أصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الانسان مؤخرا تحليلاً للموازنة العامة للعام 2017 من منظور حقوق الإنسان، - لأول مرة في فلسطين- وسلمته لرئيس الوزراء ووزير "المالية والتخطيط" للعمل بتوصياته في الموازنة العامة 2018. وقد اعتمدت الهيئة في تحليلها لموازنات وزارتي التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية، بشكل أساس على بيانات موازنة المواطن 2017 لكل من وزارة التربية والتعليم العالي ووزارة التنمية الاجتماعية، والتي تم اعدادها من خلال التدخلات التي تنفذها المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" بالشراكة مع ائتلاف أمان، ومعهد أريج، وبدعم من مؤسسة اوكسفام ضمن مشروع "التمويل من اجل التنمية". ووفّرت موازنة المواطن لكل من وزارتي التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية بيانات علمية وموثقة ومعتمدة لموازنات الوزارات المذكورة، تم من خلالها تحليل الموازنات الخاصة بتلك الوزارات من قبل الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، حيث ساهم اعداد موازنة المواطن لتلك الوزارات في توفير مدخلات للهيئة للتحليل واعداد تقريرها، ورسالتها لمجلس الوزراء، والتي تشكّل مساهمة هامة ونوعية في المساءلة على الانفاق العام. ومن شأن نشر موازنة المواطن للوزارات الأكثر تماسا مع المواطنين (التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية)، والتي تقدم خدماتها لأكبر شريحة من المواطنين، تعزيز شفافية الموازنة العامة، والاستجابة للمعايير الدولية لشفافية الموازنات، وتوفير بيانات مالية متاحة للمؤسسات والمواطنين، وبطريقة سلسلة وواضحة وشاملة، مما مكّن تلك المؤسسات ومن ضمنها الهيئة المستقلة لحقوق الانسان من تحليل الموازنات المخصصة لتلك الوزارات، وابداء رأي بخصوصها، وتكوين موقف مبني على بيانات دقيقة، وارساله لرئيس الوزراء ووزير المالية والتخطيط، الأمر الذي سيساهم في تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة على الانفاق العام، كما سيساهم في انصاف الفئات الأكثر تهميشا والاقل حظا، وسيعزز من استجابة الموازنة العامة في فلسطين لحقوق الانسان وعلى رأسها (الحق في التعليم، الحق في الصحة، حقوق الفئات المهمشة والمرأة). ومن المتوقع ان تتعمم قصة النجاح هذه من خلال مؤسسات أخرى في فلسطين، ستعمل على استثمار "النافذة" التي وفرتها موازنة المواطن في وزارات التربية والتعليم العالي والتنمية الاجتماعية، لبناء تدخلات تعزز من المساءلة على الانفاق العام وتدعم حقوق المواطنين في الموازنة العامة، وخاصة الفئات الأقل حظا والأكثر تهميشا. بالإضافة الى توسيع باب الحوار بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسة الرسمية نحو التأثير في السياسات المالية.
اقرأ المزيد...
بقلم: مجلس منظمات حقوق الانسان الفلسطينية
تاريخ النشر: 2020/9/3
×
النداء الأهلي
تتابع مؤسسات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، والشخصيات الاكاديمية والمستقلة، الموقعة أدناه، الوضع الداخلي الفلسطيني، وما آلت إليه الأمور من حالة احتقان وتأزم وعدم يقين حول المستقبل في ظل غياب مجلس تشريعي منتخب، وما يترتب على ذلك من غياب الفصل بين السلطات، وضعف الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وضعف الشفافية والمشاركة في إصدار التشريعات، وعدم وضوح عملية انتقال السلطة مستقبلاً، الأمر الذي يشكل خطراً على التمثيل الفلسطيني وعلى حالة السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي داخل المجتمع الفلسطيني خاصة مع بروز ظاهرة انتشار السلاح مؤخراً. إن سياسات الاحتلال الهادفة إلى قضم ما تبقى من أراضٍ في الضفة الغربية ضمن سياسة الضم والمصادرة وفرض الأمر الواقع، واستمرار حصارها واعتداءاتها اليومية على قطاع غزة، ومحاربتها للمؤسسات الرسمية الفلسطينية وحصارها مالياً واقتصادياً، ومحاولاتها القفز عن الحقوق الفلسطينية وتطبيع علاقاتها مع الدول العربية، والذي كان آخرها الاتفاق الإماراتي مع دولة الاحتلال برعاية أمريكية، كل ذلك يتطلب من الفلسطينيين العمل على إعادة ترتيب البيت الداخلي واستعادة الطابعين الائتلافي والديمقراطي للمؤسسات الوطنية التمثيلية والتنفيذية الجامعة، من أجل تعزيز صمود المواطن الفلسطيني في مواجهة سياسات الاحتلال ومؤامرات التصفية. إن ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني يبدأ من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، باعتبارها مدخلاً مهماً لاستعادة وحدة النظام السياسي. فعدى عن كون هذه الانتخابات استحقاقاً دستورياً، وحقاً قانونياً للمواطن الفلسطيني في المشاركة السياسية واختيار ممثليه، فإنها أيضاً الوسيلة الديمقراطية والقانونية الوحيدة لإعادة تجديد الشرعيات، وهي النهج الذي تبناه الشعب الفلسطيني منذ تأسيس السلطة الوطنية لمنح الشرعية لنظامه السياسي، وهو ما أكد عليه القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 وتعديلاته في المادة رقم (5) بأن "نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي، يعتمد التعددية السياسية والحزبية، وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخاباً مباشراً من قبل الشعب، وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي". وعلى الرغم من مرور قرابة 15 عاماً على إجراء آخر انتخابات للمجلس التشريعي، مما يعني أن قرابة 50% من أصحاب حق المشاركة السياسية لم يشاركوا في أي انتخابات عامة، وعلى الرغم من صدور قرار المحكمة الدستورية في العام 2018 القاضي بوجوب إعلان إجراء الانتخابات التشريعية خلال ستة أشهر بعدما قررت المحكمة حل المجلس التشريعي، وأيضاً، وعلى الرغم من المبادرة التي طرحها سيادة الرئيس محمود عباس حول إجراء الانتخابات العامة خلال خطابه في الأمم المتحدة في أيلول 2019، وموافقة كافة فصائل العمل الوطني عليها وإبلاغ لجنة الانتخابات المركزية بهذه الموافقة من خلال رسائل رسمية، إلا أن موضوع إجراء الانتخابات لا يزال يراوح مكانه رغم أهميته القصوى في هذا الظرف الصعب. وانطلاقاً مما سبق، فإن المؤسسات والشخصيات الموقعة على هذا البيان، تدعو سيادة الرئيس محمود عباس إلى إصدار مرسوم رئاسي فوري يحدد من خلاله موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفق ما جاء في مبادرة الرئيس التي وافقت عليها الفصائل، والعمل على توفير متطلبات نجاحها بما في ذلك أن تجري في جميع المحافظات الفلسطينية بما فيها القدس - والتي علينا أن نجعل منها معركة سياسية وديمقراطية وشعبية في مواجهة صفقة "ترامب – نتنياهو"، ومحاولتهما سلخ مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني -، واحترام الحقوق والحريات العامة، وحق المواطنين في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي. وعلى أن يكون النواب المنتخبون أعضاءً في المجلس الوطني الفلسطيني يمثلون الضفة الغربية (بما فيها القدس) وقطاع غزة، وعلى أن يتم استكمال عضوية المجلس الوطني وفق نظام منظمة التحرير الفلسطينية. لقد بات إجراء الانتخابات العامة أولوية وطنية لا تحتمل التأخير لما يشكله هذا الامر من ضرورة باتجاه تجديد الشرعيات، وإعادة الوحدة للنظام السياسي المنقسم، وتعزيز ثقة المواطن بالقائمين على إدارة حياتهم العامة بكافة تفاصيلها، وإتاحة الفرصة لجيل الشباب في المشاركة في صنع القرار السياسي والوطني، وتعزيز صمود المواطنين على أرضهم، وتكريس السيادة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس.
انتهى
الجهات الموقعة:
بقلم: دائرة الدبلوماسية والسياسات العامة بـ م.ت.ف
تاريخ النشر: 2020/7/4
×
قيادات نسويات عالميات يتجاوبن مع مناشدة نساء فلسطين لمواجهة المخططات الإسرائيلية الخطيرة
عبرت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. حنان عشراوي عن شكرها وتقديرها العميق للنساء القياديات من جميع إنحاء العالم اللواتي تجاوبن وبشكل كبير مع نداءات القيادات النسوية في فلسطين باعتبارهن شريكات في النضال من أجل الحرية والعدالة وتقرير المصير والسلام. وأشارت عشراوي في بيانها إلى أن العديد من القيادات النسوية الفاعلة والمؤثرة عالميا انضممن للمناشدة التي وجهت لهن لمواجهة مخططات دولة الاحتلال التصفوية بما فيها نيتها شرعنة سرقتها الممنهجة والمتصاعدة للأرض الفلسطينية المحتلة، ومجابهة قمعها البنيوي لشعبنا، والتصدي لممارساتها العنصرية القائمة على الإقصاء والتمييز والعنصرية ورفض الآخر. وأكدت على أن الدعوة لاقت ترحيبا وصدى واسعا حيث تم التوقيع عليها من قبل أكثر من 40 من القيادات النسائية بما فيهن رئيسات دول وحكومات ووزيرات وبرلمانيات وحائزات على جائزة نوبل للسلام ومسئولات كبار في الأمم المتحدة وحقوقيات بارزات. وفي ما يلي أسماء القياديات اللواتي وقعن على المناشدة : السيدة ميشلين كالمي ري: الرئيسة سويسرا السابقة، تارجا هالونين: رئيسة فنلندا السابقة. روزا أوتونباييفا رئيسة لقيرغيزستان السابقة. ماري روبنسون: مفوضة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان والرئيسة السابقة لأيرلندا. إلين جونسون سيرليف: الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ورئيسة ليبيريا السابقة. جرو هارلم برونتلاند: المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، ورئيسة وزراء النرويج سابقا. هيلين كلارك: مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي السابقة، رئيسة الوزراء نيوزيلندا السابقة. يوهانا سيغورذاردوتير: رئيسة وزراء أيسلندا السابقة. هيلي تورننغ شميت: رئيسة وزراء الدنمارك السابقة. غراسا ماشيل: المؤسس المشارك للحكماء مع نيلسون مانديلا. باليكا مبيتي: نائبة الرئيس السابق، ورئيسة مجلس الأمة السابق في جنوب أفريقي. إيزابيل سانت مالو دي الفارادو: نائبة