مفتاح
2024 . الإثنين 20 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

بدت التقلبات المناخية في شرقنا الأوسط كثيرة و سريعة، أرهقت عقولا تارة، وجرحت قلوبا تارة أخرى، و بدأ جميع قاطني هذه المنطقة يحسون بحرارة غير معتادة في شتاء قاس تملك كل جوارحنا، فما أن بدأت »محرقة غزة« حتى تلقت إسرائيل لطمه القدس، وما أن بدأ الحديث عن تهدئة وعودة للمفاوضات، وإذ بإسرائيل تعلن عن توسيع أحد مستوطنات القدس مع تزامن خبر زيارة أحد أشد الصقور الأمريكية قسوة وهو ديك تشيني للمنطقة بعد أن تم قبول استقالة قائد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. قد يظهر للبعض أن هذه الإشارات منفصلة عن بعضها البعض ولا رابط بينها ولكن واقع الأمر مختلفا تماما بحيث انه وضوح الصورة لن يكتمل إلا بجمع أطرافها و إن بدت متباعدة. إسرائيل وبعد إعداد نفسي محلي ودولي لعدوان ساحق على قطاع غزة مبررة ذلك بصواريخ المقاومة سيدروت وعسقلان، وما أن بدأت عملياتها العسكرية فوجئ صناع القرار في العالم بحجم أصغر بكثير مما توقعوه بعد حجم الإعداد النفسي الطويل الذي قامت به إسرائيل فكانت ردة الفعل العربية والدولية الرسمية متواضعة جدا مع عدد الشهداء الكبير الذي سقط في أقل من أسبوع، وإذا بلطمه القدس تشق سكون ليل خنوع عربي وإسلامي في ضربة موجعة في توقيتها ومؤلمة في تفاصيلها، رغم سباق التنديد العالمي والعربي الرسمي إلا أن العملية لم تؤجج مشاعر الشارع الغربي لعد أسباب: أولا أنها جاءت بعد أسبوع دام في غزه شاهده الجميع و ثانيا أن العملية لم تحمل الشكل التقليدي للانتحاري (من وجهة نظرهم) الذي يفجر نفسه وأخيرا وهو أن الثقافة الأمريكية الجديدة أفرزت للعالم هجمات على مدارس وجامعات بشكل شبه يومي، ومهما اختلفنا في جدوى وضرورة أو حتى توقيت عملية القدس، إلا أن احد لا يستطيع أن الكثيرين ارجعوها للعدوان الإسرائيلي وهول ما شاهدناه من الدماء التي سالت في أيام معدودة. وبعد أن بدا الحديث عن تهدئة يطفو إلى السطح، وإذ بإسرائيل تعلن عن توسيع إحدى مستوطناتها في القدس وبناء وحدات سكنية جديدة ، ضاربة بعرض الحائط التزاماتها في انابوليس وغير مكترثة بجهود الرئيس محمد عباس لإحلال السلام ، وبعد عدة أيام من مغادرة وزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة، وتبادر لذهن البعض أن القرار الإسرائيلي هذا جاء ردا على عملية القدس، ولكن الوزير الإسرائيلي ليبرمان اكد في حينه قبل استقالته أن هذا القرار أتخذ قبل العملية، ومع استمرار حالة التوتر، بدأت الجهات الأمنية الإسرائيلية تتحدث عن استعدادات لمواجهات على عدد من الجبهات، مع استمرار تسليط الضوء على القدرات العسكرية لسوريا وحزب الله . في الجانب الآخر نجد تزامن عجيب لعدد من الأحداث ففي حين اعتبر تقريرا لوكالة الاستخبارات الأمريكية أن إيران لا تمثل خطرا مباشرا وحقيقيا من خلال امتلاكها للتكنولوجيا النووية، نجد أن جهود الولايات المتحدة الأمريكية تؤتي أكلها بقرار تشديد العقوبات على إيران. في ذات الوقت وجدنا أن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يزور المنطقة ليعد لشيء لا يختلف عما أعده في زيارة سابقة له قبل غزو العراق. الجديد في هذه المنظومة هو استقالة قائد القوات الأمريكية في المنطقة الوسطى والتي تشمل العراق و