كانت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرسمية لإسرائيل من 22 حزيران (يونيو) الجاري إلى 24 منه ملفتةً للنظر، إذ اتسم خطابه الذي توجه به إلى مضيفيه بصّراحة كبيرة. فقد تكلّم بصفته صديقا مقرّبا جداً، وهو بالتأكيد الصديق الأقرب إلى إسرائيل في أوروبا، إلا أنه لم ينمّق كلماته لدى وصوله إلى مطار بن غوريون ولا في الكنيست في اليوم التالي.
وتوجّه إلى الإسرائيليين قائلاً: «لقد حان اليوم وقت السلام! غداً يكون الأوان قد فات». لم يسبق لأي قائد أجنبي، إلا نادراً، أن قال بشكلٍ واضح ما على إسرائيل القيام به من أجل تحقيق السلام، وما سعت إلى تلافيه بأي ثمن. وأَوْلى ساركوزي اهتماما خاصاًً بثلاث نقاط دأب على تكرارها في كلّ مناسبة. الأولى، والأهم من بين الثلاث: «لن يتم ضمان أمن إسرائيل فعليا إلا إذا رأينا، في النهاية، إلى جانبها دولة فلسطينية مستقلة وحديثة وديموقراطية وقابلة للعيش». وطُرِحَت مسألتان أخريان توازيان الأولى أهمّيةً، ولم تلقيا أيضاً الترحيب بين العديد من الإسرائيليين. فقد أعلن ساركوزي: «لا يمكن إقامة سلام من دون الوقف الفوري والنهائي للاستيطان». واعتبر أنه لا بد من التعويض على المستوطنين وإعادتهم إلى إسرائيل. وأضاف في بيانٍ كان بمثابة المساس بالمحرمات بالنسبة إلى الإسرائيليين المتشددين: «لا يمكن إقامة سلام من دون الاعتراف بالقدس عاصمةً للدولتين وضمان الوصول الحرّ إلى الأماكن المقدسة لكل الأديان». وحيّا أعضاء الكنيست ملاحظاته بتصفيق مهذّب غاب عنه الحماس. كان حرّيا بهذا الخطاب أن يصدر عن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، عندما حضر الاحتفالات بالذكرى الستين لإقامة دولة إسرائيل في أيار (مايو) الماضي، أو عن المرشح الديمقراطي إلى الرئاسة باراك اوباما، عندما توجّه إلى مجموعة الضّغط الأميركية ذات التوجه الإسرائيلي، «إيباك»، في بداية حزيران (يونيو)، أو عن المستشارة الألمانية أنغلا ميركل عندما حضرت إلى إسرائيل في آذار (مارس)، أو عن توني بلير عندما كان رئيس وزراء بريطانيا. وفي ردّه على ساركوزي، سارع رئيس الوزراء إيهود أولمرت، إلى القول: «لا نتّفق دائما على كلّ المسائل، وكلّ التفاصيل، ولا نرى الأمور من المنظار نفسه». ولا شكّ أنه في ذلك يأخذ في الحسبان ناخبي اليمين ولوبي المستوطنين القويّ. ومنذ أن خلف أولمرت أرييل شارون، منذ دخوله في غيبوبة، في منصب رئاسة الوزراء زاد وتيرة التوسّع الإسرائيلي في الضفة الغربية وربط القدس العربية بالمستوطنات اليهودية، ففصلها عن مناطقها الداخلية. وتعهّد أولمرت أن تبقى القدس عاصمة إسرائيل الموحدة والأبدية، متجاهلا الغضب العربي والاعتراضات الأميركية الطفيفة. وفي زيارة كوندوليزا رايس غير المثمرة للمنطقة خلال الشهر الجاري، وهي الزيارة الأخيرة من بين خمسة عشر زيارة مماثلة خلال شهور، تجرأت وزيرة الخارجية الأميركية على القول إن «النشاط الاستيطاني المستمر يمكن أن يهدد محادثات السلام». ووصف رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية داني دايان، تعليقاتها بـ»الوقحة والمخزية». وقال: «بُصِقَ في وجه إسرائيل، والحكومة تتعامل مع الأمر وكأنه مجرّد زخّات مطر». واختارت واشنطن عدم الرد على إهانته. ويبقى الانتظار لمعرفة ما إذا كان ساركوزي سيتمكن من تحقيق أي أمر جوهري، أو ما إذا كان مصير كلماته الشجاعة الزوال، على غرار الأحكام والتوصيات والقرارات الدولية الأخرى التي عمدت إسرائيل إلى تجاهلها. ويعتبر ساركوزي سياسيا طموحا يجد متعةً بالغةً في اتخاذ الخطوات المفاجئة والمثيرة. وإذا بدأ بوضع مسار لسكّة السلام الشامل في الشرق الأوسط، عندئذ سيستحق بجدارة