فتح اتفاق التهدئة، الذي نجحت مصر في إبرامه بين إسرائيل وحركة حماس الباب لترتيب حوار وطني فلسطيني يمكن أن يفتح بدوره الباب أمام تغيير في المعادلة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، ويعيد الأمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من القضية التي كانت ذات يوم هي قضية العرب المركزية.
فبعد أن كانت هذه القضية صراعا بين طرفين، باتت ثلاثية الأطراف، حيث انقسم الطرف المغتصبة أرضه وحقوقه إلى فريقين يتهم كل منهما الآخر بما مؤداه اغتصاب الشرعية، بينما أصبح الطرف الغاصب المستعمر في مركز اقوي من ذي قبل بالرغم من أنه يبدو اليوم أضعف مما كان بالأمس في الميزان العام للتفاعلات الإقليمية. فقد دخل الطرفان الفلسطينيان المتصارعان على مدي أكثر من عام ما يشبه مباراة صفرية، بالرغم من إدراك كل منهما انه لا يستطيع إخضاع الآخر، كما دخل احدهما في مفاوضات ارتجالية مع إسرائيل لا تحكمها قواعد ولا تبني علي ما سبق التفاوض عليه من قبل، وظل يدعي لشهور انه يفاوض جديا إلي أن بدأ يدرك متأخرا أن وعد الرئيس جورج بوش بشأن الدولة الفلسطينية إنما هو وهم كبير، ولم يكن الأمر في حاجة إلى كل هذا الوقت، لأدراك ذلك، لان الإدارة الأمريكية التي طرحت فكرة دولتان لشعبين ليس لها رصيد من الصدقية يكفي لأخذها بشيء من الجدية. أما الفريق الآخر فقد واصل خطابه الممانع بلا فعل مقاوم, وملأ الدنيا كلاما عن مقاومة منعها على شعبه لإصراره على أن تظل مسلحة واختزلها في إطلاق صواريخ بدائية على جنوب إسرائيل, ثم جعلها وسيلة ضغط لتحقيق تهدئة الاسم الكودي للهدنة وحقق بذلك اختراقا في تاريخ النضال من أجل التحرر الوطني يمكن تبسيطه في شعار ضمني مفاده سنقاومكم أيها المحتلون إذا لم تقبلوا الهدنة( عفوا التهدئة) فللمرة الأولى في هذا التاريخ تصبح المقاومة وسيلة إلي الهدنة وليس من أجل التحرير. وهكذا، تفوق كل من الفريقين الفلسطينيين المتصارعين علي الآخر، بل على نفسه، في صناعة الوهم وتسويقه تحت شعار المفاوضة عند احدهما والمقاومة لدي الآخر. وبالرغم من نسف الجسور بينهما، في هذا السياق، لم تتوقف حركة مصر سعيا إلى مساعدتهم، فقد تخندق كل منهما في موقعه، وامتنع عن أخذ خطوة واحدة في اتجاه الآخر حتى لإنقاذ شعبهما في غزة من حصار خانق. وبالرغم من أن إعادة تشغيل معبر رفح لا تسهم في رفع هذا الحصار إلا بمقدار، لان المعابر الأخرى كلها تحت سيطرة إسرائيل وبعضها أكثر أهمية من هذا المعبر، فقد أبدت سلطتا غزة والضفة لا مبالاة مدهشة لمعاناة أكثر من مليون فلسطيني، ولذلك لم يتيسر التوصل إلي تفاهم بينهما علي كيفية إدارة معبر رفح من الجانب الفلسطيني، حتى يمكن إعادة العمل باتفاق2005 ومن ثم إعادة تشغيله. ولم يصبح هذا التفاهم ممكنا إلا في ضوء اتفاق التهدئة، الذي سيحفزها علي التفاعل بصورة أكثر ايجابية مع التحرك المصري، فالتفاهم بينهما ضروري لإعادة تشغيل المعبر وبالتالي إكمال عناصر اتفاق التهدئة. ولذلك