مفتاح
2024 . الجمعة 26 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

  • ثمة إشارات واعدة إلى ما تقوم به لجنة المتابعة العربية العليا في الداخل لإنهاء الانقسام، ولكن الأهم وجود إقرار إجماعي في الداخل بضرورة وملحاحية إعادة الاعتبار أيضا إلى المشروع الوطني الفلسطيني.
  • إذا كان ثمة من يعتقد بأن لأعضاء الكنيست العرب حتى ضمن قائمتهم المشتركة الجديدة دورًا في إحداث "تغيير جذري" في سياسة إسرائيل الرسمية فهو إما ساذج أو متساذج.
  • لا أفهم لماذا لم يقم حتى الآن مثلًا اتحاد عام للكتاب الفلسطينيين في شتى أماكن وجودهم بحيث يتولى إعداد مشروع ثقافي فلسطيني يدعم المشروع الوطني والهوية الجامعة.
  • الهوية الوطنية، بالنسبة للفلسطينيين في الداخل، كانت بمنزلة المنقذ من الاغتراب في بلد هم أصحابه تاريخيًا وتقوم عليه، بصورة عنيفة، دولة (كيان) جردتهم من الوطن وتقصيهم من المواطنة وترفضهم، مع ما يمكن أن يترتب على واقع كهذا من افتراق عن الذات.
  • السياسة الإسرائيلية الحالية تنطلق من رفض تدويل القضية الفلسطينية، وإبعاد أي طرف دولي عن الصراع بما في ذلك الولايات المتحدة برئاسة الرئيس باراك أوباما.
  • ثمة فائدة تُرجّى من التواصل مع مع قوى السلام الإسرائيلية التي من شأنها أن تشكل "سفيرة" لبعض قضايانا كفلسطينيين لدى الرأي العام الإسرائيلي، لكون المشكلة من أساسها هو تطرّف الشارع الإسرائيلي.

مقدمة

شدد الكاتب والمحال الإعلامي والباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت، على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به قيادات الداخل الفلسطيني لإنهاء الانقسام الحالي بين فتح وحماس، وإعادة الاعتبار أيضا إلى المشروع الوطني الفلسطيني، مؤكدا أن الهوية الوطنية، بالنسبة للفلسطينيين في الداخل، كانت بمنزلة المنقذ من الاغتراب في بلد هم أصحابه تاريخيًا وتقوم عليه. وفي حوار معه، ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح"، شكك في قدرة أعضاء الكنيست العرب، حتى ضمن قائمتهم المشتركة الجديدة في إحداث "تغيير جذري" لافتا إلى أن السياسة الإسرائيلية الحالية تنطلق من رفض تدويل القضية الفلسطينية.

** ما طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه قيادة الداخل الفلسطيني في الساحة الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بإنهاء الانقسام، والحديث عن مبادرة لهذه القيادة على هذا الصعيد.

*** أعتقد أن مثل هذا الدور يمكن أن يكون مفتاحيًا لكن بشرط أن ينأى أصحابه عن طرفي الانقسام، وفي الوقت عينه أن ينأوا عن "جواهر" الحلول السياسية التي يتبنونها وأن يخلصوا لغايات أبعد مثل استعادة الوحدة الوطنية. وثمة إشارات واعدة إلى مثل هذا الدور في ما تقوم به لجنة المتابعة العربية العليا في الداخل بهذا الشأن في الآونة الأخيرة.

ربما الأهم من موضوع طبيعة الدور هذا، يكمن في وجود إقرار إجماعي في الداخل بضرورة وملحاحية ليس إنهاء الانقسام فقط وإنما أيضًا إعادة الاعتبار إلى المشروع الوطني الفلسطيني. فهذا الإقرار فيه ما يحيل إلى عودة التحام قضايا الفلسطينيين في مناطق 1948 مع القضية الفلسطينية جذورًا وصيرورة، بعد أن وهن هذا الالتحام بتأثير مسار أوسلو.

