من زوايا عدة يمكن بل يجب قراءة ملف الفساد الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي أهود اولمرت، من الزاوية الإسرائيلية الداخلية سواء فيما يتعلق بمصير حزب كديما أو حتى الائتلاف الحاكم وصولاً إلى خيار الانتخابات المبكرة الأمر الذي بات شائعاً في إسرائيل خلال العقود الأخيرة، وبما أن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية وإنما داخلية فقط فلابد من قراءة تداعيات الأزمة الإسرائيلية على مفاوضات التسوية مع السلطة الفلسطينية وعلى الوضع فى المنطقة بشكل عام.
يجب الانتباه بالطبع إلى ان الأثر العاصف الذي تركته قضية الفساد والأخيرة لا يتعلق بمحتوى أو تفاصيل القضية بقدر ما يتعلق بكونها قضية الفساد الخامسة التي يتورط فيها أهود أولمرت وكذلك بالتعتيم الذي فرضته الشرطة على التحقيقات وعندما رفع امر حظر النشر فوجئ الجمهور الإسرائيلي بتلقي أولمرت طوال عشر سنوات وربما أكثر مظاريف ومبالغ نقدية وحتى حوالات بشكل مباشر ومستمر رغم أن بعض الفترات الزمنية لم تشهد حملات أو تنافس انتخابي. أمر آخر مهم يتعلق بالتوقيت لماذا الآن قرر رجل الأعمال اليهودي الأمريكي موريس تالانسكى تقديم الإفادة للشرطة، والإفصاح عن سر السنوات الماضية ولماذا قرر محامي أولمرت اورى ميسر التعاون مع الشرطة ، وفي هذا الوقت بالذات، للإجابة على السؤال السابق يجب تذكر أن الرشاوى أو الأموال قدمت لأولمرت عندما كان رئيسا لبلدية القدس وعضواً في الليكود وعندما كان جوهرياً يتبنى شعارات ومواقف اليمين المتطرف تجاه القدس و الصراع في فلسطين والمنطقة، وحتى عندما ترك الليكود وذهب إلى كديما لم يتخل عنه اصدقاؤه القدامى الى ان تغيرت بعض قناعاته وأخذ في الحديث عن ضرورة حل الصراع على اساس حل الدولتين و وفق رؤيته الخاصة-وتحت سقف ثوابت الإجماع الصهيوني – لا لحق العودة – لا لتقسيم القدس لا للعودة إلى حدود 1967 – قرر أحد ما في إسرائيل أو أمريكا افشاء السر وإسقاطه وبالدليل القاطع مع العلم أن معظم اليهود الأمريكيين النافذين هم ليكوديين يدعمون اليمين المتطرف ورؤاه وتصوراته وأحزابه. بدأت التداعيات والسجالات بالظهور بمجرد الإعلان عن التحقيق مع أولمرت بقضية فساد خطيرة وجدية، تمحورت التداعيات الداخلية حول مصير حزب كديما الحاكم ومصير الأئتلاف أو الحكومة الحالية وبالتالي خيار أو احتمال الذهاب نحو انتخابات مبكرة، بالنسبة لكديما قام أولمرت بخطوات التفافية ماكرة وذلك عندما أعلن أنه سيستقيل إذا ما رفعت لائحة اتهام ضده هذا يعني أن لا داعي لخوض الحرب لأن الأمر قد يستغرق أسابيع وربما أشهر وبالتالي فلا ضرورة لسن السيوف ولا بد من التصرف بذهنية أو عقلية القبيلة والالتفاف حول الزعيم زمن المحنة من أجل إنقاذ الحزب نفس الذهنية – التي حكمت رد الفعل عند مرض شارون المفاجىء- بمعنى أن استقالة أولمرت ستذهب بالسلطة نحو القائمة بالأعمال وزيرة الخارجية تسيبي ليفني والتي ستتراس الحكومة القادمة لكن السؤال هو عن عمر الحكومة في هذه الحالة هل سيمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر أم من تسعة أشهر إلى سنة الجواب منوطب حزب العمل وتحديداً رئيسه وزير الدفاع أهود باراك الغير مستعد لانتخابات الآن لأن الاستطلاعات لا تعطيه عدد من المقاعد أكبر من الذي يشغله الحزب في الكنيست، لكن ليس من مصلحة باراك أيضاً تعبيد الطريق أمام تسيبي ليفني وإعطائها الوقت اللازم لتكريس صورتها كقائدة و صاحبة رؤية علما ان ليفني تعتبر السياسية الأكثر شعبية في أوساط الجمهور الإسرائيلي , وقد أشار الاستطلاع الأخير ليديعوت أحرونوت الجمعة -9ايار- إلى انها الوحيدة القادرة على هزيمة الليكود وإحراز النصر في أي انتخابات قادمة وكديما سيحوز بزعامتها على 27 مقعد -مقابل 12 بزعامة أولمرت و16 بزعامة شاوول موفاز -اما الليكود بزعامة بنيامين نتن ياهو فيحصل في هذه الحالة على 23 مقعداً مقابل 13 لحزب العمل بزعامة أهود باراك. إذن لا يبدو خيار الانتخابات جذاباً أو براقاً بالنسبة لأهود باراك وهو قد يميل باتجاه القبول بحكومة برئاسة ليفني شرط أن تجري الانتخابات بعد سنة من الآن ويراهن على استغلال هذا الوقت لتكريس صورته كزعيم وقائد على حساب ليفني والذهاب إلى انتخابات من موقع قوة للفوز أو على الأقل التناوب على رئاسة الحكومة بعد