رئيس بنما السابق. نكوسازانا دلاميني زوما: الرئيسة السابقة لمفوضية الاتحاد الأفريقي. لينا هيلم فالين: نائبة رئيس الوزراء السويدي ووزيرة الخارجية السابقة. مارغو والستروم: نائبة رئيس الوزراء السويدي ووزير الخارجية السابقة. بينيتا فيريرو فالدنر: المفوضة الأوروبية السابقة للعلاقات الخارجية ووزيرة الخارجية السابقة للنمسا. سوزانا مالكورا: وزيرة خارجية الأرجنتين السابقة. آشا روز ميجيرو: نائبة الأمين العام السابق للأمم المتحدة ، ووزير خارجية تنزانيا السابق. هايدي هوتالا: نائبة رئيس البرلمان الأوروبي ووزير التنمية الدولية السابقة. باربرا هوجان: سجينة سياسية سابقة، وزير الصحة السابقة في جنوب أفريقيا. باتريشيا ب. ليكوانان: الرئيسة السابقة للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة ؛ وزير التعليم العالي السابقة في الفلبين. ناتالي لويسو: رئيسة اللجنة الفرعية للأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي ووزيرة الشؤون الأوروبية السابقة في فرنسا. بيا أولسن داهر: وزيرة التجارة والاستثمار الدنماركية السابقة. سيما سمر وزيرة شؤون المرأة السابقة في أفغانستان، كريستيان تاوبيرا وزيرة العدل الفرنسية السابقة، ميلاني فرفير سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة لشؤون المرأة العالمية، لويزا مورجانتيني: نائبة الرئيس السابق والرئيس السابق للجنة التنمية بالبرلمان الأوروبي. كلوديا روث: نائبة رئيس البرلمان الألماني، مفوضة الحكومة الاتحادية السابقة لسياسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية. شيرين عبادي وميريد ماجواير وجودي ويليامز الحائزات على جائزة نوبل للسلام: ريبيكا جونسون: المؤسس المشارك الأول للحملة الدولية الحائزة على جائزة نوبل للسلام للقضاء على الأسلحة النووية (ICAN). كارين أبو زيد: وكيلة الأمين العام السابق للأمم المتحدة ، المفوضة العامة السابقة للأونروا. راديكا كوماراسوامي: وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة السابقة والممثلة الخاصة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح. نولين هايزر: المديرة التنفيذية السابقة لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة ؛ وكيلة الأمين العام السابقة للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ. أنجيلا كين: الممثلة السامية السابقة للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإدارية. نافي بيلاي: مفوضة الأمم المتحدة السامية السابقة لحقوق الإنسان. جوان ساندلر: نائبة المدير التنفيذي السابق لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة ، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة. فتيحة سرور: النائبة السابقة للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ، وعضوة المجموعة الأفريقية للعدالة والمساءلة. فريدة شهيد: المقررة الخاصة السابقة للأمم المتحدة المعنية بالحقوق الثقافية. ماري كيري كينيدي: رئيسة منظمة روبرت أوف كينيدي لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية. شارلوت بانش: الأستاذة المتميز والمدير المؤسسة لمركز القيادة العالمية للمرأة. آن ماري جويتز كبيرة المستشارين السابقين لشؤون الحوكمة والسلام والأمن لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة. آن ماري سلوتر المديرة السابقة لتخطيط السياسة في وزارة الخارجية الأمريكية. نيرة تهيدي: الرئيسة السابقة لقسم دراسات النوع الاجتماعي والمرأة والمديرة المؤسسة لدراسات الشرق الأوسط والإسلام. ------- للاطلاع على المناشدة إضغط هنا
بقلم: دائرة الدبلوماسية والسياسات العامة بـ م.ت.ف
تاريخ النشر: 2020/7/1
×
عبرت عن دعمها وتأييدها للبيان الصادر عن المؤسسات الأهلية والحقوقية وائتلافاتها حول قانون حماية الاسرة من العنف
عشراوي تؤكد على موقف منظمة التحرير الثابت والملتزم بإعلان وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني عبرت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. حنان عشراوي عن دعمها وتأييدها للبيان الصادر عن المؤسسات الأهلية والحقوقية وائتلافاتها والتي عبرت من خلاله عن قلقها من الحملة البشعة واللامسؤولة التي يقودها المناهضون لإقرار قرار بقانون حماية الأسرة من العنف والتي وصلت الى حد التهديد بالقتل للمناصرين/ات لإقراره عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأكدت في بيان لها، اليوم الاحد، على موقف منظمة التحرير الثابت والقائم على ترسيخ مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الانسان وإرساء قواعد نظام الحكم الرشيد. وأشارت الى ان هذا الموقف ظهر جليا في اللقاء المفتوح الذي نظمته دائرة الدبلوماسية والسياسات العامة بتاريخ 21 كانون الثاني من هذا العام بمشاركة أعضاء اللجنة التنفيذية صالح رأفت ود. أحمد مجدلاني، وعزام الأحمد، وبسام الصالحي، حيث أكدوا خلاله على المبادئ الأساسية التي وردت في اعلان وثيقة الاستقلال القائمة على المساواة، والعدل وسيادة القانون، ومساواة الفلسطينيين الكاملة في الحقوق في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب، ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية، واحترام الأقلية قرار الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو اللون، أو الدين، أو النوع الاجتماعي في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل. كما أكدوا على أهمية ترسيخ المبادئ الواردة في القانون الأساسي الفلسطيني الذي صدرعام 2003، وتعديلاته التي صدرت عام 2005، واشتملت أبوابه على مجموعة من القواعد والأصول الدستورية المتطورة، بما يتعلق بضمان الحقوق والحريات العامة والشخصية على اختلافها وبما يحقق العدل والمساواة للجميع، أو فيما يتعلق بسيادة القانون. ولفتت عشراوي الى ان المشاركين شددوا على أهمية الإسراع في موائمة القوانين والتشريعات الفلسطينية مع الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تم التوقيع عليها بما فيها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو". وشددت على أهمية صون طبيعة المجتمع الفلسطيني، وحماية السلم والأمن الأهلي، وإقرار نظام قانوني يساهم في حماية الاسرة الفلسطينية عموما والمرأة على وجه الخصوص، وتعزيز نظام الرقابة والمساءلة لمنع الانزلاق نحو الظلامية وبناء مجتمع فلسطيني متنور ومنفتح. وطالبت في نهاية بيانها الجهات ذات الاختصاص بتحمل مسؤولياتها في توفير الحماية للمدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وفتح تحقيق عاجل ومحاسبة القائمين على أعمال التحريض والتهديد والتنمر.
لنفس الكاتب
تاريخ النشر: 2004/10/27
×
الهيئة المستقلة تصدرا تقريرا حول صلاحيات جهاز الشرطة
مقدمـــة يعتبر جهاز الشرطة في الدولة أحد أهم الأجهزة المكلّفة بتوفير الأمن الداخلي للمجتمع، وحمايته من الجريمة. وبالنظر إلى طبيعة عمل هذا الجهاز، وإمكانية تدخله وتقييده لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية من جهة، وتعدد الأجهزة والإدارات العاملة على حماية المجتمع، من جهة أخرى، كان لا بد من وجود التشريعات التي تنظّم طبيعة وحدود الصلاحيات المنوطة بهذا الجهاز، وتنظّم علاقته مع غيره من الأجهزة. بصورة عامة، يحكم تنظيم هيكل وعمل جهاز الشرطة نوعين من التشريعات. فهناك التشريعات التي تحكم التنظيم الهيكلي لجهاز الشرطة، الإدارة، الحقوق والإلتزامات، والإجراءات التأديبية التي يمكن فرضها بحق أفراد جهاز الشرطة. وهناك تشريعات أو أحكام تشريعية تحدد طبيعة المهام والصلاحيات المنوطة بهذا الجهاز، وكيفية ممارستها. على المستوى العملي، يقوم جهاز الشرطة بنوعين من الأعمال. أولها، الأعمال التي تهدف إلى حماية النظام العام للمجتمع بعناصره المختلفة، المتمثلة في الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة. وثانيها، الأعمال التي تهدف إلى الكشف عن الجرائم، وملاحقة المجرمين الذين أخلّوا بالنظام العام للمجتمع، ولم يتمكن جهاز الشرطة من وقف هذا الإخلال قبل وقوعه. يتناول هذا التقرير موضوع صلاحيات جهاز الشرطة بشقيه الإداري (المكلف بوقاية المجتمع من الجريمة) والقضائي (المكلف بالكشف عن الجرائم وملاحقة المجرمين). يعالج الفصل الأول موضوع التقرير على المستوى الدولي، بينما يعالج الفصل الثاني موضوع التقرير على المستوى المحلي. الفصل الأول صلاحيات جهاز الشرطة على المستوى الدولي تنقسم المهام المنوطة بجهاز الشرطة إلى قسمين أساسيين: الأول، المهام المتعلقة بجهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، وهي التي يقوم بها أفراد الجهاز لوقاية الإنسان مما قد يتهددّه من جرائم (الوقاية من الجريمة قبل وقوعها). أما القسم الثاني، فهو المهام المتعلقة بجهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي، وهي الأعمال التي يقوم بها جهاز الشرطة لملاحقة المجرمين، القبض عليهم، والبحث عن أدلة الجريمة (التعامل مع الجريمة بعد وقوعها). وتظهر أهمية التفرقة بين نوعي الضبط الإداري والقضائي في عدة جوانب أهمها: 1- الإختلاف في الطبيعة القانونية: تمارس سلطات الضبط الإداري نشاطا وقائيا للحد من الإخلال بالنظام العام بعناصره المختلفة، بينما تقوم سلطات الضبط القضائي بإتخاذ الإجراءات الجزائية الضرورية للكشف عن مرتكبي الجرائم، إثبات وقوع الجريمة، وجمع أدلتها وتسليم الجاني للعدالة. وبهذا يكون العمل الذي تقوم به الضابطة الإدارية عملا إداريا، في حين يكون العمل الذي تقوم به الضابطة القضائية عملا قضائيا. ويترتب على التمييز بين نوعي الضبط إختلاف في الجهة القضائية التي تملك الرقابة على كل منهما. ففي حين تخضع أعمال الضبط الإداري لرقابة القضاء الإداري، تخضع أعمال الضبط القضائي لرقابة القضاء العادي. ولتحديد طبيعة الضبط فيما إذا كان ضبطاً إدارياً أم قضائياً، إعتمد القضاء الفرنسي على معيار الغاية من الضبط، فإذا كان الضبط يتجه إلى إثبات جريمة، وجمع أدلتها وتسليم مرتكبيها للعدالة، يكون حينئذ ضبطاً قضائياً، أما إذا كانت غاية الضبط منع إضطراب النظام العام والإخلال به، فيكون حينئذ ضبطا إدارياً. 