هل وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود؟ أو بعبارة أخرى هل خيار المفاوضات لم يعد مجديا كأحد أهم الخيارات لتسوية صراع مركب ممتد وتتحكم فيه العديد من العوامل الخارجية إقليمية ودولية؟ أم أن المطلوب هو مراجعة تقويمية نقدية للمفاوضات والعمل على تغيير البيئة التفاوضية حتى تتوفر التوازنات المطلوبة لإنجاح المفاوضات في المستقبل؟ وهل نحن بحاجة إلى انتهاج إستراتيجيات تفاوضية جديدة وقدرة على ما أسميه بالإبداع التفاوضي؟ وأين مسؤولية الأمم المتحدة المباشرة كونها هي المسؤولة عن قيام المشكلة الفلسطينية وكما أقامت دولة إسرائيل عليها أن تقيم أيضا الدولة الفلسطينية؟
هذه الأسئلة وغيرها العديد هي ما نقصده بالحاجة إلى إعادة تقييم العملية التفاوضية. وقبل محاولة الإجابة على بعض هذه التساؤلات لا بد من إبداء بعض الملاحظات: الملاحظة الأولى أن المفاوضات تبقى خيارا لا يمكن إلغائه في تسوية النزاعات الدولية وخصوصا المركبة منها كالقضية الفلسطينية. وثاني الملاحظات أن مسيرة المفاوضات قد تمت في لحظة التحول في بنية النظام الدولي وانهيار نظام القطبية الثنائية بانهيار الإتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي، وحيث العلاقات الإستراتيجية بينها وبين إسرائيل فكان يفترض منذ البداية أن الولايات المتحدة لن تقوم بدور الوسيط المتوازن في المفاوضات، بل أن الدور الأمريكي المتحيز لوجهة النظر الإسرائيلية يفسر لنا السبب الأساس في تعثر العملية التفاوضية، وفي الوقت ذاته غياب الدور الدولي القادر على تحقيق التوازن التفاوضي. وثالث الملاحظات بقاء الدور العربي في دور الفاقد للمبادرة والتأثير المباشر في الموقف الأمريكي، هذا إلى جانب تحول العلاقات العربية إلى شكل من أشكال سياسات المحاور والتحالفات المضادة، والذي كان يدفع الثمن السياسي فيها هو القضية الفلسطينية. أما الملاحظة الرابعة وقد تكون الأهم وهي حالة الانقسام الفلسطيني والتي وصلت إلى مرحلة القتال والتنازع الداخلي بين أهم قوتين رئيستين: "فتح" والتي تتبنى النهج التفاوضي و"حماس" والتي تتبنى النهج المقاوم، فلا يمكن لصاحب قضية وطرف رئيس في الصراع أن يتفاوض وهو في أكثر حالاته ضعفا وانقساما. وبالمقابل الملاحظة الخامسة وتتعلق بإسرائيل التي يحكمها ائتلاف حكومي غير متناغم سياسيا وخصوصا بعد ملفات الفساد الموجهة لأولمرت وعدم إستعداد إسرائيل لتقبل ليس فقط لفكرة التسوية بل وفكرة الدولة الفلسطينية. لقد بقيت هذه المعطيات مصاحبة للعملية التفاوضية دون تغيير مما أصابها بحالة من الضعف وعدم القدرة على البناء الذاتي والتراكمي للمفاوضات على مدار أكثر من عشر سنوات. هذا وعلى الرغم من فرصة أنابوليس والتي شكل انعقادها فرصة هامة للدفع بالعملية التفاوضية إلى خطوات هامة وذلك من منظور عدد الدول التي حضرت هذا المؤتمر، ومن منظور أن دولا عربية كالسعودية العربية وسوريا وماليزيا وغيرها من الدول العربية والإسلامية التي حضرت لأول مرة، وكذلك الدلالة السياسية الكبيرة لحضور الأمين العام للجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وهذا يعني الرغبة الحقيقية في الوصول إلى صيغة للسلام تقوم على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي تحتلها وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعلى الرغم من ذلك فقد تبخرت كل الآمال على نجاحه، بل أن كل ما تم التوافق عليه قد ذهب أدراج الرياح بسبب استمرار إسرائيل في سياسة الاستيطان ومصادرة الأرض الفلسطينية وممارسة سياسة الحصار، ومما زاد الأمور تعقيدا حالة الانقسام الفلسطيني ما بين غزة والضفة الغربية، انشغال وانهماك الدول العربية في قضاياها الداخلية، وتزاحم الأجندة الأمريكية بقضايا غير القضية الفلسطينية كالعراق والملف النووي الإيراني، كل هذا جعل خيار أنابوليس مصيره الفشل كما في الخيارات السابقة، ولعل المشكلة الرئيسة أن المفاوضات التي تمت منذ أنابوليس تمت في ظل نفس السياقات السابقة دون تعديل أو تغيير أو تبدل في مواقف الأطراف التفاوضية، ولذلك كان حتما أن نصل إلى هذه النتيجة وتقزيم العملية التفاوضية في أوراق قليلة كإطار عام للتسوية تسعى الولايات المتحدة إلى الوصول إليه حتى يمكن البناء علية سياسيا في المستقبل. ويبقى إذا أريد للمفاوضات أن تحقق النتائج المطلوبة منها أن تعيد الولايات المتحدة تقييمها لكل المفاوضات وتجنب السلبيات السابقة، وعدم الانقطاع في المراحل التفاوضية، بل لا بد من البناء على كل مرحلة تفاوضية، مع القدرة على فرض الالتزامات التي يتطلبها نجاح المفاوضات وخصوصا من قبل الجانب الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته لا بد من تفعيل دور القوى الدولية الأخرى كدول الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من الدول. والمهم على المستوى الفلسطيني الذي يحتاج إلى مراجعة كاملة، أن وصول المفاوضات إلى طريق مسدود لا يعني هزيمة لطرف لحساب الطرف الآخر، بل على العكس تبقى المفاوضات احد أهم الخيارات في يد المفاوض الفلسطيني، لكن المطلوب توفير البيئة السياسية الداخلية الداعمة والمساندة، مع الاحتفاظ بحق المقاومة الداعمة للمفاوض الفلسطيني، وعليه إدراك أن بناء نظام ديمقراطي يشكل أحد الخيارات الهامة كخيار المقاومة، ولا يقل أهمية في ضمان الدعم والتأييد الدولي للمفاوض الفلسطيني، وهناك خيار إحياء القرارات والمرجعيات الدولية، وتفعيل المبادرة العربية وتنشيطها وهذا يتطلب دورا عربيا فاعلا ومؤثرا دوليا. وأخيرا علينا أن ندرك أن القضية الفلسطينية جزء من منظومة القوى الإقليمية والدولية وبقدر توظيف عناصر القوة لصالح الموقف الفلسطينية بقدر الوصول إلى مفاوضات ناجحة وملزمة على الجانب الإسرائيلي، فالمفاوضات في النهاية هي عملية توظيف ناجحة لعناصر القوة والتي لا نملك كل عناصرها. عن شبكة أمين اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|