مفتاح
2024 . السبت 20 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

  • بعد العام 2017 تبنى الاحتلال استراتيجية الاحتواء في التعامل مع المقدسيين من خلال مراكزه الجماهيرية
  • 15 مليون شيكل الميزانية السنوية لهذه المراكز وهدفها دمج المقدسيين في النظام الإسرائيلي
  • الاحتلال بصدد خطوات أوسع وأكثر صرامة، بحيث يتم القضاء على أية رموز فلسطينية مقدسية
  • الرغبة لدى الجهات الرسمية الفلسطينية لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية في القدس ضعيفة وغير مؤثرة
  • لا تستطيع أن تواجه الاحتلال وسياساته بنحو عشرين مليون شيكل فقط، وفي أحيان كثيرة لا تحصل عليها بالكامل كمسؤول عن شؤون القدس

مقدمة

حذر مسؤول فلسطيني مختص في متابعة نشاطات المؤسسة الإسرائيلية في القدس من توجه احتلالي جديد ضد الوجود الفلسطيني في القدس من خلال تعزيز عمل المراكز الجماهيرية التابعة لبلدية الاحتلال، ورصد ملايين الشواقل لتحقيق الاندماج بين داخل المجتمع المقدسي للقبول بالاحتلال وقوانينه، فيما تقف السلطة الفلسطينية عاجزة عن القيام بدور فعال ومؤثر في هذا الاتجاه، مشيرا مع ذلك إلى أن كل سياسات الاحتلال فشلت في إخضاع الجانب الفلسطيني.

بداية، من أين نشأت المراكز الجماهيرية؟ وما فكرتها الأساسية؟ وإلى أي الجهات تتبع؟ وما عددها؟

** نشأت هذه المراكز منذ أكثر من عشر سنوات في بعض المناطق والأحياء في القدس المحتلة، وكانت في بدايات نشأتها تقدم بعض الخدمات للسكان في مناطق تواجدها، مثل بيت حنينا شمالي القدس المحتلة. ونشأت في حينه بفكرة متواضعة جدا، ولهذا كان عددها قليل جدا، وتحددت في بيت حنينا، وبعدد قليل من الموظفين، ولم يكن لها تأثير وفعالية كبيرة في مناطق عملها. ولكن بعد عام 2015، حدث هناك تغيير دفع بالإسرائيليين إلى القيام بمراجعة تدخلاتهم من خلال هذه المراكز، خاصة بعد الهبّات المتتالية التي شهدتها القدس في تلك الفترة ابتداء من استشهاد الفتى محمد أبو خضير، ومعركة البوابات الإلكترونية، حيث شعر الإسرائيليون بأنهم على وشك فقدان السيطرة على الأمور في القدس، وهو أمر لم يتوقعوا حدوثه على مدى سنوات احتلالهم منذ العام 67 ولغاية السنتين الأخيرتين، لذلك عملوا على القيام بمراجعة شاملة لمعظم سياساتهم في القدس تمكنهم من إحكام القبضة على المدينة وعلى سكانها، علما بأن معظم سياساتهم المتبعة لتطويع المقدسيين من خلال السياسة المعادية لهم سواء بإخراجهم من القدس في سياق الصراع الديمغرافي المستمر، وهي سياسة لم تفلح في تحقيق أهدافهم على هذا الصعيد، حيث فشلوا في ذلك، ولم يتمكنوا من إخراج أعداد كبيرة من السكان المقدسيين كما كانوا يطمحون، وذلك لتمسك المقدسيين بهويتهم الوطنية، ومن هنا تبنوا استراتيجية جديدة بعد العام 2017 في التعامل مع المقدسيين من خلال استراتيجية الاحتواء، أي التعامل معهم بإدخالهم ودمجهم في قوانين لاحتلال بحيث يقبل السكان ما هو قائم وموجود، ويقبلوا في النهاية بسيادة دولة الاحتلال على القدس.

