مفتاح
2024 . الجمعة 26 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


كانت حرب الأيام الستة نقطة تحول في تاريخ النظام العربي، فالهزيمة جمعت أطراف العرب تحت مظلة واحدة في مؤتمر الخرطوم الشهير عام 1967، وبرزت النخوة والنجدة والأخوة العربية في أروع معانيها. تناسى العرب الجراح والخلافات والضغائن فقد وحدتهم هجمة العدو الصهيوني ومرارة الهزيمة، فكان تلاحمهم عنواناً لنصر آت.

لقد أكرمني الله فرأيت ما بدل مرارة هزيمة 1967 ومسح ذل الانكسار عن نفسي تلك الهزيمة وذلك الانكسار الذي جرعه لأمتنا العدو الحاقد مستغلاً تشتتها وتناحرها وعدم جديتها في الدفاع عن الحق.

كنت وقتها طالباً في كلية حقوق القاهرة لدراسة الليسانس فرأيت خط بارليف وهو يتحطم أمام القوة المصرية ونقل الإعلام صوراً خصوصاً عن القنيطرة السورية وهي في طريقها إلى التحرير بمساندة عربية خصوصاً من السعودية، ثم شاهدنا المنظر الرائع عندما زار الملك فيصل رحمه الله القناة والقنيطرة المحررتين.

كان سلاح النفط الذي أشهرته القيادة السعودية آنذاك سلاحاً ماضياً في حسم المعركة، وكان الإجماع العربي على منازلة العدو المتعالي بقوته ضربة معلم أصابت الهدف في موقع موجع وهذا نتاج قوة الأمة عندما تتوحد! وكنا نتوقع ان يستفيد العرب من الدروس ويعرفوا ان قوتهم في وحدتهم ولكن المؤسف المحزن ان العقد بدأ ينفرط وعادت الدول العربية إلى ما كانت عليه من تشتت وتفرق بل وعداء بعد استعادة مصر لأراضيها التي خرجت من رحم انتصار 1973 على العدو الصهيوني.

وانقسم العرب بين مؤيد ومعارض، وانتقلت الجامعة العربية إلى تونس ليؤكد هذا الانتقال ان الخلاف لم يعد مجرد كلام بل أصبح فعلاً، ولتصبح الجامعة العربية التي أقيمت لتوحد الكلمة وتلم الشمل سلاحاً يستعمل لتمزيق جسد الأمة.

وتوالت النكبات والكوارث على الأمة المتشتتة وهانت في عين العدو فلم يعد يكترث إذا أراد العدوان على بلد عربي ومن ذلك اعتداءاته على لبنان فاحتل بيروت في خضم الضياع العربي عام 1982 ثم شن حرباً أخرى على ذلك البلد 1996 ثم كان عدوانه المدمر الصيف الماضي على بلاد الارز.

وفي فلسطين أخذت الدولة العبرية تصول وتجول على ساقين من ضعفنا وقوتها، فبعد ابتلاعها كل الأراضي الفلسطينية عام 1967 ألحقت ذلك بإعلانها القدس عاصمة لها، وأخذت تعربد في فلسطين كما تشاء قتلاً وتشريداً وتدميراً وحبساً، فراح نتيجة اعتداءاتها آلاف القتلى وأفرزت تلك الاعتداءات الآلاف من الجرحى والمعوقين ودمر العدو بحقده البنية التحتية تدميراً شاملاً عن قصد وسوء نية وامتلأت سجون العدو بأكثر من 11 ألف فلسطيني.

وانطلاقاً من الإحساس بضعفنا وتفرقنا وقفت إسرائيل في وجه كل جهود ومبادرات السلام بدءاً من اتفاق أوسلو وانتهاء بخريطة الطريق التي اشترط المجرم اولمرت تعديل أربعة عشر بنداً لقبولها، وهذا يعني رفض خريطة الطريق جملة وتفصيلاً وبالعناد والعنجهية ذاتها رفضت إسرائيل المبادرة العربية للسلام فور إعلانها عام 2002!

كان المتوقع لمواجهة هذا الجبروت وهذه الاعتداءات وذلك الصلف والقهر ان تتحد أيدي الشعب الفلسطيني وتتوحد صفوفه لنزع الحق المغتصب من العدو ووقف اعتداءاته وبطشه ولكن - واحسرتاه - نجد الأشقاء الفلسطينيين في «حماس» و «فتح» وقد دخلوا في صراع محموم على السلطة.

