في رواية قديمة عنوانها (بيت الموتى) يتداعى الكاتب الشهير(فيودور ديستوفسكي) على لسان أحد أبطال الرواية وهو ينتظر أمام بنادق فصيل الإعدام، فيقول لنفسه "إنه لو حصل فقط على ذراع من الأرض ليعيش عليها ويبقى حيا لكان ذلك يكفي".. وهي عبارات من وجودية الواقع، تعني مساحة كافية للعيش، وقد عادت إلى ذهني هذه المقولة وأنا أرى الفصائل الإسرائيلية تعدم الفلسطيني يوميا، وتعد بالمزيد دون أن يتحرك هذا العالم، فالفلسطينيون في عقل إسرائيل شعب لا يستحق هذه الذراع من الأرض ليعيشوا عليها، والموضوع كما يرددونه كل يوم في وسائل الإعلام أنهم احتلوا أرضا لا تحكمها أي دولة من قبل؟.
خلال الأسبوع الماضي كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على ما يبدو، قد يئس من الاستمرار في المفاوضات أمام التعنت الإسرائيلي في إعطاء الفلسطينيين أي شيء، وفرقة الصف الفلسطيني، المزمنة بدون انفراج يتيح له التحدث باسم شعب فلسطين بأكمله. هذا كله يحدث في بيئة عربية يئست هي الأخرى من مواصلة تقديم المبادرات للصلح بين السلطة وحماس، وكانت الأماني العربية المتفائلة تحاول اصطياد أية كلمة، أو تصريح لتعتبرها انفراجا بين الفلسطينيين في السلطة، وحماس، وسرعان ما تنفى هذه التصريحات، والتأويلات بلغة حادة تعيد الفلسطينيين إلى التأزم، والتنافر، فكما للفلسطينيين أصدقاء، ومحبون يرغبون في لم الشمل الفلسطيني يوجد من لا يريد أي اتفاق بينهم، ويرددون "الصوتيات" القديمة النشاز بالاقتحام، والقتل وحرق الدول المجاورة إذا لم تستجب لمطالبهم، وهي صوتيات تجاوزها الواقع العربي بمراحل، فتقدير القوة هو أساس العمل. في خلفية الأحداث، والتفاصيل يمتد اعتراف دولي بأحقية الفلسطينيين بدولة لهم، وهي دولة تمر عبر طريق الوئام الفلسطيني الداخلي، والطريق لهذه الدولة الموعودة ليست طريقا سالكة في الجانب الإسرائيلي الذي أعاد النغمة المتشددة للكسب من هذا الخلاف، ويئست الدول العربية التي دعمت هذا الشعب ماديا ومعنويا من فكرة تقديم مزيد من الحلول، فلم الشمل الفلسطيني، هو الطريق الوحيد السالك لتأسيس كيان شرعي يعطي الانتماء مشروعية لدولة، فالأشياء ليست كما هي في خيال التطرف، والتعنت، وإنما الأشياء هي في واقع الدولة على الأرض الذي لن يتم بدون اتفاق سياسي فلسطيني يحمي الالتزامات في معنى الدولة في المنظومة العالمية الشرعية. أما مجرد التصورات الخيالية حول الوجود، أو لأن العرب مقتنعون بالحق، ولوم دول العالم والأمم المتحدة لعدم تحقيق العدل، أو لوم أمريكا لأنها تكيل بمكيالين، هذا كله لا يعني شيئا إذا كنا نعي تجربة التاريخ العالمي الذي ذابت فيه شعوب وأمم في النسيان، ومن الخطأ التفريط بحصيلة كفاح الشعب الفلسطيني الذي هو نهر من التضحيات بالدم فالدولة الفلسطينية تبدو على مسافة بسيطة لتوجد باعتراف عالمي. "نعم" الفلسطينيون اليوم في عنق الزجاجة، إما البدء من