2- الإختلاف في التبعية والإشراف: تخضع أعمال الضبط الإداري للرقابة الإدارية لجهاز الشرطة، أما أعمال الضبط القضائي فتخضع لإشراف ورقابة النيابة العامة، وفقا لما أخذ به النظام القانوني الفرنسي وغالبية الدول العربية المتأثرة به. كما يلتزم مأمورو الضبط القضائي بما تصدره إليهم النيابة العامة من تعليمات بشأن الإجراءات القضائية الواجب مراعاتها، وكذلك بإيداع البلاغات والمحاضر مع بقية أوراق القضية إلى النيابة العامة. 3- الإختلاف في المسؤولية عن الآثار: يتفق الفقه والقضاء على مسؤولية الدولة عن الأضرار الناجمة عن أعمال الضبط الإداري بإعتبارها قرارات وأوامر إدارية تسأل الدولة عن التعويض عنها، إذا كان الخطأ جسيماً أو فادحاً. أما بالنسبة لأعمال الضبط القضائي، كالقبض والتفتيش والمصادرة والحبس والحفظ والإحالة، فالأصل عدم مسؤولية الدولة عن الأضرار الناشئة عن هذه الأعمال. وقلة من التشريعات، التي رتّبت مسؤولية على الدولة عن أعمال سلطتها القضائية، وفي نطاق محدود، إقتصر على الخطأ الجسيم وحالة إنكار العدالة فقط، مثل المادة 505 من قانون المرافعات الفرنسي لسنة 1975، والمادة 47 من دستور الجزائر لسنة 1976. من جانب آخر، يُسأل القضاء الإداري عن النتائج المترتبة على أعمال الضبط الإداري، بينما يختص القضاء العادي بالمسؤولية عن النتائج المترتبة على أعمال الضبط القضائي. المبحث الأول: صلاحيات جهـاز الشرطة كسلطـة ضبـط إداري أولا: مفهــوم الضبــط الإداري تعدّدت التعاريف الفقهية للضبــط الإداري. فقــد عرّفه الفقيه (De Laubadere) على أنه " صورة من صور تدخل السلطات الإدارية بقصد فرض قيود على الحرية الفردية بغية الحفاظ على النظام العام وحمايته". كما عرّف الفقيه (Hauriou) الضبط الإداري على أنه" سيادة السلام والنظام، وذلك عن طريق التطبيق الوقائي للقانون". وعرّفه الفقيه (Waline) على أنه "قيد تستلزمه وتقتضيه المصلحة العامة، ومن ثم تفرضه السلطة العامة على نشاط المواطنين وليس على حرياتهم". في الإجمال، الضبط الإداري هو عبارة عن الإجراءات الإدارية التي تتخذها سلطات الضبط الإداري، بما فيها جهاز الشرطة، في منع وقوع الجرائم، العمل على تفادي مخالفة القوانين الخاصة، المحافظة على النظام العام والأمن العام، وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة المجالات. ثانياً: أهــداف الضبــط الإداري لم يحدد المشرّع أغراض الضبط الإداري بصورة واضحة، وإنما تولّى الفقه القانوني تحديدها وتفصيلها. إذ يهدف الضبط الإداري بشكل أساسي إلى منع وقوع الجريمة من خلال تحقيق أغراضه الأساسية في الحفاظ على النظام العام بعناصره المختلفة، المتمثلة في الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة، وذلك عن طريق: 1. إشاعة الأمن العام: تقوم سلطات الضبط الإداري، بما فيها جهاز الشرطة، بإشاعة الأمن العام بين الجمهور عن طريق إتخاذ الإحتياطات والإجراءات اللازمة لمنع وقوع الحوادث المخلة بالقانون، كما في حالة المظاهرات أو الهياج الشعبي، أو عندما تبدو خطورة ما من أشخاص معينين (مجانين مثلا)، أو أثناء الكوارث والأخطار الطبيعية كالغرق والحريق والفيضانات وحوادث السطو، وحماية أفراد الجمهور من إنهيار المباني، ودرء الفتن الداخلية ومنع أسبابها، ووقف ما قد يترتب عليها من عدوان على الأشخاص والأموال. 2. المحافظة على الصحة العامة: يهدف الضبط الإداري إلى المحافظة على صحة الجمهور ووقايته من الأمراض، منع إنتشار الأوبئة، والإحتياط من كل ما يمكن أن يمس الصحة العامة، كمنع تلويث مياه الشرب، مقاومة الأمراض المعدية ومنع إنتشارها، وتنظيم المجاري العامة، إلى غير ذلك من الأعمال التي تلزم للمحافظة على صحة الجمهور. 3. توفير السكينة العامة: يهدف الضبط الإداري إلى توفير السكينة العامة ويتحقق ذلك عن طريق المحافظة على حالة الهدوء والسكون في الطرق والأماكن العامة، فلا يتعرض أفراد الجمهور لمضايقات الغير في هذه الأماكن، ولا تزعجهم في أوقات راحتهم الضوضاء والأصوات المقلقة للراحة، كإستعمال الميكروفونات، أو تلك الأصوات التي تنبعث من الباعة المتجولين أو المتسولين أو المذياع. كما وسّع القضاء الإداري الفرنسي من أغراض الضبط الإداري، عندما أصدر مدير الضبط في شرطة مقاطعة "السين" الفرنسية لائحة ضبطية تحظر توزيع النشرات على المارة في الطرق العامة خشية إلقائها بعد تصفحها في الطريق، وتشويه رونق الطريق وجمالها. عندئذ، طعن إتحاد نقابات المطابع والنشر في مدينة باريس في هذه اللائحة وطلب إلغائها، لأنها تتجاوز أغراض الضبط الإداري سالفة الذكر. غير أن مجلس الدولة الفرنسي (أعلى محكمة إدارية) قضى بحق هيئات الضبط الإداري في إصدار لوائح، تحمي جمال منظر الطرقات وتحافظ على رونق الأحياء السكنية. ووسّع القضاء الفرنسي من مفهوم النظام العام، بحيث شمل بالإضافة إلى الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة. فبتاريخ 18/12/1959 وافق وزير الإستعلامات الفرنسي على عرض فيلم سينمائي بعد أن أجازت الرقابة عرضه، إلا أن عمدة المدينة التي عُرض فيها الفيلم أصدر قرارا منع بموجبه عرض الفيلم المذكور، بسبب مخالفته اللباقة والآداب العامة، لأن من شأن عرضه إثارة إضطرابات بين الجمهور. ولمّا عُرض الموضوع على مجلس الدولة الفرنسي، قضى بأن للعمدة الحق في منع عرض الفيلم، إذا تبيّن أن عرضه سوف يترتب عليه الإضرار بالنظام العام، عن طريق الإخلال بالآداب العامة. ثالثاً: مأمــورو الضبــط الإداري بالإضافة إلى فئات أخرى مختلفة من رجال الدولة، يتمتع بصفة الضبطية الإدارية جميع أفراد الشرطة بمختلف درجاتهم. ويتحدد إختصاص كل فئة من فئات الضبط الإداري بحسب المنطقة الجغرافية التي يمارسون فيها صلاحياتهم وفقا لما يلي: فرنسا ينقسم جهاز الشرطة في فرنسا بحسب التقسيم الجغرافي إلى ثلاثة أقسام، وفقا لما يلي: 1) شرطة السين: إلى جانب الأعمال المندرجة ضمن إختصاصات جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي، يتولى هذا الجهاز مهمة حفظ النظام في إقليم السين. 2) قوّات الدرك "الجندرمة" الوطنية: تقوم هذه القوّات بأعمال الشرطة في المناطق الريفية وفي المدن الصغيرة، وتؤدي إجراءات الضبطية الإدارية الشرطية، وذلك لمنع الجريمة وحفظ النظام العام. 3) قوّات الأمن القومي: تتولى هذه القوّات أعمال الشرطة في كافة أرجاء فرنسا، بإستثناء إقليم السين، وهي المسؤول الأول عن حفظ النظام العام. إنجلترا ينقسم جهاز الشرطة الذي يمارس سلطات الضابطة الإدارية إلى قسمين رئيسيين: 1) شرطة العاصمة المركزية. 2) شرطة المقاطعات. الولايات المتحدة الأمريكية ينقسم جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري وفقا للهيكل التنظيمي العام للجهاز إلى: 1. الشرطة الإتحادية - تنقسم هذه الفئة من الشرطة إلى قسمين: أ) مكتب المباحث الفيدرالية (F.B.I): يختص هذا القسم بمنع الجريمة وحفظ النظام العام في جميع الجرائم الإتحادية/ الفيدرالية، وخصوصاً الجرائم الكبرى، كالجاسوسية، التزييف، التزوير والقضايا المتعلقة بالأمن الداخلي. ب) إدارة الهجرة والجنسية: وتختص بمنع وقوع مخالفات لقوانين الهجرة والجنسية وحراسة الحدود، وخصوصا منع التسلل غير المشروع عبر الحدود. 2. شرطة/ بوليس الولاية: تمارس هذه الفئة إختصاصات الشرطة كسلطة ضبط إداري ضمن حدود الولاية فقط، وبموجب قوانينها. 3. شرطة المقاطعة: تمارس هذه الفئة إختصاصات الشرطة كسلطة ضبط إداري ضمن حدود المقاطعة فقط. 4. البوليس المحلي (شرطة البلديات): تمارس هذه الفئة إختصاصات الشرطة كسلطة ضبط إداري ضمن حدود البلدية فقط. رابعاً: وسائــل ممارسـة سلطــات الضبــط الإداري لا يختلف الدور الوقائي لرجل الشرطة في الأنظمة المقارنة في منع وقوع الجريمة والحفاظ النظام العام. كما لا تختلف الأساليب المتبعة من قبل سلطات الضبط الإداري في ممارسة صلاحياتها عموما. ومن أهم الأساليب التي تتبعها سلطات الضبط الإداري في ممارسة صلاحياتها ما يلي: 1) الإجراءات والأوامر الفردية: تمثل التدابير والإجراءات ذات الطابع الفردي الصادرة في مختلف مجالات الضبط الإداري النسبة الغالبة بين صور وأساليب الإدارة في ممارسة سلطات الضبط الإداري. ويمكن أن تأخذ هذه الإجراءات والتدابير صورة الفعل الإيجابي الذي يتمثل في إصدار سلطة الضبط الإداري لأوامر صريحة كتابية أو شفهية كتلك الصادرة بهدم أحد المنازل الآيلة للسقوط حفاظا على الأرواح والممتلكات، أو بالتطعيم ضد الأمراض والأوبئة ووقاية للصحة العامة، أو تكتفي الإدارة بمجرد الإشارة في أوامر الضبط، مثل ما يحدث بالنسبة لتحديد أماكن توقف السيارات أو أماكن عبور المشاة. كما يمكن أن تمارس سلطة الضبط الإداري صلاحياتها على صورة أوامر وإجراءات سلبية، مثل رفض سلطة الضبط الإداري منح أحد المواطنين ترخيص بحمل سلاح ناري، عدم التصريح لمجموعة من الأفراد بعقد إجتماع عام، أو منعها من القيام بإضراب أو مظاهرة، أو منع المرور في شارع من الشوارع العامة أو وقف عرض فيلم أو مسرحية لإحتمال إخلالها بالنظام والأمن العام. 2) إصدار لوائح الضبط الإداري: يمكن للإدارة المحافظة على النظام والأمن العامين عن طريق إصدار أنظمة ولوائح، هي في حقيقتها تشريع ثانوي، وتنطوي على تقييد لحرية الأفراد، وتتضمن في الغالب عقوبات على مخالفة أحكامها، مثل اللوائح المنظمة للمرور، المحال العمومية، والمحال الخطرة أو الضارة بالصحة. على أنه من الضروري أن لا تخالف هذه اللوائح الدستور أو القوانين، وأن لا تؤدي إلى حظر نهائي أو كامل على الحريات أو أوجه النشاط الفردي. ففي فرنسا مثلا، نجد أن لوزير الداخلية، ومديري الأقاليم، وعمد القرى حق إصدار مثل هذه اللوائح. وفي الصين، لهيئات الشرطة الحق في صياغة القواعد واللوائح التي تحد بها من سلوك المواطنين الذين يقيمون في دائرة إختصاصهم، وذلك بعد موافقة الهيئة التنفيذية للمدينة أو المقاطعة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، فوّضت بعض إدارات الشرطة بإصدار مثل هذه اللوائح. 