مفتاح
2025 . الإثنين 9 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
ما كانت إسرائيل لتسمح للمركبين الدوليين اللذين حملا مساعدات إنسانية للفلسطينيين بالوصول إلى مرفأ قطاع غزة المحاصر لو لم تكن السفن الحربية الأميركية التي تحمل مساعدات إنسانية إلى الجيورجيين تبحر في الوقت ذاته عبر الدردنيل والبوسفور باتجاه البحر الأسود لتوصيل المساعدات التي تحملها إلى جورجيا.

لو ان إسرائيل اعترضت الزورقين الصغيرين تحت أي ذريعة ربما لوجد الروس في ذلك سابقة للاعتراض على وصول المساعدات الأميركية إلى جورجيا. وربما لتفّهم العالم الموقف الروسي خاصة بعد الدور الإسرائيلي الداعم عسكرياً للحكومة الجيورجية.

فالحصار الإسرائيلي المضروب على غزة التي احتلتها إسرائيل ودمرت بنيتها التحتية، عمره أكثر من عام. أما جورجيا، التي منيت بهزيمة عسكرية في حرب خاطفة كانت هي البادئة فيها، لم يمضِ على مأساتها سوى أيام معدودات. وهي لم تتعرض أساسا للحصار، ولم تحجب روسيا عنها، كما تفعل إسرائيل في غزة، الماء والدواء والغذاء.

كذلك، ما كانت إسرائيل لتسمح للزورقين بالوصول إلى غزة لو ان الزورقين قدما من مرفأ عربي وليس من قبرص حيث خضعا لتفتيش دقيق شارك فيه الموساد الإسرائيلي. ولعل من اسباب سماح إسرائيل بدخول الزورقين هو استغلال هذه المبادرة الإنسانية الكريمة للإيحاء للفلسطينيين المحاصرين بأن العرب مقصّرون بحقهم، وإنهم عاجزون حتى عن أن يقدموا لهم بعض ما جاد به الخيّرون الأجانب عليهم. بل ان إسرائيل ذهبت إلى ابعد من ذلك عندما أوحت وكأن الدول العربية بما فيها السلطة الفلسطينية ذاتها متواطئة في الحصار على قطاع غزة لمجرد ان حركة حماس هي التي تتولى السلطة فيه !!.

ومن المؤسف ان هذا التوجيه الفتنوي انطلى على كثير من الفلسطينيين في غزة وخارجها، وعلى بعض العرب، في دولهم وخارجها. وارتفعت أصوات من هنا وهناك تدين "مؤامرة الصمت العربي" التي فضحتها المساعدات الإنسانية الدولية!!.

لقد حاولت إسرائيل ولم تزل تحاول توظيف سماحها للزورقين الدوليين بدخول مرفأ غزة لادانة التقصير العربي وليس لادانة الحصار الإسرائيلي ولتحويل غضب الإنسان العربي نحو ما تقوم به إسرائيل إلى ما لا تقوم به الدول العربية، وكأن المشكلة الإنسانية التي يعاني منها أهلنا في غزة سببها امتناع عربي عن المساعدة وليس الحصار الذي تفرضه إسرائيل بالقوة العسكرية.

من المؤسف الاقرار بأنه ليس صحيحاً ان العرب عامة والمسلمين منهم خاصة يعملون بقول النبي محمد عليه السلام: "ليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع". ولكن ليس صحيحاً أيضاً أنهم قصّروا في تقديم المساعدات لإخوانهم الفلسطينيين المنكوبين بالعدوان الإسرائيلي المستمر.

وحتى الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية التي أريقت بسببها دماء غزيرة وعزيزة والتي تتواصل تحت الاحتلال الإسرائيلي وخلف أسوار حصاره الوحشي لم تشكل، ويجب ان لا تشكل، أي سبب للتردد في تقديم المساعدات. غير ان خرق الحصار الإسرائيلي الذي دانته الامم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية يحتاج إلى ضغط سياسي دولي على إسرائيل لرفع هذا الحصار، كما يحتاج إلى مبادرات دولية تقوم بها منظمات حقوق الإنسان والصليب الأحمر الدولي وسواها لنقل المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر إلى ان تلوي ذراع الاحتلال الإسرائيلي، ويفك الحصار وتعود السيادة الوطنية إلى أهلها الفلسطينيين.

فمن السهل ان تتهم إسرائيل أي سفينة عربية تحمل المساعدات لأهالي غزة بأنها تنقل أيضا أسلحة وذخائر إلى الفلسطينيين وان تمنع بالتالي وصولها تحت هذا الغطاء الاتهامي. ولكن إسرائيل لا تستطيع ان توجه مثل هذا الاتهام إلى المؤسسات الدولية، خاصة وان هذه المؤسسات تمكّن إسرائيل من تفتيش المساعدات التي تنقلها، كما تمكّنها من مراقبة خط إبحارها حتى تصل إلى مرفأ غزة. ولذلك فان هذه المؤسسات قادرة على ان تفعل ما لا تقدر عليه الدول أو الجمعيات الأهلية العربية.

ولعل أخطر ما في الظاهرة المتمثلة في فرحة خرق الحصار الإسرائيلي هو اعتبار هذا الخرق انتصاراً وطنياً فلسطينياً على النحو الذي بدا من خلال تصريحات عدد من المسؤولين الفلسطينيين، وحتى الإعلاميين العرب. الا ان خرق الحصار لا يعني إزالته، ولا يعني رفع كابوس الاحتلال. والفرحة بوصول مساعدات إنسانية لا يعني انتصاراً وطنياً.

لقد جرت محاولات حثيثة منذ وقوع النكبة في عام 1948 لتحويل القضية الفلسطينية من قضية حقوق وطنية إلى قضية حاجات إنسانية، ولاختصار أبعادها الحقوقية في الحرية والسيادة بأبعاد استهلاكية غذائية وكسائية. بدأت هذه المحاولة مع إنشاء هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.. وهي تأخذ اليوم صورة جديدة من خلال خرق الحصار الإسرائيلي على غزة. وكأن المهم هو مجرد تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة سواء إلى المخيمات في المهجر.. أو تحت سقف الحصار إلى عمق الوطن المحتل !!.

لقد كان إنشاء هيئة الإغاثة بمثابة مخدر لتعويد اللاجئين على الاعتماد على المساعدات التي تقدمها الهيئة لهم، وربما يشكل خرق الحصار ـ الذي قد يتوالى ـ مخدراً من نوع جديد. لكن المقاومة الفلسطينية، والانتفاضات الفلسطينية أثبتت مناعة الإنسان الفلسطيني ضد هذه النماذج من التخدير واستعصاءه على محاولات القهر أو التدجين.

عن صحيفة المستقبل اللبنانية

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required