مفتاح
2025 . الإثنين 9 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
** (ما يحدث إسرائيليا غربي نهر الأردن سوف يقود ان عاجلا أو آجلا إلى تغيير استراتيجي بكل المقاييس ومثل هذا التغيير ينسف أساسا من الأسس التي قامت عليها معاهدة السلام الأردنية الفلسطينية ويعتبر انتهاكا خطيرا لها)**

ان الجدل الدائر على ضفتي نهر الأردن حول بوادر عودة التوازن الرسمي الأردني بين القوى السياسية الفلسطينية وكذلك الجدل الساخن بالكلمة والرصاصة والزنزانة بين قطبي الانقسام الوطني الفلسطيني هو جدل يثير ضجيجا صاخبا يغطي على هدير جرافات الاحتلال الإسرائيلي التي تشق سطح الأراضي المحتلة وباطنها لإقامة البنى التحتية التي لن تبقي أي أساسات مادية لا للتوازن الاستراتيجي ولا للتوازن البشري بين ضفتي الأردن والتي تلغي على ارض الواقع أية حدود فلسطينية أردنية مشتركة.

فالفرص التي كانت منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 تبدو سانحة "لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقابلة للحياة" في الأراضي المحتلة عام 1967 كما كان الموقفان الرسميان الأردني والفلسطيني يأملان ويسعيان هي فرص يجري جرف أساساتها المادية على الأرض خصوصا على الحدود الغربية للأردن مع الدولة الفلسطينية التي كانت إلى وقت قريب وربما ما زالت مأمولة وعلى الأخص على الطريق الموصل بين الأردن وبين بيت المقدس.

ان المنطقة المعرفة في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بأنها خاضعة للحكم العسكري الإسرائيلي غربي نهر الأردن تكاد تفقد مقومات هذا التعريف إذ يجري تدريجيا لكن بصورة متسارعة تجريدها من هويتها الفلسطينية لمنحها الصفة الإسرائيلية وتهويدها بحيث لا يكون هناك عمليا أي جار عربي للأردن غربي النهر والنتيجة العملية المؤكدة لأي تطور كهذا هي خلق البيئة المادية على الأرض لإفراز الشروط الموضوعية اللازمة لحل القضية الفلسطينية خارج موطنها وعلى حساب الأردن تحديدا.

فهل يوجد أي تفسير آخر لخطة "اتفاق الرف" التي اقترحها رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت على الرئاسة الفلسطينية مؤخرا وهي خطة قديمة – جديدة تستثني القدس الكبرى والجانب الفلسطيني من غور الأردن من أي حل متفاوض عليه؟

أم هل يوجد أي نتيجة حتمية أخرى لمثل هكذا استثناءات غير دفن الآمال أو الأحلام أو الأوهام المعلقة على إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة؟

لقد سوغ ارييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق السادر في غيبوبته منذ بضع سنوات، موافقته على إقامة دولة فلسطينية على جزء من الضفة الغربية بقوله ان إقامتها ستوفر حلا موضوعيا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين باستيعابهم في الدولة الجديدة حيث يمارسون فيها "حق العودة"، لتتحول الدولة الفلسطينية حسب تفسيره إلى اكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في العالم ، وبالتالي تزول العقبة الكأداء الأكبر من طريق الاعتراف العربي بدولة المشروع الصهيوني في فلسطين.

لكن موافقة المفاوض الفلسطيني والدعم الرسمي العربي لهذا المفاوض على التفاوض على إقامة هذه الدولة على الأسس التي وضعها شارون والتي التزم خليفته اولمرت بها كان مقدمة منطقية للوضع الراهن الذي يبدد كل الآمال بحل سياسي متفاوض عليه للقضية الفلسطينية.

إذ بغض النظر عن الادعاءات الذاتية والتفسيرات أحادية الجانب للمفاوض الفلسطيني فان هذا المفاوض قد انطلق في مفاوضاته من الأسس التي وضعها شارون وخليفته وأول هذه الأسس وأهمها اعتبار الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967 أرضا متنازعا عليها يتقرر مصيرها بالتفاوض لا أرضا محتلة يتم انسحاب الاحتلال منها وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وثاني هذه الأسس التفاوض على أساس تقاسم الأرض المحتلة بين الفلسطينيين وبين المكاسب الاستيطانية والعسكرية التي حققها الاحتلال بالقوة المسلحة فيها. ومثل هذه المقدمات كانت ستقود حتما إلى نتائجها المنطقية الراهنة.