3) التنفيذ الجبري والجزاءات المادية: يقصد بذلك حق هيئة الشرطة في إستخدام القوّة المادية لإجبار الأفراد على تنفيذ القوانين واللوائح وأوامر الإدارة ونواهيها. ويقصد بالقوّة المادية القوّة التي تستخدم لمنع وقوع أي إخلال بالنظام العام، وليست القوّة التي تستخدم لمجازاة الأفراد على أفعال إجرامية إرتكبوها. علماً بأن هذا الإجراء يعد من الإمتيازات التي تتمتع بها الإدارة، إستثناء، لأنه لا يجوز لسلطات الضبط الإداري أن تستعمل القوّة الجبرية إلا بعد صدور حكم من القضاء، بإستثناء حالة الضرورة والحالات التي يحددها القانون لمقتضيات المصلحة العامة. خامساً: الرقابـة القضائيـة على أعمـال سلطـة الضبـط الإداري إن قيام جهاز الشرطة، كسلطة ضبط إداري، بإتخاذ إجراءات من شأنها التأثير على الحريات العامة التي كفلتها المواثيق الدولية والدساتير الداخلية أو تقيدها، ليس من شأنه أن يبقى دون رقابة أو تدقيق قضائيين، سواء من قبل القضاء الإداري أو العادي. تمتد رقابة القضاء الإداري لتشمل مجالات ثلاثة هي: 1) الرقابة على أهداف الضبط الإداري: يمكن للقاضي الإداري في إطار رقابته على الضبط الإداري الحكم ببطلان كافة إجراءات وتدابير الضبط الإداري الصادرة لتحقيق أهداف مغايرة لتلك الأهداف الخاصة بالمحافظة على النظام العام بمدلولاته المختلفة (الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة). كما لو أصدرت سلطة الضبط الإداري إجراء معيناً هدفه مضايقة أحد الأفراد أو إزعاجه. 2) الرقابة على أسباب الضبط الإداري: تتحدد مهمة القاضي في هذا الإطار في التأكد من توافر أسباب جدية لإجراء الضبط الإداري المتخذ، تنطوي على معنى تهديد النظام العام أو إشاعة الفوضى في المجتمع، مع مراعاة كون هذه الأسباب حقيقية واقعية غير خيالية أو مفترضة. وإذا كان الأصل في القرارات والأعمال الإدارية إستنادها إلى أسباب صحيحة إلى أن يثبت العكس، إلا أن القضاء الإداري إستقر على قرينة مفادها عدم توفر أسباب مشروعة أو صحيحة لإتخاذ تدابير الضبط الإداري في أحوال معينة، مثل التدابير والإجراءات الصادرة بشأن منع المواكب الدينية أو المظاهرات السلمية. 3) الرقابة على أساليب الضبط الإداري: يفرض القاضي الإداري رقابته على الأساليب والوسائل المستخدمة من جانب سلطة الضبط الإداري. إذ يتعين على سلطة الضبط الإداري المفاضلة بين مجمل أساليب الضبط الإداري المتاحة وإنتقاء الأسلوب الأنسب. وتخضع عملية الإختيار بين أساليب الضبط الإداري المختلفة إلى العوامل الرئيسية التالية: أ) ضرورة الأخذ بعين الإعتبار أسلوب الضبط الإداري الملائم لطبيعة النشاط المتعلق به الضبط. ب) ألا يتم إختيار أسلوب من شأنه الإفضاء إلى الحظر النهائي أو المطلق لنشاطات الأفراد وحرياتهم الخاصة أو لإحدى الحريات الأساسية الواردة بنص الدستور أو القانون. من هنا، يمكن الحكم قضائيا ببطلان إجراءات وتدابير الضبط الإداري، إذا ثبت أن فيها حظر مطلق على نشاط الأفراد وحرياتهم. كما لو صدر عن سلطة الضبط الإداري أمراً بمصادرة نشاط فردي ما أو منع تداول الصحف، وذلك بإستخدام أعمال القهر والإجبار المادي في هذا الصدد. ت) أن يراعى في إجراءات وتدابير الضبط الإداري المتخذة مناسبتها للظروف المكانية والزمانية الصادرة في ظلها. وعلى ذلك، يمكن للقاضي الإداري أن يصدر حكما بعدم مشروعية وسيلة الضبط الإداري المستخدمة في الأحوال التي يتم فيها حظر تداول الصحف أو المجلات على الجماهير في كامل إقليم الدولة، وكذلك في الأحوال التي تُفرض فيها قيود الضبط الإداري بصفة دائمة أو خلال أوقات متأخرة من الليل. ث) ملائمة وسيلة الضبط الإداري المستخدمة لمدى جسامة وخطورة التهديد أو الإخلال بالنظام العام، الذي يمكن حدوثه بفعل التصرف الخاضع للضبط الإداري. وهنا يمكن للقاضي الإداري فرض رقابته على مدى مناسبة إجراءات الضبط الإداري للتصرفات المسببة لها، ومن ثم إلغاء تلك الإجراءات المتسمة "بعدم المناسبة". كما يمكن أن يمارس القضاء العادي، ممثلا بالقضاء الجنائي، رقابته على أعمال الضبط الإدارية، وذلك في الأحوال التي ينطوي فيها الإجراء أو التدبير الضبطي الإداري المتخذ على إرتكاب جريمة من الجرائم المعاقب عليها قانونا أو عندما يثبت عدم مشروعية لائحة الضبط الإداري ذاتها، وما إنطوت عليه من إجراءات وتدابير وجزاءات فردية. كذلك يمكن أن يكون للقاضي المدني إختصاص بنظر دعاوى المسؤولية المدنية عن أعمال الضبط الإداري، وما نجم عنها من أضرار مادية أو أدبية معا في حالات الخطأ المادي أو الشخصي للعاملين بسلطة الضبط الإداري. المبحث الثاني: صلاحيات جهاز الشرطة كسلطة ضبــط قضائـي تجمع أنظمة الحكم المختلفة في العالم على أن لجهاز الشرطة وظيفة قضائية، بالإضافة الى وظيفته الإدارية. وقد تم تناول هذا الموضوع بالبحث في المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات الذي عقد في روما في الفترة ما بين 23/9 – 3/10/1953، وأقرّ عدة مباديء في هذا الشأن، أهمها: 1. تقوم الشرطة القضائية بعمل لا غنى عنه في التحري عن الجرائم وكشفها وجمع أدلتها. ويجب أن يؤدى هذا العمل تحت إشراف الموظف القضائي المختص. 2. إستجواب المتهم من عمل القاضي، وليس من أعمال الشرطة القضائية. لذلك فإن عملها يقتصر على التحريات الأولية عقب الجريمة. 3. إن تنظيم الشرطة وتجنيدها هو خير ضمان لإحترام الحقوق الفردية في مرحلة البحث الأولى. وعلى ذلك، فإن موضوع وظيفة الشرطة القضائية، ليس في حد ذاته محلا للجدل، وإنما موضوع الخلاف الدائم هو مدى ما يصح أن يُمنح للشرطة من سلطات قضائية. كما أثارت مسألة صلاحيات جهاز الشرطة في ملاحقة الجرائم والتحقيق فيها خلافا بين أعضاء المؤتمر الدولي لقانون الإجراءات الجزائية الذي عقد في شباط 1960، وناقش مسألة صلاحيات الشرطة في حجز الأشخاص، حبسهم، إستجوابهم، وحدود هذه الصلاحية. وكان هناك رأيان بهذا الخصوص: الرأي الأول: ضرورة الحد من سلطة الشرطة، وذلك بحجة زيادة إحترام حرية الفرد التي تتعارض دائما مع مسؤولية الشرطة في حفظ الأمن وضبط الجرائم وفاعليها. الرأي الثاني: يذهب الى وجوب زيادة سلطات الشرطة في الحجز، الحبس، والإستجواب، وذلك بحجة منح الشرطة الإمكانيات التي تتناسب مع المسؤوليات الملقاة على عاتقها، مما يكفل لها تحقيق رسالتها في صيانة الأمن وحماية المجتمع. على المستوى العملي، يمكن تقسيم الأنظمة القانونية من حيث حجم المهام التي أناطتها بجهاز الشرطة، كسلطة ضبط قضائي إلى فئتين: أولها، النظم القانونية التي أخذت بالنظام الإتهامي/ الفردي في ملاحقة الجرائم. وثانيها، النظم القانونية التي أخذت بالنظام التنقيبي/ التحرّي. فيما يلي موجز عن كل من النظاميين: النظام الإتهامي/ الفردي (إنجلترا) يفترض هذا النظام المساواة الكاملة بين المجني عليه والمتهم. إذ تشبه الدعوى الجزائية في هذا النظام الدعوى المدنية، فهي نزاع بين خصمين متعادلين، وأحيانا كان يتولى الإدعاء أحد المواطنين بإسم المجتمع، ودور القاضي في هذه المنازعة سلبياً، فهو لا يبذل جهداً في البحث عن الحقيقة، وإنما دوره هو الإستماع إلى الأدلة التي يقدمها طرفا النزاع، ومن ثم الحكم وفقها. ورغبة في تجنب عيوب هذا النظام أنشأ المشرّع الإنجليزي سنة 1879 وظيفة مدير الإدعاء (الملاحقات الجزائية)، ومهمته رفع الدعوى العامة في الجرائم الهامة، إلى جانب هيئات البوليس التي يجوز لها أن تلاحق مرتكب الجرم، توجه إليه الإتهام، وتحيله إلى المحكمة. وحتى في الأحوال التي يتولى فيها مدير الإدعاء الملاحقة الجزائية، قد تتم الملاحقة بواسطة الشرطة. لهذا، تقوم الشرطة وفق هذا النظام بكافة مراحل الكشف عن الجاني، جمع الأدلة، الإتهام، وتمثيل المجتمع أمام المحكمة في فترة المحاكمة. النظام التنقيبي/ التحرّي (فرنسا) يختفي في ظل النظام التنقيبي/ التحري دور الفرد أو أقاربه في تحريك الدعوى الجزائية. فقاضي التحقيق في هذا النظام هو الذي يتولى الكشف عن الحقيقة، دون التقيّد بما قدمه الخصوم من أدلة وقرائن. كما أن النائب العام في قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، الذي يأخذ بهذا النظام، هو الأمين العام على الدعوى الجنائية، والنيابة العامة ومن تفوّضه في بعض إجراءات التحقيق (الضابطة القضائية) لها تأثيرها المباشر على التحقيق، لأنها تساعد سلطة الحكم في الوقوف على الحقيقة. وفي هذا النظام، تضيق الصلاحيات المنوطة بجهاز الشرطة في التحقيق بالجرائم، ويقتصر دورها على مرحلة محدودة، تسمى مرحلة جمع الإستدلالات، ولا تتدخل في أعمال التحقيق الأخرى، إلا بموجب تفويض من جهة التحقيق الأصلية. فيما يلي عرض موجز عن مفهوم وأهداف الضبط القضائي، التنظيم القانوني لصلاحيات الشرطة كسلطة ضبط قضائي، مأمورو الضبط القضائي وتبعيتهم، صلاحيات ومهام الضبط القضائي، والرقابة القضائية على أعمال الضبط الإداري في مختلف الأنظمة القانونية الرئيسية السائدة في هذا الصدد: أولاً: مفهـوم وأهــداف الضبــط القضـــائي تبدأ مهمة مأمور الضبط القضائي حينما تنتهي مهمة مأمور الضبط الإداري. فعندما تفشل سلطات الضبط الإداري في وقاية المجتمع من الجريمة، تتولى سلطات الضبط القضائي مهمتها في الكشف عن مرتكب الجريمة، وجمع الأدلة الكافية لإدانته. يتفاوت المدى الممنوح لمأموري الضبط القضائي في ممارسة إجراءات الملاحقة الجنائية المختلفة، من خلال الدعوى الجنائية والمراحل الممهدة لها، من تشريع إلى أخر. فمجال وظيفة الضبط