اشتعلت نار الحرب بين رفاق السلاح، فالرصاصة التي كان يجب ان توجه إلى صدر العدو توجه اليوم إلى صدر الفلسطيني، والدماء التي كان يجب ان تحقن ليوم لقاء العدو سفكت بيد من كان يجب ان يكون سنداً وعوناً في ذلك اليوم، والهاونات والدانات التي كان يجب ان توجه إلى مستعمرات العدو وتقلق منامه، وجهت إلى منازل الأهل فدمرتها على رؤوسهم والى المدارس والمستشفيات والمصالح التي بنيت بمال الشعب الفلسطيني وجهده، وكأنهم يقولون (بيدي لا بيد عمر) ويصدق عليهم قول القرآن عن اليهود (يخربون بيوتهم بأيديهم)، وإذا كان اليهود خربوا بيوتهم لهدف ومصلحة فلأي هدف وأية غاية يخرب الفلسطينيون بيوتهم؟

ماذا نقول عن هذه المأساة الا حسبنا الله ونعم الوكيل فقد ألجمتنا الصدمة فلا ندري ما نقول، وان كان من قول فنقول للاخوة الفلسطينيين: لقد أحزنتم قلوبنا، نحن المسلمين والعرب - وملأتم صدورنا حسرة وجرعتمونا كأس التهمام أنفاساً، ونقول لهم لقد أفرحتم العدو وأثلجتم صدره وأقررتم عينه، تحاربون نيابة عنه، وتحققون أهدافه بلا جهد منه ولا عرق.

ان صراع الفرقاء في فلسطين يذكرنا بصراع السجناء في الأفلام حين تضيق بهم الحال او حين تريد مجموعة ان تفرض إرادتها على مجموعة أخرى، ففلسطين في الحقيقة ما هي إلا سجن كبير جلاده ومساجينه الشعب الفلسطيني كله.

صحيح ان ابو مازن واسماعيل هنية احدهما الرئيس الفلسطيني والآخر رئيس للوزراء الذي جاءت به الانتخابات الحرة، لكن الاثنين ومعهما الوزراء والنواب كلهم سجناء مع الشعب الفلسطيني داخل صندوق كبير مفتاحه بيد إسرائيل لا يخرج منه او يدخل اليه أحد، ابو مازن او غيره الا بإشارة إسرائيلية!

ومع هذا السجن الخبيث والسيادة الغائبة في ظل الاحتلال اللعين يصر الفلسطينيون على خلق سجون أخرى داخل السجن الكبير من صنعهم لحبس أهلهم واهانتهم وإذلالهم! حدث هذا ونقلته وسائل الإعلام، فكيف لهم ان يخاطبوا بل ويقنعوا أبناء جلدتهم بالكفاح والتحرير؟!

هل لنا ان نسأل الاخوة في فلسطين لماذا ينهكون أنفسهم قتالاً؟ أعلى فتات السلطة الوهمية التي خدعهم بها العدو؟! ان هذا الشعب الذي عاش معاناة لم يسبقها إليه شعب آخر في التاريخ الحديث، كان يجب ان يحكم قادته العقل والحكمة، ويعتصموا قبل كل شيء بحبل الله المتين (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).

ولكن بدلاً من ذلك تصر رموزه على التفرق والتشرذم والتشتت اقتتالاً على السلطة، لتهدر حقوق شعب بأكمله، منه من يرزح تحت احتلال عنصري لم يعرف له التاريخ مثيلاً، ومنهم من هم في الشتات يتلهفون إلى العودة فاذا بهم يرون إخوانهم يقتتلون على السلطة الناقصة! فأين العقل وأين الوطنية التي يشق بها بعضهم حناجره ويرفعها شعاراً؟

أهذا هو الكفاح المسلح ضد العدو؟ أهذا هو تحرير الأوطان؟ أهذا هو الطريق لتحرير القدس السليبة؟ ما لكم كيف تحكمون؟ ان تحرير الأرض وإعادة الحق ورفع الغبن ودحر الظلم يعني مجاهدة من اغتصب الأرض وقتل الأبرياء وانتهك الأعراض واحتل القدس وليس الاقتتال على السلطة!

