مفتاح
2024 . الجمعة 26 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
قصّة المصالحة بين سلطتي "فتح" و"حماس" في الضفّة وغزّة باتت مثل قصّة "إبريق الزيت"، المعروفة في التراث الشفوي الفلسطيني، وهي قصّة خالية من المعنى وليس ثمة نهاية لها؛ إلا بتعب صاحبها عن الكلام. هكذا، فالخلاف بين "فتح" و"حماس" هو، أيضا، بمثابة خلاف ليس له معنى، فهو صراع على سلطة ناقصة السيادة، وتقبع تحت الاحتلال والحصار، أما انعدام معناه فيفيد بتعذّر وجود نهاية واضحة له، من دون انتفاء الواقع الذي أوجده. مثلاً، فإن الاتفاق على رئيس الحكومة بين هذين الطرفين المختلفين والمتصارعين لا يعني بداهة التوافق على التشكيلة الحكومية، أو على صلاحياتها، وحتّى لو تمّ هذا وذاك فذلك لا يستنتج منه، أيضاً، بأن القضية انتهت، إذ أن هذا الأمر يستلزم التوافق تالياً على كيفية تقاسم الموارد المالية، وكيفية إجراء الانتخابات ومواعيدها وطريقتها. وبفرض حصل التوافق على كل ماذكرناه ثمة بعده عقبة كأداء أخرى تتمثّل بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. وفوق كل ذلك ثمة مشكلات أكبر من ضمنها التوافق على تعريف ماهية المشروع الوطني الفلسطيني، وتعيين أشكال النضال المناسبة، والموقف من استمرار عمليتي المفاوضات والتسوية، ومسألة إعادة بناء منظمة التحرير.

الأنكى أن الأمر لايتوقّف حتى على كل هذه الأمور إذ ثمة مشكلات داخلية في "فتح"، وثمة بالمقابل مشكلات داخلية في "حماس"، يمكن لأي منهما أن يقوّض أي اتفاق. وبالتأكيد فلا يجب أن ننسى هنا التجاذبات الدولية والإقليمية المحيطة بالعمل الفلسطيني، ولاسيما ضغوط الدول المانحة، التي تموّل ثلثي موازنة السلطة، وضمنها رواتب العاملين فيها، الذين يقدّر عددهم بحوالي 120 ألفاً، هذا وأيضاً المداخلات الإسرائيلية المؤثّرة كثيراً في كل شؤون الفلسطينيين.

طبعاً لانقصد من كل ماتقدم إشاعة الإحباط، أو الإيحاء باستحالة المصالحة الفلسطينية، لكننا نقصد من ذلك توضيح حقيقة التعقيدات والمداخلات والمشكلات المحيطة بها، كما إننا نقصد أن نبيّن بأن هذا الانقسام بات من الرسوخ بحيث انه بات يعيد إنتاج ذاته، خصوصاً بعد أن بات، على الجانبين، طبقة سياسية قويّة مدينة بوجودها ومكانتها وامتيازاتها ومصالحها إلى الواقع الناجم عن الانقسام.

ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن الوضع الفلسطيني بات أمام عدة خيارات، أهمها: استمرار الواقع السائد، أي بقاء حالة الانقسام السياسي والكياني. لكن مشكلة هذا الوضع انه بات غير مقبول، ليس فلسطينياً فحسب، وإنما أيضاً عربياً ودولياً (لاسيما بعد المتغيّرات الناجمة عن الثورات الشعبية العربية).

هذا يأخذنا إلى الخيار الثاني الذي يتمثّل بسعي قيادتي الحركتين المذكورتين إلى تقاسم الشراكة في القيادة والسلطة، وهو ما تمّت ترجمته، من الناحية العملية، في المصالحة، التي تمّت في القاهرة (قبل أشهر) ومن ثم في الدوحة (مؤخّراً)، كما في مجمل التصريحات التي أطلقها بعض قياديي حماس (لاسيما زعيمها خالد مشعل) والتي أبدى فيها تجاوباً مع الخط السياسي للسلطة، وأعلن فيها التحول نحو المقاومة الشعبية؛ ويأتي ضمن ذلك التوافق على أبو مازن كرئيس للحكومة المؤقتة للسلطة، التي سيكون من مهمتها الإعداد للانتخابات.