مكانة في صفحات التاريخ. في نظر العديد من المراقبين ليست الخطوة التي قام بها ساركوزي سوى محاولة لنقل الدور الرئيسي في عملية إرساء السلام في الشرق الأوسط من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وعلى وجه الخصوص إلى فرنسا التي تتولى في 1 تموز (يوليو) رئاسة الاتحاد الأوروبي. «تتمنى فرنسا، التي تحبّ شعوب الشرق الأوسط وتحترمها، أن تسهم في عملية السلام». «فرنسا على استعداد لتنظيم المحادثات السلام على أراضيها، سواء كانت المحادثات الإسرائيلية - الفلسطينية أو الحوار السوري - الإسرائيلي أو المحادثات التي قد تستأنف، وآمل قريبا، بين إسرائيل ولبنان». «وفرنسا مستعدة أن تقدّم ضمانتها في ما يتعلق بالمسارات الثلاثة هذه لعملية السلام، وهي مستعدة لحشد جهودها الدبلوماسية ومواردها وقواتها العسكرية، على غرار ما تفعله مع الشركاء الأوروبيين في جنوب لبنان». ولجعل رسالته، وطموحه، مقبولَيْن بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، لم يوفر ساركوزي أي جهد للتودّد إلى البلدين، فقدّم نفسه كالصديق والحليف الأقرب. ووقف في صف واشنطن ومدح إسرائيل، واصفا إياها بـ»إحدى أكثر الأنظمة الديمقراطية أصالةً في العالم». وتعهّد أنه في حال تم تهديد إسرائيل، فإن فرنسا ستقف إلى جانبها. واستنادا إلى مصادر فرنسية رفيعة المستوى، تعكس دبلوماسية ساركوزي شعورا منتشرا بين العديد من صانعي القرار الأوروبيين أن سياسة الرئيس بوش في الشرق الأوسط كانت كارثية. وتشكّل الشهور الأخيرة من رئاسته العاجزة فرصةً بالنسبة إلى أوروبا للتدخل بمبادرات خاصة بها. ويقال، على حدّ سواء، إن ساركوزي يعتقد بان إسرائيل تحفر لنفسها فخا باستخدام الوحشية ضدّ الفلسطينيين ولبنان، على غرار ما فعلته في حرب 2006. وباءت محاولاتها لسحق «حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في قطاع غزة بفشل كبير. وتمكنت حركتا المقاومة على حدود إسرائيل من تحقيق هامش ردعٍ دفع بإسرائيل إلى تبادل الأسرى، وفي حال «حماس»، إلى هدنة. وتفيد المصادر الفرنسية أن ساركوزي يعتبر نفسه الرجل القادر على إنقاذ إسرائيل من أخطائها ووضعها على مسار السلام والقبول في المنطقة. ويملك الرئيس الفرنسي في تعامله مع إسرائيل وسيلة مفيدة. إسرائيل متحمسة لتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والتربوية والدفاعية العلمية مع أوروبا خلال رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي التي تمتد لستة شهور. إلا أن ساركوزي رجل انفعالي وسريع الغضب إذا تمّ صدّه. وإذا لم تبدِ إسرائيل أي اهتمامٍ برسالته، فمن المرجح ألا تحصل على الشراكة المتميّزة مع أوروبا التي تطمح إليها. إلا أنه تبرز حواجز هائلة. فهل يمكن عكس سرقة الأرض والاستيطان الإسرائيليين؟ هل يمكن كبح المستوطنين المسلّحين؟ هل يمكن تحويل المزيج الإسرائيلي القاتل من العجرفة وعقدة الاضطهاد إلى استعداد للتعايش بسلام مع دول الجوار؟ بالنسبة لإسرائيل، فوائد السلام قد تكون كثيرة. علاقات طبيعية مع دول الجامعة العربية الاثنتين والعشرين؛ نهاية المقاومة المسلحة لـ «حزب الله» وحركة «حماس»، صفحة جديدة في العلاقات مع إيران، وفرصة ترميم صورة إسرائيل على الصعيد الدولي والتي شوهتها العديد من الحروب والاعتداءات والوحشية في التعامل مع الفلسطينيين القابعين تحت الحصار. وتبقى فرصة، وإن كانت محدودة، أن يكون نيكولا ساركوزي القائد الذي لطالما انتظرته أوروبا والشرق الأوسط، وهو القائد القادر على حشد العالم في بذل الجهود الصادقة باتجاه السلام، وذلك، بمشاركة الرئيس الأميركي الجديد. اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|