على خلفية الاستعصاء في تجسيد خيار الدولة المستقلة تشهد الساحة الفلسطينية، في هذه المرحلة، نقاشا واسعا بشأن جدوى استمرار هذا الخيار، في واقع تستمر فيه إسرائيل بتعزيز الاحتلال والاستيطان والتهويد ومصادرة الحقوق.
فقد أمضت الحركة الوطنية الفلسطينية 35 عاما من عمرها في تبني خيار الدولة المستقلة إلى جانب إسرائيل (منذ عام 1974). ومضى على المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي، التي تضمنها «اتفاق أوسلو» (1993) ومدتها خمسة أعوام، خمسة عشر عاما، من دون أن يعرف أحد متى أو كيف ستنتهي! الملفت الآن أن هذا النقاش لم يعد يقتصر على إطار المثقفين والعاملين بالشأن السياسي العام، وإنما بات يشمل الحلقة الضيقة من صناع القرار في الساحة الفلسطينية، وهو ما صرح به الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعديد من المقربين منه، وحتى إن أحمد قريع (رئيس الوزراء السابق وأحد قياديي فتح)، تحدث عن إمكان الانتقال من خيار الدولة المستقلة إلى خيار الدولة الواحدة «ثنائية القومية»، في حال أصرت إسرائيل على تملصاتها من عملية التسوية. هكذا يبدو ان الساحة الفلسطينية بصدد الانتقال إلى خيار ثالث، بعد خيار التحرير وخيار الدولة المستقلة. ولكن مشكلة هذا الانتقال اليوم، وفيما مضى أنه يتم في ظروف غياب الهيئات التشريعية وتآكل مؤسسات صنع القرار اللازمة لتفحص الخيارات السياسية والتقرير بشأنها، وفي مناخ المزايدات الفصائلية، وتدني مستوى الديمقراطية وتغليب الروح الشعاراتية في الخطابات السياسية على حساب التفكير العقلاني والواقعي. ومعنى ذلك أن عملية الانتقال هذه تتضمن إشكاليات وصعوبات عديدة، أهمها: 1 ـ بمعزل عن البعد النظري والرغبات، فمن الناحية العملية يبدو أن ثمة شرعية لكل الخيارات المطروحة من خيار التحرير إلى خيار الدولة المستقلة في الضفة والقطاع وصولا للدولة الاتحادية، أو الكونفدرالية الثلاثية، أو ثنائية القومية أو الديمقراطية العلمانية. ففي العمل السياسي، وفي الصراعات الشاملة والمعقدة والممتدة، لا يمكن التعويل على أو الارتهان لخيار بعينه، وإنما ينبغي الانفتاح على جميع الخيارات، على أن توصل إلى النهاية المتوخاة، وهي في الموضوع الفلسطيني تتعلق بتقويض تجلّيات المشروع الصهيوني، باعتباره مشروعا استعماريا واستيطانيا وعنصريا، ذات بعد سياسي وظيفي. بمعنى أن كل الخيارات ينبغي أن تصبّ في هذا الاتجاه، على المدى البعيد، ولو بشكل متدرج. ومن الواضح أنه من دون انقلاب في وعي الإسرائيليين ومن دون تغير ملموس، لصالح العرب، في موازين القوى، ومن دون تغير وضع العرب أنفسهم فإن الباب سيبقى مسدودا أمام كل الحلول طوباوية كانت أو أقل طوباوية. وإذا كان الهدف تقويض الصهيونية بمؤسساتها وتجلياتها فإن الوصول لهذا الهدف البعيد يحتاج لتدرجات وتوسطات، تمهد أو تقود إليه. 2 ـ لا توجد أطروحة بين الأطروحات المتداولة (دولة ديمقراطية أو كونفدرالية أو دولة ثنائية أو دولتين لشعبين) لا تتضمن حلا مجحفا بحق الفلسطينيين، لاسيما وأنها كلها تنطلق من وجود إسرائيل ووجود جماعة قومية إسرائيلية، لذا تبدو المفاضلة بين هذه الأطروحات نسبية، وخاضعة لمعطيات ومتطلبات كل