لم تغب بعد عن مخيلتي صورة أطفالك وسط ركام أثاث منزلك الذي داهمه الجنود قبل أسبوعين أو يزيد وعاثوا فيه خرابا...
لا زلت صورة طفلتك وهي تبكي وعلى ذراعها الصغير شقيقها الرضيع تبحث عن عربته الصغيرة بين ما تراكم من أثاث منزلك البسيط المتواضع في "خلة العين" من أراضي بلدة الطور... حين التقيتك هناك في ذلك الصباح، كان لقاءنا الأول...رغم أننا نلتقي كل يوم على هذه الصفحة نتبادل الآراء والإطراء... سعدت بهذا اللقاء وجها لوجه، وقد كنت أرقبك تهدئ من روع أطفالك وتأخذ بيدهم وكأن شيئا لم يحدث... صمود عجيب غريب، وإرادة تتحدى الاقتلاع... أدركت يومها كم هي صعبة الحياة في القدس حتى في بيت من الطوب والصفيح لا يريدونك أن تبقى فيه... الزرع في ساحة البيت والتينة والكرمة وشتى أنواع الورود تعكس روحا تحب الحياة خلاف ما أتى به الغاصبون وما خلفوه وراءهم من مشاهد تعكس خوفهم وجبنهم وكراهيتهم... أدركت يا صديق وأنا المكتوي مثلك بنار اللجوء من "اللويبدة" الخربة البعيدة الرابضة على خاصرة دورا في أقصى الجنوب، فحارة الشرف - أو ما يطلقون عليها زورا وبهتانا "الحي اليهودي"، وانتهاء بأيام الطفولة في مخيم شعفاط - أدركت معنى آخر لصمود يحمل دلالات التحدي والبقاء... حين تحادثنا قرب ركام الأثاث استرقت النظر إلى بيت الطوب والصفيح، وإلى دمى أطفالك المتناثرة...وطفقت عيناي تبحث عن عربة طفلك الرضيع لعلني أهتدي إليها وأعطيها لطفلتك الصغيرة التي ما انفكت تبكي... لكن دون جدوى... في المقابل كانت النظرات تتجه إلى كتل الإسمنت البعيدة في معاليه أدوميم... وإلى أخطبوط الأنفاق والطرق التي خصصت لاستخدام مستجلبيهم، بعد أن مزقت أرض المرابطين في العيسوية والطور والزعيم وعناتا... مثل الخلايا السرطانية كانت كتل الاسمنت وبيوت المستجلبين من أصقاع الأرض تتمدد دون تتوقف.... بل أكثر من ذلك كانت أشبه بأفاع تتلوى إلى جوار أفعى ضخمة تسمى جدار الضم والتوسع، فيضيق الصدر وتتحطم عظامه.... في ذلك الصباح البارد أملت أن أمكث طويلا لأحصي كل دمعة بللت أرض "خلة العين"... كان جيرانك أيضا وأقرباؤك عانوا مثل ما عانيت... حدثوني هم الآخرون عن دهم الجنود لمساكنهم في ساعات الصباح وكانوا نياما... بين من أفزعهم الجنود أطفال أيضاً ونساء طاعنات ومرضى... حتى العجائز لم يراعوا فزعهن في ذلك الصباح... كانوا يحطمون الأشياء بغل وكراهية... حتى أسلاك الكهرباء قطعوها... وجرفوا بسادية خطوط الماء... وحطموا عند جارك وقريبك غرفة نومه الجديدة وأسرة الأطفال...قبل أن ينصرفوا يجرون وراءهم أذيال الخيبة بعد أن أحبط في أيديهم ولم ينالوا ما أرادوا من الهدم والاقتلاع وخراب بيوت الآمنين... تذكرت كل ذلك في أجواء البرد الأخيرة والحالية...وقفزت إلى مخيلتي صورة أطفالك: كيف قضوا تلك الليالي الباردة الماطرة... وكيف سيقضون قادم الأيام والليالي والبرد القارص على الأبواب...؟ واليوم أعيد عليك السؤال: ما حالكم..؟ ما حال أطفالكم...؟ ما حال قدسنا المستباحة بهذا التغول من استيطانهم اللعين...؟ لعل الأنباء تأتيكم تباعاً من بلدة العيسوية المجاورة..؟ منذ ما يزيد من أسبوع يستبيحها الجنود بالدهم والتنكيل والاعتقال... حملة منظمة تستهدف كسر الإرادة... هل كسروا إرادة سامر العيساوي المضرب عن الطعام منذ نحو 150 يوماً...؟ حتماً لا...!! هل كسروا إرادة والدته المسنة؟ أم هل كسروا إرادة شقيقته المحامية شيرين...؟ الوقائع كلها تقول لا.. نعم يا صديق: لن يكسروا إرادتكم وسيبقى البيت من طوب وصفيح.. ستبقى التينة وورود الدار تزين المكان... وتبلل الروح... يا أنتم يا ملح هذه الأرض وروحها... لنفس الكاتب
تاريخ النشر: 2013/3/30
تاريخ النشر: 2013/3/23
تاريخ النشر: 2013/3/16
تاريخ النشر: 2013/3/9
|