مفتاح
2024 . الخميس 28 ، آذار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لم تنفصل المقاومة بمختلف أشكالها يوماً عن حياة الشعب الفلسطيني ونهجه في الدفاع عن أرضه ووطنه، فأين ثمة احتلال ثمة مقاومة لهذا المحتل دون شك. لذا فقد ارتبطت المقاومة وأساليبها بالقضية الفلسطينية نتيجة للوضع السياسي الذي يعانيه شعبها منذ عقود. وبالعودة للمعجم الوسيط، "قاوَمَه في المصارعة وغيرها تعني قام له، وفي الحاجة تعني قام معه فيها." أما المقاومة اصطلاحاً فتعني الوسائل التي تستخدم لمقاومة المحتل فإما أن تكون سلمية أو مسلحة.

وقد استخدم الشعب الفلسطيني النهجين خلال الأربعة والستين عاماً من الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن هناك توجهاً شعبياً نشط منذ بضع سنين نحو المقاومة السلمية، وإن ظل البعض الآخر يؤمن بأهمية المقاومة المسلحة وعدم انفصالها عن المقاومة الشعبية السلمية.

وقد كشف استطلاع للرأي بادرت بفكرته المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" ونفذه معهد "أوراد” بعنوان الحراك الشبابي، التوجه السياسي، الوضع الداخلي، الانتخابات، المفاوضات، الربيع العربي والاحتياجات والأولويات، أن نصف الشباب في الضفة الغربية والقطاع يؤيدون الوسائل السلمية كأفضل خيار لإنهاء الاحتلال. وفي ذات السياق، أكد 72% من الشباب استعدادهم للمشاركة في تظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي. وأفاد الاستطلاع أن 87% لديهم الثقة بقدرات الشباب الفلسطيني لقيادة الدولة في المستقبل، لكن فقط 20% من الشباب يشاركون في نشاطات الحراك الشبابي وذلك لأن 57% من الشباب أعربوا عن قلة ثققتهم بقدراتهم الشخصية على التغيير. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستطلاع جرى في الفترة الواقعة بين 15– 17 كانون الثاني من عام 2012. وتضمن الاستطلاع عينة عشوائية مكونة من 1200 شاب وشابة من الفئة العمرية ما بين 18-30 عاماً من الضفة الغربية وقطاع غزة.

أولا: الانتفاضتان:

أ‌. الانتفاضة الأولى:

خلال 64 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي اعتمد الفلسطينيون طرقاً شتى في المقاومة الشعبية، فكانت المقاومة بطابع مدني في الانتفاضة الأولى بينما أخذت الطابع المسلح في الانتفاضة الثانية رغم عدم تكافؤ القوى مع جيش الاحتلال، أما اليوم فيعود الشعب الفلسطيني إلى المقاومة الشعبية السلمية، كخيار وطني وبطرق مختلفة.

وقد اندلعت الانتفاضة الأولى والتي تسمى أيضاً بانتفاضة الحجارة في كانون الأول من عام 1987، وكانت بداياتها في قطاع غزة ومن ثم امتدت إلى باقي المدن الفلسطينية في الضفة الغربية بالإضافة إلى مشاركة فلسطينيي 1948 في الانتفاضة بطرق مختلفة. كانت نهاية هذه الانتفاضة مع اتفاقية أوسلو عام 1993، بعد أن استشهد خلالها ما يقارب 1300 فلسطيني وجُرح وأسِر عشرات الآلاف الآخرين.

عدة أسباب أدت إلى اندلاع هذه الانتفاضة ومنها استمرار الاحتلال وعدم الاستقرار السياسي والإهانة اليومية التي يتعرض لها أبناء شعبنا، بالإضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي وإعلان القدس كعاصمة أبدية لِ "إسرائيل" بعد هزيمة 1967. هذه الأسباب كانت الوقود الذي حرك أبناء فلسطين للنضال بأشكاله المختلفة، لكن الشرارة لهذه الانتفاضة كانت حادثة دهس سيارة فلسطينية واقفة من قبل شاحنة يقودها إسرائيلي في الثامن من كانون الأول عام 1987 في جباليا (شمال شرق مدينة غزة)، والتي أدت إلى استشهاد أربعة أشخاص وجرح آخرين.

امتازت انتفاضة الحجارة بالمقاومة الشعبية السلمية حيث اعتمدت على المظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي ومقاطعة البضائع الإسرائيلية بالإضافة إلى رفض دفع الضرائب وعدم الاكتراث بأوامر منع التجوال والكتابة على الجدران.

ومن الأمثلة على المقاومة الشعبية في انتفاضة الحجارة حسب ما ذُكر في المركز الفلسطيني للإعلام ، مقاومة سكان منطقة بيت ساحور الذين تخلوا عن هواياتهم الشخصية للحاكم العسكري رفضاً لدفع الضرائب. إضافة إلى ذلك، أنشأوا مزرعة أبقار محلية لتحدي سيطرة الاقتصاد الاسرائيلي على المنطقة. أما بالنسبة لمقاومة فلسطينيي 1948، فقد استغلوا وجودهم داخل الخط الأخضر لمساعدة أبناء شعبهم وقاموا بمظاهرات مؤيدة للانتفاضة، بالإضافة إلى تبرعهم بالغذاء والأدوية والمال ووحدات الدم لأهلهم في الضفة والقطاع.

