تتعرض القضية الفلسطينية في الآونة الراهنة لاختبار حاد نتيجة سرعة التطورات الإقليمية وتشتتها. ورغم أن الأبعاد الإقليمية والدولية ـ حسب طبيعة اللحظة الزمنية وتوازناتها ـ عادة ما عكست نفسها علي مسارات القضية الفلسطينية وإمكانات تحركها صعودا أو هبوطا، فإن اللحظة الراهنة تتميز بتداخل وتشابك بين المتغيرات والفواعل المحلية والإقليمية بطريقة مذهلة، خاصة أن أصحاب القضية أنفسهم باتوا في وضع لا يحسدون عليه من الفرقة والانقسام وتعدد زوايا الرؤيا وتباين الحلفاء, وغياب المشروع الوطني الجامع.
الظاهر أن حالة الإقليم الشرق أوسطي أصبحت في حالة سيولة، ومعرضة لتغيرات كبرى سواء بطريقة عنيفة أو من خلال تسويات سياسية كبرى قد تعيد خلط الأوراق والتوازنات على نحو غير مسبوق. والحديث الجاري الآن بين خياري صفقة كبرى يقيمها الغرب مع إيران تتضمن دورا إقليميا وأمنيا وانفتاحا غربيا غير مسبوق على الدولة الإيرانية, أو مواجهة عسكرية لتدمير البرنامج النووي الإيراني جزئيا أو كليا, وما قد يتبع ذلك من رد انتقامي إيراني غير محدد بدقة, هذا الحديث يعني أن مستقبل الإقليم ككل مفتوح على خيارات وسيناريوهات شتى, في كل الأحوال ستفرض أعباء جمة على الأطراف العربية, وفي المقدمة الفلسطينيون بكل توجهاتهم السياسية والفكرية. وفي الآونة الراهنة تبدو أهم المدخلات الإقليمية كالتالي: الأول: الحركية الإيرانية ممثلة في العلاقة الإستراتيجية الخاصة مع سوريا, والعلاقة الخاصة مذهبيا وسياسيا مع حزب الله اللبناني, والدعم السخي لبعض الفواعل الفلسطينية المحلية الرئيسة كحركة حماس والجهاد الإسلامي, وغيرهما من منظمات المقاومة العسكرية المسلحة. الثاني: الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل, ومن قبل العلاقات المتميزة مع الدولة العبرية. والمفارقة هنا أن هذين الفاعلين الإقليميين يتقاطعان مع كل من لبنان وسوريا, والأخيرة تحديدا تمد بعلاقاتها المقاومة ـ إذا جاز التعبير ـ مع إيران, وفي الوقت نفسه تقبل وساطة تركية والانفتاح على إسرائيل بدرجة ما. وهي مفارقة تدل على أن درجة التشابك بين المتغيرات المتماثلة والمتناقضة باتت شديدة للغاية في اللحظة الزمنية نفسها, وأن الإقليم ككل يعيش مرحلة سيولة مفتوحة علي احتمالات عدة. وهنا علينا ملاحظة ما يلي: 1ـ أن سوريا تواجه بدرجة ما تحدي عزلة سياسية عربية, نتيجة برودة اتصالاتها السياسية مع كل من مصر والسعودية والأردن وإلى حد ما السلطة الوطنية الفلسطينية. وهي عزلة تتناقض مع كونها رئيس القمة العربية حتى مارس2009, والتي يفترض فيها أن تكون على تواصل مباشر مع القوى العربية المختلفة. هذه العزلة العربية الجزئية المحيطة بسوريا, يواكبها بعض تحركات فرنسية من اجل الانفتاح عليها بحجة الدور الايجابي الذي لعبته في التوصل إلي اتفاق الدوحة اللبناني. وهو أمر وإن عكس أولويات فرنسية بحتة, لكنه لا يعبر عن توجه أوروبي عام أو يحظى بكامل التأييد من قبل الإدارة الأمريكية الراهنة. والمرجح هنا ان سوريا تعمل على استهلاك عنصر الزمن إلى أن يأتي رئيس أمريكي جديد, لعل ذلك يساعد في حدوث انفتاح أمريكي نسبي عليها, يؤيد الخطوات التي اتخذت في المفاوضات مع إسرائيل. 2 ـ لبنان يواجه بدوره مرحلة حرجة سياسيا واقتصاديا وأمنيا. فما جري في أول مايو الماضي, حيث استخدم حزب الله السلاح لما اسماه لحماية السلاح, وما ترتب عليه من تغيير في موازين القوي بين الفرقاء اللبنانيين في بيروت والجبل والشمال, قد وضع لبنان على أعتاب مرحلة جديدة من حيث التوازن السياسي الطائفي. وبالرغم من ان اتفاق الدوحة قد احتوى نسبيا بعض مظاهر الأزمة الدستورية, ممثلة في إعادة الاعتبار مرة أخرى إلى مؤسسة الرئاسة بعد انتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا, وفتح أبواب البرلمان اللبناني مرة ثانية بعد إغلاق اقترب من العام, إلا أن التطورات الأمنية والمواجهات التي تحدث في طرابلس وفي الجبل, فضلا عن تعثر تشكيل الحكومة وكونها عندما تشكل حكومة تجمع بين الأضداد, فإن لبنان سيظل في حالة دوار سياسي حتى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في