كما أن هذا الإقرار يعيد الاعتبار إلى ما كان يجري الحديث عنه منذ سنوات كثيرة حول ما يُسمى بـ"قضية فلسطينيي 48". وانعكس أفضل شيء في الكتاب المرجعيّ "العرب في إسرائيل: رؤية من الداخل" لعزمي بشارة، الذي أكّد فيه أنّ العرب في إسرائيل هم سكّان البلد الأصلانيّون، وهم جزء من الأمّة العربيّة التي تعيش حالة صراع مع إسرائيل، وجزء من الشعب الفلسطينيّ الذي تعرّض إلى عمليّة سطو مسلّح على أرضه شملت هدم مشروعه الوطنيّ. وشدّد على أنّ قضيّتهم نشأت تاريخيًا كجزء من القضيّة الفلسطينيّة فلولا نشوء قضيّة اللاجئين لما نشأت مسألة "أقلّيّة" عربيّة في الداخل. أمّا الممارسات الإسرائيليّة التي تتضمّن مصادرة أراضي العرب في الداخل ومحاصرتهم وتجميعهم ديموغرافيًا بموازاة العمل على إعادة تشكيل هُويّتهم الثقافيّة بما يتناسب مع نهج احتوائهم كأقلّيّات متنافرة متنازلة عن المساواة الكاملة وعن الشخصيّة العربيّة الكاملة في دولة يهوديّة، فهذه كلّها ليست مجرّد مركّبات في سياسة تمييز عنصريّ، بل هي جزء من سياسة تشكّل استمرارًا تاريخيًّا لقضيّة فلسطين وتضع لنفسها أيضًا أهدافًا تاريخيّة. وهي ما زالت تجري وتنفَّذ بعقليّة كولونياليّة استيطانيّة، وتتخذ شكلًا كولونياليًا كذلك.

وباستمرار تكسب هذه الرؤية المزيد من الأنصار بين الفلسطينيين خارج مناطق 1948، بما يدعم الدور المعوّل على الداخل في المستوى الفلسطيني أولًا ودائمًا.

** ما قراءتكم للقضايا المرتبطة بإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني؟ ومن أين البداية برأيك..؟

** أهم هذه القضايا هي تحديد أركان هذا المشروع الوطني على قاعدة التحرّر وتحقيق العدالة، بمنأى عن أي "حلول" سياسية متداولة. ومثل هذا التحديد يتطلب، في ما يتطلب، إشراك كل أجزاء الشعب الفلسطيني بما يتجاوز تمزّق الجغرافيا.

ليس عندي أي جديد أدلي به في هذا الخصوص بالإضافة إلى ما جرى ويجري الإدلاء به من جانب مجموعة لا يمكن حصرها من النخب والنشطاء. لكن هذا لا ينسحب على شق السؤال المتعلق بمن أين البداية؟

برأيي البداية يجب أن تكون من المبادرات الشعبية، ومن الاتحادات الجامعة.

لا أفهم لماذا لم يقم حتى الآن مثلًا اتحاد عام للكتاب الفلسطينيين في شتى أماكن وجودهم بحيث يتولى إعداد مشروع ثقافي فلسطيني يدعم المشروع الوطني والهوية الجامعة، علمًا بأن كل مشروع وطني هو بالأساس مشروع ثقافي أيضًا.

طبعًا بإمكان وزارة الثقافة الفلسطينية أن تقوم بهذه المهمة، لكن عدم قيامها بها حتى الآن يعني أنها تهتم بسياسة الثقافة أكثر من اهتمامها بذلك المشروع.

** هل تعتقد أن مسألة الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة يمكن أن تشكل تحديا بالنسبة للفلسطينيين داخل فلسطين عام 48؟

*** أعتقد أن هذه المسألة كانت دائمًا تشكل تحديًا لهؤلاء الفلسطينيين، حتى عندما كانوا واقعين تحت تأثير قوى سياسية لم تبهظها الأسرلة. غير أنها لم تعد كذلك الآن. وهذا الأمر عائد إلى أسباب عديدة الحديث عنها يطول.

مهما تكن هذه الأسباب سأشير إلى سببين منها يعتبران الأكثر وقعًا: الأول، نشأت الحاجة لحماية الهوية الوطنية منذ 1948 بسبب ما شهده هذا العام من أحداث جسام وشكلت الثقافة وسيلة مهمة جدًّا- كي لا أقول الوحيدة- لبلوغ هذه الغاية.

الثاني، الهوية الوطنية، بالنسبة للفلسطينيين في الداخل، كانت بمنزلة المنقذ من الاغتراب في بلد هم أصحابه تاريخيًا وتقوم عليه، بصورة عنيفة، دولة (كيان) جردتهم من الوطن وتقصيهم من المواطنة وترفضهم، مع ما يمكن أن يترتب على واقع كهذا من افتراق عن الذات.