مرحلة، فالوضع يتعلق بالبحث عن عدالة نسبية وليس عن عدالة مطلقة. كما أن المسألة لا تتعلق بقرار ينهي الصراع إذ أن حل المسائل التاريخية لا ينتهي بقرارات واتفاقيات، فصراع على هذه الشاكلة يمكن أن يأخذ أشكالا متغيرة، ليست بالضرورة عنفيّة أو استئصالية، لذلك ليس ثمة شيء اسمه نهاية الصراع هنا. 3ـ إن أي خيار فلسطيني، على الصعيد المستقبلي سيظل مرتهنا لمجمل المسارات والتطورات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، وبالتالي بمستقبل التشكيلات والنظم السياسية القائمة أو القادمة. بمعنى أن مصير أي خيار سيرتبط بمسارات الانفصال وبالأحرى الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة العربية. 4ـ إن المعضلة الأساسية للساحة الفلسطينية لا تتوقف على خيار بعينه فقط، على أهمية ذلك، وإنما هي ترتبط، أيضا، بالوسائل النضالية المتاحة لتجسيد هذا الخيار أو غيره، وطريقة إدارة الكفاح من اجل الوصول إليه بأقوم واقصر ما يمكن، بمعنى تقليل الخسائر. فمن الواضح أن الحركة الفلسطينية لم تستطع، خلال أكثر من أربعة عقود، من تحقيق الإنجازات التي تتناسب مع التضحيات الكبيرة التي بذلها الشعب، ليس بسبب موازين القوى والمعطيات المختلة لصالح العدو فقط، وإنما بسبب ضعف البنى الذاتية، وتخلف إدارة الصراع مع العدو، وتدني القدرة على المزاوجة بين خيارات عدة. فالبنى الذاتية والإدارة والوسائل المناسبة تلعب دورا كبيرا في تجسيد أي خيار، بتوسيع الخيارات الضيقة، وتطوير الخيارات الناقصة (بدينامياتها اللاحقة). وتلعب دورا كبيرا في تقليل الخسائر، بأقل تقدير. هكذا لعب العامل الذاتي (البنية والإدارة) دورا كبيرا في إخفاق مختلف الخيارات التي تبناها الفلسطينيون، من المقاومة إلى التسوية، ومن الانتفاضة إلى المفاوضة، ما يفسّر حقيقة أن كلفة نضال الفلسطينيين ومعاناتهم، البشرية والمادية والمعنوية لا تتناسب مع العوائد المرجوّة إن لم تكن على الضدّ منها! على ذلك فإن تعقيدات الوضع الفلسطيني تفترض إيجاد معادلات سياسية جديدة، ومبتكرة، لشق مختلف الطرق نحو الهدف المتمثل بتقويض المشروع الصهيوني، بتعبيراته الأيدلوجية العنصرية وبمظاهره العدوانية، وصولا لحل المسألتين الفلسطينية والإسرائيلية اللتين أوجدهما هذا المشروع في المنطقة. ويمكن الاستنتاج من كل ذلك بأن الساحة الفلسطينية، وعلى ضوء التجربة الماضية، باتت معنية بمراجعة بديهياتها وأولوياتها ومناهجها وطرق عملها، والانتقال من حقل التفكير بالمطلقات إلى التفكير بصنع الوقائع. والانطلاق من أن عملية التغيير ليست عملية انقلابية تتم دفعة واحدة وإنما باعتبارها عملية تراكمية تدريجية. أيضا آن الأوان لوضع إسرائيل أمام خيارات وتحديات حقيقية، سواء أمام نفسها أو أمام العالم، وبالنسبة للفلسطينيين، ولو تطلب ذلك حل السلطة، والنكوص عن هدف الدولة المستقلة، لصالح أهداف أكثر عمقا ودلالة وتأثيرا، ولو كانت أكثر تعقيدا. فقد آن الأوان للخروج من زاوية الخيار الواحد، وإيجاد معادلات سياسية جديدة، من شأنها توسيع الخيارات التفاوضية، بعد هذا الانسداد الحاصل في مسيرة التسوية. عن صحيفة البيان الاماراتية اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|