أراهن وأنا واثق من الربح بأنه لا يوجد أي مسؤول فلسطيني مقتنع بأن هناك حلا سياسيا ممكنا للصراع وان الاتصالات والمفاوضات الجارية الآن مع الجانب الإسرائيلي ستؤدي إلى حل للصراع يرضاه شعبنا ويحظى بشرعية ومصداقية وطنية.
واراهن أيضا بأن المفاوضات الجارية، هذا على فرض أنها مفاوضات، ليست أكثر من محاولة لإشغال الذات هروبا من الفراغ القاتل، ومحاولة للإيهام بأن الثابت المتجمد متحرك، ومحاولة للادعاء بان مقولة "في الحركة بركة" ما زالت صالحة في هذا الزمان.
ويبقى السؤال هو: إذا كان جميع المسؤولين - دون استثناء - يعرفون تماما بأنه لا يوجد أي أفق سياسي للاتصالات الفلسطينية - الإسرائيلية، وان لا أمل في التوصل إلى أي اتفاق فلماذا الاستمرار في هذه اللعبة الخطرة التي تشكل غطاء من الدخان لاستمرار الطرف الآخر في الزحف والتقدم إلى الأمام في تنفيذ برامجه الاستيطانية التوسعية دون منازع؟! الصورة معروفة للجميع ولا تحتاج إلى تحليل سياسي للتوصل إليها ومع ذلك فان المرء يحاول أحيانا العمل بقوله تعالى: "فذكر ان نفعت الذكرى". والصورة اليوم كما أراها ويراها كل قائد أو مسؤول فلسطيني تحدثت إليه في الآونة الأخيرة - وهم كثر - لا تدعو للتفاؤل. الجميع مقتنع بأن هذه المفاوضات هي مفاوضات عبثية لا تفضي إلى أي نتيجة ايجابية، والجميع مقتنع بأننا مندفعون نحو مستقبل مجهول وأننا مضطرون في ظل المعطيات الحالية إلى تخفيض السقف الفلسطيني والى "التواضع" في توقعاتنا وطلباتنا إلى ان يتغير الحال إلى ما هو أحسن..!! هذا التوجه هو اخطر ما يمكن ان يؤول إليه الحال الفلسطيني، إذ انه يعني ببساطة متناهية ان الحال اليومي أصبح قمة المبتغى وان السعي لتحرير الأرض أصبح موضوعا على الرف، وان البعض يسعى لاستغلال بعض الأمور التي يتعاطف معها الجمهور بشكل مطلق كموضوع الأسرى فيحاول تحقيق بعض الشيء بشأنها لكي يحفظ ماء وجهه أمام الجمهور الذي ضاق ذرعا بفشل المفاوضات السياسية، واستمرار الصراع والانقسام على الجبهة الداخلية. وقبل ان استطرد أود ان أقول بأن من العار علينا جميعا وعلى المجتمع الدولي ذو المكيالين ان يبقى هناك أسير واحد في السجون الإسرائيلية من الأسرى الذين اعتقلوا قبل تنفيذ اتفاق أوسلو - 2 لأنهم كانوا جزءا من مرحلة المواجهة التي سبقت ما سمي بعملية السلام وإطلاق سراحهم كان يجب ان يكون شرطا مسبقا للبدء في عملية السلام آنذاك. كما ان من العار على المجتمع الدولي وأدعياء الديمقراطية في العالم ان يظل هناك أكثر من أربعين نائبا ووزيرا فلسطينيا سابقا انتخبوا بالطرق الديمقراطية فزج بهم في السجون لمجرد أنهم منتخبون، وزج معهم بالعشرات ممن انتخبوا ديمقراطيا لعضوية أو رئاسة المجالس البلدية والمحلية وكذلك المئات من النساء والأطفال. أقول هذا لأوكد إنني كنت وما زلت مقاتلا من اجل تحرير الأسرى كل الأسرى دون استثناء، ولكنني في هذه الكلمة أحاول استطلاع ما يجري على الساحة السياسية وما آل إليه الوضع التفاوضي. نحن نعيش اليوم مرحلة من أسوأ مراحل قضيتنا على الإطلاق وهي مرحلة ضياع الحقوق وتصفية القضية، ومع ذلك فان البعض يحاول الهروب من مواجهة هذه الحقيقة ومن العودة إلى الشعب ليقرر بنفسه إلى أين نحن ذاهبون وما العمل؟ لقد لفت نظري في عناوين صحيفة "القدس" بالأمس ان الرئيس الأميركي بوش يحذر روسيا من "الاستقواء" على جورجيا. ويبدو ان كلمة "الاستقواء" هذه لامست جرحا موجعا عندي. فنحن الفلسطينيون نتعرض إلى أبشع مظاهر "الاستقواء" الإسرائيلي علينا ولكننا لم نسمع ولو كلمة واحدة من أي مسؤول دولي في العالم يحذر فيها إسرائيل من "الاستقواء" على الشعب الفلسطيني.. فالاستقواء كما نفهمه هو ان يقوم طرف قوي بممارسة قوته المفرطة وباستعلاء على طرف ضعيف لا حول له ولا قوة. هذا ما يحدث معنا بالضبط. أرضنا تنهب وتسلب كل يوم. حريتنا مقيدة وباستمرار. نتعرض للاهانة وسوء المعاملة بشكل يومي منهجي. تعودنا على ان نسمع ونقرأ يوميا عن عدد الذين يقتلون ويجرحون ويعتقلون كل يوم فلا نسمع إلا الأرقام التي سرعان ما ننساها عندما نسمع أرقام اليوم التالي. فهل هناك من يهب ليحمينا من الاستقواء الإسرائيلي؟ وفي غمرة هذا الوضع نجحت إسرائيل في عزل النخبة القائدة المفاوضة عن التماس مع الهموم اليومية للمواطن العادي على الحواجز والمعابر والجسور وساحات المواجهة، وحبذا لو سمح كل واحد من هذه النخبة لنفسه ان يتخلى ولو ليوم واحد عن الامتياز الذي يعزله عن هذه المعاناة، ويجرب بنفسه ما يختبره ويمارسه المواطن العادي.. ان عزل هذه النخبة القائدة المفاوضة عن التماس مع الهموم اليومية العملية للمواطن العادي قد يؤدي - وبدون ان تشعر هذه النخبة - إلى جعل الامتياز الذي تتمتع به عائقاً أمام إقرارها بعبثية ما تعمل، وبحثها عن مخرج آخر.. وانتقل إلى دائرة أوسع.. فقد شاركت في الأسبوع الماضي في لقاءين رأيت ان انقلهما إلى القارئ كمادة للتفكير.. ضم اللقاء الأول بضع عشرات من ممثلي الجمعيات والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الحوار واللقاءات مع الإسرائيليين. وقد لفت نظري ان أكثر من نصف هذه الجمعيات تحمل في اسمها كلمة "سلام" وكأن إدخال كلمة "سلام" في اسم هذه الجمعية أو تلك يبعد عنها شبهة العنف أو "الإرهاب" أو الحرب.. ويعطيها "جواز السفر" للدخول إلى النادي الحضاري المتحدث دوماً عن السلام دون ان يقول لنا كيف يمكن الوصول إليه. لقد نجح البعض في إقناع الكثيرين منا بأن علينا ان نثبت بأننا مع السلام بعد ان وضعنا في دائرة أعداء السلام.. وأتساءل: أما آن لنا ان نتحرر من هذه التهمة وان نرفض هذا "التدجين" وان نقول للعالم وبصراحة وقوة من هو الذي يجب عليه ان يثبت بأنه ليس متطرفاً وانه يريد السلام؟ أما اللقاء الثاني، فقد دعت إليه إحدى المنظمات الأهلية وأسمته بلقاء "عصف ذهني".. بهدف بلورة ورقة من الاقتراحات والأفكار لتقديمها إلى القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية لحثهما على العمل من اجل تحقيق السلام..!! وتساءلت بصوت عال أغضب بعض الحضور عن جدوى مثل هذه اللقاءات، وعما إذا كانت القيادة الإسرائيلية بحاجة فعلاً إلى أفكار ومقترحات تخرج الوضع من الطريق المسدود الذي وصل إليه والانطلاق نحو تحقيق السلام؟ بإمكان المنظمات والدول المانحة ان تستمر في ضخ الأموال إلى المنظمات غير الحكومية، ولكن على هذه المنظمات الأهلية ان تخرج من الدائرة التقليدية وان تفكر بشكل ثوري بناء حول كيفية استعمال ما يُضخ إليها من أموال تحسب في المحصلة من الأموال التي تقدم مساعدة للشعب الفلسطيني، وهناك الكثير من محاولات العمل الأهلي لتعزيز بناء المجتمع المدني وإرساء قواعد الديمقراطية والحكم السليم دون الالتهاء بإحياء الموتى في ثلاجة العملية السياسية.. وأخيرا أقول للقيادة السياسية الفلسطينية التي تدرك بأنه ليس هناك أفق سياسي ولا حل مرئي للعين، لماذا تنفردون أنتم وحدكم، مهما كانت عبقريتكم، في اتخاذ القرار المتعلق بمصير الشعب والقضية والى الأبد؟ لماذا لا تكون الأولوية الأولى الآن هي العودة إلى الوقوف تحت سقف واحد يضم أيضاَ "فتح" و"حماس"، هو سقف الوحدة الوطنية مهما كانت التنازلات المطلوبة من كل طرف، ثم تعودون جميعاً إلى الشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة ليقرر هو، وليس الذين ظنوا ان الشعب ولدهم ثم أصيب بالعقم، ما الذي يريده وما الاتجاه الذي يختاره؟! شبكة أمين اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|