ولئن كان السبب الأول يحيل إلى أحد أهم العوامل الإرادوية، ففي السبب الثاني يكمن أحد العوامل القسريـة التي نجم عنها أيضًا تقلص "الأسرلة" إلى أضيق الحدود.

** ما تقييمك لدور أعضاء الكنيست العرب بقائمتهم المشتركة في إحداث التغيير الجذري في السياسة الرسمية في إسرائيل سواء ما تعلق منها بالسياسة العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين في فلسطين عام 48، أو على صعيد العلاقة مع السلطة الفلسطينية؟

*** لا يمكنني تقييم دور كهذا لسبب بسيط هو اعتقادي بأنه دور كان وما يزال مفتقـدًا في واقع إسرائيل السياسي المخصوص. إذا كان ثمة من يعتقد بأن لأعضاء الكنيست العرب حتى ضمن قائمتهم المشتركة الجديدة دورًا في إحداث "تغيير جذري" في سياسة إسرائيل الرسمية فهو- مع التماس أقصى العذر- إما ساذج أو متساذج.

ولعل من "فضائل" القائمة المشتركة أنها فتحت أعين المزيد من أوساط الفلسطينيين في الداخل على أن الكنيست ليس "سدرة المنتهى". والحقيقة أنه لم يكن كذلك في أي وقت من الأوقات، لكنه الآن لم يعد يعني الكثير.

هنا عليّ أن أشير إلى استثناء وحيد هو بداية تسعينيات القرن العشرين الفائت حين تمّ إقرار اتفاق أوسلو في الكنيست بأغلبية ضئيلة اعتمدت على أصوات أعضاء الكنيست من الأحزاب العربية. كما عليّ أن أعيد إلى الأذهان أن أحد التسويغات التي عادة ما يجري ذكرها لتبرير اغتيال إسحاق رابين هو أنه تسبب عمليًّا في شق وحدة الشعب والاعتماد على أصوات العرب في الكنيست. ومثّل هذا بداية مسار تصاعد شيئًا فشيئًا يهدف إلى "تحييد" أي تأثير لأعضاء الكنيست العرب في مفاصل السياسة الإسرائيلية ولا سيما المتعلقة بالحرب أو بالسلام.

** كيف يمكن للجماهير العربية أن تشكل قوة ضاغطة في السياسة الإسرائيلية؟ أم أننا أمام انكماش لهذا الدور على ضوء النفوذ المتنامي لليمين في الدولة الإسرائيلية؟

*** عطفًا على السؤال السابق، يفترض السؤال أن الفلسطينيين في مناطق 1948 لا يشكلون قوة ضاغطة على السياسة الإسرائيلية. وهذا صحيح إلى حدّ بعيد. وهم كذلك لعوامل شتى منها ما هو مرتبط بهم (عوامل ذاتية) ومنها ما هو مرتبط بهذه السياسة الإسرائيلية (عوامل موضوعية). فما بالك الآن في ضوء النفوذ المتنامي لليمين الفاشي الذي لا يسعى فقط لكبح تحوّل هؤلاء الفلسطينيين إلى قوة ضاغطة وإنما أيضًا يتعامل معهم كأعداء في كل شيء.

ومن المؤسف أن قيادات الفلسطينيين في الداخل لم تطرح على نفسها كيفية التعامل مع هذا الوضع. وآمل أن تُطرح هذه المسألة قريبًا.