أفغانستان بعد اقل من عام على تعيينه، وهو القائد الذي سئم طبول الحرب وأعلن صراحة عن تفضيله للحل الدبلوماسي عن خيار الحرب في التعامل مع إيران، وهو نفسه من عارض تحرك القطع البحرية الأمريكية صوب السواحل اللبنانية. بقليل من التحليل للمعطيات المختلفة وللتطورات السريعة نجد أن قرارا سياسيا أمريكيا إسرائيليا قد اتخذ لتصعيد جديد في المنطقة ، ويختلف مع وجهة نظر القادة العسكريين وتقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية، فلم فجولة تشيني لا تستهدف تهدئة أجواء المنطقة، بل ليعد لكارثة جديدة رفضها قائد قواته هناك، وان أنكر البيت الأبيض، وكبش الفداء كالعادة هم الفلسطينيين، فلا يجوز أن تشتعل حرب هناك ومازالت إسرائيل تدك الفلسطينيين في غزة هنا، ولا يجوز للولايات المتحدة الأمريكية أن تضرب إيران قبل أن تضعف قراتها بمزيد من العقوبات، ولن تستطيع أن تحقق اكبر تأثير دون أن تشل حركة ذراعيها في المنطقة متمثلة في في سوريا وحزب الله، أما الحلقة الأضعف في غزة، فيمكن أن تهدأ جبهتها مؤقتا وان تخمد نارها إلى أن يأتي دورها، فأولويات المرحلة تتطلب هدوءا في جبهة للتفرغ لجبهات أخرى. لقد توقع الجميع ضربة إسرائيلية مؤلمة بعد عملية القدس وقد فوجئنا بعدم الرد الإسرائيلي، بل بقبول ضمني لتهدئة مثيرة للشك، ولكنها تبدو وكأنها تهدئة تأتي في إطار معادلة اكبر وعملية أوسع مما يستطيع أن يراه الكثير. لقد شككنا في حديث سابق من قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ قرار المواجهة مع إيران، وخاصة أن الأخيرة تمتلك العديد من الأوراق منها سوريا وحزب الله، وشيعة العراق، وكذلك خيار هجوم أو احتلال لدول خليجية، بالإضافة لهزات اقتصادية عالمية بسبب ارتفاع أسعار النفط، وكانت نتيجة العلم المسبق لهذه الخيارات هو تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية والذي قلل من شان الخطر الإيراني، وهو التقرير الذي وجه صفعة للشراكة الإستراتيجية بين أمريكا و إسرائيل وخاصة بعد أن كانت الأخيرة تضغط بكل قوة نحو توريط الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب. ولكن القيادات السياسية في البلدين استطاعت أن تتجاوز هذه الأزمة من خلال المضي قدما في خطط تناسب أطروحاتها غير عابئين بتقارير الاستخبارات أو العواقب العسكرية لهجوم أمريكي على إيران، فإسرائيل مازالت تروج للعالم أن إيران خطر عالمي، وخطر يهدد وجودها، في حين ترى القيادة السياسية الأمريكية، والتي تعلم أنها ستخرج من البيت الأبيض في العام المقبل، أن تعزيز ثقافة الخوف في المنطقة سيزيد فرص المرشح الجمهوري القادم ماكين مقابل منافسيه الديمقراطيين الأقل صرامة تجاه المنطقة، وان استدعت الضرورة احتكار قرار الحرب بعيدا عن مشورة القادة العسكريين في الميدان. وفي خضم هذه التحديات، ومع استمرار المهاترات والاتهامات، وتواصل حالة الانقسام والتشتت والتخبطات، تساءل البعض عن أسباب »قيظ هذا الشتاء«!! أهو غضب من السماء أم مؤامرات جديدة من الأعداء، وكأنهم نسوا وطنا يستحق المزيد من العناء، وطنا تركه لنا الأجداد والآباء، إرثا غنيا نقيا يستحق بذل المزيد من التضحيات وكثيرا من العطاء، وطنا وجب أن يكون حبه وانتماءه في قلوبنا قبل كل انتماء.

القدس

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required