ما طبيعة الإجراءات والتدابير التي قاموا بها للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم تلك؟

** لبلوغ تلك الغاية، كان لا بد من إحداث تغييرات غير سهلة، وتخصيص ميزانيات ضخمة، والعمل بنفس طويل واستراتيجية متواصلة وثابتة كما يفعلون في مناطق احتلالهم الأخرى على امتداد الأرض الفلسطينية، وهي ذات الاستراتيجية التي بدأوا بتطبيقها في القدس. ومن أجل القيام بعملية الاحتواء، والتي نسميها في النظريات الاجتماعية ب"عملية الاندماج" في ثقافة المجتمع الأقوى، أي الاحتلال، فإن الأخير، هو الذي سيقوم بعملية دمج المجتمع المقدسي الأضعف ضمن تلك المعادلة. وحتى يتحقق ذلك، عليه أن يحدث تغييرات في الوسط والأطراف داخل المجتمع المقدسي من خلال تخصيص مجموعة كبيرة من الأموال حوّل جزء هام منها للمراكز الجماهيرية التي أقيمت داخل الأحياء الفلسطينية وبإدارة فلسطينية من داخل تلك المناطق التي أقيمت فيها المراكز، وكان الهدف من ذلك مساعدة السكان على الشعور بالاطمئنان فيتواصلوا معها، ويقبلوا بما تقدمه تلك المراكز من خدمات، وبالفعل نجحت في إنشاء تسعة مراكز في أحياء وبلدات: صور باهر، العيسوية، بيت حنينا، شعفاط، ومناطق أخرى مختلفة. وحتى تستطيع هذه المراكز أن تعمل بما يحقق الهدف من إنشائها، رسمت دولة الاحتلال لها خططاً وسياسات جديدة. فبعد أن كانت هذه المراكز تقدم بعض الخدمات المتواضعة ذات الصلة بعلاقة المواطنين سكان تلك الأحياء مع البلدية الإسرائيلية للقدس باعتبارها عناوين لهذه البلدية التي تشكل ذراعاً تنفيذياً للاحتلال ونافذة البلدية وسط الأحياء المستهدفة، قام الاحتلال بفتح مجال أوسع للتواصل مع البلدية في كثير من المشكلات التي يعاني منها المقدسيون كالأرنونا، ومخالفات البناء، لذلك صار الإقبال على هذه المراكز أكبر، حيث باتت تقدم لهم حلولاً لبعض قضاياهم، فلجأ المواطنون إليها، ثم جرى بعد ذلك تطوير دور المراكز الجماهيرية ، خاصة في مجال التعليم، بحيث أن بعض المدارس باتت تحول طلابها لتلك المراكز من أجل تلقي خدمات في التعليم المساند، والقيام ببعض النشاطات اللامنهجية فيها ، في حين توجه جزء من المدارس وتلاميذها إلى الطرف الآخر، مستهدفة بالأساس تطبيعهم، وهذه بالضبط الاستراتيجية الكبيرة لدولة الاحتلال، أي القبول باحتلالها والاعتراف به والخضوع لقوانينه، ، وهذا هو التطبيع، وهو أخطر من التطبيع الذي بموجبه يلتقي فلسطينيون بإسرائيليين، لأن الهدف هو إحداث تغيير في العامل الثقافي والنفسي والاجتماعي، بحيث يصبح مقبولاً على الفلسطيني الموجود فيه. وبعد أن نجحوا في هذا التوجه، أدخلوا هذا النوع من البرامج على المراكز الجماهيرية وأعطوا للقائمين عليه عليها صلاحيات العمل مع البلدية