مفتاح
2024 . الإثنين 20 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لم تكن الصدمة بسيطة وليست من النوع الذي قد تمحوه الأيام بسهولة، ولكن بعد أن ذرفنا الدموع ألما ًوقهرا ً على أبنائنا الذين قضوا حرقاً في ذاك الحادث المشؤم يوم 16 شباط حيث قضى خمسة أطفال ومعلمتهم حرقاً، في صورة لا يستوعبها عقل بشر ولا يطيق احتمالها قلب إنسان انفطر حزنا ًوبؤسا ً على مأساتهم، وكيف لنا نحن الكبار أن نحتمل فكرة مواجهتهم لهكذا عذاب وهكذا مصير! لكننا نصبر أنفسنا فنقول أن هؤلاء هم أحباب الله، وهو أرحم بهم منا ومن دنيتنا وأخطاءنا التي لم تستثنيهم ولم تترك لهم متسعا ًمن الأمل والحلم بيوم جميل وغدٍ أفضل رسموه لوحة في كراريسهم، وحملوه بين أغراض رحلتهم في حقائبهم الصغيرة التي رُميت على قارعة الطريق واحترق بعضها مع أصحابها.

بعد هول الصدمة، وبعد أن كفكفنا الدمع، نفيق من ألمنا والجرح لم يندمل بعد، لنلملم شتات أنفسنا ونقيم بل ونفند ما حدث، وكيف حدث ولماذا حدث؟

بداية..ساءني تحميل الكثيرين، ومنهم وسائل الإعلام المسوؤلية لإدارة المدرسة التي أصرت على الخروج بالأطفال في مثل تلك الأجواء الماطرة والعاصفة، في رحلة ترفيهية رغم تحذيرات الأرصاد الجوية، ومن ثم إلقاء اللوم على كاهلهم بشكل مطلق، متجاهلين أو غير مدركين أن السبب الرئيسي للحادث كان التجاوز الخاطئ وغير المقبول من قبل سائق الشاحنة الذي فوجئ بحافلة الروضة، وفي ثوان معدودة وبسبب خطأه الفادح دفع الأطفال حياتهم ثمناً له، دون أن يدرك أن خطأه البشع كلف عشرات الأسر حياتها ومستقبلها، ناهيك عن مستقبله هو الذي لم يفكر فيه أيضاً رغم نجاته وإن بترت إحدى ساقيه.

الحقيقة أن الروضة مخطئة بتخطيط رحلة في يوم كانت فيه الأحوال الجوية من أسوأ ما يكون، لكن لا الأمطار الغزيرة ولا الضباب الكثيف كان سبباً في الحادث، وكان من الممكن أن تكون الشاحنة في مواجهة أي حافلة أخرى أو سيارة أخرى لأناس ذاهبون لأعمالهم في الصباح الباكر، كما أن الأحوال الجوية عمت معظم سماء فلسطين لكننا لم نسمع عن حادث مماثل.

بل والأسوأ من ذلك، ما صار من هجوم على روضة نور الهدى، وكيف يُسمح بإعطاء تراخيص لكل من "هب ودب"، لفتح روضة، وبالتالي تجير الحادث ليصب في خلاف حزبي وفصائلي، رغم أن هذا ليس مربط الفرس على الإطلاق، وهناك الكثير من القضايا الأكثر أهمية واتصالاً بالموضوع والتي يجب البت فيها ومعالجتها على الفور، حتى لا يسقط المزيد من الضحايا في المستقبل، ومن أهمها: المسؤولية بكل أشكالها وبكل جوانبها، الفردية منها قبل المجتمعية، مسؤولية الفرد بالالتزام بالقانون وعدم الاستهتار بأرواح الناس على الطرقات، من أجل تحقيق نزوات شخصية وانتصارات تنتهي بمأساة على الإسفلت، ومن ثم يتوجب أن تضرب الجهات المسؤولية عن إنفاذ القانون بيد من حديد، حتى يتعظ كل من تسول نفسه التهور أو الاستخفاف بالعقوبات الواقعة عليه.

من ثم المسؤولية المجتمعية والحكومية في التعامل مع مثل هذا النوع من الكوارث، فعدم وجود مركز طوارئ وإنقاذ قريب من تلك المنطقة، في بلدة الرام مثلاً، أو حتى مركز للدفاع المدني لخدمة قرى شمال شرق القدس، زاد من حجم الكارثة، أما غياب التنسيق فقد كان حاضراً بكل وضوح وبين جميع الأطراف، بين فرق الإسعاف والإنقاذ والإطفاء، وبين هؤلاء وبين المسؤولين الذين راحوا يتخبطون في الإعلان عن عدد الضحايا الذي وصل إلى 16 وحتى 17 في الساعات الأولى من الحدث، ما أثار الرعب في نفوس الجميع سواءً أهالي ومتابعين للإعلام الذي تسابق في إعطاء معلومات مغلوطة وغير دقيقة، وفي مثل هذه المواقف يكون التأني والانتظار هو أفضل خيار، بدلاً من دب الرعب في نفوس الناس، وبدلاً من هذا التضارب في بث المعلومات لابد من النظر في حاجتنا في تلك المواقف للجنة طورائ تتعامل مع أهالي الضحايا.

ثم من أوجب علينا أن أن نتذرع بكل حادثة مدعين بأن الاحتلال هو السبب وراء كل كارثة، وهو الذي أعاق وصول فرق الإنقاذ! من الذي قال أن علينا أن نجتر تلك الكذبة المكشوفة! وأن نعلق كل الأخطاء على الاحتلال من أجل أن نؤكد على بشاعته وظلمه! نعم الاحتلال ظالم وهو السبب في بؤسنا وشقائنا وفي لجوئنا إلى طرق غير مؤهلة وغير صالحة بسبب حواجزه العسكرية ولسنا بحاجة للكذب من أجل إظهار بشاعته، لكن من المخجل أن نعلق كل مآسينا على شماعة الاحتلال الإسرائيلي، هرباً من مواجهة أنفسنا بتحمل المسؤولية وجلد ذاتنا وتقويمها.

إن هذا الارتباك والتشويش والبطء في التعامل مع حدث بهذا الحجم وبالسرعة والدقة المطلوبين كشف عن عجزنا وتقصيرنا في مواجهة الأزمات صغيرة كانت أو كبيرة، فأعطانا مؤشراً لما سيكون عليه الوضع إذا ما تحققت توقعات الجيولوجيين بزلزال مدمر في منطقتنا في أي وقت، فرغم ما يجب بل وما هو مطلوب أن نكون عليه نتيجة ما نواجهه من احتلال إسرائيلي، لم يبخل علينا بأي من صنوف العذاب كالقصف والتدمير على مدى العقود الماضية، لكننا مع ذلك نظل نعلق كل ما يحدث من كوارث طبيعية أو أخطاء بشرية على شماعة الاحتلال، متجاهلين دورنا في بناء أنفسنا وشحذها بالمسؤولية..

هذا هو دورنا وهذه هي مسؤوليتنا ومن المعيب أن نتهرب من مواجهتها، ليس فقط من أجل دولتنا التي نسعى لبنائها وتحقيقها واقعا ًعلى الأرض، بل من أجل مواطنيها وأطفالها الذين غيبتهم مأساة بحجم الوطن، ومن أجل آخرين قادمين ستكون أكبر أحلامهم رحلة للملاهي.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required