يأتي اجتماع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع شخصيات فلسطينية في مقر القنصلية الفرنسية العامة في القدس الشرقية والذي تمحور حول الأوضاع السياسية والاقتصادية للمدينة المقدسة وعن إغلاق إسرائيل لبيت الشرق، ومنعها الفلسطينيين من ممارسة مظاهر السيادة الفلسطينية على القدس من خلال إغلاقها المؤسسات الفلسطينية في المدينة وعلى رأسها الغرفة التجارية، وتأكيده على اعتبار القدس عاصمة لدولتين وضرورة قيام الدولة الفلسطينية وفقا للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة حيث يشكل ذلك اعترافا بالسيادة الفلسطينية على المدينة المقدسة والتي طالما سعت إسرائيل إلى طمسها وتغييبها عن المجتمع الدولي من خلال فرض سياسة السيطرة على المدينة و تهويدها تمهيدا لاعتبارها "عاصمة موحدة و أبدية" للدولة العبرية.
ويعد هذا الموقف الفرنسي معبرا عن الموقف الأوروبي المناهض للموقف الأمريكي من السيادة الفلسطينية على القدس المنحاز بشكل دائم ومستمر للموقف الإسرائيلي الرافض للاعتراف للفلسطينيين بأية سيادة على المدينة المقدسة، كما يعبر هذا الموقف عن السياسة الفرنسية تجاه القدس والقضية الفلسطينية والذي تبنته الحكومات الفرنسية السابقة منذ احتلال المدينة المقدسة والذي سوف نقوم بشرحه وتفصيله على النحو التالي:- في أعقاب حرب 1967 تبنت فرنسا سياسة تدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلها عام 1967، حيث أعلن "ديجول" في مؤتمر صحفي عقده في 27/ تشرين أول نوفمبر 1967 أن "حل الأزمة القائمة في الشرق الأوسط يجب أن يتم على أساس انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المناطق التي تم الاستيلاء عليه بالقوة وإنهاء حالة الحرب واعتراف جميع الدول المعنية ببعضها البعض الآخر "وهو موقف يتفق كثيرا مع قرار مجلس الأمن (242) ويتقدم عليه بالتوكيد على أن فرنسا "ترفض أي مكاسب إقليمية عن طريق العدوان المسلح، وأنها لن تعترف بأي واقع إقليمي ناتج عن الحرب في الشرق الأوسط، إذ أن فرنسا كانت ترى أن حل الأزمة يجب أن يتم عن طريق اتفاق الدول الكبرى. ويلاحظ أن المجموعة الأوروبية - والذي كان لفرنسا دور فاعل فيها- حاولت من خلال بيان (كوبنهاجن) في 16 ديسمبر 1973 تحدي الاستفراد الروسي الأمريكي بمجريات الصراع في المنطقة، إلا أن الموقف الأوروبي العام حاول اقتحام آليات عمليه السلام ولم يحاول في المقابل تبني مواقف محددة إزاء قضايا الصراع، مما جعله في إطاره العام يدور في فضاء العموميات غالبا. كما خطت فرنسا خطوات جريئة في تطبيق مقولة الرئيس جورج بومبيدو "يجب أن يفهم أن سياستنا مبنية على أساس مصالح فرنسا وليس لخدمة إسرائيل" ومن بين هذه الخطوات الاجتماع الذي عقده رئيس وزراء فرنسا جان سوفانياج مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات في مقر السفارة الفرنسية في بيروت في 21 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1974 والذي كان يمثل اعترافا فرنسيا غير مباشرا بالمنظمة في ذلك الوقت. وفيه أيدت فرنسا الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة وضرورة اشتراك المنظمة في مؤتمر جنيف كشرط لتحقيق تسوية عادلة. ومع ذلك كانت فرنسا تضطر للترحيب بإنجازات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مع تكرار عبارات التحذير أو التذكير بثوابتها تجاه الصراع. ورغم اختفاء قضيه القدس تقريبا من المواقف الفرنسية المعلنة خلال عام (1967-1973) غير أن تأكيدات المسؤولين الفرنسيين المتكررة حول حق الدول العربية استعاده أراضيها المحتلة، يشير إلى ثبات موقفهم من الشطر الشرقي من القدس باعتبارها أرض محتله، مع عدم ظهور دلائل تشير إلى تبدل موقفهم من تدويل المدينة. وقد شهد الموقف الفرنسي تحولا ملحوظا من قضية القدس لصالح إسرائيل مع صعود الرئيس "فرنسوا ميتران "إلى كرسي الرئاسة في آذار/مارس 1981، على خلاف موقف الرئيس السابق "فاليرى جيسكار ديستان" الذي شكل امتداد لسياسات "ديغول وبومبيد"، وإن لم يكن خروجا عن الإطار الأوروبي خلال الفترة من 1978 ولغاية 1991 فقد أخذ الموقف الفرنسي الجديد يقترب أكثر فأكثر من الموقف الأمريكي، مما أثر على قدره أوروبا ككل في صياغة المبادرات والتحرك المستقل بعيدا عن الإطار الأمريكي وعلى موقف فرنسا من القدس، وقد أثرت زيارة "متيران" إلى إسرائيل تحولا في الموقف الفرنسي من قضية القدس ارتقى إلى الاعتراف الضمني بالمدينة موحده تحت السيادة الإسرائيلية