مفتاح
2024 . الخميس 9 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

قد يتعجب الموظف الفلسطيني من تزامن المصائب التي تتعاقب بالسقوط على رأسه، مختارة التوقيت ذاته، فهو وإن كان قد ذاق مرارة الحرمان من الراتب ومن نصفه أو من ثلاثة أرباعه، أو من انتهائه قبل منتصف الشهر، إلا أنه أطرق يضرب "أخماسه في أسدادسه"، عندما ترافق تأجيل صرف الراتب مع زمرة المناسبات الصيفية وما تحمله من التزامات اجتماعية، ونحن لا نتحدث هنا عن أي رفاهية صيفية، كرحلات أو غيرها من ما يقتضيه الصيف، بل أن الحديث يدور عن الالتزام بتوفير الحد الأدنى من كفاف العيش، مضاف إليها مواجهة الأعباء الاجتماعية، التي أرهقت الميسور فما بال حال المعسر؟! الذي ارتأى التجاهل و"التطنيش" حفاظا ًعلى ماء الوجه من الإحراج، الذي يلاحقه نتيجة الالتزامات والأزمات المتزامنة، غير أن أياً من التجاهل أو الاختفاء عن الأنظار، لن ينفعه أمام التزاماته المصرفية، التي لا تعرف المشاعر والعواطف، وتفهم لغة واحدة هي الالتزام بتسديد الشيكات المستحقة والتي تم تحريرها بالتزامن مع صرف الرواتب.

هذا هو حال الموظف، وأي حال بعد هكذا حال! وأي خبر بعد أن يتلقى عدم صرف رواتب الموظفين في موعدها، وهو 7 من الشهر الحالي، وإمكانية صرفه بعدها بأسبوع إلى عشرة أيام، نتيجة للأزمة المالية التي تعاني منها السلطة، حيث كانت الحكومة الفلسطينية قد أكدت السبت الماضي أنه لم يحدث أي تطور على الوضع المالي للسلطة الوطنية وهو ما أكدته أيضاً اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بداية الشهر الجاري، مشيرة إلى أزمة مالية صعبة تمر بها.

في حين طالبت نقابة الموظفين العموميين سلطة النقد بالتدخل لدى البنوك لتأجيل تحصيل الشيكات المستحقة للبنوك على الموظفين الذين لم يتسلموا رواتبهم في موعدها بسبب الأزمة المالية الخانقة، وقد نُقل عن نائب رئيس نقابة الموظفين معين عنساوي قوله إنه في ظل تأجيل صرف رواتب الموظفين أصبح لزاماً على كافة الجهات ذات العلاقة سواء كانت حكومية أو غيرها الوقوف إلى جانب الموظفين حتى يتمكنوا من تخطي هذه الأزمة.

فيما أكد جهاد الوزير رئيس سلطة النقد أن البنوك ستكون متعاونة للحد الأقصى لتخفيف الأزمة على الموظفين، وذلك بالتعاون مع السلطة والبنوك.

ولنفرض جدلاً أن البنوك استجابت لهذا الطلب، لكن ماذا عن شركة الكهرباء والماء والاتصالات وغيرها والتي لا يغطيها الراتب كاملاً إذا ما صرف في موعده. وحتى يحين موعد صرف الراتب، سيصل الموظف على أبواب شهر رمضان وهو مثقل بالديون، خاصة مع اضطراره لمواجهة الغلاء المترافق مع الشهر، فيما حكومته تستجدي العرب والغرب لحل الأزمة، فيدفع الموظف المسحوق وحده الثمن، لأنه الحلقة الأضعف ولأنه في نهاية السلم الاجتماعي والوظيفي، وعليه أن يواجه الواقع أو أن يقبل دون مواجهة حتى، فيما يتخلى عنه الجميع في معركته هذه، فلسان حال العالم يقول له: "اذهب أنت وربك فقاتلا".

عجز في الميزانية، تعجز السلطة الفلسطينية عن سداده بسبب عدم التزام الأخوة العرب بوعودهم تجاه تقديم الدعم المالي للسلطة، إما انشغالاً بدعم ما يحقق أهدافها ومآربها في الربيع العربي، حسب أجنداتها الشخصية، وإما انشغالاً بالصرف على نزوات بعض حكامها، وكان الأجدر أن يتعلم العرب من الاتحاد الأوروبي كيف تعامل مع أزمة ديون اليونان، حين احتوى الأزمة ولم يقف على الحياد، ولم يقف متفرجاً رافعاً يداه وكأن الأمر لا يعنيه.

والحقيقة أنه وعوضاً عن العجز المالي، والغلاء المعيشي الذي يواجهه الموظف، فهو أيضا ً قد تورط اجتماعيا ًواقتصادياً في القروض المصرفية التي أغرقته بأقساطها الشهرية، حتى لم تبق له من راتبه ما يكفيه العيش الكريم، فكأنه يعيش في فقاعة رفاهية وهمية، من بيت وسيارة بقروض بنكية، ونتيجة لهذا الحال يخشى المحللون أن يكون هذا مقدمة لما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات، عندما انهارت النظم المالية، ووجد معظم المقترضين أنفسهم في الشارع نتيجة لذلك.

غير أن الولايات المتحدة والمجموعة الغربية قد قررت إقامة صندوق خاص لضمان قروض الفلسطينيين أمام المصارف العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويسمى Loan Guarantee Fund (LGF). بحيث يضمن المجتمع الدولي تسديد القروض للمصارف مع ضرورة الاستمرار بمطالبة أصحاب القروض بالتسديد، وذلك حتى تستمر المصارف بالإقراض المفرط.

فهل ستكون هذه بداية النهاية؟ وهل سيقع الموظف في هذا الفخ، فوق كل ما يعانيه كمواطن فلسطيني من ذل وقهر نتيجة الاحتلال الإسرائيلي؟ أم أن الحكومة الفلسطينية ستعالج كل العلل التي تعتريها، من سوء تخطيط وتوزيع، وإهدار للمال العام، قبل أن ينتفض الموظف المقهور في وجه كل من هو أمامه، عندما لا يجد قوت يومه أو علاج ابنه أو إيجار منزله.

إن تكرار الأزمة المالية من حين إلى آخر، يتطلب من الحكومة وضع خطة إشفاء اقتصادية تتيح لها موارد كافية ودائمة، تؤمن فيها على الأقل رواتب موظفيها وهو أضعف الإيمان، وتمنحها مستقبلاً إمكانية تحقيق ما وعدت به شعبها من دولة مؤسسات، ولن يتحقق هذا إلا بالاعتماد على الذات أولاً وأخيراً.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required