مفتاح
2024 . السبت 4 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


عذراً، لم يتسن لي أن أتعرف إلى إنتاج عالم الاجتماع، والمفكر الأكاديمي، سميح فرسون، قبل أن يطلب إليّ كلمة في ذكرى الأربعين لرحيله.

وجدت نفسي أبحث باهتمام عن إنتاجه. أردت التعرف إلى الاسم الذي بقي في الظل، والذي أعطى للقضية الفلسطينية ولفلسطين الكثير، (من خلال مواقفه، وعمله الأكاديمي، وإنتاجه العلمي) الأمر الذي يضعه في المكانة التي يستحقها، في دائرة الضوء. ومن خلال قراءتي لما استطعت أن أحصل عليه، من كتبه ومقالاته؛ أحسست أنني أمام مفكر فلسطيني لامع، يملك رؤية تحليلية ثاقبة، ويحمل رؤية ورسالة في الوقت ذاته. هذه الرؤية والرسالة، التي تتخطى الحدود الإقليمية لضيقة، وتنفتح على عالم يؤمن بالعدالة والحرية والكرامة الإنسانية.

في كتابه الموسوعي: "فلسطين والفلسطينيون"، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، العام 2003م؛ تناول فرسون الاقتصاد السياسي لفلسطين، قبل النكبة وبعدها، كما تناول السوسيولوجيا السياسية للمجتمعات الفلسطينية الرئيسة الثلاثة (في الضفة والقطاع، وفي داخل إسرائيل، وفي الشتات) ومؤسساتها، وحركة تحررها الوطني، وانتفاضة العام 1987م، وانتفاضة الأقصى العام 2000م. ويقدم الكتاب تقييماً لاتفاقيات أوسلو، التي عقدت بين إسرائيل وم.ت.ف، والتي رأى فيها الكاتب خطأ بل خطيئة، حيث قبول الإملاءات الإسرائيلية، وحيث تأجيل القضايا الأساسية للصراع، كي تتقرر في مفاوضات الوضع النهائي. ولكن سميح فرسون، وهو يضع يديه على الجرح؛ لا يرى السلبيات فحسب؛ بل يلتقط الإيجابيات، ويذكرها، كما فعل حين أكد، على إيجابية أوسلو الوحيدة، وهي: اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثلة للشعب الفلسطيني.

وفي مقالته "جذور الحملة الأمريكية لمناهضة الإرهاب"، التي نشرت ضمن كتاب "العرب والعالم بعد 11 أيلول، والذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية العام 2002، نجد تحليلاً عميقاً لموضوعة الإرهاب، والتحولات في السياسة الأمريكية. بيّن كيف أن الولايات المتحدة، تقوم ببطء وبانتظام، بإضفاء طابع مؤسساتي على البنى الداخلية للحرب على الإرهاب، ووقف عند تعريف الولايات المتحدة للإرهاب، الذي لم يشتمل على إرهاب الدولة، والذي كثيراً ما مارسته الولايات المتحدة نفسها، في أمريكا الجنوبية والوسطى، ومارسته إسرائيل، وكثير من الدول التي تتحالف مع الولايات المتحدة، أو هي عميلة لها. وفي معرض تحليله للموقف الأمريكي من الإرهاب؛ استعرض سميح فرسون، تاريخ الدعم الأمريكي السياسي، والذي مال الأمريكيون وارتاحوا إلى نسيانه، في سياق هجمات أيلول سبتمبر. تحدث عن دور الولايات المتحدة في دعم الإسلام السياسي، والإسلام الراديكالي، حيث جرى تشجيع الإسلام السياسي كأيديولوجية، وكحركة سياسية-اجتماعية، ضد نزعة القومية الوحدوية والعلمانية العربية، التي كانت تتمتع بشعبية آنذاك. هذا الدعم الذي أنتج بن لادن، وتنظيم القاعدة، وغيرها من الجماعات الإسلامية المقاتلة. تحدث عن تحول هذه المجموعات إلى العداء لأمريكا، فيما أسمته: C.I.A ظاهرة "الضربة المرتدة" "Blow Back"، وهي تسمية لم تكن محسوبة لسياسة الحكومة الأمريكية، أو ممارساتها.

كما تحدث عن "حقبة الليبرالية الجديدة"، أيام كلينتون، وذكّر بنهج "التدخل لأغراض إنسانية"، أو "النزعة الإنسانية العسكرية الجديدة"، كما وصفها نعوم تشومسكي، تلك النزعة التي بررت التدخل في الصومال، وفي البوسنة وكوسوفو، تحت مظلة حلف شمال الأطلنطي.