ب‌. الانتفاضة الثانية:

أما الانتفاضة الثانية فقد انتهجت مساراً مختلفاً عن الانتفاضة الأولى حيث امتازت بكونها انتفاضة مسلحة وليست مدنية كسابقتها. كانت الشرارة لهذه الانتفاضة يوم 28 من أيلول عام 2000 حين زار زعيم حزب الليكود الإسرائيلي في حينه (والذي أصبح رئيس الوزراء في عام 2001) أرئيل شارون باحات المسجد الأقصى مع ألف من الجنود، وفي اليوم التالي أي في 29 من أيلول عام 2000 هاجم جيش الاحتلال المصلين في المسجد الأقصى ووقع عدد من القتلى و220 جريحاً مما أشعل الغضب في المكان المقدس وبِدأت أول مواجهات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ولهذا سميت الانتفاضة الثانية "بانتفاضة الأقصى" .

اعتمدت انتفاضة الأقصى بداية على الحجر ثم تطورت إلى اشتباكات مسلحة على نقاط التماس والحواجز العسكرية الإسرائيلية. وفي هذه الفترة عاد شكل جديد من أشكال المقاومة ألا وهو العمليات التي اختلف الكثيرون على تسميتها، فسماها البعض بالاستشهادية وآخرون بالانتحارية أو الفدائية. وقام بأغلبية هذه العمليات كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وتليها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ومن ثم كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح. وقد نُفذت معظم هذه العمليات داخل الخط الأخضر وأودت بحياة الكثير من الإسرائيليين مدنيين وعسكرين وكذلك بعض العرب والأجانب اللذين يتواجدون في المكان، وذلك رداً على جرائم الاحتلال. بعض الفلسطينيين اعترضوا على العمليات الفدائية لأنها تقتل الأبرياء والمدنيين.

في ذات الوقت، كانت الانتفاضة الثانية بداية لمقاطعة المنتوجات الإسرائيلية وكانت إحدى الطرق التي اتبعها الشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال بالطريقة السلمية والتأثير على اقتصاده. فقد صدر تقرير في نهاية شهر آذار من عام 2001 في جريدة "يدعوت احرونوت" يؤكد على انخفاض الصادرات الإسرائيلية إلى المناطق الفلسطينية بنسبة 50%. وأكد رئيس الغرفة التجارية الإسرائيلية في تصريح له أن "نسبة الاستهلاك والشراء الفلسطيني للمنتجات الإسرائيلية انخفضت بمعدل 35% خلال الشهور الثلاث الأولى لبدء حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية" .

وقد أسفرت انتفاضة الأقصى عن استشهاد 5,227 فلسطينياً وجرح واعتقال عشرات الآلاف، بالإضافة إلى بناء جدار الفصل العنصري ابتداءً من عام 2002.

ثانياً: المقاومة الشعبية اليوم:

بعد نكبةٍ ونكسةٍ وانتفاضات يعود اليوم الشعب الفلسطيني للمقاومة الشعبية السلمية وتؤكد قيادته دعمها لها فيما يُوضع السلاح جانباً، باستثناء المقاومة المسلحة من قبل حركة الجهاد الإسلامي تجاه العدوان الأخير على قطاع غزة في آذار 2012.

والمقاومة الشعبية اليوم تأخذ طابعاً شبابياً، وذلك لأن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع فتي. فحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني عام2011 "فإن نسبة الشباب في الأرض الفلسطينية ومن هم في سن (15-29) سنة، بلغت حوالي 30% من إجمالي السكان."

أ‌. مقاطعة بضائع المستوطنات:

مقاطعة بضائع المستوطنات كانت أحد أهم ركائز المقاومة السلمية الشعبية إلى جانب المظاهرات السلمية ضد جدار الفصل العنصري وضم الأراضي لبناء المستوطنات، وبشكل دوري في عدد من القرى ومنها بلعين ونعلين بالإضافة إلى حركة 15 آذار الشبابية لإنهاء الانقسام، التي جاءت للمطالبة بإنهاء الانقسام الممتد على مدار السنوات الخمس الماضية، وانطلقت في سياق ثورات الربيع العربي عام 2011.

وفيما يخص مقاطعة بضائع المستوطنات، فقد جاءت المطالبة بهذه المقاطعة بشكل صريح في وثيقة الكرامة التي وقع عليها ألاف الفلسطينيين والتي تنص على أن "نحن أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وأديانه وفئاته العمرية قد اجتمعنا على الرغبة والإصرار في النهوض والتخلص من تبعات المستوطنات وآثارها في مدننا وقرانا ومخيماتنا..وسنواصل حتى يخلو كل بيت فلسطيني من إنتاج المستوطنات" .