القضائي في فرنسا والقوانين التي أخذت عنه تقتصر على جمع الإستدلالات (المعلومات الأولية) اللازمة للتحقيق، وتتصف بأنها إجراءات ممهدة للدعوى الجنائية. وتبقى النيابة العامة الجهة المختصة أصلا بالتحقيق في الجرائم وملاحقتها، ولا يمارسها أفراد الضبط القضائي إلا بناء على ندبهم لعمل أو أكثر من أعمال التحقيق من السلطة المختصة بذلك (النيابة العامة). بينما يعطي القانون الأنجلو أمريكي (إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية) والدول التي أخذت عنه، البوليس سلطات أوسع في التحقيق بالجرائم وملاحقة المجرمين. من جانب آخر، لا تملك النيابة العامة القدرة الفعلية على القيام بنفسها بكافة الإجراءات الضرورية للتحري عن الجرائم وجمع المعلومات اللازمة عنها، والقبض على مرتكبيها. لهذا، إقتضت الضرورة إنشاء جهاز يعاون النيابة العامة، ويحمل عنها جزء من مشقة البحث عن الجرائم ومرتكبيها، وهي سلطات الضبط القضائي في جهاز الشرطة. غير أن هذا الأمر لا ينطبق إلا على الأنظمة التي تأخذ بنظام الإتهام التنقيبي/ التحريّ، وتحدد موظفين معينين لأغراض التحقيق، وتفصل بينهم وبين من يقومون بوظيفة الإتهام (النيابة العامة). وإذا كان الأصل في نظام الإتهام الفردي أن يقوم الأفراد بأنفسهم بممارسة مهمة الإتهام، إلا أن النظام الإنجليزي، الذي يغلب عليه نظام الإتهام الفردي، أخذ يطعّم هذا النظام بنظام الإتهام التنقيبي/ التحريّ، ويحدد موظفين، هم رجال البوليس ليتولوا الكشف عن الجرائم وإتخاذ الإجراءات اللازمة في الجرائم التي تهم النظام العام. ثانياً: التنظيم القانوني لصلاحيات الشرطة كسلطة ضبط قضائــي إختلفت الدول في كيفية تنظيم صلاحيات الشرطة كسلطة ضبط قضائي من ناحية تشريعية. فبالرغم من أن معظم الدول ضمّنت الأحكام المتعلقة بهذا الشأن في قانون الإجراءات الجزائية، إلا أن بعضها نصّ على هذه الأحكام في التشريعات المتعلقة بجهاز الشرطة (قانون الشرطة، مثلاً)، وفق الجدول التالي: جدول رقم (1) القانون المنظم لصلاحيات جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي الدولة القانون فرنسا قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1978 هولندا قانون الإجراء الجنائي لسنة 1921 السويد قانون الشرطة رقم 387 لسنة 1984 ألمانيا قانون الإجراء الجنائي أستراليا مجموعة قوانين من بينها: قانون إستجواب الشاهد لسنة 1994، وقانون الشرطة الفيدرالية الأسترالية لسنة 1979 الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة أحكام قانونية، من بينها الأحكام الواردة في قانون إجراءات ما قبل المحاكمة لسنة 1974. إنجلترا تتوزع صلاحيات جهاز الشرطة على نوعين من القوانين: - القانون العام (Common law). - التشريعات الصادرة عن البرلمان، مثل: قانون السرقة لسنة 1971، قانون محاكم الصلح لسنة 1952، وقانون الجيش لسنة 1955. ثالثاً: مأمــورو الضبــط القضائـــي لا يتمتع كافة أعضاء جهاز الشرطة، بالعادة، بصفة مأموري الضبط القضائي، وإنما فئة محدودة منهم من يتمتعون بهذه الصفة. وينقسم الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الضبط القضائي بحسب حدود الصلاحيات المنوطة بهم إلى قسمين رئيسيين: مأمورو الضبط القضائي الذين ينحصر إختصاصهم بضبط الجرائم الواقعة في حدود جغرافية معينة، ومأمورو الضبط القضائي الذين ينحصر إختصاصهم في ضبط نوع معين من الجرائم. 1) مأمورو الضبـط القضائــي ذو الإختصــاص المكانـــي فرنسا قسّم قانون الإجراءات الفرنسي المعدل بالقانون الصادر في 28 حزيران 1978 أعضاء الضبط القضائي ذو الإختصاص المكاني العام إلى فئتين على النحو التالي: الفئة الأولى - ضباط الضبط القضائي حددت المادة 16 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي الأشخاص المشمولين بهذه الفئة، وهم: 1. العمد ومعاونوهم: يعد هؤلاء من الشخصيات السياسية التي أضفى القانون عليها صفة الضبطية القضائية. 2. الضباط وأصحاب الرتب من الحرس الإداري والدركيون الذين أمضوا في وظيفتهم خمس سنوات على الأقل، ولا سيما الذين عينوا بقرارات من وزيري العدل والدفاع. 3. مفوضو الشرطة بالبوليس القومي - وتضم هذه الفئة: أ) مفوضو شرطة المدن والهيئات المحلية: يعمل هؤلاء المفوضون في المدن التي يزيد عدد سكانها عن عشرة آلاف مواطن، ويستقلون في ممارسة إختصاصاتهم عن العمد وحكام المقاطعات، وإن كانوا يتبعونهم في بعض الأحيان. ب) مفوضو الشرطة للمعلومات العامة: أنشئت هذه الفئة في بداية عملها بغرض مراقبة محطات السكك الحديدية، ثم تطوّر إختصاصهم وأسند لهم جمع المعلومات عن الجماعات السياسية والنقابية، ومراقبة المطارات والموانيء وميادين السباق. ت) مفوضو الشرطة القضائية: كان إختصاص هذه الفئة في بداية الأمر ينحصر في ملاحقة الجماعات "الشريرة"، ثم تطوّر عملها نتيجة تقسيم فرنسا إلى إثنتي عشرة منطقة، تخضع كل منها لرقابة فرقة تسمى الشرطة المتنقلة. ث) مفوضيات المراقبة الإقليمية: وينحصر عملها في مكافحة أعمال الجاسوسية. 4. ضباط الشرطة في البوليس القومي: يتم إختيار هؤلاء من بين مأموري الضبط القضائي المعاونين الذين أمضوا في الخدمة خمس سنوات على الأقل، بناء على ترشيح لجنة معينة. ويعينون بقرار من وزير العدل أو الداخلية. 5. المراقبون العموميون: تتكون هذه الفئة من كبار الموظفين، مثل مدير ونائب مدير الضبط القضائي التابعين لوزير الداخلية، ومدير ونائب مدير قوّات الحرس الإداري التابعين لوزير الدفاع. الفئة الثانية: معاونــو الضبــط القضائـــي ينقسم معاونو الضبط القضائي وفقا للمادتين 20 و21 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي المذكور إلى قسمين: القسم الأول: عمال الضبط القضائي المذكورين في المادة 20 من قانون الإجراءات الفرنسي المذكور، والتي تشمل "الدركيين" من غير مأموري الضبط القضائي، ومفتشو الشرطة بالبوليس القومي الذين لم يمض على وجودهم بالخدمة أكثر من عامين. القسم الثاني: عمال الضبط القضائي المعاونون الذين نصّت عليهم المادة 21 من قانون الإجراءات الفرنسي وهم: العاملون في إدارات البوليس من غير المذكورين في المادة 20 سالفة الذكر، وأفراد شرطة البلديات. بريطانيا تقسّم الضابطة القضائية في إنجلترا بحسب التنظيم الهيكلي للبوليس بصورة عامة. ولا يجوز للبوليس الخروج على إختصاصه المكاني، إلا في حالة "المطاردة الساخنة" المبنية على حالة الضرورة، أو في حالة السماح بذلك بموجب إذن من قبل المجلس المحلي للمقاطعة. قُسّم البوليس الإنجليزي كسلطة ضبط قضائي إلى عدة فئات تختص كل منها بممارسة صلاحياتها ضمن نطاق جغرافي معين، بحسب ما جاء في قانون البوليس لسنة 1964 إلى: 1) بوليس مدينة لندن. 2) بوليس منطقة العاصمة: تمارس واجباتها ضمن الحدود الإقليمية المحددة في المادة 76 من قانون حكومة لندن لسنة 1963. 3) بوليس مقاطعة County. 4) بوليس منطقة Combined Area. 5) بوليس منطقة نهر التايمز. الولايات المتحدة الأمريكية يتناسق تنظيم البوليس القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية مع طبيعة تقسيم الولايات، المدن والمستوى الفيدرالي، على النحو التالي: 5. الشرطة الإتحادية - تنقسم هذه الفئة إلى قسمين: أ) مكتب المباحث الفيدرالية (F.B.I): إلى جانب إختصاصات هذه الفئة بصلاحيات الضبط الإداري ومنع الجريمة، تختص بالبحث الجنائي في جميع الجرائم الإتحادية/ الفيدرالية، وبالبحث في الجرائم الكبرى، كالجاسوسية، التزييف، والتزوير والقضايا المتعلقة بالأمن الداخلي. وذلك وفقا للصلاحيات المحددة لها في القوانين الفيدرالية الصادرة عن الكونجرس الأمريكي. ب) إدارة الهجرة والجنسية: تبحث هذه الفئة في المخالفات المتعلقة بقوانين الهجرة والجنسية وحراسة الحدود لمنع التسلل غير المشروع. 6. شرطة/ بوليس الولاية: يمارس إختصاصه ضمن حدود الولاية، ويقوم بواجب تطبيق قانون الولاية. 7. شرطة المقاطعة: تختص هذه الفئة بواجبات الشرطة وإختصاصاتها ضمن حدود المقاطعة. 8. البوليس المحلي (شرطة البلديات): وهو مقيد بحدود إختصاصه المحلي (حدود البلدية)، وليس له التجاوز إلا في حالة "المطاردة الساخنة". 2. مأمورو الضبط القضائي ذوو الإختصاص النوعي في الأغلب، لا تكون هذه الفئة من مأموري الضابطة القضائية من جهاز الشرطة، وإنما من إدارات الدولة الأخرى. فيما يلي تجارب بعض الدول في تنظيم هذه الفئة من مأموري الضبط القضائي: فرنسا أسند المشرّع الفرنسي بموجب المواد 22-29 من قانون الإجراءات الجنائية وعدد من نصوص القوانين الأخرى، إلى بعض الموظفين القيام بوظائف الضبط القضائي. وينحصر إختصاص هؤلاء الموظفين في إثبات الجرائم المتعلقة بأعمال وظائفهم فقط. ومن مثل هذه الفئات ما يلي: 1) فئة الموظفين المختصين بضبط الجنح والمخالفات في الأمور الزراعية والغابات (م22 من قانون الإجراءات الجزائية). 2) فئة الموظفين المختصين بضبط جرائم الإعتداء على المكتبات التي يتولون الحراسة عليها(م 29 من قانون الإجراءات الجزائية). 3) فئة الموظفين المختصين بضبط جرائم صيد السمك وصيد الحيوانات (م 446، 385 من قانون الزراعة). 4) فئة الموظفين المكلّفين بضبط جرائم السكر العام ومخالفات محلات شرب الخمور (م 102 من القانون البلدي الصادر بتاريخ 15/4/1884). 5) فئة الموظفين الذين مُنحو بموجب قوانينهم الخاصة سلطات الضبط القضائي فيما يتعلق بالضرائب المباشرة، التسجيل، الجمارك، البريد والتلغراف، التأمين الإجتماعي، جرائم السكك الحديدية، أعمال الغش، وجرائم الموازيين والمقاييس. بريطانيــا عرف القانون الإنجليزي أشخاصا معينين غير عاملين في جهاز الشرطة، يتمتعون بسلطات الضبط في إطار نوعي محدد، ومنهم: 1) مفتشو السفن في عرض النهر ومأمورو الرقابة على صيد الأسماك: يمارس هؤلاء وظيفة البوليس في ضبط الجرائم المتعلقة بالقانون الصادر سنة 1923 المتعلق بصيد السمك ونقاء المياه. 