لم يكن ما قاله الرئيس بوش أمام الكنيست يوم الخامس عشر من أيار الجاري وأثار غضب الرئيس محمود عباس، والرئيس المصري حسني مبارك الذي آثر عدم الاستماع لخطاب بوش في منتدى دافوس، وأثار بالتأكيد غضب الجمهور الفلسطيني والعربي، لم يكن ما قاله مجرد زلة لسان، أو لحظة انفعال.
لقد تمم في شرم الشيخ دون خجل ما أعلنه من على منصة الكنيست. انحياز كامل لإسرائيل، ودعم مطلق لها، وتبن كامل لكل مقولاتها وسياساتها ما أثار إعجاب مستشار شارون السابق دوف فايسغلاس الذي قال ما معناه انه يشك في أن يستطيع أي مسؤول إسرائيلي التعبير كما عبر بوش عن مواقف إسرائيل. في شرم الشيخ تجاهل بوش مرة أخرى وعن سابق إصرار الحقوق الفلسطينية، وفي حين إعادة بشكل دقيق صياغة المقولات والأحلام الصهيونية، فإنه اختصر وقزم الحلم الفلسطيني فقط بمسألة إقامة دولة فلسطينية، كان خلال محطات سابقة، قد اختصرها كثيراً لكي تتناسب حدودها ومجالها بما تصنعه إسرائيل على الأرض من وقائع، بل لقد اختصر بوش في شرم الشيخ كل موضوع المفاوضات والجهود المبذولة والآمال المعلقة على العملية السياسية، بالحديث عن إمكانية تحديد الدولة الفلسطينية فقط، والتي من اجلها ستعود قريباً وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، التي تطالب بتكثيف المفاوضات. كوندي تطالب بتكثيف المفاوضات فيما تدعو وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إلى عدم التعجل في التوصل لاتفاق فلسطيني - إسرائيلي وكأن المفاوضات الجارية مفتوحة على الكثير من الوقت. سيترتب على رايس في جولتها القادمة والقريبة للمنطقة حسب الإعلانات الأميركية أن تجتهد كثيراً في شرح وتبرير مواقف رئيسها، ولتبديد بعض وليس كل الغضب الذي يشعر به الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية ذلك أنها هي الأخرى تشارك رئيسها قناعاته، فضلاً عن أن ما قاله وأعلنه بوش لا يمكن تبريره بأي حال. ويترتب على الوزيرة الأميركية أن تجد طريقة للتوفيق بين رغبة ليفني في عدم التعجل بالوصول لاتفاق وبين وعد ايهود اولمرت أمام بوش بأنه سيعرض على الكنيست اتفاق تسوية يلقى تأييداً عارماً. والحال أن الولايات المتحدة تتدخل على ما يبدو، لمساعدة اولمرت على تجاوز التحقيق بفضيحة الفساد التي تستعد الشرطة لمتابعتها، كما فعلت إزاء ملف تحقيق لجنة فينوغراد التي استغرق إعلان نتائجها نحو عام. المدعي العام الإسرائيلي ذاته، ميني مزوز، قال أن التحقيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في قضية الفساد الأخيرة لن ينتهي في وقت قريب. ان الولايات المتحدة تدرك معنى، تعجيل التحقيق بقضية الفساد مع اولمرت، وما قد يترتب على ذلك من تبديد الوقت القصير المتاح أمام المفاوضات المتعثرة أصلا، ولذلك، كان بوش سخياً في دعمه لأولمرت وحكومته، وأكثر استجابة للتوجهات السياسية الإسرائيلية من أي وقت مضى. ومن الواضح أن الرئيس الأميركي لا يأبه على الإطلاق بردود الفعل الفلسطينية والعربية، بل انه أحبط بشكل حاسم كل من يعتريه الوهم بإمكانية أن تلعب الولايات المتحدة دوراً غير منحاز في المفاوضات، أو يترجى منها المساعدة في مجابهة أي من الأزمات التي تعصف بالمنطقة. عين بوش على الانتخابات الرئاسية القريبة، وليست على ما يمكن أن يقوله أو يفعله العرب الذين خاطبهم من فوق، داعياً إلى عزل سورية وتشديد الحرب ضد ما يسمى محور الشر الذي ترئسه إيران، فالعرب غير قادرين على ممارسة أي تأثير في الانتخابات الأميركية. إن حديث بوش أمام الكنيست وفي منتدى دافوس يعكس إلى حد كبير التنافس على الصوت اليهودي في الانتخابات، فلقد حضرت زعيمة الكونغرس الديمقراطية نانسي بيلوسي الاحتفالات بالذكرى الستين لتأسيس إسرائيل، ومن هناك أطلقت تصريحات تدغدغ مشاعر الإسرائيليين الذين يحرضون على حرب ضد إيران. بيلوسي قالت إن إيران لا تشكل خطراً على إسرائيل وحدها وإنما على المنطقة والعالم، وهي لم تستبعد خيار الحرب ضدها، وذلك يعني أن الطرفين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، يتنافسان على من يشجع إسرائيل أكثر على شن الحروب وممارسة العدوان، وبأن المنطقة مقبلة على أحداث ساخنة كبرى خلال هذا الصيف. وهكذا يبدو أن مواصلة الجهد على خط المفاوضات إنما يستهدف تعميق الخلافات الفلسطينية، وتحذير المواقف العربية، واستهلاك الوقت، إلى أن تحين الفرصة. في السياق ذاته تندرج المحاولات الجارية التي لم تسفر عن اتفاق بشأن التهدئة التي تسعى وراءها مصر، وتوافق عليها حركة حماس، حيث أن مطالبة إسرائيل بربط التهدئة بملف شاليت، يشكل مهرباً وليس شرطاً يمكن أن يتحقق ليس فقط بسبب رفض حماس الربط وإنما أيضا لأن ملف شاليت معقد ويحتاج إلى وقت طويل. إن إسرائيل ستقوم بتصعيد العدوان في الوقت الذي تراه مناسباً لها بصرف النظر عما إذا كان تم الاتفاق على تهدئة أم لا، غير أن رفضها التهدئة يشكل في هذه الحالة واحداً من مؤشرات التصعيد. وفي الواقع فإن على الفلسطينيين والعرب أن ينصرفوا للبحث عن مبادرات تهدئة ومصالحة فيما بينهم حتى يكونوا أكثر قدرة على مجابهة التحديات والاستحقاقات التي تنتظرهم هذا الصيف. إن المواطن الفلسطيني لا يفهم ولا يمكن أن يستوعب الموقف الذي يسعى وراء تهدئة مع إسرائيل، ولا يبادر، أو انه يتجاهل التهدئة من الوضع الداخلي، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات ذلك أن الكل سيضطر لدفع أثمان باهظة بسبب ضعف الجبهة الداخلية المنقسمة على ذاتها حتى العظم. اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|