كان لنقاش واقع الحريات الإعلامية، وواقع الإعلام ككل في فلسطين في ظل الانقسام والاقتتال الداخلي حيز من مناقشات المؤتمر الإعلامي الفلسطيني الثاني الذي نظمته شبكة أمين الإعلامية بين الأول والثالث من شهر أيار الحالي في مدينة أريحا، وتركزت النقاشات على واقع الحريات الإعلامية في فلسطين في الفترة التي تلت أحداث قطاع غزة والتي كانت نتيجتها سيطرت حماس والحكومة المقالة على القطاع، وتشكيل حكومة جديدة في الضفة الغربية وإعلان حالة الطوارئ فيها أيضاً، وقد أجمعت الآراء أن حرية الإعلام كانت إحدى ضحايا هذه الأحداث ومخرجاتها على الأرض، ولكن هذا لا يعني أنه قبل الأحداث كانت الحريات الإعلامية بخير، ولكن لم تكن بنفس درجة السوء بعد أحداث غزة، واعتبر المتحدثون أن الواقع الفلسطيني في هذا الموضوع هو جزء من الواقع العربي في محاربة الحريات الإعلامية مشيرين في هذا السياق لوثيقة (مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي والإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية) التي اعتمدها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم في تونس في شهر شباط من هذا العام، والذي شاركت فيه فلسطين عبر وزير إعلامها الدكتور رياض المالكي. وواقع الحريات الإعلامية في فلسطين ينطبق عليه بيت الشعر القائل" حرامٌ على بلابله الدوح حلالٌ للطير من كل جنس"، فالإعلام الأجنبي ومنه الإسرائيلي يعملان في فلسطين بكل حرية وديمقراطية وينقلون الأخبار والقصص بالشكل الذي يريدون دون مضايقة أو تعقيدات، ففي المقاطعة لن تفاجأ إن شاهدت الصحفي الإسرائيلي يورام بنور يتحرك بحرية مطلقة في ساحة المقاطعة في رام الله بشكل قد لا يحظى به في ساحة الكنيست الإسرائيلي، وسليمان الشافي مراسل التلفزيون الإسرائيلي في قطاع غزة يعمل بحرية مطلقة في قطاع غزة، وشاهدناه أكثر من مره يتجول مع المقاومين ويصور عمليات إطلاق الصواريخ بشكل مباشر، هذا في الوقت الذي يتعرض فيه الصحفيون الفلسطينيون للضرب والتنكيل في تغطية أية مسيرة أو احتجاج والشواهد كثيرة في على دوار المنارة وفي الخليل وفي غيرها من الأماكن، وفي قطاع غزة الأمر لا يختلف كثيراً إن لم يكن أسوء بكثير من الضفة الغربية، ولم يقتصر قمع الحريات على المستويات الرسمية بل كان للمسلحين وبعض أجنحة الفصائل دور في عملية قمع الحريات في حال قيام الإعلام ببعض ما لا يروق لهم، ويكشف حقيقتهم وزيف إدعائتهم النضالية. وعند المقارنة في موضوع الحريات وواقع الإعلام بين شقي الوطن تجد الكثير من نقاط التقاطع بين الموقعين، ففي قطاع غزة يعتقل الصحفيون، وتغلق الصحف وتمنع من التوزيع فجريدة الأيام منعت لشهور، والحياة لا زالت ممنوعة في قطاع غزة، وعقدت محاكمات لرئيس تحريرها، وتلفزيون فلسطين ممنوع من تغطية الأحداث هناك حتى ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي الضفة الغربية هناك قائمة قمع للحريات موازية لما يجري في قطاع غزة، فصحيفة الرسالة وصحيفة فلسطين اليوم وفضائية الأقصى التابعات لحركة حماس ممنوعات في العمل في الضفة الغربية، وهناك عدد من الصحفيين كذلك اعتقلوا مرات عديدة كونهم محسوبين على حماس، بمعنى آخر تأخذ عملية قمع الحريات في فلسطين منهج الندية بين طرفي الصراع