وعاصمة للدولة العبرية، واختفت القدس من الخطاب السياسي لفرنسا تماشيا مع سياسة إسرائيل. وفي أعقاب انتهاء حرب الخليج الثانية وبروز الولايات المتحدة كقطب عالمي وحيد، بدت الدول الأوروبية غير راغبة في تحدي النفوذ الأمريكي بالشرق الأوسط، وقد ظهر الفرق بين الموقفين الأوروبي والأمريكي في موضوع القدس والاستيطان بشكل خاص، واعتبار دول الجماعة الأوروبية النشاط الاستيطاني في الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية نشاطا غير مشروع مدمرا لعملية السلام، كما أيدت دول الجماعة في مجلس الأمن الدولي إصدار قرار يدين قيام إسرائيل بمصادرة خمسة وثلاثون هكتارا من أراضي القدس الشرقية في أيار\مايو عام 1995 . وكان الإتحاد الأوروبي قد رفض الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس في آذار /مارس 1999، واتخذ موقفا حاسما عندما تلقت وزاره الخارجية الإسرائيلية رسالة من سفراء الإتحاد الأوروبي بتل أبيب برفض الإتحاد الاعتراف بالقدس بما في ذلك الشطر الغربي من المدينة عاصمة لإسرائيل ، كما قام مبعوثون أوروبيون بزيارة بيت الشرق للتعبير عن تضامنهم مع الموقف الفلسطيني، ورفض قرار الضم الإسرائيلي في عام 1967، وقد تبنى الاتحاد الأوروبي - في مرحله انتفاضه الأقصى - فكره حل قضيه القدس عن طريق المفاوضات ، متناسين قرارات الشرعة الدولية المتعلقة بذلك. وأيدت فرنسا شأنها في ذلك شأن بريطانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبي عملية السلام في مدريد عام 1991، وما أفرزته من اتفاقات على المسارين الفلسطيني والأردني، غير أنها حاولت لاحقا انتهاج سياسة أكثر فاعلية في منطقة الشرق الأوسط خصوصا. وعقب فوز "جاك شيراك" في الانتخابات الرئاسية ومحاولته إحياء السياسات الديغوليه في المنطقة من جديد، حيث أعلنت الخارجية الفرنسية في ذلك الوقت أن موقف فرنسا من قضيه القدس لم يطرأ عليه أي تغيير، وأنه موقف ثابت ويقوم على أساس عدم الاعتراف بقرار إسرائيل بضم مدينة القدس الشرقية والذي عرف "بقانون أساس القدس لعام 1980"، ولا شك أن الاستفراد الأمريكي في المنطقة وانهيار الاتحاد السوفيتي قد حالا في واقع الأمر دون أن يتمكن شيراك من إنفاذ سياسته الشرق أوسطية المخالفة غالبا للاستفراد الأمريكي وسياسات إسرائيل، حيث أكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك في خطابات عدة ألقاها أثناء زياراته إلى منطقة الشرق الأوسط على "ضرورة إيجاد اتفاق عادل ومتوازن بين كل الأطراف المعنيين حول الوضع النهائي للأرض الفلسطينية، وذلك على أساس محورين هما: مبدأ الأرض مقابل السلام، وعلى مثل هذا الاتفاق أن يتناول القضايا الأكثر صعوبة كقضية القدس، أما المحور الثاني لموقف فرنسا من القدس فهو رفضها أن يكون الحل "دينيا وحسب أو وطنيا وحسب"، وقد شدد - أي هذا الموقف الفرنسي- على ضرورة ضمان وصول جميع المؤمنين لها "كما يتعين أن تندرج - أي فكرة السيادة- ايا كان مصدرها، في إطار تسوية تتم بالتفاوض وفق ما نصت عليه اتفاقات أوسلو، وعلى هذه التسوية أن تأخذ بعين الاعتبار تطلعات وحقوق جميع الأطراف المعنية". وقد ظل الموقف الفرنسي على حاله حيال قضيه القدس، حيث ترك أمر حل قضيتها ضمن المفاوضات والاتفاقيات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأنها يجب أن تحل من خلال المفاوضات، حيث عبر مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية "برنار فليرو" وبعد انتفاضة الأقصى المباركة عن موقف فرنسا الأخير تجاه القدس والأماكن المقدسة "بأن فرنسا تأمل في مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين في إيجاد صيغة للتوفيق بين مختلف المصالح حول القدس والأماكن المقدسة". وعود على بدء حيث تأتي التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي ساركوزي الأكثر وضوحا و جرأة في التعرض للقضايا الساخنة في جوهر الصراع العربي الإسرائيلي دعوته الصريحة بالعودة إلى الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي فيما يتعلق بالوضع النهائي لمدينة القدس والتي أشار إليها كعاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، واعتبار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية يشكل عقبة أمام عملية السلام وينبغي تجميده وفقا لبنود خارطة الطريق والذي التزمت به الأطراف في أنابوليس وانه لا يمكن أن يكون هناك سلام دون القدس "مدينة السلام". اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|