صحيح ان هناك فساداً متغلغلاً في شرايين النظام السياسي الفلسطيني. هذه حقيقة لا نستطيع إنكارها، وان الفساد اذا استشرى يهدد كيان الدول والمجتمعات والمنظمات التي تنشد التحرير لأوطانها، وهذه ايضاً حقيقة لا جدال فيها، لكن الفساد لا يصلح أمره بالخناجر والسكاكين والبنادق والرشاشات، وانما بقطع دابر الفساد والمفسدين بالتعاون الجاد على اقصائهم عن مناصبهم وتسليط الضوء على أفعالهم وانتهاكاتهم أمام وسائل الإعلام والرقابات المشروعة وسن القوانين الصارمة! ولا يخلو مجتمع او دولة من فساد ولكن هل من الحكمة القضاء عليه أو الحد منه بحمل السلاح الذي هو أسوأ من الفساد!

ونسأل المتقاتلين كيف للأشقاء الفلسطينيين الذين تبلغ نسبة الفقر بينهم نحو 76 في المئة ان يستقبلوا تنازع اخوانهم على السلطة بحد السيف ليزيدوهم فقراً وعوزاً، بدلاً من ان يكونوا عوناً وظهيراً.

ونقول لهم ان التاريخ الذي سجل ان إسرائيل أهدرت دماء الفلسطينيين على مدى نحو 60 عاماً من دون نصير ولا مجيب لصرخاتهم، هو التاريخ نفسه الذي سيسجل ان الفلسطينيين ذبحوا بعضهم بعضاً وقتلوا بعضهم بعضاً وأعانوا العدو على أنفسهم.

أليس لكم أيها الاخوة في أحداث التاريخ عظة وعبرة؟ ألم تروا ان الجزائر لم تشم رائحة الحرية ولم تنل الاستقلال الا بعد ان قدمت مليون شهيد من أغلى أبنائها وبناتها؟ وانها بذلك وحدها دحرت فرنسا التي كانت تعتبر الجزائر (فرنسا جديدة) وعلى القيادات الفلسطينية فهم الدرس والاستمرار في تقديم الثمن، وبعد الفوز والتحرير فلكل حادث حديث.‍‍ ‍‍

أمنية عزيزة ودعوة صادقة للاخوة في فلسطين، حكموا العقل واتركوا الكراهية واتركوا التنازع والتصارع على سلطة ناقصة، واعملوا على إصلاح البيت قبل ان تتهاوى كل أعمدته، فينهار على رؤوس الجميع.

ودعوة إلى الإخوة عباس وخالد مشعل وهنية، تذكروا القسم الذي أقسمتموه في رحاب مكة قرب المسجد الحرام على العمل سوياً من اجل مصلحة البلاد والعباد في فلسطين، فكان اتفاق مكة الشهير مفتاح الحلول وصانع حكومة الوحدة الوطنية.

وعليكم بالوحدة عضوا عليها بالنواجذ ومن دونها فان قارب الرموز الفلسطينية سيغرق في محيط الصراعات والاغتيالات والكوارث والنكبات والأحداث الجسام التي ستعيد القضية الفلسطينية برمتها إلى المربع الأول وتقود البلاد إلى الهاوية.

والنصيحة بيضاء ناصعة عضوا بالنواجذ على مبادرة السلام العربية التي اجمع عليها العرب في قمة بيروت والرياض كخيار استراتيجي لحل الصراع العربي - الإسرائيلي.

وإذا كان العرب حزموا أمرهم وللمرة الأولى في تاريخهم المليء بالهزات وخيبات الأمل واجمعوا على مبادرة سلام تعيد للفلسطينيين حقوقهم المغتصبة، فعلى الجانب الفلسطيني الوقوف صفاً واحداً مع اخوانهم العرب والمسلمين ليكون الجميع سداً منيعاً ضد أي عدوان غاشم، أما إذا أبيتم إلا الاقتتال فخير لكم ان تسلموا أسلحتكم إلى إسرائيل وتعيشوا تحت سلطتها وهي النتيجة الحتمية لاقتتالكم فاختصروا الوقت! - الحياة 23/6/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required