تحدث عن أثر سياسات وأيديولوجيات "الليبرالية الجديدة"، والتي أسفرت عن مصاعب هائلة ومتزايدة، على كاهل الجماهير العريضة من شعوبها المتنوعة، وهددت الأصالة والقيم التقليدية للناس العاديين. مثال على ذلك: صموئيل هانتنغتون، الذي تحدث عن صدام الحضارات، وأن الإسلام هو "قوة الظلام" في العالم، بسبب نزوع المسلمين نحو الصراع العنيف. من هنا فإن الصدام قادم ومحتم بين الإسلام والغرب.

بيّن فرسون، أن مقولة هانتنغتون، قد بقيت مناظرة أكاديمية وفكرية، إلى حد كبير، خالية من أي قبول رسمي، أو شكلي أيديولوجي، أو مضامين سياسية، اواستراتيجية سياسية-عسكرية. ومع ذلك حظيت مقولاته بتغطية إعلامية ضخمة بعد هجمات 11 أيلول، حيث انتشرت هستيريا، معادية للإسلام وللعرب، في الإعلام الأمريكي، بتشجيع من أنصار إسرائيل؛ الأمر الذي جعل البعض يعلن، أن صدام الحضارات أو حربها قد بدأت.

لاحظ سميح فرسون تلك السرعة، التي تحولت بها أيديولوجية مناهضة الإرهاب، والحملة ضد ما يسمى ب "الدول المارقة"، إلى عقيدة قطيعة رسمية، وخطاب شعبي، في الولايات المتحدة. ومن أهم ما أجاب عليه فرسون من أسئلة، تتعلق بلقاء السياسات الأمريكية والإسرائيلية، في المنطقة على هذا النحو الحاسم؛ حديثه عن كونها ذروة تيارات سياسية محلية وأيديولوجية، كانت في مرحلة التكوين لزمن طويل.

"كي يميز المرء أمواج السياسة العالمية، لا بد أن يفهم أولاً تيارات السياسة المحلية".

تلك التيارات المحلية، التي أوضح أنها كانت قيد التكوين، لمدة لا تقل عن أربعة عقود، منذ عقد الستينات، الذي شهد بزوغ ونفوذ عديد من الحركات الكبرى السياسية الاجتماعية، التي غيرت المشهد العام الأمريكي: حركة مناهضة حرب فيتنام، وحركة الحقوق المدنية، وحركة الثقافة المضادة، والحركة النسائية، وغيرها من الحركات اللبيرالية، والرايكالية، والعلمانية. هذه الحركات، التي أطلقت العنان لشعور بالخطر، يهدد قيماً وأخلاقيات وأعرافاً، طالما تمسكت بها قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي.

قناعة الكاتب الأساسية، أن الالتقاء الذي حدث، بين أيديولوجية محافظة جديدة، ولاهوت ديني محافظ، في المجتمع الأمريكي، قد ساعد على دفع الوسط السياسي الأمريكي نحو اليمين، وسمح للتيارات المحافظة المحلية بأن تؤثر بقوة في السياسة الخارجية والداخلية، إن لم تملها إملاء.

"لقد دفع اليمين المسيحي فكرة القيم برمتها دفعاً، إلى واجهة الحياة المريكية، والآن ليست هذه المسائل موضوعة فقط على طاولة السياسات؛ إنها هي طاولة السياسات". ساهم تحليل مفكرنا، في تفسير تطور الحملة العدوانية، النزاعة للتدخل المناهضة للإرهاب، وفسر أيضاً إضفاء الطابع الليكودي، على السياسة الأمريكية، في الشرق الأوسط.

بيّن سميح فرسون بشكل جلي أن الحرب على الإرهاب، ليست منفصلة بحال من الأحوال، عن دعم إسرائيل. "إنها ذاتها مسألة دعم إسرائيل".

وأخيراً،

ولد سميح فرسون في حيفا، ومات في أمريكا، ولم يتسن له أن يزور مسقط رأسه؛ لكن مؤلفاته، وأبحاثه، ومقالاته؛ تفتح حواراً لن يموت، بينه وبين طلاب المعرفة والعلم والحقيقة، في كل أنحاء العالم. أما شخصيته وإنجازاته الإنسانية؛ فمكانها قلوبنا. - (مفتاح 25 تموز 2005) -

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required