ربيع.2009 وهو أمر سيكون له انعكاسه المباشر على أي موقف لبناني بشأن عملية السلام أو أطروحات التفاوض مع إسرائيل. بعبارة أخرى ان لبنان ليس مؤهلا بعد لكي يكون احد أطراف التفاوض المباشر أو غير المباشر مع إسرائيل. والمسألة هنا ليست مرتبطة وحسب بالإرث السياسي لسياسة تلازم المسارين التي عرفها لبنان إبان حقبة الهيمنة العسكرية السورية حتى مارس2005, ولكنها مرتبطة أيضا بكون لبنان في اللحظة الراهنة غير مؤهل للدخول في عمليات كبرى من قبيل المفاوضات, في الوقت نفسه هناك استحقاق دولي متمثل في المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري, وسيكون له تأثيره المباشر على مجمل التوازن الداخلي سياسيا وطائفيا. فضلا عن إشكاليات مثل مصير سلاح حزب الله والإستراتيجية الدفاعية للبنان, والنفوذ الإيراني الذي سيحاول الإمساك بالورقة اللبنانية لحين اتضاح مسارات الأحداث سواء بالنسبة لسوريا أو بالنسبة للصفقة مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني. 3ـ ان أي حديث عن تحركات إيرانية بشأن القضية الفلسطينية, يجب ألا يغفل أن منطلقات الموقف الإيراني تدمج بين أبعاد إيديولوجية دينية تفرض مواقف صراعية مع إسرائيل, وأخرى مرتبطة بصراعها مع الولايات المتحدة والغرب بشأن برنامجها النووي, وثالثة مرتبطة بحسابات الأمن القومي الإيراني وعلاقته بما يجري في العراق لاسيما ما يطرح بشأن توقيع اتفاقية أمنية عراقية مع الولايات المتحدة ستثبت الوجود الأمريكي على الأرض العراقية لمدة طويلة ومفتوحة, وهو ما له انعكاس سلبي قطعا على عناصر الأمن القومي الإيراني المباشر. إن التطور الأبرز الآن المتعلق بإيران يتمثل في أمرين جوهريين أولهما أن الحديث عن مفاوضات سورية إسرائيلية يثير ما تراه الدوائر الإسرائيلية ضرورة مراجعة سوريا لعلاقاتها الإستراتيجية مع إيران, أو بعبارة أكثر وضوحا فك التحالف مع إيران, ومن ثم عزل إيران إقليميا ودوليا. أما الأمر الثاني فيتعلق بمصير عملية الشد والجذب بين إيران والقوى الغربية بشأن برنامجها النووي, والأمر المرجح هنا ان إيران تعمل على تمرير صفقة شاملة مع الغرب تضمن لها استمرار عملية التخصيب علي أراضيها. وإذا فشل الأمر فإنها تعمل على جعل خيار الحرب ضدها مكلفا, والأفضل ألا يحدث, مع الاستمرار في تحمل العقوبات الاقتصادية قدر الإمكان. بالنسبة لسوريا فإن التضحية بالعلاقة الإستراتيجية مع إيران لم يحن أوانه بعد. فقبل ان تتضح كل أبعاد صفقة السلام مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة أيضا, لن يحدث أي تراجع في العلاقة مع إيران. لكن المؤكد ان سوريا لن تدخل الحرب, حسب قول الرئيس بشار الأسد(3 يونيو الماضي) إذا جرت مواجهة عسكرية إيرانية أمريكية/ إسرائيلية. وهو الأمر إن حدث سيضع العلاقة مع إيران في مهب الريح, لاسيما إذا تخطت المواجهة العسكرية حدودا معينة واستدعت ان يكون هناك دور للتحالف السوري الإيراني. 4ـ إن تدخل تركيا في مسيرة المفاوضات العربية الإسرائيلية يمثل حدثا جديدا بكل المعاني, فهو من جانب يعكس رغبة تركيا في استثمار علاقاتها المتنامية مع سوريا على مدى عقد كامل, وعلاقاتها الخاصة مع إسرائيل باعتبارها اكبر دولة يعيش فيها مسلمون, ويحكمها الآن حزب مثير للجدل باعتبار ان له جذورا إسلامية أو مرجعية إسلامية وفقا لما يروجه خصومه العلمانيون الألداء. بيد ان هذه المفاوضات لا تخلو من إشكاليات, فأولا أن لها مرجعية خاصة بها لم تتضح بعد, وثانيا غير واضح بعد حدود التدخل التركي, وثالثا أن المشكلات الدستورية التي يواجهها الحزب الحاكم التركي بقيادة اردوغان, وعلاقته المتوترة مع المؤسسة العسكرية تفرض قيودا علي ما يمكن ان تقوم به تركيا في هذه العملية المعقدة. علي الأقل إلى أن يتضح مصير الحزب ومصير نخبته القيادية. مجمل هذه التطورات يقول إن مصير فلسطين بات أكثر ارتباطا بأدوار وتدخلات إقليمية عديدة, لكل منها أهدافه الخاصة بعيدا عما يستحقه الفلسطينيون أنفسهم, فهل يدركون ما يفعلون؟ اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|