وإذا كان في التاريخ القريب للصراع العربي الاسرائيلي على فلسطين أي عبرة فإنها تكمن في ان التاريخ يكرر نفسه. فالمجتمع الدولي الذي فرض على العرب القبول بان فلسطين ارض متنازع عليها لا أرضا محتلة قد فرض عليهم القبول بتقاسمها مع الحركة الصهيونية وعلى هذا الأساس صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) عام 1947 بتقسيمها وقد وافق المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر عام 1988 على هذا المبدأ عندما اقر وثيقة إعلان الاستقلال على أساسه إذ لم تتضمن تلك الوثيقة أي إشارة إلى أي من قرارات الأمم المتحدة إلا النص على إعلان الاستقلال الفلسطيني على أساس القرار (181) وهذه السابقة التاريخية لم يكن في وسعها إلا تشجيع دولة الاحتلال الإسرائيلي على السعي نحو حل مشكلة الأرض المحتلة عام 1967 على الأساس نفسه.

ومثلما قاد هذا الأساس إلى خلق مشكلة اللاجئين الأولى بعد النكبة وحمل المسؤولية الإنسانية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الدولي عبر الدول العربية وفي مقدمتها الأردن فانه بالتأكيد، إذا اعتمد مجددا لتقاسم الضفة الغربية، سيقود إلى إفراز موجة نزوح فلسطينية جديدة سيجري التعامل معها في السياق نفسه ولن تفلح كل الادعاءات الذاتية والتفسيرات أحادية الجانب للمفاوض الفلسطيني وداعميه العرب والأردن في مقدمتهم في إخفاء حقيقة الخطر الداهم الذي يهدد الأردن بموجة تهجير جديدة لعرب فلسطين. أن "قوائم لم الشمل" التي تتباهى سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني بانجازها تستخدم لذر الرماد في العيون حتى لا ترى الخطر الحقيقي الداهم.

وكان التقرير الإحصائي السنوي لعام 2007 الذي أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في الثالث من الشهر الجاري هو احدث دليل على ان الاحتلال يكاد يحسم الصراع الجغرافي والديموغرافي على الضفة الغربية ، وخصوصا في القدس ، لصالحه . وكان الإعلان عن قرار حكومة دولة الاحتلال في الأسبوع قبل الماضي بتوسيع مستعمرتي "كيدار ايه" و"كيدار بي" وضمهما إلى مستعمرة "معاليه ادوميم" شرقي القدس بمصادرة (11) ألف دونم من أراضي السواحرة وأبو ديس بهدف "إقامة مثلث جنوب شرقي القدس" ببناء ستة ألاف وحدة استيطانية "حضرية" جديدة لاستيعاب ثلاثين ألف مستوطن يضافون إلى أكثر من خمسة وثلاثين ألفا آخرين في معاليه ادوميم لإنشاء مدينة تمتد من "جبع (شمال شرق القدس) إلى مشارف البحر الميت شرقا"، كما قال حاتم عبد القادر مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في الثالث من الشهر الجاري، هو الحلقة الاستيطانية الأخيرة التي سوف تحكم إغلاق القدس بالمستعمرات من جهاتها الأربع.