بحيث تكون فعليا قناة التعامل الرئيسية مع السكان لحل مشاكلهم مع البلدية، وبالتالي كانت المراكز الجماهيرية هذه جزء من برنامج أشمل، حيث عملت سلطات الاحتلال بعد العام 2017 على إنشاء مكاتب إضافية للشؤون الاجتماعية تابعة لها، ووسعت خدماتها بحيث تمكنها من التعامل مع الأسرة الفلسطينية مستغلة طبيعة المجتمع الفلسطيني باعتباره مجتمعاً عربياً مسلماً ومحافظاً، ويحتكم لكثير من العادات والتقاليد، وبالتالي كان هدفهم من ذلك اختراق هذا المجتمع وإحداث التغيير المطلوب فيه من الداخل، ومن خلال تحطيم مسلمات هذا المجتمع عبر توسيع صلاحيات مكاتب الشؤون الاجتماعية حتى تتدخل أكثر في شؤون الأسرة الفلسطينية، وبالفعل تمكنت هذه المكاتب من أن تتدخل كثيراً، وإذا راجعت مكاتبهم ومراكزهم تجد أنها تمتلك ملفات غير عادية عن الأسرة الفلسطينية، وكثير من هذه الملفات مرتبطة في قضاياها ومشاكلها مع الشرطة الإسرائيلية ، كون الشؤون الاجتماعية ملزمة حسب قوانينهم بالتواصل مع الشرطة، من خلال ما يعرف بالشرطة الجماهيرية تلطيفاً لدور هذه الشرطة وما خبره المقدسيون من تعامل شرطة الاحتلال معهم، فضمت تلك الشرطة الجديدة عناصر يتكلمون اللغة العربية، ومهمتهم حل مشاكل الأسر الفلسطينية، واستطاعوا ربطهم مع هذه الشرطة في متابعة قضاياهم ومشاكلهم، وفق استراٍتيجية محكمة مع المراكز الجماهيرية ومكاتب الشؤون الاجتماعية، وتمكنوا من إنشاء شبكة داخل المجتمع المحلي تتواصل مع المدرسة، ومع المؤسسة الإسرائيلية، وبهذا تمكنوا من إحداث تغيير ما في طريقة وأساليب تدخلاتهم مع المجتمع الفلسطيني حتى يكون مقبولاً عليه، أي أنّ ما لم يتمكنوا من فرضه بالقوة والاستبداد، تمكنوا من تحقيقه بأساليبهم الناعمة، بما في ذلك أسلوب الاحتواء، ومن خلال هذه الأساليب كانوا يسعون للوصول إلى نتيجة مفادها عدم حدوث مواجهات بين المقدسيين والاحتلال، وهو هدف يؤكده معدّو الخطة الذين لا يخفون رغبتهم في الوصول إلى مجتمع مقدسي خال من أي توجه ضد الاحتلال، وبالتالي وسعوا خلال السنوات الأخيرة من برامجهم المتعلقة بالتعامل مع فئة الشباب والفتية، ونراهم على سبيل المثال يقومون بتوزيع موظفيهم في بعض المناطق مثل جبل المكبر والطور في الشوارع، لرصد الفتية الذين تتراوح أعمارهم ما بين 14 – 16 عاما، والاستفسار منهم عن أسباب عدم التحاقهم بمقاعد الدراسة، ليتم لهم التواصل لاحقاُ مع عائلات هؤلاء الفتية لمساعدتها في حل مشكلات أبنائها على هذا الصعيد، بينما تتولى الشرطة التي تعتقل فتية بعمر هؤلاء متهمون برشق الحجارة مثلا بتحويل ملفاتهم إلى الشرطة الجماهيرية وإلى مكاتب الشؤون الاجتماعية حيث تعرض على هؤلاء الفتية وعائلاتهم المساعدة لتغيير سلوك أبنائهم.