أصبحت فرصة إعادة الجسور بينهما الآن أكبر، فقد دخل كل منهما في مرحلة تبدد الأوهام بدرجات مختلفة وإشكال متباينة، وتبدو سلطة الضفة الآن مستعدة للمرة الأولي منذ الانفصال للبحث عن حل لا يكون إنهاء الانقلاب سابقا عليه، كما يبدو أن بعض قادة حماس على الأقل بدأوا في إدراك انه من الصعب إدامة الوضع الذي استمر عاما كاملا بدون خسائر قد يكون ثمنها في النهاية فادحا بالنسبة إلي حركتهم,، وهذا هو المعيار الأول الآن لدي كل من الفريقين بعد أن أصبحت مصلحة كل منهما مقدمة علي القضية، ويتيح هذا التحول الجنيني حتى الآن فرصة أفضل للتحرك المصري الذي يستهدف الانطلاق من اتفاق التهدئة والبناء عليه سعيا إلي إحراز تقدم علي صعيد الحوار الذي فشلت عدة وساطات في تحريكه خلال العام الأول للانفصال. وكان معظم هذه الوساطات فلسطينيا سواء من جانب فصائل أخرى في مقدمتها الجبهتان الشعبية والديمقراطية, أو عن طريق مجموعة من رجال الأعمال، أو من خلال لقاءات بين عناصر معتدلة في حركتي فتح وحماس في الخارج، أما على الصعيد العربي، فقد تبنت اليمن مبادرة انقسم الفريقان على تفسير بندها الأول الذي يدعو إلى عادة الأمور في غزة إلي ما كانت عليه قبل14 يونيو2007. وكان في ظل ما يبدو انه بداية تبدد الأوهام لدي كل من الفريقين ربما تلوح في الأيام المقبلة فرصة أفضل، أو تصبح الصعوبات اقل بعد أن التزما بوقف الحرب الإعلامية المتبادلة بينهما، وشرعا في إنهاء ملفي الاعتقالات السياسية المتبادلة أيضا، فإذا انهي هذا الملف فعلا، واقترن ذلك بالسماح لكوادر وأنصار كل منهما بالعودة إلي العمل بشكل متبادل, فربما يساعد ذلك في تحسين الأجواء، وإزالة الغيوم الكثيفة وبناء حد ادنى من الثقة المتبادلة. ولا غنى عن مثل هذا التقدم لتثبيت التهدئة في غزة ومدها إلي الضفة بعد6 أشهر. ومن هنا ضرورة أن يسير التحرك المصري في الفترة المقبلة علي خطين متوازيين بالرغم من تفاوت سرعته, بعد أن حقق اختراقا في اتجاه التهدئة بينما مازال الحوار الوطني مشروعا تحسنت فرصته كافتراض نظري لم يختبر بعد. غير أن الجهد الكبير الذي بذلته مصر في اتجاه التهدئة يفرض الإمساك بفرصة الحوار الوطني بالنواجز، فقد لا يمكن تعويض هذه الفرصة، التي قد تكون الأخيرة لإنقاذ ما بقي من قضية فلسطين, فالتهدئة الضرورية لحماية أهل غزة قد لا تكون مجدية استراتيجيا إلا إذا اقترنت باستئناف الحوار بأفق التوافق على مشروع وطني جديد يتجاوز فشل المفاوضة وإخفاق المقاومة المسلحة، فعلى الطرفين وباقي الفصائل, الارتفاع إلى مستوي الخطر الناجم عن انسداد الطريق إلي دولة فلسطينية مستقلة. وإذا كان الفريقان الفلسطينيان المتصارعان أخذا يعودان إلي الواقع ومفارقة الأوهام, فليدركا أن في إمكانهما تعويض خسائر عام الانفصال في حالة التعامل مع التحرك المصري باستقامة لإنهاء الانقسام الذي ينتقل الآن إلي إسرائيل منذرا بأزمة عميقة مرشحة لان تجتاحها. اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|