرار والمواجهة، وكل معاني التراجع والهزيمة والمآزق المتتالية، لم تعد محصورة في فلسطين، أم القضايا الجوهرية، بل امتدت لتشمل كل العواصم العربية كافة من دون استثناء، بطريقة أو بأخرى. فالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتوالى كأمواج تسونامي، لكن البطء والتدرج الذي تقتحم فيه هذه الأعاصير السواحل العربية السياسية، يجعلها لا تظهر كالبرق أو لا تنزل كالصاعقة، وإذا نزلت كالصاعقة كما في العامين 1948 و1967 أطلقوا عليها نكبة أو نكسة، تفاؤلا بالمستقبل الذي سيحول النكبة والنكسة إلى انتصار، لكن مرت عشرات السنين ولم يتحقق انتصار واحد، باستثناء بعض المعارك هنا وهناك، التي تم تفريغها من محتواها عن طريق المؤتمرات السلمية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، ومن دون ذلك فالعالم العربي يعيش تراجعا تدريجيا منذ نكبة فلسطين. وفي حرب 1967 احتلت اسرائيل ما تبقى من فلسطين، وهي الضفة الغربية التي كانت تحت الإدارة الأردنية، وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية، ومعهما مرتفعات الجولان. وهكذا، تعمقت الهزيمة، ومنذ ذلك اليوم، والعرب حائرون في ما بينهم، مرتبكون أمام العالم، والأسباب بات يعرفها الجاهل والعالم، لكن أهمها، ولا بد من ذكره، يعود إلى عدم التنسيق والولاءات الخارجية، بالضبط كما يحدث الآن. إن نظرة واحدة إلى الخريطة العربية، نكتشف أنها مثقوبة ومنهوبة ومسلوبة ومستلبة، الثورة الفلسطينية بعد خروجها من بيروت وعودتها إلى غزة أعلنت رفعها لغصن الزيتون الذي تجاهلته اسرائيل، ولم يعد يجد النضال من الداخل، لأسباب تتعلق بالجغرافيا والتضاريس والمحيط السياسي والعسكري والشرذمة المعهودة في الصف الفلسطيني، ولا ضوء في نهاية النفق. العراق تم احتلاله وتدميره ويعيش أسوأ حالاته منذ مئات السنين، إنه بلد مسلوب الإرادة، تحاول المقاومة جهدها مقارعة أعتى جيوش العالم، لكن صوتها لا يكاد يسمع وسط التناقضات الطائفية والسياسية والولاءات الداخلية والخارجية، ولا شيء يبشر بقرب حل للعراق. ولهذا، فإن الشعب العراقي اختار منذ خمس سنوات طريق الهجرة إلى الخارج، والبحث عن جنسية أخرى. أما لبنان، هذا الذي يعيش منذ شهور بلا رئيس، فيجلس على فوهة بركان طائفي، ويتعرض إلى زلزال لم يدركه السياسيون بعد. والسودان يعاني من مشاكل عدة، التمرد في الجنوب وقضية دارفور والصراع على السلطة وعلى النفط. واليمن يقارع الحوثيين ويتعرض لخسارات يومية، والجزائر تعيش تحت وطأة العنف والقتل. وليبيا تحولت من مساعدة حركات التحرر العربية إلى المناداة بالوحدة الإفريقية والتفاهم مع الغرب. والصومال يعيش دماراً وفلتاناً كبيرين، وسوريا تتعرض لهجمات شرسة داخلياً وخارجياً، والمؤامرات ضدها لا تتوقف، ناهيك عن أزمتها الداخلية وأزمتها مع لبنان وأطراف عربية أخرى، وظهر هذا جليا في مؤتمر القمة. ودول الخليج تعيش مأزقا لم تمر به منذ استقلالها، فهي تعيش هاجس المحافظة على التنمية التي حققتها، وتأمين مستوى من الدخل يضمن لها الاستمرارية، وبين التحالفات في المنطقة، ومشاكلها مع إيران، ومشاكل الأخيرة مع أمريكا والمجتمع الدولي. وكل العالم العربي يعيش تراجعا في الحياة الاقتصادية، فعواصمه إما مديونة أو فقيرة أو متخلفة أو مرهونة، والعولمة وثورة الاتصالات والانفتاحات غير المدروسة تلقي بأزماتها اليومية. والغلاء، آخر وحش يجتاح هذا الوطن من أقصاه إلى أقصاه، يزيد الغني ثراء والفقير فقرا، إضافة إلى التراجعات في مبدأ الإيمان بالقومية العربية، حتى بات من يتحدث في الوحدة العربية أقرب إلى الحالمين. بكل مباشرة ووضوح، العرب يحصدون ما اقترفته سياساتهم منذ ستين عاما، حين أضاعوا فلسطين، لأن وجود اسرائيل ووجودها على أرض فلسطين، يمثل حاجزافي قلب الوطن العربي، يمنع تواصله ويؤخر نموه، ويعمل على خلق البلبلات والفتن وإثارة النعرات هنا وهناك، عن طريق الحروب أو الاختراقات، ورغم ذلك، باتت اسرائيل أمرا واقعا، لا أحد يجرؤ على تسميته بالخصم، بل انها تكاد ان تنجح في تحويل نفسها إلى خصم ثان، لتضع إيران عدوا أول للعرب. إن استمرار الحال من المحال، فلا يمكن أن يستمر الحال في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق كما هو عليه إلى ما لا نهاية، وهذا التوتر لا بد أن يقود إلى حدث كبير، ربما الحرب بين لبنان وسوريا وفلسطين من جهة، والجانب الاسرائيلي من جهة أخرى، ولن تحدث حروب منفصلة، لأن الشرارة هذه المرة ستصل إلى كل العواصم المجاورة، وإذا ما نشبت حرب بين لبنان والجانب الاسرائيلي على سبيل المثال، ستدخل سوريا، أو ستجد نفسها متورطة بالحرب تلقائيا، وستمتد هذه الحالة إلى العراق، لأن القوات الأمريكية في العراق لن تقف مكتوفة الأيدي، وهكذا ستشتعل المنطقة، وربما ستنتقل الشرارة إلى الخليج العربي، لأن إيران مرتبطة بمعاهدات دفاع مع سوريا، ناهيك عن علاقاتها مع حزب الله في لبنان، وهذا سيقود إلى حرب إيرانية أمريكية اسرائيلية، ستثير موسكو التي ستبحث عن دور لها في المنطقة، وربما تنشب حرب عالمية ثالثة. استبعدنا خيار السلام لسبب بسيط هو أن وجود اسرائيل في الوطن العربي لم يكن بهدف العيش بسلام ولكن بهدف إبقاء المنطقة في حالة حروب، ويمكن أن تعيش المنطقة بسلام إذا قبلت أن تكون تحت السيطرة الاسرائيلية. عندئذ، تكون الساعة قد اقتربت، وستنشب الثورات، وسيسعى العرب لنيل استقلالهم من جديد. العرب، مرة أخرى، يحصدون ثمار سياساتهم تجاه القضية الفلسطينية، فهل ستستمر هذه السياسات، خاصة وأن كل العواصم حاليا تعاني من المأزق المصيري؟ باختصار، إذا أراد العرب النجاة، عليهم أن يتمسكوا بالقشة الفلسطينية، وتركهم لها ستطبق المثل القائل، القشة التي قصمت ظهر البعير، عندها لن يجد العرب لا قشة ولا بعيراً..
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|