إلى جانب هذه المراكز الجماهيرية. هل عمل الاحتلال على مسارات أخرى مستهدفة قطاعات المقدسيين المختلفة؟

*** نعم صحيح. فإلى جانب مسار المراكز الجماهيرية تم أيضاً العمل بنشاط كبير في مسار التعليم. لكن الجانب الأهم هنا، هو في مجال ما يسمى بالخدمة المدنية، المرتبط أساساُ بعمل المراكز الجماهيرية وبالهدف الاستراتيجي منها. وكما تعلم، فإن الخدمة المدنية جزء من الخدمات التي تمنح للأفراد الذين لا يتمكنون من الالتحاق بالجيش، وبالتالي أدخلوا هذه الخدمة إلى القدس بطريقتين. الأولى عن طريق الجامعات الإسرائيلية، حيث فتحوا المجال أمام الطلبة المقدسيين للالتحاق بهذه الجامعات، وفتحوا لهم كثيراً من المجالات وأبرزها الاعتراف بشهادة التوجيهي، والسماح بالتحاق العديد منهم في تلك الجامعات، وتحفيزهم من خلال إعفائهم في السنة الأولى من الأقساط الجامعة، ووضعوا كثيراً من السياسات في هذا الاتجاه، بما في في ذلك تمكين الطلاب في السنتين الثانية والثالثة من أداء الخدمة المدنية مقابل عدم دفع الأقساط والتي تصل في معدلاتها إلى 15 ألف شيكل. أما الطريقة الثانية، فمن خلال المراكز الجماهيرية وتخصيص الموازنات الضخمة لها والتي باتت مراكز للتجند في هذا النوع من الخدمة، وصولاّ إلى القناعة بأن هذه المراكز ومن خلال البلدية تقدم المساعدة للشباب وبأنها يستفيدون من خدماتها، في حين، أن منفعة تلك المراكز تتمثل في ردات الفعل مما تقدمه للمقدسيين من خدمات، تشير المعلومات إلى أن ما يتم رصده من أموال لهذه المراكز يتراوح ما بين 12- 15 مليون شيكل تنفق على كثير من الأنشطة بما في ذلك أنشطة فنية وثقافية، وأنشطة أخرى تنفذ عبر المدارس.ٍ

هل هذا يفسر الحملة التي طالت مؤسسات القدس منذ العام 2000، وإغلاق عشرات المؤسسات المقدسية، لتكون المراكز الجماهيرية بديلاً عنها؟

** إسرائيل لديها رؤية تمكنها من تغيير الأوضاع في القدس. وبالنسبة للاحتلال، فإن المقدسيين كانوا على الدوام مشكلة كبرى ومستعصية، طالما أنهم يقومون بأعمال لا يمكن للاحتلال توقعها كما حدث في معركة البوابات الإلكترونية، وما سبقها من مواجهات أعقبت استشهاد الفتى محمد أبو خضيرٍ، وفشل كل ما تقوم به من إجراءات في النيل من صمودهم وثباتهم. وأعتقد أنه بعد العام 2000 وقيام الاحتلال بإغلاق بيت الشرق وعدد كبير من المؤسسات ظلت مستمرة في سياسة التهويد والأسرلة، ولكن بين مدّ وجزر، ومع ذلك، فإن عدد إغلاق المؤسسات بات أقل، لكن زادت تدخلات الاحتلال أكثر في الأنشطة ونوعية تلك الأنشطة التي لا تتوقع أن يتدخل فيها الاحتلال. فبعد أن كانت تتدخل ضد أنشطة سياسية وضد مؤسسات تتهمها بأنها مرتبطة بمنظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية، باتت اليوم تتدخل في أغلب الأنشطة حتى ولو كانت رياضية أو فنية، وتمنع الإفطارات الرمضانية، وفي مناسبات اجتماعية منها على سبيل المثال إحياء الذكرى الأربعين لوفاة المناضل الفلسطيني د. صبحي غوشه. وبالتالي هم طوّروا من تدخلاتهم بحيث حدّوا من جميع الأنشطة الفلسطينية في القدس، وبالنسبة إليهم، لا ليس مهما وجودك كفلسطيني، لكن مشكلتهم الأساسية مع هويتك الوطنية والثقافية، ولهذا حرصوا على أن لا يعكس أي نشاط تقوم به هذه الهوية، وبأن لديك رموزاُ وطنية وهوية فلسطينية، لأن هذا بالنسبة إليهم جنون يفقدهم صوابهم، ولأن ما حدث خلال السنوات الأخيرة من مواجهات معهم أصابهم بنوع من الإرباك، وبأنهم فشلوا على مدى سنوات احتلالهم من أن يفرضوا سيادتهم وسيطرتهم على القدس، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للسياسيين والأمنيين في دولة الاحتلال، وبالتالي صعّدوا في الآونة الأخيرة من نشاطاتهم وخطواتهم ضد أي نشاط فلسطيني، وباتوا يلاحقون أي شخص يعمل مع السلطة سواء كان الوزير أو المحافظ ، بل شملت ملاحقاتهم موظفين عاديين، وبالتالي هي معركة مستمرة لم تتوقف، كما أنها لن تتوقف، وأعتقد أنه بعد صفقة القرن واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لهم، فإنهم بصدد خطوات أوسع وأكثر صرامة، بحيث يتم القضاء على أية رموز فلسطينية في القدس. هم الآن يحاولون إيقاف أي تدفق مالي للأفراد والمؤسسات في القدس، وهم يعكفون بقوة عل تحقيق مسعاهم هذا بالتعاون مع دول أوروبية، وصولاً إلى هدف أشمل وهو تحقيق عملية الاندماج ما بين المجتمع المقدسي ومؤسسات دولة الاحتلال ، وبالتالي أعتقد أن هذه الخطوات ستتصاعد أكثر بحيث نواجه صعوبة كبيرة جدا في التعبير عن هويتنا وثقافتنا الوطنية ووجودنا في مدينة القدس كفلسطينيين.