2) بوليس السكة الحديد، الذي يتبع وزارة المواصلات، وبوليس المطارات ويتبع الطيران المدني. الولايــات المتحـــدة الأمريكيـــة أورد قانون ولاية نيويورك عدة فئات من البوليس ذوي الإختصاص النوعي المحدد وهم: 1) موظفو الضرائب. 2) ضباط المطافيء. 3) ضباط شرطة الأحداث. 4) ضباط الأحراج والغابات. 5) مراقبو إدارة الزراعة والأسواق. 6) مفتشو الصحة. رابعاً: تبعيــة أفــراد الضبــط القضائـــي لم تتفق تشريعات الدول المختلفة في تنظيمها لتبعية مأمور الضبط القضائي. فبعض القوانين أتبعت أفراد الضبط القضائي في جهاز الشرطة بجهة واحدة مستقلة تستأثر بالهيمنة والسيطرة الرئاسية، بينما أتبعها البعض الآخر من القوانين بتبعية مزدوجة حسب طبيعة الوظائف المسندة إليهم، وفقا لما يلي: فرنسا هناك تبعية مزدوجة لرجال البوليس القضائي في فرنسا. فهم من جهة، يتبعون الجهة الإدارية (وزارة الداخلية أو وزارة الحربية) في المسائل الإدارية. ومن جهة أخرى، يخضعون لرقابة وإشراف النيابة العامة فيما يتعلق بأعمالهم القضائية. ففي ظل قانون تحقيق الجنايات الفرنسي كان ضباط البوليس القضائي، يخضعون لرقابة النائب العام، فيما يتعلق بوظيفة الضبط القضائي، وكان له أن ينذرهم عن أي إهمال يصدر عنهم، ويدوّن المخالفة في سجل معد لذلك، وله أن يرفع أمرهم إلى محكمة الإستئناف التي يعمل في دائرتها في حالة العود (التكرار). وللنائب العام أن يكلّف ضباط البوليس القضائي بالحضور أمام "غرفة المشورة" متى صرّحت المحكمة بإمكانية إتخاذ إجراء تأديبي ضدهم. وفي هذه الحالة، يكون لغرفة المشورة أن تلفت نظرهم، وأن تحكم عليهم بمصاريف التكليف بالحضور ومصاريف صورة القرار وإعلانه. وقد تبلورت تبعية البوليس القضائي للنيابة العامة في ظل قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي بنصوص قانونية صريحة. فقد نصّت المادة 38 من القانون المذكور على تبعية البوليس القضائي لرقابة النائب العام، وله أن يكلّفهم بجمع المعلومات التي يراها مفيدة لتطبيق القانون. كما نصّت المواد 44 و 33/ج من ذات القانون على ضرورة إحتفاظ النائب العام بملف شخصي لكل ضابط من ضباط البوليس القضائي الذين يعملون ضمن دائرته. كما تتمثل مظاهر هذه التبعية في سلطة النيابة العامة في التدخل في أهلية مأمور الضبط القضائي (تحديد قدرته على أداء مهمات مأموري الضبط القضائي)، منح الأهلية، سحب الأهلية، وسلطة تقييم مأمور الضبط القضائي. ففي مجال التقييم، يُنظّم النائب العام/ وكيل النيابة تقريرا يبين فيه مقدرة ضابط البوليس القضائي على القيام بمهامه. ويأخذ النائب العام بعين الإعتبار قيمة أعمال ضابط البوليس القضائي وأهليته المهنية، وتُرسل نسخة من التقرير إلى المدير الإداري في وزارة الحربية بالنسبة "للجندرمة" الوطنية، أو وزير الداخلية، بالنسبة لضباط البوليس القضائي. ويتضمن ملف ضابط البوليس القضائي، بالإضافة إلى هذه التقارير، كافة الحوادث المتعلقة بتأدية واجباته. وفي مجال منح الأهلية لمباشرة وظيفة الضبط القضائي، لا يستطيع ضباط البوليس القضائي المشار إليهم في الفقرتين 2 و3 من المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي ممارسة وظيفة الضبط القضائي، إلا بتوفر شرطين: الشرط الأول: الإلحاق بوظيفة تتضمن تلك المهام على ضوء قرار من النائب العام. الشرط الثاني: التمتع بأهلية ممارسة أعمال الضابطة القضائية بقرار من النائب العام عن طريق محكمة الإستئناف. كما تضمّنت اللائحة التنظيمية الصادرة في 28/9/1966 بالإستناد إلى المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي لسنة 1966 سالف الذكر أصول طلب أهلية ممارسة سلطات الضبط القضائي على النحو التالي: - بالنسبة لضباط البوليس القضائي في الشرطة الوطنية: يقدم طلب الأهلية للنائب العام لدى محكمة الإستئناف التابع لها مقر الضابط من قبل مدير الإدارة التي يتبعها. ويحدد في الطلب المهام الموكولة للضابط والحدود الإقليمية التي يمارس عمله فيها، وإذا كانت الحدود الإقليمية تتجاوز أكثر من دائرة محكمة إستئناف يرفق بالطلب موافقة النائب العام لدى المحكمة الثانية. ويقدم طلب الأهلية إلى نائب عام محكمة إستئناف مدينة باريس عندما يكون الطلب متعلقا بممارسة مهام الضبط القضائي في جميع البلاد. وللنائب العام أن يرفض إجابة الطلب، وفي حالة الموافقة تتضمن الموافقة الوظائف المرتبطة بالأهلية- وحدود وسلطات ضابط البوليس القضائي. - أما بالنسبة للشرطة الوطنية، فلا يُمنح أهلية ممارسة سلطات الضبط القضائي، إلا الضباط وضباط الصف العاملين ضمن منطقة إقليمية محددة. من جانب آخر، تُسحب أهلية ممارسة وظيفة الضبط القضائي، إما تلقائيا وإما بناء على طلب من رئيس الدائرة. ويتمتع النائب العام في سحب الأهلية بسلطة تقديرية كاملة، وله أن يكتفي بالتحذير الموجه إلى الضابط عن طريق رؤسائه. أما إذا وجد أن الأخطاء الشخصية التي إرتكبها ضابط البوليس القضائي خطيرة، رفع أمره إلى غرفة المشورة، ويقدم ما تقرره غرفة المشورة لرؤسائه الإداريين. بريطانيا ترتبط هيئة البوليس في بريطانيا بوزارة الداخلية بصفة عامة. ومع وجود النائب العام والمدعي العام إلا أنهما لا يملكان أي إشراف أو توجيه للبوليس سواء على أعمالهم القضائية أو على غيرها من الأعمال، بل أن وزارة الداخلية تراقب كلتا الوظيفتين الإدارية والقضائية معاً، وتنظّمها بمنشورات دورية مفسّرة ومبينة لأسلوب الممارسة العملية. ويتولى الرئيس الإداري المباشر لمأمور الضبط القضائي الرقابة المباشرة على مأمور الضبط القضائي في موقع العمل، بحسب التسلسل الوظيفي إلى أن يصل إلى وزير الداخلية. إذ لا يتصل وكيل النيابة العامة بالقضية إلا بعد إتصال القاضي بها، ولا يمارس أية رقابة فعلية على مأموري البوليس، وكل ما يمكن أن يقدمه لهم هو الإستشارات القانونية فقط. الولايات المتحدة الأمريكية يتبع بوليس الإدارات الإتحادية الفيدرالية جهات مختلفة. فمكتب التحقيقات الفيدرالي يتبع وزارة العدل، ويتبع مكتب مكافحة الإدمان والمخدرات وزارة الخزانة، بينما تتبع شرطة نيويورك إدارة وإشراف ديوان المحاسبة. كما يتبع بعض أفرع الشرطة المختصين بمكافحة جرائم السطو على البريد والتحري في مخالفات البريد وزارة البريد والإتصالات. أما شرطة الولايات، فيتبع كل قسم منها حاكم المدينة أو العمدة إداريا، وترتبط جزئيا بالمدعي العام الذي يضع الأسس الأولية للإتهام والسير بالدعوى الجنائية. خامساً: صلاحيــات ومهــام الضبـــط القضائـــي 1) دور الضابطة القضائية في مرحلة جمع الإستدلالات يقصد بمرحلة جمع الإستدلالات تلك المرحلة التي تبدأ منذ وقوع الجريمة وإلى حين تحويل القضية إلى جهة التحقيق الأصلية (نظام التحري/ التنقيب- فرنسا). غير أن بعض النظم القانونية تخلط بين مرحلتي جمع الإستدلالات والتحقيق، وذلك بسبب قيام الشرطة بالمرحلتين معاً (النظام الإتهامي/ الفردي- إنجلترا). فقد خوّلت غالبية القوانين جهاز الشرطة بما له من صلاحيات الضبط القضائي مسؤولية البحث عن الجرائم ومعاينتها ومعرفة فاعليها، فيما يُعرف بمرحلة "جمع الإستدلالات"، في حين إنقسمت تلك القوانين في مسألة التحقيق إلى فريقين: الفريق الأول، الذي لم يمنح رجال الشرطة ممن يتمتعون بسلطة الضبط القضائي صلاحية القيام بأعمال التحقيق بصفة أصلية، إلا في حالة التلبس. والفريق الثاني، الذي منح رجال الشرطة ممن يتمتعون بصفة الضابطة القضائية بسلطات التحقيق بصفة أصلية، دون التوقف عند حالة التلبس. ففي فرنسا، مثلا، نظّمت المواد 14 و75 من قانون الإجراءات الجزائية سلطات الضبط القضائي في مرحلة جمع الإستدلالات، فنصّت المادة 14 على أنه:" على البوليس القضائي إستخلاص الجرائم من القانون الجنائي، وعليه جمع الإثباتات المتعلقة بها والبحث عن الجناة ما دام التحقيق لم يفتح بعد"، كما خوّل مأمورو الضبط القضائي بموجب المادة 75 من القانون ذاته سلطة القيام بالتحريات اللازمة، إما من تلقاء أنفسهم أو بناء على تعليمات مدعي عام الجمهورية. وبهذا، يكون القانون الفرنسي منح رجال الشرطة ممن يتمتعون بسلطات الضبط القضائي سلطة جمع الإستدلالات فقط، بصورة أصلية. أما في إنجلترا، فقد فوّض القانون رجال البوليس ممن يتمتعون بصفة الضابطة القضائية بالقيام بالمرحلتين معا: مرحلة جمع الإستدلالات، ومرحلة التحقيق. فقد أصبحت التحريات منذ عام 1842 من عمل البوليس البريطاني، حيث تمر بمرحلتين: مرحلة إكتشاف المجرم، ومرحلة إثبات التهمة، وذلك بجمع الأدلة والإثباتات التي تنسب الجريمة إلى الجاني. إذ تخوّل القاعدة الأولى من قواعد القضاء البوليس القضائي خلال محاولته الكشف عن مرتكبي الجرائم، أن يوجه أسئلة إلى الأشخاص سواء أكان مشتبها بهم أم لا، ويحق للمشتبه بهم أن يرفضوا الإجابة. كما أن إجراءات ما قبل المحاكمة في إنجلترا بالنسبة للجرائم التي لا تتطلب وثيقة رسمية لتحريك الدعوى هي بيد البوليس، حيث يقوم بتقييم تحرياته، ويقرر فيما إذا كان سيتهم أم لا، وغالبا ما يدير رجال البوليس بأنفسهم إجراءات الإتهام أثناء المحاكمة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يمارس البوليس سلطة التحري والإستدلال وسلطة التحقيق أيضا بصفة أصلية، وذلك بموجب قانون إجراءات ما قبل المحاكمة لعام 1974. إذ منح البوليس سلطات "إستيقاف" الأشخاص المشتبه بهم، القبض عليهم، التعامل مع الشهود، تفتيش الأشخاص المشتبه بهم، تفتيش المركبات، إلى غير ذلك من الإجراءات المتعلقة بأعمال الإستدلال والتحقيق عامة، إما بصفة أصلية أو بعد الحصول على إذن من القاضي في بعض الأعمال. 