مفتاح
2025 . الإثنين 9 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
الاعتذار ليس مجرد كلمة أو مفردة سياسية عابرة، بل هو ثقافة وقيم ونمط من السلوك السياسي لا يتأتى إلا عبر عملية تنشئة سياسية واجتماعية طويلة ومتراكمة من جيل إلى جيل، وتحمل في مضامينها السياسية قدر كبير من الشجاعة وتحمل المسؤولية.

والاعتذار إشكال ودرجات متفاوتة أسماها وأرقاها الاعتذار السياسي الذي يقوم به زعيم سياسي أو حزب سياسي حاكم أو دولة بكل مؤسساتها بالاعتذار لشعب آخر عما أقترف بحقه من ظلم تاريخي الحق به أضرارا مادية وبشرية كبيرة، وبهذا المعنى الاعتذار قيمة سامية قد تداوي بها كل الأخطاء والجروح وقد تضع نهاية لمعاناة طويلة.

وهكذا يرتبط الاعتذار بالمستوى الأخلاقي والقيمي والديمقراطي الذي وصل إليه حاكم أو نظام سياسي معين، وبنوعية الثقافة السياسية السائدة، وهل هي ثقافة مسؤولة وتشاركية وديمقراطية أم ثقافة رعوية خاضعة تسلطية وغير مسؤولة، ولا تعترف بالفشل أو القدرة على تحمل المسؤولية والمساءلة. وفي هذا السياق الاعتذار يرتبط بالحكم والسلطة وكيفية الوصول إليها، وبدرجة الوعي والنضج السياسي الذي وصل إليه شعب من الشعوب، وبطبيعة الأيديولوجية والعقيدة السياسية السائدة وهل هي من النوع الذي يتحمل النقد والمساءلة والإقرار بان القرارات السياسية هي من صنع قادة من البشر يمكن أن يصيبوا ويخطئوا، وهنا التفاوت من نظام سياسي إلى آخر ومن قائد إلى آخر. وحيث أن القرارات السياسية هي من صنع قادة وساسة من البشر يحكمون فمن الصعب على مثل هؤلاء أن يعترفوا بأخطائهم أو حتى فشلهم وخصوصا في نظم سياسية شمولية تغيب عنها وسائل التأثير والرقابة الشعبية وتهيمن عليها ثقافة الخوف والثقافة الأبوية وينعدم فيها روح الإبداع والقدرة على التفكير وتغييب دور العقل، فلا يبقى إلا عقل ا ورأي الحاكم. وهذا هو حال السياسة عندنا حيث يخطئ الساسة والقادة وتتحمل الشعوب الثمن السياسي من حياتها وحياة أبنائها وموارد رزقها ولما كانت السياسة تتعامل مع القوة والنفوذ، فأول ما يلجأ إليه هؤلاء الساسة والقادة هو تضخيم قوتهم العسكرية والأمنية حتى ولو جاء ذلك على حساب التنمية ومحاربة الفقر والبطالة وهكذا بدلا من تنمية وتطوير القدرات الإنسانية والبشرية لمواطنيهم، وتنويع مصادر الدخل لتقليل التبعية والاعتماد على الآخرين وخلق مجتمع المعرفة نجد الأموال الضخمة تسخر لشراء السلاح، والسؤال لمن؟ هل من أجل التحرير؟ أم من أجل قهر شعوبها؟