هل تعتقد بأن هذه الاستهداف المركّز للمؤسسات المقدسية يرتبط أيضا بتصعيد الصراع الديمغرافي في القدس من خلال تكثيف الاستيطان حتى في قلب الأحياء المقدسية؟

*** بالنسبة إليهم هذه مسألة أساسية منذ عهد رئيس بلدية الاحتلال الأسبق تيدي كوليك. وكانت المسألة الديمغرافية مشكلة أساسية بالنسبة إليهم عليهم مواجهتها وإيجاد الحلول المناسبة لها. لذا وسّعوا حدود مدينة القدس، وكثّفوا من الاستيطان فيها باعتبارها عاصمتهم وملأوها بالمستوطنات، ولحسم العامل الديمغرافي في المدينة المقدسة انتقلوا لتكثيف استيطانهم في قلب الأحياء المقدسية، وفي السيطرة على البيوت والعقارات فيها، والقيام بعمليات طرد ناعمة للمقدسيين حتى يصلوا بالمجتمع المقدسي إلى قبول بهذا الوجود الاستيطاني باعتباره طبيعيا، ولهذا هم رصدوا عشرات الملايين من الشواقل لتحقيق هذا الغرض، ويكفي أن نشير هنا إلى أن حراسة المستوطنين فقط تكلفهم في القدس سنويا أكثر من 30 مليون شيكل.

أعتقد بأنهم يريدون أن يروا القدس بطابع يهودي بحت، ولذلك هم يتحدثون عن العامل الديمغرافي باستمرار، ويعترفون بفشلهم من الحد من هذا العامل وحسمه لصالحهم. فنحن نتحدث الآن عن نسبة سكانية من المقدسيين تزيد عن 38% من سكان القدس بشطريها، وهذه النسبة تشكل معضلة كبيرة لهم، ولهذا يسعون إلى تقليصها بكل السبل والوسائل، ولربما تتيح لهم صفقة القرن تحقيق بعض النجاح بحيث يخفضون هذه النسبة إلى النصف تقريبا، وهذا متوقع وهو خطر جداً.

هل تلتقي فكرة المركز الجماهيرية مع لجان الأحياء التي سعى الاحتلال لتشكيلها في القدس قبل ذلك؟

*** فيما يتعلق بهذه اللجان، فقد اشتغل الإسرائيليون على المخاتير، باعتبارهم عناوين للمجتمع الفلسطيني، لذا منحوهم بعض الصلاحيات مع الشرطة ، وكانوا منحوهم قبل ذلك صلاحيات فيما يتعلق بملكية الأراضي، وبالتالي هم يحاولون إعطاء قوة لهذه اللجان من خلال بعض رموز العشائر المنتشرة في مدينة القدس، حيث تعطى لهم صلاحيات لحل بعض المشكلات، لكن عمل هذه اللجان بات مقلصاً، وتقلّص معها دور المخاتير لصالح المراكز الجماهيرية ، وقد نجحوا في صور باهر على سبيل المثال من خلال هذه المراكز. بعد أن أقاموا مجمعا كبيراً كاملاً ومتكاملاً، والآن يحاولون اختراق العيسوية من خلال اتصالات يجرونها مع مجموعة من ممثلي العائلات هناك.