2) دور الضابطة القضائية في القبض أ) القبض في حالة "التلبس"/ الجرم المشهود يختلف مفهوم التلبس بالجريمة بين النظامين الفرنسي والأنجلوأمريكي. إذ ينصرف وصف التلبس في النظام الفرنسي إلى الجريمة ذاتها، في حين ينصرف الوصف في النظام الأنجلو أمريكي إلى الجاني ذاته. وعلى ذلك، إن الفعل أو الأفعال بذاتها هي التي تشكل إنتهاكا للقانون، الأمر الذي يتطلب مشاهدتها أو العلم بها وقت إرتكابها وإدراكها إدراكا سليما، لا أن يجيء العلم بها في مرحلة لاحقة، الأمر الذي يتطلب تواجد رجل البوليس في مسرح الجريمة. كما أن الإتجاه الفقهي الفرنسي يصف الجريمة المتلبس بها بأنها تلك الجريمة التي تُرتكب حالياً أو لحظة الإنتهاء من إرتكابها بصورة معلنة ومكشوفة بحيث تبدو بنتائجها المادية الظاهرة أمام الجميع. في حين ينطبق وصف "التلبس" في النظام الأنجلوأمريكي عندما يشاهد الجاني أثناء إقترافه الجريمة أو عند الإنتهاء من إرتكابها. فرنسا جعل المشرّع الفرنسي (المواد 63- 65 قانون الإجراءات الفرنسي) من حالات التلبس مصدرا لتوسيع سلطات مأمور الضبط القضائي، ووسع سلطاته في إجراءات الإحتجاز. إذ سمح القانون المذكور لأفراد الضابطة القضائية بالقبض على الأشخاص مباشرة، ودون حاجة إلى أمر القبض من الجهات المختصة بذلك في جرائم التلبس المعاقب عليها بالحبس، في معرض تخويل هذه الآلية للأشخاص العاديين. فقد نصّت المادة 73 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على:"لكل فرد أن يقبض على الفاعل في الجريمة المتلبس بها والمعاقب عليها بالحبس ويقتاده إلى أقرب مكتب للبوليس القضائي". كما تخوّل المادة 61/2 من القانون ذاته مأمور الضبط القضائي سلطة إحتجاز الأفراد بالقوّة في الجرائم المتلبس بها لمن يرى ضرورة التحقق من شخصيتهم، وليس لضباط البوليس القضائي سلطة التحفظ على الأشخاص بالإكراه في غير حالات التلبس بحجة التحقق من شخصيتهم. كما خوّل قانون المرور والنقل الفرنسي مأمور الضبط القضائي سلطة القبض على كل من لا يذعن لمتطلبات تحقيق الشخصية. بريطانيا يستمد البوليس الإنجليزي إختصاصه في القبض بدون مذكرة قضائية من نوعين من القوانين يحكمان التنظيم القضائي البريطاني، وهما: 1) القانون العام (Common Law) وهو قانون غير مقنن، ويستند إلى الأحكام المستقرة للقضاء، 2) القانون المكتوب (Statute) وهي القواعد المقنّنة التي وضعت بالطريق التشريعية المعتادة وإعتمدها البرلمان الإنجليزي. وسواء كانت سلطة البوليس القضائي مستمدة من نصوص القانون المكتوب أم من أحكام القانون العام، فإنها تجد سندها في حالتي الضرورة والمطاردة الساخنة بشكل أساسي. فبموجب القانون العام، يجوز للبوليس أن يقوم بالقبض دون أمر قضائي في ثلاث حالات: أ) بناء على مشاهدة الجاني: إذ يملك البوليس سلطة القبض على أي شخص بدون أمر لإرتكابه جريمة الخيانة العظمى أو الإخلال بالأمن العام، ولا يجوز له أن يقبض على أحد دون أمر، إلا إذا إرتكب الجريمة في حضوره، فإذا إنتهى العراك، الذي يعتبر إخلالا بالأمن، أو زال إحتمال تجدّده فقد البوليس سلطته في القبض دون أمر. فقد جاء في القانون العام الإنجليزي (Common Law) سنة 1961 ما يلي:" إن للبوليس ممارسة القبض دون أمر على أي شخص إرتكب في حضوره جنحة مخلة بالأمن العام شريطة أن يتم القبض وقت إرتكاب الجريمة أو على إثر إنتهائها مباشرة أو خلال الأوقات التي يُحتمل ولأسباب معقولة تجدّدها". ب) القبض بناء على إشتباه: يجوز لرجل البوليس أن يقبض على أي شخص دون أمر، إذا إشتبه ولأسباب معقولة بإرتكاب جريمة خيانة، أو أن جراحا خطيرة قد تخلّقت عن جريمته. ت) القبض بناء على إتهام شخص ثالث: يجوز لرجل البوليس ممارسة القبض دون أمر بناء على إتهام شخص ثالث إذا كانت الجريمة المنسوبة إليه من الجنايات، أما إذا كانت الجريمة من الجنح فليس لرجل البوليس أن يقبض على المشتكى عليه، إلا إذا حصل على أمر بذلك من القاضي. أما بموجب القوانين المكتوبة الصادرة عن البرلمان الإنجليزي، فقد نصّت العديد من القوانين على سلطة البوليس الذاتية (أي دون مذكرة) في القبض على الأشخاص. فقد نصّت المادة 2 من القانون الجنائي لعام 1967 على" يجوز لأي شرطي أن يلقي القبض بدون أمر على أي شخص إذا: أ) إشتبه وبناء على أسباب معقولة بأن جريمة يمكن له القبض على الفاعل فيها قد إرتكبت، ولديه الأسباب المعقولة التي تدعوه للإشتباه بأن ذلك الشخص متهم فيها. ب) إشتبه ولأسباب معقولة بأن شخصا على وشك إرتكاب جريمة يقبض من أجلها". كما خوّل البوليس بموجب قانون السرقة لسنة 1971 القبض دون أمر قضائي، إذا كانت لديه أسباب كافية للإشتباه بأن شخصاً قد إرتكب جريمة خلافا لأحكام هذا القانون، وأنه سيهرب إذا لم يجر القبض عليه فورا، أو إذا زوّده بعنوان لإقامته، لم يقتنع به ولو كانت جريمته غير معاقب عليها بالسجن لمدة تزيد على خمس سنوات. الولايات المتحدة الأمريكية الأصل، أنه لا يتم تقييد حرية الأشخاص إلا بناء على أمر صادر من القاضي يخوّل البوليس سلطة إجرائه، إلا أن للبوليس سلطة إتخاذ القرار بالقبض وإجرائه في جرائم الجنايات فقط، إذا توفرت لديه الأسباب المعقولة بأن الجناية قد إرتكبت وأن شخصا معينا قد إرتكبها. ويقوم السبب المعقول عندما تكون الوقائع التي تصل إلى علم رجل الشرطة، والظروف المحيطة بتلك الوقائع من شأنها أن تُقنع "الرجل الحريص" بأن الجريمة قد وقعت. ومن المقرّر في القانون العام الأمريكي (Common Law) أنه لا يجوز لمأمور الضبط القضائي القبض بدون مذكرة لجنحة إلا إذا كانت مخلة بالأمن، وإرتكبت في حضور رجل البوليس، متى كان بإستطاعته إكتشافها بأي حاسة من حواسه. وهذا الإستثناء تبرره ضرورة العمل الفوري لقمع الإخلال بالأمن ومنع إستمراره. بينما تتوسع تشريعات بعض الولايات في تخويل رجل البوليس سلطة القبض في الجنح، فلا تقصرها على تلك المخلة بالأمن وحدها، بل تجيزها في أي جنحة تقع في حضور رجل الضابطة القضائية. فمثلا، أضاف قانون ولاية ألينوي الأمريكية جنحا أخرى يجوز فيها القبض دون أمر، على أن يضبط مرتكبها متلبسا. ويذهب عدد قليل من الولايات إلى إتجاه وسط بين الإتجاهين السابقين، فيجيز القبض في الجنح عموماً، طالما كانت لدى رجل البوليس مبررات معقولة تكفي للإعتقاد بأن جنحة ما قد إرتكبت، بشرط أن يكون القبض ضروريا لمنع ضرر أكبر أو لمنع المتهم من الهروب. كما جاء تشريع ولاية وسكونسن بحالات إضافية للقبض بدون أمر حينما خوّل البوليس هذه السلطة عندما تتوفر لديه الأسباب المعقولة، التي تدعو إلى الإعتقاد بأن ذلك الشخص قد إرتكب جنحة منتهكا أحكام القوانين السارية، ولن يقبض عليه إذا أجل هذا الإجراء. ب) القبض في غير حالة التلبس فرنسا في غير حالات التلبس بالجريمة، لا يجوز لمأموري الضابطة القضائية القبض على الأشخاص، إلا بموجب أمر صادر عن الجهة المختصة بالتحقيق. بريطانيا حددت العديد من القوانين الجهة المختصة بإصدار أمر القبض مثل قانون محاكم الصلح لسنة 1952، وقانون الجيش لسنة 1955. كما يعتبر القانون الجنائي لسنة 1967 القانون العام لتحديد هذه الجهات، إذا خلت القوانين الخاصة من بيانها. فقد حددت المادة 3 من القانون المذكور السلطات التي تملك صلاحية إصدار أوامر القبض، وهم: قضاة الصلح، قضاة الأمن، قضاة محكمة الإستئناف، وقضاة محكمة التاج في المسائل الجنائية. أما الضابطة القضائية، فليس لها صلاحية القبض دون مذكرة في غير حالة التلبس، وإنما تقوم بتنفيذ أمر القبض فقط. الولايات المتحدة الأمريكية في غير الحالات المذكورة آنفا في معرض الحديث عن حالة التلبس، لا يجوز أن يقوم رجل الشرطة بالقبض على الأشخاص، إلا بعد الحصول على مذكرة بالقبض من القاضي المختص. ولا يمكن لرجل الشرطة الذي يطلب الحصول على مذكرة القبض من القاضي المختص، إلا بعد أن يؤدي اليمين أمام القاضي، بأنه يعتقد بصورة معقولة/ راهنة بأن من يطلب إصدار مذكرة بحقه هو فاعل أو مساهم في الجرم. 4) دور الضابطة القضائية في تفتيـش الأماكــن والأشخــاص أ) تفتيش الأشخاص فرنسا تقضي المادة 307 من نظام الشرطة الفرنسي الصادر في 20 مايو 1903، والمعدل بالمرسوم الصادر في 23 آب 1958 بوجوب تفتيش المقبوض عليه في جناية أو جنحة متلبس بها لضمان السلامة، وضبط أشياء قد تساعد في كشف الحقيقة. ويخوّل القانون الفرنسي ضابط البوليس القضائي سلطة القبض في أحوال التلبس كقاعدة عامة. كما أن التفتيش المستتبع للقبض جائز ونتائجه معتبرة سواء أسفرت عن أدلة في الجريمة مدار القبض أو كشفت عن حالة التلبس بجريمة جديدة. كما يفرّق القانون بين تفتيش الأشخاص كإجراء من إجراءات التحقيق وبين التفتيش الوقائي أو تفتيش الأمن، الذي هو مجرد إجراء بوليسي، وبين حدود الجرائم التي تبرر التفتيش حيث تشترط المادة 76 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي أن تكون الجنحة المبررة للتفتيش معاقب عليها بالحبس. بريطانيا لا يوجد في القوانين المكتوبة نص قانوني شامل يخوّل البوليس تفتيش المقبوض عليهم، وإنما يمارس البوليس إجراء تفتيش المقبوض عليهم مستندا للسوابق القضائية المعترف بها كقانون عام(Common law)، والتي تخوّل البوليس سلطة تفتيش الأشخاص، إذا توفر لدى منفذ القبض أسباب كافية تدعوه إلى الإعتقاد، بأن في حيازة المقبوض عليه أسلحة أو أشياء قد تسبب الأذى لنفسه أو لغيره أو تساعد على هربه، أو أن في حيازته أدلة مادية متعلقة بالجريمة مدار القبض، والتي من الممكن أن تقدم أدلة إتهام ضده. الولايات المتحدة الأمريكية قضت المحكمة العليا الأمريكية بأن تفتيش المقبوض عليه من قبل سلطات البوليس مسموح به، وغير منتقص للتعديل الرابع من الدستور، سواء كان سند القبض إذناً أو سبباً محتملاً أو نُفّذ القبض بالإستناد إلى سلطات قانونية. كما قضت المحكمة العليا ذاتها بجواز تفتيش المقبوض عليه تفتيشا جسديا كاملاً، ولو كانت طبيعة الجريمة المنسوبة إليه لا تترك أثراً، ودون الحاجة لأن يكون القصد من التفتيش التجريد من الأسلحة، حتى لو قصد البوليس بداءة الحصول على أدلة أو إثباتات أو الكشف عن أشياء تعد حيازتها محظورة. وتمتد قاعدة تفتيش المقبوض عليه لتشمل من تم القبض عليه بموجب أمر قبض، ولو لم يتضمن أمر القبض التفتيش، والمقبوض عليه بمبادرة ذاتية من البوليس طالما أن سند