وكما قدمنا فإن هكذا مصالحة لاتحلّ كل المشكلات وإنما تؤجّلها، لذا فهي مجرّد شكليّة ومؤقّتة، مع إنها تخفّف التوتّر والاحتقان والتنازع بين الجانبين، وتنظّمه.

هذا يعني أن ثمة خياراً ثالثاً، لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة، وإخراج الساحة الفلسطينية من أزمتها، وهو يتأسّس على الخروج من المعادلات التي أدّت إلى الاختلاف والانقسام، أي على تحرير الحركة الوطنية الفلسطينية من كونها سلطة، تحت الاحتلال، واستعادة طابعها كحركة تحرّر وطني؛ ذلك أن حل الخلافات بين "فتح" و"حماس" لايمكن أن يتمّ في إطار التنازع على سلطة متوهّمة وإنما في إطار الكفاح المشترك ضد إسرائيل وسياساتها.

قد بيّنت التجربة بأن البقاء في مكانة السلطة، بالنسبة لحركتي "فتح" و"حماس"، هو الذي يدفعهما إلى التركيز على جباية موارد مالية، ويفرض الارتهان لاشتراطات الدول المانحة، ويستدعي منهما امتلاك أجهزة وميلشيات أمنية، وهو الذي يشجّعهما على التحريض والشحن المتبادل. بالمقابل فإن تغليب طابع التحرّر الوطني في هاتين الحركتين هو الذي يمكن أن يشدّهما إلى العام والمشترك والوطني، لاسيما في مواجهة سياسات الاحتلال الاستيطانية والعنصرية والقهرية في الأراضي المحتلة.

على كل فإن الكلام عن استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية، بكل كياناتها (المنظمة والسلطة والفصائل) لطابعها كحركة تحرر وطني ليس مسألة سهلة، لاسيما مع التغيّرات التي لحقت خطابات وبنى وأشكال عمل هذه الحركة طوال السنوات السابقة. مع ذلك فإن التطورات الحاصلة في البيئة السياسية العربية، المحمولة على الثورات الشعبية، تشكّل دافعا ومشجعاً ومسهلاً لذلك. كما أن تعثّر عملية التسوية، وتملّص إسرائيل من الاستحقاقات المطلوبة منها يمكن أن تغطّي هذا الأمر أمام المجتمع الدولي.

لكن هذه الاستعادة التي تتطلّب توافر إرادة الأطراف الفاعلة المعنية، وحالة شعبية مواتية، وظرفا عربياً ودولياً مناسبا، تتطلّب قبلاً وأساساَ، إعادة تعريف المشروع الوطني، باعتباره يجاوب على مختلف أسئلة الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم؛ من اللاجئين الذين يرفعون شعار العودة، إلى فلسطينيي الأراضي المحتلة الذين يناضلون من اجل دحر الاحتلال والاستقلال، إلى فلسطينيي 48 الذين يكافحون ضد العنصرية ومن اجل المساواة ومن اجل حقوقهم كشعب.

هذا يعني أن الأمر يفترض إعادة تعريف المشروع الوطني بما يطابق بين قضية فلسطين وارض فلسطين وشعبها، ففي ذلك فقد يمكن استعادة الإجماع الفلسطيني، وفي ذلك تستعيد الحركة الوطنية مكانتها كإطار وكممثل للشعب كله.

وبالتأكيد فإن هذا التغيير والتجديد لابد أن يشمل البني والعلاقات القائمة، إذ لا يمكن للبني القائمة، بعد كل الاهتراء الحاصل فيها، حمل مشروع التحرّر الوطني، مايتطلّب إعادة بناؤها على أسس وطنية ومؤسّسية وديمقراطية وتمثيلية. إذن الساحة الفلسطينية مجدّدا أمام مفترق طرق في مرحلة تاريخية دقيقة.

* كاتب وباحث فلسطيني يقيم في دمشق. - mkayali@scs-net.org

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required