كيف واجه المقدسيين محاولة الاحتلال عبر المراكز الجماهيرية أسرلة التعليم وتهويده من خلال توجه قطاعات الى تعليم أبنائهم في مدارس تتبع مناهج دولية باعتبار ذلك احد الوسائل لحماية أبنائهم من الاسرلة؟

** اعتقد ان بعض الفلسطينيين طول الوقت يختارون تعليم ابنائهم برامج دولية سواءا بريطانية أمريكية وألمانية وذلك بدافع تعليمهم في جامعات الدول المذكورة ، العديد من المدارس الاهلية تقدم هذا النوع من البرامج والامتحانات.

ولكن السؤال عدد الطلاب الذين يدرسون وفقا للمنهاج الاسرائيلي؟ اعتقد ان النسبة الإجمالية اقل من ١٠٪؜ ولكن هذا مؤشر اجمالي ولكن خلال السنوات الأخيرة يوجد زيادة كبيرة في الأعداد التي تلتحق بالتعليم الاسرائيلي وهذا خطير إذا استمر بالتصاعد خلال السنوات القادمة، اسرائيل تملك السيطرة والمال وتعمل حاليا على تطوير مدارسها بمستوى أفضل من المدارس الأخرى وهذا ما سيحفز مزيد من الأهل للموافقة والطلب بإلحاق اولادهم بالمنهاج الاسرائيلي.

هل تتوقع أن تتحول قطاعات اكبر من التلاميذ المقدسيين للدراسة في هذه المدارس حتى تتلافى الأسئلة الاسرائيلية؟ وهل يكون هذا بديلا مناسبا؟

** اعتقد ان قدرة هذه المدارس محدودة ولن تستطيع استيعاب آلاف الطلاب بإلاضافة الى مناهج 2التدريس ونوعية الطلاب ومستواهم التعليمي بإلاضافة الى الكلفة العالية على الأسر الفلسطينية، لذلك وضع التعليم الحالي ومستوى القدرات الفلسطينية لن تستطيع وقف اسرلة التعليم في الظروف الحالية.

ما هو المطلوب فلسطينيا وعلى المستويين الرسمي والاهلي لوقف الأسرلة الاسرائيلية للتعليم..هل من خيارات متاحة؟

** اعتقد ان الفرص صعبة لاستعادة ما كان، ولكن يمكن التعامل مع الوضع بهدف تقليص الأضرار قدر الإمكان ومنع الابتلاع الكامل لقطاع التعليم، أولا يجب ان نعمل مراجعة ونقف على أهداف واقعية تكون ارضيتها الحفاظ على ما تبقى من التعليم الفلسطيني والدفاع عن المنهاج الفلسطيني سائدا في المدارس كما هو الوضع حاليا، ثانيا احداث تغيير في طريقة وأسلوب إدارة التعليم وخاصة بعد ان تم إغلاق مديرية التربية والتعليم واقصد وجود جسم اهلي من الخبراء وممثلي الأهل والطلاب ومدراء المدارس لرعاية وحماية التعليم الفلسطيني في القدس وثالثا المعلم هو البعد الاستراتيجي في الخطة وهو صمام الأمان الذي يجب ان نحافظ عليه ليكون خط الدفاع الأول أمام تغييب الوعي الفلسطيني.