وهذه المثلث هو الأخطر في سلسلة التوسع الاستيطاني في طوق المستعمرات المحيطة بالقدس وسيكون "مثلث برمودا إسرائيلي" يهدد بابتلاع القدس ومعها الدويلة الفلسطينية الموعودة و"عملية السلام" والسلام نفسه، لأنه سيقيم مدينة سيبلغ عدد مستوطنيها في المدى المنظور القريب جدا أكثر من سبعين ألف نسمة لتكون الأكبر خلال بضع سنوات بين القدس وبين نهر الأردن لتزيد مساحتها بالأراضي الفلسطينية المصادرة على أضعاف مساحة مدينة أريحا التاريخية ولان مثل هذه المدينة – المستعمرة الاستيطانية الجديدة من الناحية العملية سوف تهود الطريق التاريخي الاستراتيجي الموصل بين بيت المقدس وبين محيطه العربي الإسلامي في المشرق العربي عبر الأردن شرقي النهر بإقامة حاجز "حضري" وبشري وعسكري يهودي يمنع أي تواصل ديموغرافي أردني مباشر مع القدس. ويجري حاليا الاستعداد لتعويض سكان الضفة عن هذه الطريق بتحديث طريق عسكرية قديمة خطرة بين محافظة رام الله وبين أريحا عبر بلدة الطيبة تعرف باسم طريق "المعرجات" بتمويل وإشراف ياباني ضمن جهود الدول المانحة لسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية لمساعدتها في تأهيل بناها التحتية للدولة الفلسطينية الموعودة.

وسيكون استكمال هذا المثلث – المدينة هو المسمار الذي يدق في نعش الدويلة الفلسطينية الموعودة أو الموهومة لا فرق لأنه سيفصل "حضريا" وعسكريا بين جنوب الضفة الغربية وبين شمالها التي ما زال المفاوضون يكابرون بان انتزاعهم لموافقة الولايات المتحدة الأميركية والأعضاء الثلاثة الامميون والأوروبيون والروس في اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط على شرط تواصلها الجغرافي كان انجازا ورقيا آخر لا وجود ماديا له على الأرض مثل السلطة "الوطنية" التي تعترف بها هذه اللجنة ومثل الدولة الفلسطينية التي يعترف بها الأشقاء العرب والإخوة المسلمون!

ان إغلاق الغور الفلسطيني أمام حرية حركة عرب فلسطين في الضفة الغربية وقصر حرية الحركة فيه على القلة من سكانه الفلسطينيين وإغلاقه أمام الاستثمارات الوطنية أو الأجنبية واستمرار توسيع المستعمرات الاستيطانية اليهودية فيه بحيث يصبح عدد مستوطنيها يعادل عدد مواطنيه الفلسطينيين أو يزيد وتحويله إلى منطقة عسكرية إسرائيلية مغلقة واستثناءه من بسط أي سلطة أو صلاحيات فلسطينية عليه في أي حل تفاوضي يتم التوصل إليه واعتباره الحدود "الأمنية" الشرقية لدولة الاحتلال الإسرائيلي وغير ذلك من الإجراءات التي يمليها الاحتلال في الجانب الفلسطيني من غور الأردن إنما يخلق بالتدريج لكن بصورة متسارعة امرا واقعا سيلغي ان لم يجر تداركه أية حدود مشتركة للأردن مع أي دويلة فلسطينية مأمولة ويقطع أي تواصل ديموغرافي بين الشعبين الشقيقين على ضفتي النهر.

ولا يمكن للأردن إلا ان يكون معنيا مباشرة بأي تغيير استراتيجي على حدوده الغربية على امتداد نهر الأردن، وما يحدث إسرائيليا غربي النهر سوف يقود ان عاجلا أو آجلا إلى تغيير استراتيجي بكل المقاييس ومثل هذا التغيير ينسف أساسا من الأسس التي قامت عليها معاهدة السلام الأردنية الفلسطينية ويعتبر انتهاكا خطيرا لها.

ان مثل هذا التغيير الجاري والمتوقع سبب كافي لإجراء مراجعة أردنية للمعاهدة والنظر في التزام الجانب الإسرائيلي بها وعدم تمكينه من استخدامها غطاء للواقع الاستراتيجي الجديد الذي يحاول خلقه على الأرض على الحدود الأردنية الفلسطينية المشتركة، وهو كذلك سبب كافي لإعادة النظر في الدعم الأردني لأسس التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي الحالية ولإعادة النظر في مبادرة السلام العربية برمتها، ليس فقط دفاعا عن عرب فلسطين وتضامنا مع أمالهم المشروعة في إنهاء الاحتلال وتقرير مصيرهم فوق ما أبقاه الاحتلال لهم من وطنهم التاريخي بل أولا وأخرا دفاعا عن الأمن الوطني الأردني وما يمكن ان يلحق به من أضرار جراء تغيير استراتيجي كهذا.

شبكة أمين

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required