يؤمن الكثيرون بأن مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية له تأثير بالغ على الاقتصاد الإسرائيلي. ولذلك تقام حملات توعية لإقناع جميع الفلسطينيين بأهمية هذه الخطوة. وقد بدأت في عام 2011 حملة شبابية جديدة لمقاطعة المنتوجات الإسرائيلية بعنوان "بادر لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية". وأكد القائمون على الحملة أن "تخفيض استهلاك البضائع الإسرائيلية في السوق الفلسطيني بنسبة 10% فقط، سيساهم في توفير 100 ألف فرصة عمل للخريجين الفلسطينيين."

ب‌. المقاومة الشعبية ضد الجدار:

ومن مظاهر المقاومة الشعبية السلمية الأخرى اليوم هي المظاهرات المناهضة لجدار الفصل العنصري، ومن أهمها المظاهرات التي تقام كل يوم جمعة في قريتي بلعين ونعلين والنبي صالح وغيرها بمشاركة أهالي كل قرية ومتضامنين فلسطينيين وأجانب وإسرائيليين مناصرين للسلام.

بدأ نضال قرية بلعين ضد الجدار العنصري في كانون الثاني من عام 2005 حين صادر الاحتلال 1600 دونم من أصل 4000 دونم تابعة للقرية لبناء جدار الفصل العنصري، أما قرية نعلين فبدأ نضالها ضد الجدار عام 2008.

هذه التظاهرات الأسبوعية السلمية تُقابل دائماً بعنف من جيش الاحتلال. فبينما يرفع المتظاهرون الشعارات المناهضة الجدار وتعلو هتافاتهم يقابلهم الجيش بقنابل الصوت والغاز إضافة إلى إطلاق الأصوات المزعجة ورش المتظاهرين بالمياه العادمة، فيسقط عدد من الجرحى أسبوعياً ناهيك عن الذين استشهدوا أثناء هذه المظاهرات السلمية. لكن الشعب الفلسطيني لا ييأس، فما يزال الكثيرون يتظاهرون أسبوعياً في بلعين ونعلين حتى أن الشباب الفلسطيني استحدث وسائل مقاومة جديدة لجلب الرأي العام. هذه الابتكارات المميزة تتماشى مع القضايا الرئيسية على الساحة الفلسطينية. على سبيل المثال، تضامنت مظاهرات بلعين في 17 من شباط 2012 مع الأسير الفلسطيني المضرب عن الطعام في حينه خضر عدنان، وقد لبس العديد من الشباب اللحى مثل عدنان للقول أن كل الشعب الفلسطيني خضر عدنان.

هذه المظاهرات السلمية تقلق الجيش الإسرائيلي أكثر من المظاهرات المسلحة والعنيفة. فقد كشفت ويكليكس عن وثيقة سرية تؤكد تذمر قادة جيش الاحتلال من مظاهرات بلعين ونعلين السلمية المناهضة لجدار الفصل العنصري. وعقب الأمريكيون على هذه الوثيقة قائلين إن "المظاهرات الأقل عنفاً تحبط معنوية الجيش الإسرائيلي أكثر من المظاهرات العنيفة."

ج. حركة 15 آذار 2011:

كان الطابع العام لهذه الحركة مشابه لثورات الربيع العربي، فتم الإعلان عن موعد المظاهرة ومطالبها عبر صفحات الفيسبوك واعتصم بعض المتظاهرون في كل من دوار المنارة في مدينة رام الله وميدان الجندي المجهول في غزة لإثبات جديتهم في المظاهرات، وأهم ما في الأمر أنها كانت شبابية.

حركة 15 آذار الشبابية لإنهاء الانقسام هي بشكل غير مباشر مقاومة شعبية ضد الاحتلال؛ فبإنهاء الانقسام والتوحد نستطيع أن نقاوم المحتل ونستعيد حريتنا وكرامتنا. وقد انطلقت مظاهرات حاشدة على دوار المنارة وعند ميدان الجندي المجهول مطالبين بإنهاء الانقسام الفلسطيني والتوحد وذلك في 15 آذار2011 .

مقاومةٌ تبقى مستمرة على أرض وطننا فلسطين مهما تغيرت أشكالها، فاليوم، وكما ذكر استطلاع رأي معهد أوراد، يميل أغلبية الشباب في الضفة الغربية والقطاع إلى المقاومة الشعبية السلمية آملين في نيل الحرية. اليوم نكمل ما بدأه أجدادنا من مقاومة ضد المحتل متسلحين بالمظاهرات السلمية ومقاطعة البضائع الإسرائيلية إضافة إلى حركات تسعى إلى إنهاء الإنقسام.

ربى عوض الله: طالبة إعلام في جامعة بيرزيت، متطوعة في دائرة الإعلام والمعلومات، في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية- مفتاح، ويمكن الاتصال بها عبر البريد الإلكتروني mid@miftah.org

للاطلاع على التقرير بالكامل

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required