مفتاح
2025 . الأحد 8 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
بعد هذا الأداء الإسرائيلي والأميركي، من يجرؤ على التفاؤل بإمكانية التوصل لحل سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي تطبيقاً للشرعية الدولية؟ كل من يدقق في المعلن وغير المعلن، على طاولة المفاوضات وعلى الأرض، داخل الكواليس وخارجها، سيتوصل إلى نتيجة واحدة هي اللا الحل! يستوي في ذلك أهل التطرف مع أهل الاعتدال والوسط.

لقد نجحت إدارة بوش والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في إقناع معظم دول العالم بما في ذلك دول عربية ونخب فلسطينية بأن العقبة التي كانت تحول دون التوصل إلى حل هي سياسة الراحل ياسر عرفات منذ "كامب ديفيد" 2000، ولكن ثبت بطلان هذا الادعاء بعد رحيل عرفات وانتخاب الرئيس محمود عباس الذي التزم ببرنامج لا لبس فيه ولا غموض، اعتمد خارطة الطريق بدون تحفظات، وسلم بالتفاوض أسلوباً وحيداً.

رغم ذلك بقي الموقف الإسرائيلي على حاله، واستمر الأخذ بمقولة: لا يوجد شريك فلسطيني، وواصل شارون اعتماد الانفصال من طرف واحد، وسرع في بناء جدار الفصل العنصري وضم الأراضي وبناء المستعمرات وخاصة في القدس ومحيطها.

لقد نجح عرفات في إقناع أكثرية الشعب الفلسطيني بالواقعية والعقلانية السياسية، من خلال قبول الشرعية الدولية والقانون الدولي والالتزام بحل سياسي ينهي الاحتلال ويقيم دولة ويحل قضية اللاجئين. لكن السياسة الإسرائيلية منذ أوسلو اشتبكت مع تلك الواقعية الرسمية والشعبية وشرعت بتفكيكها شيئاً فشيئاً عبر إقامة الوقائع الكولونيالية على الأرض، وعبر سياسة تضييق وخنق وتَحَكُم إدارة الاحتلال في تفاصيل حياة الشعب.

السياسة الإسرائيلية بما هي سياسة قهر وإذلال وهيمنة بدأت تترك بصماتها القوية على المزاج الفلسطيني، وأخذت القيادة التاريخية تفقد أهم ركيزة في شرعيتها وهي امتلاك مفتاح الخلاص من الاحتلال عبر التفاوض وبالاعتماد على المساعي الدولية. كان يمكن للقيادة أن تمسك بركيزة أخرى هي تقديم سلطة نقيضة لسلطة الاحتلال من زاوية رعاية مصالح المواطنين والتخفيف من معاناتهم وإطلاق الحريات وممارسة ديمقراطية وبناء مؤسسات مهنية والالتزام بمستوى مقبول من العدالة ووضع منظومة من القوانين التي تحد من الفساد وسوء الإدارة والاحتكارات. غير أن السلطة التي تم تشييدها كانت مخيبة للآمال بكل المقاييس وشكلت عنصراً طارداً للأكثرية الشعبية عوضاً عن الاستقطاب والجذب. وهكذا، عندما تفقد القيادة القدرة على إيجاد حل ينهي الاحتلال، تفقد مقومات استمرارها في موقع المركز على الأقل.

عندما فشل عرفات في الحصول على حل، بسبب التعنت الإسرائيلي، أعاد خلط الأوراق وتقاطع مع معارضته الإسلامية التي كان يهمها إخفاق الحل بل لقد عملت ما بوسعها لإفشاله. وتكرست في الساحة الفلسطينية معادلة سياسية مفادها: إن وجود فرصة أمام الحل السياسي يقود إلى رجحان كفة القيادة التاريخية جماهيريا حتى بوجود نموذج فاسد للحكم، وغياب فرصة الحل يرجح كفة المعارضة الإسلامية ويأتي الفساد هنا ليعمق نفوذ المعارضة.

بعد "كامب ديفيد" نهضت المعارضة الإسلامية وبدأت تتنامى وتقترب نحو المركز. وساهمت الضربات التي وجهتها دولة الاحتلال لسلطة عرفات في صعودها وتغلغلها الجماهيري.