برأيك، ما هي البدائل والخيارات فلسطينيا لمواجهة كل هذه التوجهات الإسرائيلية؟

*** بصراحة، هذا صعب جدا لعدة أسباب. السبب السياسي الرئيس يتمثل في عدم توفر الرغبة لدى الجهات الرسمية الفلسطينية لمواجهة هذه الإجراءات الإسرائيلية في القدس. ولهذا، فكل ما يجري من عمل هنا، هو غير منظم وغير فعّال، وحتى من يتم تعيينهم، فهم مجرد مراسلين ، والمقصود بالمراسل هنا هو عدم امتلاكه أية صلاحيات أو قدرة على المواجهة، وعمله يقتصر فقط على نقل الرسالة إلى المستوى السياسي الأعلى، لأن المواجهة تتطلب صلاحيات وموازنات مالية تمكنهم من مواجهة الإجراءات الإسرائيلية، وهذه إحدى أخطائنا الاستراتيجية في مدينة القدس. فعلى مدى الفترة الماضية كنا نعتقد أن المشكلة في تعدد المرجعيات. برأيي هذا كان غير صحيح. وكان لا بد من تعدد المرجعيات طوال الوقت. المشكلة الأخرى، هي أنك في القدس لا تستطيع أن تواجه الاحتلال وسياساته بنحو عشرين مليون شيكل فقط، وفي أحيان كثيرة لا تحصل عليها بالكامل كمسؤول عن شؤون القدس، في الغالب تتوسل لمائة مؤسسة ومائة مسؤول كي تحصل على موازنتك. هذه مشكلة كبيرة جدا. نحن أثبتنا بأننا لا نريد أن نواجه في القدس. ولا نعمل من أجل تغيير أو وقف إجراءات الاحتلال في المدينة. ما يحدث في القدس الآن، هو أن الفلسطينيين العاديين هم من يواجهون هذه السياسات الاحتلالية الكبيرة، وهم لم يفقدوا هويتهم الوطنية والثقافية، وقد رأينا ذلك في المواجهات الأخيرة مع الاحتلال.

إذن، لم تنجح المركز الجماهيرية في تقويض الرواية الفلسطينية على رغم ما تتمتع به من إمكانيات هائلة من قبل الاحتلال؟

*** بالقطع لا. هم الآن منشغلون في ترغيب الفلسطينيين في القدس وتشجيعهم على القبول بالإسرائيلي المحتل والاعتراف بقوانينه وخضوعهم لهذه القوانين، ورغم أن هذه المراكز نجحت في التوسع والتمدد، إلا أنها لم تحقق غايتها جميعاً. توقعاتي في غضون السنتين القادمتين ستحاول هذه المراكز أن تحقق عملية دمج المجتمع المحلي في قوانين الاحتلال من خلال نشاطات مشتركة مع مراكز إسرائيلية تحت مسمّيات التعايش، وهذا هو الأخطر، وفي حال نجحوا في برامجهم هذه فسيحدثون ما فشلوا من تحقيقه حتى الآن في قبول المقدسيين بالاحتلال والاندماج فيه. الاحتلال يحاول خلخلة وفك ارتباطنا في القدس، وهو يريدك مقيم في وطنك، ولكن بلا أي ارتباط أو هوية وطنية تماما كما فعلوا مع فلسطينيي عام 48، وحصر قضيتك بقضايا اجتماعية واقتصادية ومساواة، لكنهم لا يريدونك مرتبطا بشعب آخر.

قالوا في المراكز الجماهيرية ودورها

الروائي المقدسي جميل السلحوت

معروف للجميع، أن الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، والمجلس البلدي وجميع المؤسسات الإسرائيليّة لم تدّخر جهدا في تهويد القدس العربيّة التي وقعت تحت الاحتلال في حرب حزيران 1967 العدوانية. وقد شمل التّهويد الجغرافيا والتّاريخ والثّقافة. ورغم مقاطعة الغالبيّة العظمي من المقدسيّين الفلسطينيّين للانتخابات البلدية الإسرائيليّة، إلا أنّ البلدية تسعى إلى دمج المقدسيّين في مؤسّسات البلديّة، مع أنّ البلديّة تجبي ضريبة السّكن -الأرنونا- وغيرها من الضّرائب من مواطني المدينة الفلسطينيين، والتي تصل الى حوالي 35% من ميزانيّة البلديّة، إلا أنّ ما تنفقه على الخدمات في القدس الشرقية يتراوح بين 6-7%. >p? ومن ضمن سياسة التّهويد المستمرّة والمتسارعة لجأت البلديّة إلى تشكيل ما يسمى "المراكز الجماهيريّة" في بعض أحياء المدينة، تحت شعار تحسين الخدمات، وذلك في محاولة منها إلى جرّ المقدسيين إلى الاعتراف بضمّ القدس لتكون "عاصمة إسرائيل الموحدة." غير أنّ المقدسيين يدركون تماما أنّ مشكلة القدس الشّرقيّة - جوهرة الأراضي الفلسطينية المحتلة- هي مشكلة سياسيّة وليست خدماتيّة.

