مفتاح
2025 . الأحد 8 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
الرد الإسرائيلي على كل مشكلة فلسطينية هو رفع مستوى العنف. ذلك أن الخبراء قبل الوزراء يبادرون إلى تقديم اقتراحاتهم: القصف، المحو، الغزو، التصفية. والمعضلة المزمنة هنا أن ليست كل المشاكل قابلة للحل بواسطة العنف أي بالجيش الإسرائيلي، والدولة التي يكون جوابها الوحيد على كل مشكلة اللجوء إلى القوة هي دولة عاجزة، لا تملك رؤية شاملة.

وعلى ما يبدو، فإن مصير الفلسطينيين والإسرائيليين مرتبط بشكل لا خلاص منه، وإنه لا يوجد حل عسكري للصراع بينهما. ومأساة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عدم قدرة إسرائيل على الاعتراف المتبادل، ورفض قبولها الهوية الفلسطينية بشكل حاسم، رغم استحالة تجاهل التطور الديمغرافي الحاصل.

فالفلسطينيون داخل إسرائيل يشكلون أقلية تنمو بسرعة، ويحتاج صوتهم لأن يسمع الآن أكثر من أي وقت مضى. فهم يشكلون اليوم حوالي 21% - 22% من سكان إسرائيل، وهذه نسبة أكبر من أي نسبة شكلتها أقلية يهودية في أية دولة في أية فترة من التاريخ. والعدد الكامل للفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل وفي المناطق المحتلة (أي «إسرائيل الكبرى» بالنسبة لإسرائيل أو «فلسطين الكبرى» بالنسبة للفلسطينيين) أصبح أكبر من عدد السكان اليهود.

حاليا، تواجه إسرائيل ثلاث مشكلات: طبيعة الدولة اليهودية وهويتها بالتحديد، ومشكلة الهوية الفلسطينية داخلها، ومشكلة إيجاد دولة فلسطينية «خارج» إسرائيل. وفي الوقت ذاته، يواصل رئيس الحكومة ايهود اولمرت بيع الأوهام عن السلام وعن ضرورة التنازل حفاظا على الطابع الديمقراطي اليهودي. وهذا «التغير» في مواقفه السابقة لا ينبع من انجازات حققتها السلطة الفلسطينية أو فصائل المقاومة، كما لا يعود للضغوط الدولية، أو للتوازن «الاستراتيجي»! المتحقق على أيدي النظام الرسمي العربي أو النظام الرسمي الإسلامي!!! بل لأن أحد طرفي الصراع لم يتمكن من إلحاق هزيمة ساحقة بالآخر تسمح له فرض شروطه كاملة بحيث اقتنع الطرفان، على ما يبدو، بأن من مصلحتهما العمل معا والبحث عن حل وسط.

أما عن بائع الأوهام أولمرت، فإننا سنتوصل إلى مواقفه الحقيقية حين نقارن تصريحات المتضاربة! فحين نطالع ما قاله لصحيفة «الجيروزاليم بوست» الإسرائيلية قبل زيارة الرئيس جورج بوش للمنطقة، نقرأ قوله «أن إسرائيل يجب أن تدرك بأن حتى أقرب حلفائها الدوليين يريدون منها الانسحاب من الضفة الغربية وتقاسم مدينة القدس»، مضيفا، «انه عندما يتحدث العالم المؤيد لإسرائيل عن المستقبل فإنه يتحدث عن إسرائيل على أساس حدود 1967 ويتحدث عن تقسيم القدس». لكنك تراه لاحقا يعيد الأمور إلى المربع الأول: «أي قدس هي التي ستقسم، ليس هناك قدس احتلت في العام 67». ويضيف (اولمرت) مستطردا: «لا أعتقد أنه عندما يتحدث الناس عن المستوطنات أنهم يتحدثون عن معاليه ادوميم هذه المستوطنة التي هي جزء لا يتجزأ من القدس وإسرائيل» -تصل القدس بمشارف البحر الميت وتشطر الضفة إلى شطرين بلا تواصل جغرافي أو ديموغرافي). وحقا، تضخمت إجراءات/ «الاستيطان» واتسعت في ضواحي القدس التي يحاولون جعلها، في نهاية المطاف، «مستوطنة».

أما جدار الفصل العنصري فما زال يغوص في أعماق الأراضي الفلسطينية ويعزلها ويجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية. إذن، لا يختلف اثنان على أن الدولة الفلسطينية العتيدة المرغوبة إسرائيليا ستكون أقرب إلى «محمية إسرائيلية» بعيدا عن أماني وحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة مع استمرار ممارسات إسرائيل لفرض الأمر الواقع بقوة السلاح، ونجاحها -مع واشنطن- في استبعاد الأمم المتحدة نهائيا من عملية التسوية السياسية للصراع، مسقطين بذلك غطاء الشرعية عن عملية التسوية.

