مفتاح
2025 . الأحد 8 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لم يعد الوضع المأساوي في قطاع غزة، خافياً على أحد، فلقد دخل منذ بعض الوقت إلى قلب الكارثة، ولم تعد الحياة فيه تطاق، مدير عمليات وكالة الغوث جون كينج اضطر مرة أُخرى خلال فترة قصيرة إلى أن يعقد مؤتمراً صحافياً رفع خلاله الصوت عالياً، مبيناً الكثير من الوقائع والتفاصيل التي يفترض بها انها تحرك الحجر، ولكنها لا تحرك البشر.

ما يتحدث به كينج يشكل شهادة، لكنه لا يشكل شفاعة لدى من أغمضوا عيونهم، وصموا آذانهم عن رؤية وسماع صراخ المعذبين الذين يدفعهم الحصار إلى خارج العصر. ثمة من يأكلون ويشربون، ويرسلون اولادهم إلى المدارس والجامعات، ويتحركون، لكن هؤلاء ليسوا أكثر من نخبة فالأكثرية الساحقة من سكان القطاع، يعانون حقاً من الجوع، وفقدان الحد الأدنى من الخدمات خصوصاً الصحية، وفقدان القدرة على الحركة ويعانون من موت مجاني، ونقص فادح في الدواء، ومن غلاء فاحش ومتزايد لا يرحم، ونقص كامل في كل أنواع الوقود بما في ذلك الغاز المنزلي.

أول من أمس، نظمت ثماني مؤسسات كبيرة من منظمات المجتمع المدني مؤتمراً حول واقع الحريات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والاعلامية، والجندرية، فضلاً عن الحماية القانونية، كان من المتوقع ان يكون حاشداً، لو أن موظفي هذه المؤسسات وحدهم من حضر المؤتمر. انعقد المؤتمر في موعده، ولكن بحضور ليس كبيراً، بسبب صعوبة المواصلات وربما ايضاً تحت وطأة الخوف. وقد لوحظ عموماً ان الناس بدؤوا يتكيفون بصورة سلبية مع الوضع الذي يتدهور بشكل مضطرد، فيما يبدو انه يعبر عن انغلاق الخيارات، او صعوبتها، ويأس مغمس بالشعور باللاجدوى، فالمسؤول أيضاً لا يعير أي انتباه لشكاوى المواطن أو النخبة أو حتى المؤسسات بما في ذلك مؤسسات حقوق الانسان.

اليوم هو يوم الاسير الفلسطيني، الذي اعتمدته أيضاً الجامعة العربية، ويفترض ان تشهد فيه الاراضي المحتلة، اشكالاً مختلفة من النشاط والفعالية، غير ان واقع الحال، وصعوبة الاتصال والانتقال والحركة، في قطاع غزة ستحيله الى يوم لاصدار البيانات والتصريحات وربما بعض النشاطات المحدودة.

وعلى اتصال بهذه المناسبة التي تستحق اهتماماً كبيراً وواسعاً تجري التحضيرات على غير صعيد، ومن قبل فصائل ومؤسسات وجهات عديدة لإحياء الذكرى الستين للنكبة، على المستوى الذي يقابل الاهتمام الاسرائيلي بالاحتفال بذكرى قيامها، غير ان صعوبات الوضع في القطاع، ستؤثر في مستوى وطبيعة وحجم النشاطات.

لا يتصل الأمر فقط بالعوائق المادية، وانما ايضاً، بضيق مساحة الحرية المتاحة، للقيام بنشاطات ذات طبيعة شعبية واسعة، حيث لا تفضل حركة حماس مثل هذه النشاطات الواسعة، حتى لا يتكرر مشهد الثاني عشر من تشرين الثاني، يوم احياء الذكرى الثالثة لرحيل الزعيم ياسر عرفات، ولأن الوضع فعلاً على حافة الانفجار.