نقطة على أرض الواقع الذي توفره الظروف الدولية اليوم، أو الانتظار تحت النار الإسرائيلية العنصرية الشرسة التي لا تعترف بهذا الوجود، ولن تعترف به أصلا إلا مرغمة دوليا، على الاعتراف، بل إن إسرائيل ستبذل ما في وسعها لكسب الزمن قبل وجود كيان فلسطيني مجاور، والتأجيل هو خسارة فلسطينية في الدم والوقت، ومكسب لإسرائيل، لكن الفلسطينيين يستطيعون إحراج الولايات المتحدة بتحقيق ما وعدت به كما أحرج اليهود بريطانيا في ورقة وعد بلفور المشؤوم، ومحارق إسرائيل التي تلهج بها ضد أهل غزة هي أصلا المحرقة القديمة التي يزعم اليهود أنهم تعرضوا لها ونالوا تعويضا عنها الأرض الفلسطينية. قلت إن العرب يئسوا، أحسب أن لسان حالهم يقول: أهل فلسطين أدرى بشعابها، ولكننا نحن العرب وبكل الوسائل، لا نريد أن يعطي الشعب الفلسطيني لإسرائيل المبرر بإطالة معاناته أمام بندقية فصيل الإعدام، فالشعب الفلسطيني الذي صهرته المعاناة لعقود أخذ اليوم الحلول بيده، فهي الآن ليست بيد عمر، ورغم كل شيء فسيبقى الشعب الفلسطيني، مهما قيل، هو الشعب العربي المدلل لكل الشعوب العربية، اعترافا بكفاحه، وتضحياته التي أكلت من لحمه ودمه لنصف قرن من الزمان. ومنذ البدء قرر العرب أن يبقى الفلسطيني فلسطينيا بانتظار وطنه، وأن لا يذوب في أي قطر من أقطار العرب لأنه صاحب أرض مسلوبة، وحقوق مغتصبه، ومن نفس الاتجاه لم ينكر أحد أن كفاح الشعب الفلسطيني وهو أعزل مضيق عليه، واستطاع خلال الأربعين سنة الماضية الاحتفاظ بهويته الفلسطينية، وبقي هذا الشعب الصامد يطالب بحقوقه حتى حصل على اعتراف دولي بكيانه، ومنها بدأت الجهود الدولية بدفع عربي لتحقيق دولة فلسطينية تلم الشتات، وتنهي معاناة الفلسطينيين، مع أن هذه الدولة المفترضة إلى الآن بدل السلطة ليست رغبة لإسرائيل ولا هوى لها، وهي لا تريدها أن تظهر للوجود مكتملة لكن الإرادة الفلسطينية في النهاية سوف تفرض هذا الوجود على أرض فلسطينية فهي المشروع الذي ضحى من أجله الكثيرون، وعانى الجوع والذل شعب قوي يستحق أكثر من حاله التي يعيشها اليوم. من كل هذا أليس من الغريب أن يقف بعض الفلسطينيين، وكلهم أبطال ومكافحون ضد هذا الأمل بتبني جدار الفرقة والانقسام منساقين لظاهرة البيان الصوتي المحرض، وهو نفس الصوت القديم الذي أضاع القضية ليعيش على فتاتها، صوت يخرج من دول بعيدة ليس له حقيقة على أرض الواقع المعاش للإنسان الفلسطيني، أليس غريبا أن لا يقدم حاملو السلاح، لبعضهم التنازلات كاملة في سبيل تحقق كيان الدولة مهما كان حجمها وشكلها لتكون غرسا لوجود كل الفلسطينيين.. تعطيهم الهوية من الأرض، والكيان، والسلطات الثلاث، وتجعلهم أسهل تعاملا مع دول العالم عن طريق الدخول أقوياء في المنظمات الدولية لتحمي هذه الدولة من بقي منهم وخرج من محرقة إسرائيل حيا حتى الآن. *كاتب سعودي اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|