والمشكلة أن هذه القوة المسلحة تستخدم لحماية النظام وليس الشعب الذي في الحقيقة هو ليس في حاجة إلى بندقية بل إلى إصلاح سياسي ديمقراطي يضمن له كرامته الوطنية. وفي هذا السياق يمكن أن نتفهم سياسات الدول وكيفية التعامل فيما بينها، ونتفهم مراحل العبودية والظلم التي عانت منها العديد من الشعوب جراء استخدام سياسات القهر والبطش والحرمان السياسي، وقد نتفهم هذه السياسات، لكن من الصعب أن نتفهم ممارسة القوة من قبل حكام وساسة ضد شعوبهم، وهنا تتفاوت سياسات الاعتذار بين الدول وباتت مطلبا لعودة الوئام في العلاقات بينها.. والأمثلة هنا كثيرة، ومنه اعتذار أستراليا للسكان الأصليين عما لحق بهم من ظلم ومظالم طوال قرنين من الزمان على الرغم من أن السكان الأصليين يمثلون 2% فقط من مجموع سكان أستراليا الذي يزيد عن واحد وعشرين مليونا.

وسؤالنا في هذه المقالة عن الشعب الفلسطيني وما لحق به من ظلم تاريخي وما زال بسبب سياسات الاحتلال والتشريد. من يعتذر لهذا الشعب؟

هل هي إسرائيل التي تسببت في طرده من أرضه وسبب ترحيله عام 1948 تحت وطأة سياسات القوة والمذابح الجماعة؟ ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استمرت في ممارسة سياسات مصادرة الأرض والتهجير القسري، وممارسة سياسات الحصار والاعتقال ومحاربة أن ينعم الشعب الفلسطيني بكرامته الوطنية وحقوقه التي أقرتها له كل الشرائع السماوية، وكل هذا يحدث في زمن تدعى فيه الحرية والديمقراطية ودعم حقوق الإنسان..!!

أم أن المطلوب أن تقدم بريطانيا اعتذارا للشعب الفلسطيني على وعد بلفور الذي منحت بموجبه أرض فلسطين لليهود وفتحت أبواب فلسطين للهجرات اليهودية وصولا إلى عرض القضية على الأمم المتحدة واستصدار قرار بقيام دولة إسرائيل في سابقة دولية لم تحدث من قبل؟!

أم المطلوب أن تعتذر الولايات المتحدة على ما قدمته من دعم مطلق لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية وحالت دون عقاب إسرائيل من قبل الأمم المتحدة باستخدامها حق الفيتو ضد أي قرار فيه عقوبات بحق إسرائيل.

أم أن المطلوب أن يعتذر المجتمع الدولي كله والأمم المتحدة عن عجزهما عن تطبيق كل القرارات الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وبطلان كل ما قامت به إسرائيل من تهويد للأرض الفلسطينية.

أم المطلوب الدول العربية هي التي يجب أن تعتذر على تقاعسها عجزها وعن معاملتها للمواطن الفلسطيني عبر منافذها البرية والجوية والبحرية وكأنه إنسان غريب عنها. أم أن المطلوب من أن يعتذر وقبل كل هؤلاء هم القادة والساسة الفلسطينيون وعبر التاريخ كله من أخطاء وسياسات قد أضرت بالقضية والشعب وما وصلنا إليه من حالة انقسام ليس فقط للأرض بل للإنسان نفسه، وانتهاج سياسات أشبه بسياسات الدول القمعية في التعامل مع مواطنيها..

إن ما نشهده اليوم من تراجع للقضية الفلسطينية المسؤول عنه المباشر هم الفلسطينيون أو قادتهم وساستهم، ولذلك الأجدر منهم أن يقدموا الاعتذار لشعبهم وعما لحق به من ظلم أصعب وأقسى من ظلم الآخرين..!!

وأخيرا ليس من السهل أن نتوقع هذا الاعتذار الذي يمكن أن نتوقعه من الآخرين، لأن المسألة مرتبطة بالثقافة الرعوية والأبوية، وثقافة عدم الاعتراف بالخطأ أو الفشل وتحميل الغير مسؤولية الفشل الذي نعيش فيه، فهذا أسهل الطرق للحكم والاستمرار فيه..

الاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ، والخطأ يعني التسليم بالمسؤولية والمساءلة، وهذا يتوقف بدوره على طبيعة الثقافة السائدة المتحررة من الخوف والقهر.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required