في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا ما أشار له الإعلاميين المشاركين في المؤتمر الإعلامي الفلسطيني الثاني. وجاءت ورقة العمل الذي قدمها الصحفي غازي بني عودة في المؤتمر لتؤكد على عدم سلامة واقع الحريات الإعلامية في فلسطين ، وحتى الواقع الإعلامي برمته، فقد أشار لوقوع (110) انتهاكات طالت أعداد كبيرة من الأفراد والمؤسسات خلال الشهور السبعة الماضية، من مجمل هذه الاعتداءات كان (77) اعتداء بأيدي فلسطينية، وجاء موقع فلسطين في المرتبة (156) على المستوى العالمي من حيث درجة الحريات الإعلامية، ولم تترك فلسطين خلفها سوى (11) دولة فقط، مع العلم أنه في العام الذي سبق كان موقع فلسطين في المرتبة (134) مما يعني تراجُعنا إلى الخلف في هذا المجال بشكل كبير ولا فت للنظر. والحديث عن الحريات الإعلامية قاد للحديث عن واقع الإعلام ودور الإعلاميين وموقفهم من حالة الانقسام والاقتتال الداخلي، وعبر عن هذا ما قدمه السيد محسن الإفرنجي من قطاع غزة في ورقة العمل الخاصة به عن واقع الإعلام في قطاع غزة، حيث بين أن " واقع الإعلام في قطاع غزة في ظل الحكومة المقالة لا يختلف عن واقع الإعلام في الضفة الغربية، ولا حتى قبل سيطرة حركة حماس"، والأخطر في الموضوع أنه تحدث عن الإعلاميين الفلسطينيين بأنهم لم يعدوا ضحايا أبرياء، بل أنهم باتوا جزء من الأزمة،"لا بل ساهموا في صناعة الأزمة"، ووصف الخطاب الإعلامي بأنه "خطاب تحريضي متبادل"، ويعمل هذا الإعلام على توظيف الأحداث، ويعتمد الإعلام الفلسطيني الانتقائية في العمل الإعلامي، ويتبع أسلوب التقديم الناقص للأحداث لخدمة طرف سياسي على حساب آخر. بكلمات أخرى كل ما قيل عن عدم سلامة واقع الإعلام الفلسطيني وواقع الحريات الإعلامية في فلسطين في المؤتمر كان دقيقاً، واعتراف الإعلاميين بهذا الواقع قد يشكل خطوة أولى للسير بالاتجاه المعاكس لهذا الواقع للبدء بالخروج منه باتجاه إعلام مهني وحر يعمل على نقل الحدث بموضوعية مطلقة بعيداً عن التوظيف السياسي لأي حدث، وهناك ضرورة أخرى في هذا المجال تتمثل في حفاظ الإعلاميين على مهنيتهم في نقل الحدث، والابتعاد عن النهج التحليلي للأحداث مما يجعل الصحفي بمثابة محلل سياسي وليس صحفياً مهمته نقل الخبر والحقيقية بتفاصيلها للمواطن دون زيادة أو نقصان. ويبقى السؤال كيف يمكن الخروج من هذا الواقع غير السليم للحريات الإعلامية والواقع الإعلامي بشكل عام والذي هو متعلق فقط بالإعلام المحلي الفلسطيني، والصحفيين الفلسطينيين العاملين به على اعتبار أن حرية الوكالات الأجنبية والفضائيات العربية مضمونة في ظل الحكومات القائمة في فلسطين، فقبل كل شيء مطلوب من الصحفيين المحافظة على مهنيتهم في نقل الحدث وعدم ترك آرائهم الشخصية تعكس نفسها على الخبر، في المقابل ضرورة وجود جسم نقابي شرعي وقوي وممثل حقيقي للصحفيين ومصالحهم حيث تمنحه شرعيته القوة في الوقوف في وجه كل من يحاول أن يعيق عمل الصحفيين أو يحاول العبث بحرية الإعلام، وكل هذا لا يتحقق بدون وضع التشريعات القانونية اللازمة التي تنظم كافة الأمور ذات العلاقة بالقطاع الإعلامي بين الجهات الثلاث الرئيسة ذات العلاقة وهي الجسم الصحفي والمؤسسات الإعلامية والسلطة الرسمية
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|