مع ذلك يبقى السؤال مرفوعاً، كيف ومتى يمكن ان يرفع هذا الحصار؟ ففي ظل تجاهل اسرائيل والمجتمع الدولي وحتى الجامعة العربية لما تتحدث عنه التقارير المتواترة، وكثير منها تقدمه مؤسسات دولية، وما تتحدث عنه باستمرار وسائل الاعلام، في ظل هذا الوضع، يترتب على حركة حماس ان تجيب عن السؤال باعتبارها المسؤولة والمسيطرة على قطاع غزة.

هل تكفي التصريحات، والاحتجاجات والشكاوى، وصب اللعنات على الآخرين فيما يتمنع مئات الآلاف أو يمنعون من الخروج الى الشوارع، كأفضل وأقوى وسيلة، لتوصيل رسالة المكتوين بالكارثة؟ هل يكفي ان نلقي اللوم هنا وهناك، وان نشرح لمن يسمعون ويقرؤون ولا يرغبون في الاستجابة، بأن ما تقوم به اسرائيل يشكل انتهاكاً لأبسط القيم والمعايير الدولية، وانها تمارس العقاب الجماعي بحق مليون ونصف المليون فلسطيني؟

لقد مر على الحصار اكثر من سنتين، أي منذ تشكيل الحكومة العاشرة من قبل حركة حماس وكنتيجة للانتخابات، ثم جرى تصعيده وتشديده، إلى ان اتخذ طابع العزل الكلي والشامل مع قيام حماس بانقلابها قبل عشرة أشهر.

خلال هذه الفترة، تعرض القطاع إلى عملية تدمير شاملة، متدرجة ومنهجية، طالت أبسط وأول حقوق الانسان وهو الحق في الحياة، فلقد جرى تدمير القطاع الزراعي، والصناعي، وانهار القطاع الخاص، وانضم الآلاف الى العاطلين عن العمل، حتى لم يعد ثمة من يحصل على دخل سوى من يتلقون الرواتب، من العاملين في السلطة، وموظفي الحكومة المقالة، والمتفرغين في الفصائل بمن في ذلك من ينتسبون للكتائب بأنواعها، والعاملون في وكالة الغوث، وبعض ما تبقى من مؤسسات دولية فضلاً عن العاملين في مؤسسات المجتمع المدني.

هذا يعني ان نسبة البطالة تتجاوز معدل 40%، أما الفقر فأمره مختلف حيث إن بعضاً ممن يحصلون على دخل شهري، لا يسد الحد الأدنى من احتياجاتهم في ضوء تقدم غول الغلاء المستمر، ما يرفع نسبة الفقر والفقر المدقع الى ما ينوف على 75%.

يستطيع الفلسطيني ان يتحمل الحصار والعدوان، وان يدفع ثمن خياراته، ولكن السؤال، هل يستطيع الفلسطيني او يترتب عليه ان يتحمل ثمن الانقسام والصراع الداخلي، ومصادرة الحريات، والضغوط الداخلية المتنوعة؟ نعم، قد بلغ الأمر في القطاع على حدود الانفجار، لكن احداً لا يعرف كيف ومتى، وبأية اشكال، سيعبر الناس عن رفضهم لهذا الواقع، المفتوح على المزيد من الآلام.

في علم السياسة، متاح ان يتم التفكير بمعالجة أزمة، بافتعال أزمة أخرى، ولكن مثل هذا التكتيك لم يعد ينفع في حالتنا، حيث إن أية أزمة جديدة من شأنها ان تعمق الأزمات القائمة، ولذلك، بات من الضروري الذهاب إلى الخيار الأساسي، وهو البحث الجاد والمسؤول، عن كيفية استعادة الحوار ولم الشمل. في كل الحالات ندفع ثمناً كبيراً، لكن ثمن الذهاب للحوار، هو الأقل كلفة فلماذا يستمر؟ والى متى العناد والاصرار على المواقف ذاتها؟.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required