الانتخابات مع تسيبي ليفني وفي هذه الحالة قد لا يبدو خيالياً سيناريو الاندماج بين كديما والعمل ولكن بعد الانتخابات ليس قبلها لأن الاستطلاعات تتحدث عن عدد اكبر من المقاعد يحوزها الحزبان في حالة خوض الانتخابات منفصلين على أن يتم الاتحاد أو الاندماج بعد ذلك. عامل مهم اخر يؤثر على خيارات كديما وحتى العمل تجاه الانتخابات هو حزب ساش الذي يتحفظ من حيث المبدأ على المشاركة أو البقاء في حكومة ترأسها امرأة كما يتحفظ على مفاوضات التسوية التي تجريها تسيبي ليفني مع السلطة الفلسطينية غير أن شاس حزب يمكن دائما شراؤه عبر ضخ المزيد من الميزانيات إلى مؤسساته التعليمية و الاجتماعية وهو كما دائماً سيغض النظر عن المفاوضات بحجة أن العبرة بالخواتيم خاصة أن الحزب لا يرغب ايضا في الذهاب إلى انتخابات ستعطيه نفس عدد المقاعد التي يشغلها الآن في البرلمان وربما حتى عدد أقل منها. هذا على الصعيد الداخلي أما على الصعيد الخارجي وتحديداً المفاوضات وعملية التسوية مع الفلسطينيين فثمة احتمالات عدة، وبما أن التحقيق مع أولمرت قد يطول و يستغرق أسابيع ربما حتى شهور فإن الاخير قد يستغل هذه الفسحة الزمنية لتسريع المفاوضات مع الرئيس محمود عباس والتوصل إلى اتفاق إطار أو حتى اتفاق رف تنفيذه مرتبط بتطبيق خطةخارطة الطريق وخاصة بندها الأول الأمني الطابع والجوهر، ومفاجأة الساحة السياسية بهذا الاتفاق والذهاب به إلى انتخابات مبكرة عبر استقالة الحكومة وبشكل يدهم الأحزاب الأخرى مع ترويج أو تسويق الاتفاق للإسرائيليين بوصفه الأسلوب الامثل للحفاظ على إسرائيل يهودية وديموقراطية وللتخلص من العبء أو الاستنزاف الفلسطينى وتقديم أولمرت كزعيم يبحث عن المصلحة الوطنية الإسرائيلية فيما يبحث الأ خرون عن مصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة.. أما إذا حدث ما هو أرجح وغالب أي استقالة أولمرت بعد أسابيع فهذا سيؤثر سلباً على مفاوضات التسوية، على المدى القصير فقط فى حالة اتفاق ليفني وباراك على استمرار الائتلاف الحالي والذهاب إلى انتخابات بعد عام ما يعني أن ثمة فرصة للمفاوضات قد تمتد إلى الربع الأول من العام القادم خاصة أن تسيبي ليفني تترأس اللجنة الإسرائيلية العليا للتفاوض مع الفلسطينيين وهي مقتنعة بضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي حول كل القضايا وهي صاحبة شعار لا شيء متفق عليه إلى أن يتم الاتفاق على كل القضايا. وهي أيضاً التي صاغت البرنامج السياسي لكديما، عند تاسيسه والذي تمثل جوهره بأن التنازلات الجغرافية هي للحفاظ على الصهيونية وليس تخليا عنها وأن الحفاظ على إسرائيل يهودية ديموقراطية يقتضى حكماً التنازل عن بعض الأراضي للفلسطينيين وهي أيضاً صاحبة شعار الدولة الفلسطينية مصلحة إسرائيلية كما الأمن الإسرائيلي مصلحة فلسطينية أما إذا تم بقاء تسيبي ليفني قائمة باعمال رئيس الوزراء وبالتالى الذهاب إلى انتخابات بعد شهور فهذا يعني انهيار مفاوضات التسوية واستحالة التوصل إلى اتفاق قبل نهاية هذا العام أي قبل نهاية ولاية الرئيس جورج بوش وهذا الأمر قد يعني حتى انهيار السلطة الفلسطينية نفسها خاصة أن الولاية الرئاسية للرئيس محمود عباس ستنتهي بنهاية هذا العام ومن الصعب تصور الذهاب إلى انتخابات رئاسية فلسطينية دون اتفاق سلام نهائي وفى ظل تجميد أو توقف مفاوضات التسوية نفسها. إقليمياً تبقى إسرائيل خطرة جداً في المراحل الانتقالية وفي فترة الأزمات السياسية وكذلك في الفترات الانتخابية ستكون هناك يد رخوة على الزناد وخاصة تجاه الفلسطينيين في الضفة وغزة غير أن احتمالات المغامرة فى الشمال ضد لبنان وسوريا بمعنى حرب كبيرة فهى غير مرجحة خاصة فى ضوء تجربة حرب لبنان الأخيرة وكذلك في ضوء العقيدة العسكرية التي يحاول تكريسها وزير الدفاع الحالى الجنرالأهود باراك: الجهة الداخلية هي البطن الرخوة لإسرائيل وستتأثر حتماً في اى حرب قادمة ولذلك يجب على إسرائيل القيام بكل ما تستطيعه من اجل منع واجهاض الحرب ولو تطلب الأمر ضربات استباقية كما حصل على ليلة السادس من ايلول سبتمبرالماضي في سورية , إسرائيل مقبلة حتماً على صيف ساخن جدا ومعها فلسطين بالطبع غير أن هذا الأمر قد لا ينعكس بالضرورة إقليمياً أو على المنطقة بشكل عام. اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|