مفتاح
2024 . الإثنين 20 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لقد فُجع الرأي العام الفلسطيني مؤخراً بقصة عنف جديدة ضد المرأة، هذه المرة ضد الطفلة براءة ملحم من قضاء قلقيلية التي قضت 11 سنة من طفولتها البريئة حبيسة "حمام"، أغلقه والدها عليها بعد أن منعها بعد طلاقه من والدتها وهي في سن الرابعة من الذهاب إلى المدرسة خشية من "الناس السيئين" حسب اعتقاده، واللذين ربما كانوا أكثر رحمة ورأفة بهذه الطفلة من والدها الحقيقي.

11 عاماً سجنها فيها والدها، ولم يترك لها سوى بطانية واحدة هي فرشتها ولحافها، وراديو يعمل بالبطارية هو المتنفس الوحيد لها خارج جدران سجنها، فيما لم يتوان عن تعذيبها وضربها حتى كان يزرق جسدها، وإذلالها وحتى حلق شعرها، كما كان يصب عليها الماء البارد في أيام الشتاء، ولم تكن تخرج من حبسها إلا للقيام بالأعمال المنزلية والتنظيف.

وكانت أول كلماتها عند خرجت: "إحدى عشر عاماً لم أعش، ولم أكن أعلم ما يجري في العالم إلا من خلال ما سمعته في الراديو، وأنا الآن كطفل خرج للتو من بطن أمه"، هذه كانت أول الكلمات التي نطقت بها "براءة".

وما لا يستوعبه العقل هو أن تمر كل هذه السنين دون أن يعرف أحد شيئا ًعن الفتاة وعن مصيرها وعن حالها، خاصة من ألأقرباء أو الأم التي بررت أنها كانت دائمة السؤال عن ابنتها لكن الأب كان يمنعها عنها، دون أن نستثن دور الأصدقاء والجيران، وهو مؤشر إلى تدني أو انعدام مفهوم المسؤولية الفردية في مجتمعنا، وهذه أخطر مستويات اللامبالاة والمصلحة الفردية التي تدمر المجتمعات. مع العلم أن الزوجة الثانية للأب المجرم كانت على علم بالجريمة، ولم تفصح عن هذه الفعلة الشنيعة هذا إذا ما افترضنا أنها لم تشاركه فعلته، إلى أن أصرت عمة الفتاة على رؤيتها حيث كانت في السابق تطالب الوالد وبإلحاح لرؤية الفتاة وكان يمنعها، إلى أن شكت في الأمر فتوجهت للشرطة والعاملين الاجتماعيين في بلدية قلقيلية، فجاءت الشرطة ورأت ما رأت.

إن ما يزيد الأسف والأسى في مثل هذه الواقعة، ليس العنف الذي تعاني منه المرأة في مجتمعنا فحسب، بل والوحشية والسادية التي يُعامل بها الأطفال من قبل شواذ غير أسوياء من الناس، بل هو أن يفلت المجرم ومرتكب هذه الأفعال البشعة من العقاب. فالأب الذي يحمل الهوية الإسرائيلية تم تسليمه للجانب الإسرائيلي، وكذلك زوجته التي تحمل الهوية الإسرائيلية رغم أن الجريمة وقعت على أراضي السلطة الفلسطينية، وتم تمديد توقيفه من قبل محكمة الصلح الإسرائيلية في مدينة "كفار سابا" يوم الأحد 22-1-2012 حسبما أشارت المصادر.

فهل أصبحت الهوية الإسرائيلية غطاء ًلتنفيذ الجرائم في أراضي السلطة الفلسطينية؟ ولماذا على السلطة الفلسطينية الالتزام بالقوانين واللوائح الإسرائيلية التي تحمي مواطنيها، فهل هذا التزام بالقانون أم استخفاف بالعدالة التي يجب أن تتحقق؟ وأي مجتمع هذا الذي يتشكل اليوم ويفلت مجرموه من العقاب؟ وكأننا عاجزون عن إنفاذ القانون أو متقاعسون عن تطبيقه، أم أن هذا يأتي تحت بند الالتزام باتفاقية أوسلو وبنودها الكارثية في هذا السياق -المسؤولية الجنائية لكل من حمل بطاقة زرقاء في المحاكم الإسرائيلية فقط حتى لو حدثت الجريمة في الضفة-! ولماذا نتشدق نحن بالالتزام بأوسلو فيما يتنصل الجانب الإسرائيلي من البنود التي تعطي بعض الحقوق الفلسطينية! وهل كانت ستسلم إسرائيل أي فلسطيني مهما كان لون هويته للسلطة الفلسطينية إذا ما ارتكب جريمة بحق طفلة أو فتاة إسرائيلية على أراضي "إسرائيل"؟ فالطبع لا! فهذا الأمر يسري باتجاه واحد فقط.

مع الشكر والاعتراف بدور الشرطة التي حررت الفتاة من أسرها، إلا أن القصاص منه فلسطينيا ً لأنه ارتكب جريمة بحق فتاة بريئة على أرض فلسطينية كان واجباً لردع غيره ممن يرتكبون مثل هذه الأفعال اللا إنسانية ويمارسونها في الظل دون أن يعرف عنهم أحد.

فكان لابد من رد الاعتبار للفتاة التي لاشك أنها تعاني ما تعانيه الآن من مشاكل نفسية وعصبية، وهي التي اختارت عقوبة سجانها قائلة " لو كان الأمر بيدي لطلبت أن يوضع في حمام تحت الأرض، وأن لا يرى الضوء 11 عاماً، وبدون أكل".

إن تسلمينا لمجرم كهذا هو اعتراف بعدالة القضاء الإسرائيلي، الذي لن يستطيع مهما كانت الظروف بل ولن يكترث بفهم تفاصيل الجريمة والبحث في أبعادها. لذا فالحقيقة المرة التي يجب التسليم بها أنه ومهما كانت الجريمة وأبعادها اللا إنسانية واللا أخلاقية، فتطبيق القانون يتوقف على "لون" هوية المجرم، وهذا أمر لا يجب السكوت عليه اجتماعيا ً ولا أخلاقيا ًوإلا كان الجميع مشترك في السكوت عن الحق وعن إحقاق العدالة، وستظل براءة بريئة من هذه القوانين والتقاعس المجتمعي.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required