كان رد دولة الاحتلال على تمرد عرفات عنيفاً، فقامت بعزله وحَمّلَتهُ مسؤولية إخفاق الحل واعتبرته عقبة كأداء أمام أي حل سياسي، ثم حاصرته حتى الموت. وسرعان ما دُحِضَ الإدعاء الإسرائيلي في عهد الرئيس عباس. فلم تتغير السياسة الإسرائيلية ولا الأميركية إلا بالأقوال. وبدأ المزاج الفلسطيني ينحاز أكثر فأكثر نحو المعارضة الإسلامية التي كانت تقول لا يوجد حل، وقدمت المقاومة والتفجير في العمق الإسرائيلي، كخيار بديل وكرد على استمرار الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء الجدار والعدوان المستمر.

إخفاق الحل واستمرار التعنت الإسرائيلي أتى بالمعارضة الإسلامية للمركز، ومنذ تلك اللحظة تحول صعود المعارضة إلى سبب لفرض الحصار واستمرار الأخذ بسياسة فرض حل من طرف واحد. ثم جاء انقلاب "حماس" في غزة ليستخدم كدليل على ضعف الشريك وعدم أهليته للالتزام بحل متفاوض عليه. ولم تتغير السياسة في مؤتمر أنابوليس وحتى الآن.

إن سياسة التلاعب الإسرائيلي بالتفاوض والحل والذرائع، ما هي إلا محاولة لإخفاء الأطماع الكولونيالية الإسرائيلية. وما يهم هنا هو تأثير تلك السياسة على حالة الاستقطاب الفلسطيني بدون تدخل الوعي والتفكير الاستراتيجي في الرد عليها. لا يزال طابع الاستجابة الفلسطينية عفوياً والأخذ بسياسة رد الفعل الذي يخلو من تفكير استراتيجي. الرد على إخفاق الحل كان بالذهاب إلى المعارضة التي تفتقد لإستراتيجية مقاومة ولا تطرح حلاً بل صراعاً مفتوحاً أو هدنة مفتوحة. الرد على فساد السلطة كان بالدعوة لحل السلطة أو الانقلاب عليها أو المناداة بعودة الاحتلال. والرد على صعود "حماس" وانقلابها كان بإغلاق الأبواب والنوافذ والشقوق على مطلب للإصلاح والتجديد الشعبي. والرد على تقويض مقومات حل الدولتين كان بطرح حل الدولة الواحدة الثنائية القومية. والرد على التهاون في طرح حل لقضية اللاجئين كان بشطب عناصر البرنامج الوطني والاقتصار على بند واحد هو عودة اللاجئين إلى ديارهم وبيوتهم وأرضهم. ما يهم "حماس" هو تثبيت سلطتها في غزة ولا يهمها الدخول في معركة الاستيطان والجدار واللاجئين والقدس.

لم يسبق للشعب الفلسطيني أن مر بهذا المستوى من التفكك وفقدان الاتجاه، فقدان سياسة أو إستراتيجية تتوحد أكثرية الشعب عليها. والغريب أن الاتجاهات الأساسية لا تكترث من حقيقة أن حالة التفكك هدف إسرائيلي، فالتفكك يضعف الشعب الفلسطيني ويتيح لدولة الاحتلال فرصة ثمينة لتحقيق أهدافها. في العادة فان الدولة المحتلة أو المستعمِرة هي التي تنقسم ويضعف تماسكها أمام وحدة الشعب وحركة التحرر في الجهة المقابلة.

ما يحدث لنا هو العكس، غير أن عدم الاكتراث الجماعي يطرح سؤالاً كبيراً إلى أين وإلى متى؟ هل سنمضي في تفككنا لندخل مرحلة البنتوستونات؟ هل فقدنا القدرة على تقرير المصير لنسمح بوصاية دولية وإقليمية؟ دعونا نتفق على مجموعة بسيطة من البديهيات. - أميركا وإسرائيل لا تملكان كل مفاتيح الحل ولا يمكن الرهان على استفرادهما بالحل مزيدا من الوقت، - لا يمكن القبول بتحويل قضية الشعب الرازح منذ41 عاما تحت أبشع أنواع الاحتلال إلى ورقة ضغط إقليمية. - الإصلاح ووقف الفساد واعتماد الأسلوب الديمقراطي السلمي أسلوبا وحيدا شرط لا غنى عنه للنضال الوطني والبناء المجتمعي. - المطلوب بإلحاح خلق مقومات الحياة للسواد المسحوق من المواطنين وليس المطلوب مضاعفة أرباح الرأسماليين. أظن أن هذه البديهيات تصلح مدخلا لإستراتيجية وطنية يتوحد عليها الشعب وقواه السياسية.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required