يواجه المقدسيون جملة من التحديات في المدينة المحتلة، يعتبر التعليم جزءاً أساسياً منها، يتدخل الاحتلال في كافة تفاصيله في محاولة لوأد الوعي الوطني الملتصق بالهوية الفلسطينية عند المقدسيين من الصغر، فتارة يعمل على فرض مناهج إسرائيلية على الطلبة الفلسطينيين يكون مفهوم المواطنة فيها ملتبساً على الأطفال ما بين القراءة وما يرونه من ممارسات يومية من قبل سلطات الاحتلال، وتارة يفرض قيوداً على حرية الحركة والتنقل تعيق وصول التلاميذ إلى مدارسهم القليلة أصلاً.
بدأ الاحتلال محاولاته لأسرلة المناهج منذ العام ١٩٦٧، من خلال إصدار قانون خاص يُخضع التعليم لسلطاته بعد ضم المدينة وفي غضون أسابيع قليلة، واستمرت المحاولات رغم توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، الذي ينص على أن المدارس في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس تلتزم منهج التعليم الأساسي الفلسطيني، لتترك ممارسات الاحتلال تعدداً بالمرجعيات التعليمية في المدينة، ضمن أربع مرجعيات تعليمية مختلفة، لكل منها خطة خاصة ومصالح وأولويات مختلفة، ومصدر مختلف. وفي الوقت الحالي حسب آخر الإحصائيات المتوفرة لعام 2020 – 2021 حسب وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية الاحتلال، فقد بلغ عدد الطلبة المقدسيين ما يقارب 90 ألف طالب، 51.8% منهم يرتادون مدارس تابعة للسلطة الفلسطينية وعددها 141 مدرسة بواقع 59.2% من مجمل المدارس في القدس المحتلة، وبلغ عدد الغرف الصفية الناقصة في القدس (لجميع المدارس للفلسطينيين والإسرائيليين) 3794 غرفة صفية، 2100 منهنّ في المدارس الفلسطينية فقط بنسبة 55.3%.
الوصول إلى المدارس: فرضت سلطات الاحتلال 13 حاجزاً إسرائيلياً، وإجراءات تفتيش وتدقيق بالإضافة إلى جدار الفصل العنصري، لتكون عائقاً أمام المدرس/ة والطالب/ة بشكل يومي خلال محاولة الوصول إلى المدراس فمنذ عام 2000 بدأت سلطات الاحتلال بتضييق الخناق على المدرسين من حملة الهوية الخضراء، ومنع حصولهم على تصاريح عمل، أو تعطيل مسيرهم على الحواجز واعتقالهم في بعض الأحيان، فباتوا يشكلون أقل من 20% من نسبة مدرسي المدينة بعد أن كانوا قبل ذلك يشكلون 60%. كما تتعرض الفتيات بشكل خاص لأنواع مختلفة من الانتهاكات والمضايقات خلال توجههن إلى المدارس، فضمن ورقة حقائق أعدتها مفتاح بالتعاون مع مركز الدراسات النسوية تم مقابلة 30 طالبة من مدارس مختلفة في المدينة، مجملهن أفدن بتعرضهن لأحد حالات التحرش على الحواجز العسكرية أو في الشوارع من جنود الاحتلال أو في المواصلات العامة المكتظة:
علي وإيلياء ... محاربة الأسرلة بالوعي علي وإيلياء فرّاح، يخرجان مبكراً كل يوم للوصول إلى مدرستهما، يستقلان مركبة والدتهما من بلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة، للوصول إلى المدرسة الإبراهيمية في حي الصوانة شرق البلدة القديمة، على أمل الوصول على الموعد في ظل الازدحام الشديد على جميع محاور الطرق المؤدية إلى المدارس بسبب وجود حواجز مفاجئة على مداخل الأحياء، خاصة تلك التي يحيطها جدار الفصل العنصري، ما يضطر بعض الأهالي للخروج بأبنائهم قبل ساعتين من الموعد الأساسي للدوام من مناطق مثل كفر عقب والمطار (قلنديا).
الشقيقان "علي" و"إيلياء" يواجهان اليوم سوياً تحدياً آخر يتعلق بمحاولة بلدية الاحتلال فرض المنهاج الإسرائيلي على مدرستهما. مع ذلك هما يرفضان التعاطي مع هذا المنهاج أو القبول به لأنه يخالف قناعتهما ومعتقداتهما الفكرية والثقافية ويتمسكان بهويتهما الوطنية التي تجسدها المناهج الفلسطينية.