** كيف تقرأ التطورات الإقليمية وعلاقة إسرائيل بها؟ وكيف ستؤثر هذه التطورات على مستقبل إسرائيل كدولة عنصرية؟

*** أكثر ما يهمنا هنا هو قراءة موقف إسرائيل من القضية الفلسطينية في ضوء هذه التطورات. وفي هذا الصدد أستطيع القول إن السياسة الإسرائيلية الحالية تنطلق من رفض تدويل القضية الفلسطينية، وإبعاد أي طرف دولي عن الصراع بما في ذلك الولايات المتحدة برئاسة الرئيس باراك أوباما. وتنسجم هذه السياسة على نحو تام مع توجهات الحكومة اليمينية الحالية نحو تهميش الموضوع الفلسطيني على المستوى الدولي، ومع تهرّب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من أي مبادرة دولية من خلال الادعاء أنه لا يزال متمسكا بحل الدولتين لشعبين من جهة، ولكنه من جهة أخرى يفضل التفاوض المباشر مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة. ومن خلال قراءة الموقف الإسرائيلي في مجمله، فإن الرفض الإسرائيلي لكل مبادرة دولية لاستئناف التفاوض (على غرار المبادرة الروسية أو المبادرة الفرنسية) يمكن تأطيره في نطاق الاستراتيجية الإسرائيلية العامة التي تعتقد بأن الوقت يعمل لصالح إسرائيل وخاصة في أعقاب التحولات الإقليمية في السنوات الأخيرة ("الربيع العربي") وانشغال العالم العربي بأزماته وحروبه الأهلية الداخلية، وتراجع الموضوع الفلسطيني على المستوى الدولي، والتحولات الجارية في السياسة الدولية والتي تتمثل في صعود قوى يمينية تعتقد إسرائيل بأنها تنسجم مع مواقفها العامة أو على الأقل ترفض التدخل في الحالة الفلسطينية. وينطلق السعي الحكومي لإفشال أي مبادرات دولية من موقف إسرائيلي عام يرمي إلى منع تدويل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، في إطار خطاب يحاول من ضمن أمور أخرى أن يُسوّق أمام العالم مقاربة فحواها أن القضية الفلسطينية ليست القضية الملحة والمركزية في منطقة الشرق الأوسط، وأن على الدول أن تهتم أكثر بحل مسألة غياب الاستقرار في هذه المنطقة. ويعتبر هذا الخطاب في الوقت ذاته استعلائيا واستشراقيا حيث ينطلق من رؤية متعالية سياسيا وأكاديميا وإعلاميا على الدول الغربية، بالرغم من أن هذه الأخيرة لا ترى تناقضا بين حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وبين حل باقي القضايا في الشرق الأوسط، علاوة على أنها، بعكس الادعاء الإسرائيلي الدعائي للعالم والكاذب داخليا، لا تركز جهودها فقط على الموضوع الفلسطيني في المنطقة.

** ما قراءتكم لفوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وانعكاسات هذا الفوز على سياسات إسرائيل في المنطقة عموما، وتجاه الفلسطينيين على وجه الخصوص؟

*** من السابق لأوانه قراءة انعكاسات هذا الفوز على سياسات إسرائيل في المنطقة وإزاء الفلسطينيين. مع ذلك يصعب التحرّر من انطباع عام فحواه أن هناك تعويلًا من جانب دولة الاحتلال الإسرائيلية على دونالد ترامب ارتباطًا بما كان خلال ولاية باراك أوباما، وأساسًا فيما يتعلق بـ"كبح" الاستيطان والضغط الخجول من أجل استئناف البحث عن السبل الكفيلة بتحقيق "حل الدولتين" للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كما دأبت إدارة أوباما على أن تفعل.

وهذا التعويل يعود إلى عدة أسباب، في مقدمها أن ترامب في وسعه، بموجب قراءة إسرائيل، أن يعيد الولايات المتحدة إلى مكانة "الدولة العظمى القائدة للعالم"، الأمر الذي أخفق فيه الرئيس الأميركي الحالي على مدار أغلب سنوات العقد الأخير. حتى أن أحد المحللين السياسيين "المخضرمين" في دولة الاحتلال كتب أخيرًا، أنه منذ الحرب العالمية الثانية ارتكب معظم الرؤساء الأميركيين أخطاء أثبتوا من خلالها أنهم يفتقدون التبصّر المطلوب فيما يتعلق بغاية تبوء هذه المكانة، وأنهم جهلة في قراءة دلالة ما يحدث في الآونة الأخيرة في أوروبا والعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.

لا بُدّ أيضًا من الإشارة إلى سبب آخر ليس أقل أهمية، هو وجود سمات متشابهة لخطاب كل من ترامب ونتنياهو، وهي في واقع الأمر سمات متشابهة لخطاب اليمين المتطرّف في الدول الغربية ودولة الاحتلال ويقف في صلبه عنصرا العداء الأرعن للمهاجرين والإسلاموفوبيا.

والعنصر الأخير يشكل الركن الرئيسي لخطاب دولة الاحتلال، لا سيما منذ هجمات أيلول/ سبتمبر 2001.