راسم عبيدات – محلل إعلامي وسياسي

المرحلة القادمة التي سيعمد اليها الاحتلال ستسير وفق عدة اتجاهات وسيناريوهات، لإزاحة أي قوى او فعاليات أو مؤسسات تقف في طريق تنفيذ مشاريع ومخططات الاحتلال في المدينة، وفي مقدمتها العمل على تحويل الأحياء والبلدات المقدسية الى وحدات اجتماعية منفصلة عن بعضها البعض، بحيث يجري ضرب الرابط الوطني بينها، وحصر الاهتمام في همومها اليومية الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على ايجاد قيادات محلية بديلة للقيادات والرموز والشخصيات الوطنية في كل قرية، بحيث يجري العمل على تنفيذ ذلك من خلال إعطاء تلك الشخصيات البديلة صلاحيات مجالس محلية مرتبطة ببلدية الاحتلال على غرار القرى المقدسية الواقعة في غرب المدينة مثل أبو غوش وعين رافه وبيت نقوبا، وهذا يتطلب العمل على ايجاد مراكز شرطية في كل القرى والبلدات المقدسية في القسم الشرقي من المدينة، تضم أبنيتها بالإضافة للمهام الشرطية التي يناط بها عبر ما يسمى بالشرطة الجماهيرية، الدخول إلى المدارس وإعطاء ندوات ومحاضرات والتدخل في المشاكل التي تحدث داخل تلك المدارس، وكذلك تعمل على مساعدة اللجان العشائرية المرتبطة معها لكي تكون العنوان في المشاكل العشائرية "الطوش" والاجتماعية وغيرها، وتعمل هي كشرطة على تفكيك وتفتيت الأسر المقدسية وهتك نسيجها المجتمعي بالدخول إلى حرمات بيوتها والتدخل في أدق خصوصياتها ... وهنا ستضم المراكز الشرطية مبان أو غرف تابعة للمراكز الجماهيرية والتي ستكون رأس الحربة الى جانب الشرطة في أن تكون البديل للأندية والمراكز المجتمعية الفلسطينية في الاختراق الشعبي للمجتمع المقدسي، بحيث يجري تخصيص ميزانيات ضخمة لها، لكي تنفذ انشطة وفعاليات في الأحياء والبلدات المقدسية وداخل المدارس، وستعمل البلدية على خلق وكلاء ومتعهدين محليين، تصرف لهم ميزانيات ضخمة، لكي ينفذوا أنشطة وفعاليات داخل المدارس والقرى والبلدات المقدسية، وسيتم ربط الأمور الحياتية للمواطنين من خلالها القضايا المتعلقة بالترخيص للبناء وإقرار المخططات الهيكلية وغيرها.

وفيما يتعلق بطرق وآليات المواجهة يجب أن تركز على رسم استراتيجية موحدة تتشارك فيها السلطة والقطاع الخاص والمؤسسات المقدسية وبالتحديد الأندية الرياضية، بحيث يجري العمل على بناء وإقامة وتفعيل الأندية والمؤسسات المقدسية، لكي تملأ الفراغ وتكون بديلاً مقنعاً للجماهير والأهالي في تقديم الخدمة، من حيث نوعية الأنشطة والفعاليات وجودتها وثمنها، وتوفير ذلك من شأنه أن يمنع المراكز الجماهيرية في أن تكون البديل لطلابنا وأطفالنا والفئات المهمشة من شعبنا، والاستراتيجية يجب أن تقوم على ضخ ميزانيات حقيقية لهذه المراكز الشبابية، لكي تنجح في استقطاب الشباب والأطفال وغيرهم.

ملاحظة: ما ورد في نص المقابلة يعبر عن وجهة النظر الشخصية لصاحبها، وليس من الضرورة أن يعبر عن وجهة نظر "مفتاح"

 
 
الانجليزية...
 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required