الخطة الخمسية لتهويد التعليم
وضعت سلطات الاحتلال خطة خمسية للسيطرة على التعليم (2018-2022)، تهدف إلى أسرلة التعليم بنسبة 90% وتقوم الخطة على ستة بنود؛ أولاً تفريغ البلدة القديمة من المدارس والسيطرة على مبانيها التاريخية الأثرية وتحويل بعضها إلى معالم سياحية، ثانياً إغلاق مدارس القدس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين واستيعاب طلبتها في مدارس تدرس المناهج الإسرائيلية، ثالثا إغلاق مدارس القدس الخاصة التي ترفض تدريس المناهج الإسرائيلية، رابعا إغلاق رياض الأطفال الخاصة وفتح رياض تتبع بلدية الاحتلال، خامساً: فتح مراكز جماهيرية تسعى إلى التّطبيع مع الاحتلال من خلال أنشطتها المختلفة الجاذبة للأطفال والشباب لتمرير مخططاتها الاحتلالية، وأخيراً نشر الشرطة الجماهيرية التي تعمل في أحياء القدس والتي تتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية. يحاول المقدسيون الوقوف في وجه الاحتلال الذي يهدف لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال كافة الإجراءات والممارسات التي تمارسها السلطات، وسط موارد مالية شحيحة ومبانٍ غير مؤهلة، ومرافق تعليمية غير مناسبة بشكل كبير، بالإضافة إلى تعدد المرجعيات المرتبطة في التعليم في هذه المدينة.
وحتى يتسنى للاحتلال السيطرة على التعليم بشكل موسع ويحكم سيطرته عليه كان هنالك شرط مقابل الدعم المالي وتمويل مدارس القدس، وهو ان يطبق المنهاج الإسرائيلي بحذافيره، عبر خطة تعليمية متكاملة تشمل جميع المراحل بالإضافة لإجبار المدارس في المدينة على العمل حسب فلسفة وزارة المعارف الإسرائيلية.
كيف يواجه المقدسيون أسرلة المناهج؟ عمل المقدسيون على مواجهة محاولات الاحتلال المستميتة بفرض المنهاج الإسرائيلي على مدارسهم من خلال إصرارهم على المناهج الفلسطينية، والحفاظ على هويتهم الفلسطينية بداخل المنازل حتى وإن تعرض التلامذة لمناهج إسرائيلية مرغمين لأسباب عدة. كما عمل المقدسيون على عدة مبادرات شعبية مدعومة من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ومن مؤسسة فيصل الحسيني للتعليم، من أبرزها قيام لجان أولياء الأمور بتوزيع كتب المنهاج الفلسطيني مجاناً على طلاب المدارس المستهدفة، والقيام بسلسلة من الخطوات الاحتجاجية كالوقفات التظاهرية أمام العديد من المدارس، وتعهدت الجهات الرسمية الفلسطينية بدعم خطط لتطوير جودة التعليم التنافسي في المدينة، بالشكل الذي يعزز هويتها الفلسطينية، وتعميق وعي المقدسيين بأهمية التعليم الوطني، ومخاطر مخططات الاحتلال وسبل مواجهتها، ودعم المدارس. في حين، انطلقت مبادرة محلية قادتها هيئات شعبية وحراكات شبابية لتشجيع العودة إلى مدارس البلدة القديمة خاصة "مدرسة الأيتام" لتشجيع عودة مئات التلاميذ إليها من خلال تقديم حوافز تشجيعية تشمل توزيع كتب منهجية على طلاب هذه المدارس، وتخصيص مصروف جيب لكل طالب تخفيفاً عن أولياء الأمور في تحمل جزء من المصاريف. كفلت العديد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان الحق في التعليم كحق أساسي من حقوق الإنسان، ووضعت ضمانات لحمايته.
التعليم والقانون: ويعتبر الحق في التعليم حق من حقوق الإنسان في حد ذاته، وهو في الوقت نفسه وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى. والتعليم، بوصفه حقاً تمكينياً، هو الأداة الرئيسية التي يمكن بها للكبار والأطفال المهمَّشين اقتصادياً واجتماعياً أن ينهضوا بأنفسهم من الفقر وأن يحصلوا على وسيلة المشاركة كلياً في مجتمعاتهم. كما للتعليم دور حيوي في تمكين المرأة، وحماية الأطفال من العمل الاستغلالي والذي ينطوي على مخاطر. ويعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق الأكثر شمولاً وتفصيلاً في تناوله للحق في التعليم، من حيث هدف التعليم وطبيعة العملية والتعليمية وآليات الوفاء به للجميع ودون تمييز. وتتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة، وبتأمين تربية أولئك الأولاد دينيا وخلقياً وفقاً لقناعاتهم الخاصة، وتشكل ممارسات القوة القائمة بالاحتلال انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي في محو الموروث الثقافي ويتناقض التزامات إسرائيل تجاه تطبيقات "القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة – سيداو" في القدس المحتلة.
اقرأ المزيد...
بقلم: مفتاح
تاريخ النشر: 2023/7/5
بقلم: مفتاح
تاريخ النشر: 2023/7/5
بقلم: مفتاح
تاريخ النشر: 2023/1/10
|