** هل ترى دورا مؤثرا وفاعلا لما يسمى بقوى السلام الإسرائيلية في الدفع بالعملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وهل من فائدة ترجى من التواصل مع هذه القوى فيما يزداد اليمين الإسرائيلي سطوة ونفوذا؟

*** سأبدأ من آخر السؤال: بالتأكيد ثمة فائدة تُرجّى من التواصل مع هذه القوى التي من شأنها أن تشكل "سفيرة" لبعض قضايانا كفلسطينيين لدى الرأي العام الإسرائيلي، لكون المشكلة من أساسها هو تطرّف الشارع الإسرائيلي.

أمّا بالنسبة إلى دور هذه القوى فلا بُد من القول إنه ليس مؤثرًا ولا فاعلًا. وهو في الحدّ الأقصى دور دعائيّ. ومع ذلك لا يجوز الاستغناء عنه شريطة ألا يُعوّل عليه وحده.

أجد لزامًا عليّ هنا أن أكرّر في سبيل تشريح الوضع الإسرائيلي الراهن، ما سبق أن أشرت إليه في مقامات أخرى، بأن اليمين الإسرائيلي الذي يزداد سطوة ونفوذًا هو ليس اليمين التقليدي وإنما الفاشي.

وتطرقت أخيرًا- في منبر ثان- إلى الجدل الدائر بين أوساط سياسية إسرائيلية تقف على ما يُسمى "الضفة اليسرى" من الخريطة الحزبية، بشأن ما إذا كان لا يزال هناك ما تدعوه بـ"اليمين الإسرائيلي العقلاني" الذي بالوسع إقامة نوع من التحالف معه لـ"بناء مستقبل" أفضل. ويمثّـل على هذا الجدل مقال نشره أحد النشطاء الإسرائيليين اليساريين أخيرًا، وأعرب فيه عن اعتقاده- برغم كل ما جرى- أنّ ثمة "يمينًا عقلانيًا" في إسرائيل. بيد أنه أضاف أن "عقلانيته" تنحصر أساسًا في فهم كون الديمقراطية الجوهرية ليست حكم الأغلبية فقط (حكم الأغلبية ليس غير تعبير عن الديمقراطية الشكلية الضيقة) وإنما هي أيضًا، وبشكل أساس في بعض الأحيان، حماية الحقوق الأساسية الدستورية للأقلية وللفرد. لكن بموازاة ذلك ما يزال هذا اليمين راغبًا في استمرار السيطرة العسكرية، التي تدوس حقوق الإنسان الأساسية، على حياة ملايين الفلسطينيين مسلوبي المواطنة ومسلوبي الحق في إقامة دولة وطنية خاصة بهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمتواصلة منذ حزيران/ يونيو 1967 وحتى اليوم. ويؤكد الكاتب أن هذا تناقض داخلي صارخ ومُحزن في عقيدة أعضاء "اليمين الليبرالي والنزيه". فمن جهة، هم يعارضون عسف الأغلبية حيال الأقلية ويحاربون من أجل تحصين حقوق الأقلية والفرد في وجه تعدّيات الأغلبية وحكمها. لكن هذا يسري في داخل "دولة إسرائيل" فقط. وهذا هو منبع النقد الشديد الذي توجهه بقايا اليمين الليبرالي إلى نهج رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الأرعن والأهوج (الحديث يدور اليوم، بصورة أساسية، حول رئيس الدولة رؤوفين ريفلين وعضو الكنيست بيني بيغن، فيما كان يشمل في الماضي، أيضًا، الوزيرين السابقين ميخائيل إيتان ودان مريدور وإلى حد ما الوزير دافيد ليفي أيضًا). لكنهم، من جهة أخرى، يلوذون بالصمت المطبق حيال الادعاء الذي يطرحه "اليسار" بشأن عدم القدرة على الاحتفاظ بنظام ديمقراطي معقول وحمايته طالما بقي يصون حقوق الإنسان والمواطن في داخل "حدود دولة إسرائيل السيادية"، من ناحية، فيما يعمق الدكتاتورية العسكرية الصارمة التي تحمل بعض علامات الفصل العنصري (الأبارتهايد) بين مئات آلاف المستوطنين الإسرائيليين وملايين الرعايا الفلسطينيين في الضفة الغربية، من ناحية ثانية.

والمقصود بهذا أنه حتى مع "اليمين الليبرالي" كان ثمة مشكلة عويصة تتعلق بالاحتلال فكيف الحال مع اليمين الفاشيّ؟.

ملاحظة: ما ورد في نص المقابلة يعبر عن وجهة النظر الشخصية لصاحبها، وليس من الضرورة أن يعبر عن وجهة نظر "مفتاح"

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required