أما اللافت في «مسألة الصواريخ» الفلسطينية التي فشل الجيش الإسرائيلي بوضع حد نهائي وحاسم لها فإن الجدل الإسرائيلي حول التعاطي معها يتلخص بتوجه إسرائيل نحو مصر لبحث إمكانية التهدئة مع حماس رغم التحفظات المعلنة من أطراف متعددة، ورغم تجاهل إسرائيل استعداد الرئيس محمود عباس للعمل من أجل التوصل إلى تهدئة شاملة ومتبادلة مع الجانب الإسرائيلي، بمعنى رغبة إسرائيلية واضحة لتكريس حالة الانقسام الفلسطيني جغرافيا وسياسيا وفتح شهية كل من الطرفين الفلسطينيين لاحتكار التمثيل السياسي.

غير أن ما قد يفشل الخطة الإسرائيلية تطوران: أولهما زيارة الرئيس الأمريكي للكنيست وتصريحاته فيها وفي مؤتمر دافوس بشرم الشيخ، وثانيهما -ولو في وقت سابق- عمليتا ديمونا والقدس الغربية اللتين ترتب عليهما آثارا لعل أبرزها أنهما جاءتا بعد عامين من توقف مثل هذه العمليات، واستبدالها بإطلاق الصواريخ.

فالأولى نفذها تنظيمان أحدهما (كتائب الأقصى) الذراع العسكرية لحركة فتح مع الجبهة الشعبية. وهذا يعني أن هناك حالة من اليأس التام ليس من قبل الفصائل العلمانية (أو الإسلامية) فحسب بل من فصيل السلطة نفسه، بعدم جدوى العملية السلمية والمفاوضات مع إسرائيل للوصول إلى تسوية، فيما العملية الثانية ما يزال اللغط يكتنف منفذها، غير المنتمي لأي حزب معروف.

ومما يجدر ذكره أن العمليتين نفذتا في أكثر المناطق أمنا وتحصينا في إسرائيل كلها. كما أنهما جاءتا بعد حصار قطاع غزة، وتجويع أبنائه، أي أن عمليات التجويع والحصار قادت إلى العودة لأبجديات.. الكفاح المسلح، زائدا تأكيد أكذوبة «الأمن الإسرائيلي المطلق»، وأكذوبة «السلام» طالما لا تتوقف إسرائيل عن ضرب الجهود المؤدية إليه.

صحيح أن الانقسام الفلسطيني (الذي لا يمكن نفي المسؤولية الفلسطينية عنه) لم تنتجه تحولات الداخل فحسب إذ ثمة واقع فرضته القوى الإقليمية والدولية أيضا، فالقرار الفلسطيني الذي أريد له أن يستقل وكاد، صودر من تلك القوى وتوزع بين سلطتين و«حكومتين». ومن الصحيح أيضا أن قوة السلاح الإسرائيلي أولا والفلسطيني ثانيا، لم تضمن لأي فريق حلا حتى الآن وفي ظل وضع كهذا، يقف الفلسطينيون اليوم على مفترق طرق يفرض عليهم اختيار نوع المستقبل الذي يريدونه: المقاومة المسلحة (العنف)، أو المقاومة السلمية (اللاعنف) التي لا تهدف فقط للتخلص من الاحتلال، وإنما بناء دولة على قواعد الأخلاقيات غير العنيفة، وإرساء أسس ثابتة لديمقراطية حقيقية؟

لك أن خيار القبول بالأمر الواقع الراهن ليس خيارا. فلقد تغيرت قوانين اللعبة وانقضى (في هذه المرحلة) زمن النضال المسلح دون غيره من النضالات: السياسي (المفاوضات) والشعبي (تحرك الأغلبية الصامتة). يتبقى أن تدرك الأغلبية الصامتة أن المعضلة الأساسية للساحة الفلسطينية لا تتوقف على خيار بعينه فقط (خيار التسوية مثلا)، وإنما ترتبط أيضا بالوسائل النضالية المتاحة لتجسيد هذا الخيار أو غيره، وطريقة إدارة الكفاح من اجل الوصول إليه بأفضل وأقصر ما يمكن.

بمعنى أن الخيار الوحيد الذي يضمن البقاء للجميع هو الخيار الفلسطيني - خيار الحوار الوطني المسؤول والمصالحة الوطنية وصولا إلى خيار النظام الديمقراطي (ومن وسائله الانتخابات النزيهة) بحيث يحتضن ذلك النظام الجميع على أرض تنتظرها مسيرة طويلة في النضال والبناء السياسي.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required