التفتيش واقعة القبض ذاتها. ب) تفتيش المساكن حرمة الشخص هي مصدر حرمة المسكن وأساسها، والحماية التي تقررها القوانين ليست لحماية الشخص أو المسكن لذاتهما، وإنما لحماية الحقوق. كما أن الحق الذي يحميه القانون عندما يحرّم إنتهاك حرمة المسكن أو حرمة الشخص هو حق الفرد في أن يمنع الغير من الإطلاع على مظاهر حياته الخاصة. فرنسا خوّل القانون الفرنسي ضباط البوليس القضائي سلطة التفتيش في الأماكن والمساكن التي يعتقد بوجود أوراق أو أشياء متعلقة بالجريمة فيها، وذلك دون حاجة إلى اللجوء للنيابة العامة أو قاضي التحقيق لتخويلهم هذه السلطة. وقد حددت المادة 56/1 من قانون الإجراءات الفرنسي الجرائم التي يجوز فيها لضابط البوليس القضائي تفتيش المساكن دون أمر للبحث عن أدلتها "بالجنايات المتلبس بها"، دون المخالفات والجنح. أما في غير حالات التلبس، فقد إشترط القانون لممارسة ضباط البوليس القضائي لسلطة دخول المساكن وتفتيشها في مرحلة التحقيق التمهيدي دون مذكرة من الجهة المختصة بالتحقيق، الحصول على موافقة صريحة ومكتوبة من صاحب المسكن. كما حظرت المادة 76 من الدستور الفرنسي دخول المنازل ليلا إلا في حالات الحريق، الغرق والإستغاثة، حيث نصّت المادة المذكورة على أن" منزل كل مواطن ملجأ حصين لا يجوز دخوله ليلاً إلا في حالات الحريق أو الغرق أو الإستغاثة". وإستقرّت هذه القاعدة في المادة 59 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي التي لا تجيز التفتيش ليلاً، إلا في بعض الأحوال التي نصّ عليها القانون إستثناء. بريطانيا ليس في القانون العام أو القوانين المكتوبة ما يخوّل البوليس سلطة تفتيش المساكن بدون أمر تفتيش، صادر عن الجهات المختصة بذلك. أما الجهات المختصة بإصدار أمر القبض، بحسب القانون الجنائي لسنة 1967 فهم: قاضي المصالحات، ضابط البوليس الأعلى في المركز، وقضاة المحكمة العليا. من جانب آخر، إن التفتيش ليس من بين الأغراض المستهدفة من الأحوال التي يجوز فيها للبوليس دخول المساكن بدون أمر تفتيش. وقد أجمل أحد فقهاء القانون (Devlin) الحالات التي يجوز فيها للبوليس دخول الأماكن الخاصة بدون مذكرة، على ضوء ما ورد في القانون الجنائي لعام 1967 وأحكام القانون العام ((Common law في الحالات التالية: لممارسة سلطاته القانونية في القبض بموجب المادة الثانية من القانون الجنائي لسنة 1967، لتفريق إخلال بالأمن، لمنع الإخلال بالأمن، لملاحقة ساخنة لسجين فار، عندما يخوّل البوليس القضائي بالدخول إلى الأماكن بموجب بعض القوانين، للقبض على متعاركين، أو على أساس حالة من حالات الضرورة. الولايات المتحدة الأمريكية حصّن التعديل الدستوري الرابع الأشخاص والمساكن من أي تفتيش أو ضبط غير مسببين، وإشترط ألا يصدر بهما أمر تفتيش إلا بموجب أسباب معقولة. فقد نصّت المادة 210 من قانون إجراءات ما قبل المحاكمة لعام 1975 على أنه:" لا يخوّل أحد بإجراء ضبط أو تفتيش إلا بالإستناد للمواد من 220-270 من هذا القانون". ويتلخص مضمون المواد المذكورة فيما يلي: أ) حالة إصدار أمر التفتيش من جهة قضائية مخوّلة بإصداره بموجب القانون، وبناء على طلب البوليس أو المدعي العام الذي يباشر التحقيق في القضية (م 222). ب) التفتيش تبعاً للقبض القانوني (م 230). ت) التفتيش والضبط المستند لرضا صاحب الشيء (م 242). ث) التفتيش التنقيبي (م250). ج) التفتيش في حالة الضرورة وفي المطارات والتفتيش الجمركي (م 260). 5. ندب الضابطة القضائية من قبل جهة التحقيق الأصلية في التحقيق الندب هو إجراء صادر عن جهة التحقيق الأصلية، يُفوّض بمقتضاه محققاً آخر أو أحد مأموري الضبط القضائي، لكي يقوم بدلا منه، وبنفس الشروط والحدود التي يتقيد بها، بمباشرة إجراء معين من إجراءات التحقيق التي تدخل ضمن سلطته. وإذا كان الأصل أن يقتصر إختصاص مأمور الضبط القضائي في فرنسا والقوانين العربية التي أخذت عنه، على أعمال جمع الإستدلالات، دون أعمال التحقيق، إلا أن إجراء الندب المسموح به قانوناً، وسّع من الصلاحيات المنوطة بجهاز الشرطة. ويبقى الندب خاضعا لعدة قيود أهمها: أ) الحدود الموضوعية للندب: أجازت المادة 81 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي أن يقوم قاضي التحقيق (الجهة المختصة أصلا بالتحقيق) بندب أحد مأموري الضبط القضائي للقيام بإجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق، إذا إستحال عليه القيام بالإجراء بنفسه. وإذا كان الأصل هو جواز الندب في إجراء أي عمل من أعمال التحقيق، إلا أنه يرد على هذا الأصل قيدان جوهريان: الأول، أنه لا يجوز ندب مأمور الضبط القضائي لتحقيق قضية برمتها، وإنما فقط الندب لمباشرة إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق. والقيد الثاني، أنه لا يجوز الندب لإستجواب المتهم (م 152). كما نصت المادة 105 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه لا يجوز لضابط البوليس القضائي الذين يعملون بموجب إنابة قضائية سماع أقوال شاهد توافرت ضده قرائن إتهام قوية، وذلك درءً للتحايل على حظر الندب للإستجواب. وتكمن الحكمة في حظر الندب للإستجواب على حد تعبير الكثير من الفقهاء في أن المشرّع رأى في جهة التحقيق (النيابة العامة أو قاضي التحقيق) ضمانة أكثر لحق الدفاع منها لدى مأمور الضبط القضائي. ب) الحدود المكانية للندب: القاعدة، يجب أن يلتزم الندب بالحدود المكانية لصلاحيات مأمور الضبط القضائي، إلا أن القضاء الفرنسي أجاز الخروج على هذه القاعدة، عندما سمح لجهة التحقيق الأصلية ندب ضباط البوليس القضائي لمباشرة إجراءات التحقيق خارج دائرة إختصاصهم المحلي، وذلك بشرط ألا يتم اللجوء إلى هذا النوع من الندب، إلا في الأحوال الإستثنائية، وضمن القيود التالية: - إذا وجدت حالة إستعجال. - أن يتضمن أمر الندب جواز خروج مأمور الضبط القضائي خارج حدود إختصاصه المحلي. - أن يصطحب منفذ أمر الندب أحد مأموري الضبط القضائي المختصين محليا عند التنفيذ. - أن يتم إبلاغ النائب العمومي عن الخروج على القواعد العامة مع بيان الأسباب الداعية لذلك. سادساً: الرقابــة القضائية على أعمـال الضبـط القضائــي تفاوتت الأنظمة القانونية المختلفة في كيفية تعاملها مع الإجراءات المتخذة من قبل مأموري الضبط القضائي المخالفة للأصول الإجرائية السليمة التي نصّت عليها القوانين. فبعضها قضى ببطلان إجراء مأمور الضبط القضائي المخالف للقانون، وبعضها الآخر إعترف بالإجراء المتخذ من قبل مأمور الضبط القضائي غير المتفق مع القانون: النظام الأول: الإعتراف بالإجراءات غير القانونية المتخذة من قبل مأموري الضابطة القضائية يعتبر القانون الإنجليزي من القوانين الهامة التي إعترفت بالإجراء غير المتفق مع الأصول القانونية المتخذ من قبل مأمور الضبط القضائي، ولم ترتب عليه البطلان. فقد قضت المحكمة في قضية ليثان سنة 1861 على:" ليست مشكلة كيف حصلت عليه (أي الدليل)، حتى لو كنت قد سرقته، فإنه سيكون مقبولا بين الأدلة". وكذلك لجأ البوليس الإنجليزي سنة 1970 إلى الحيلة، ووضع أحد أفراده في زنزانة مجاورة للزنزانة التي يحتجز فيها إثنين من المشتبه بهم، وذلك للتنصّت على ما يدور بينهم من حديث. وقد إستندت المحكمة إلى المحادثة التي جرت بين المتهمين، ونقلها رجل البوليس المذكور، وقضت بإدانة المتهمين بناء على هذه المحادثة، ودون الإلتفات إلى عدم مشروعية الوسيلة التي تم بموجبها الحصول على المحادثة. النظام الثاني: بطلان إجراءات مأموري الضبط القضائي المخالفة للقانون هناك فريق آخر من النظم القانونية التي تأخذ ببطلان أعمال مأموري الضبط القضائي التي أخذت بطريق غير مشروع، وبخاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. فرنسا أوجد قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي قواعد لبطلان الإجراءات المخالفة لحقوق الدفاع بالنص المباشر، وأخرى ضمن إطار النظرية العامة للبطلان، عندما يتم مخالفة قاعدة قانونية جوهرية. فقد نصّ قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي في المواد 56، 57، 59، 95، و 96 على بطلان إجراءات تفتيش الأشخاص والأماكن وضبط الأشياء، وبطلان الإجراءات غير المشروعة فيما يتعلق بحقوق الدفاع في مرحلة الإستجواب، وإبلاغ المحامي قبل أي إستجواب، ووضع ملف التحقيق تحت إطلاعه (م 114، و118، 170). كما وضعت المادة 172 من القانون ذاته الإطار العام للبطلان الذاتي لمخالفة قاعدة جوهرية. وذهب القضاء الفرنسي إلى أنه يكفي للقول بالإخلال بقاعدة جوهرية، إذا ما تضمن الإجراء ما يصطدم ومباديء القانون العامة. فقد تكون القاعدة الجوهرية متعلقة بمصلحة الخصوم، أو متعلقة بالنظام العام. وينطبق هذا الجزاء على الإجراء ذاته، طالما أنه غير مشروع، وأيا كان متخذ الإجراء، سواء كانت النيابة العامة أو الضابطة القضائية. الولايات المتحدة الأمريكية كان القضاء الأمريكي يسير على هدي القانون العام الإنجليزي بعدم بطلان الإجراء غير المشروع. غير أن نقطة التحوّل الرئيسية في هذا التوجه كانت في قضية فيدرالية في العام 1914، والتي قُضي فيها بإستبعاد كل دليل مستمد من تفتيش أو ضبط غير قانونيين. وقد قضت المحكمة العليا بسريان قاعدة إستبعاد الدليل المتحصل بوسائل غير مشروعة على محاكم الولايات سنة 1949 بقولها:" التفتيش أو الضبط غير القانوني يعتبر إنتقاصا من حقوق التعديل الدستوري الرابع ولو كان تطبيقاً لقانون الولاية، وأمن الأشخاص في حياتهم الخاصة ضد تعديلات البوليس وتجاوزاته". كما أن إستبعاد الأدلة المتحصّل عليها عن طريق غير قانوني، ليس قصراً على إجراءات التفتيش التي يقوم بها البوليس، وإنما تشمل كل الإجراءات غير المشروعة المنتجة لأدلة إثبات في القضية الجنائية. فإذا أقدم البوليس على قبض غير قانوني، كان هذا القبض باطلاً، ويبطل معه ما إستُمد منه من أدلة، كالإعتراف والتفتيش. كما كان القضاء الأمريكي يستبعد شهادة الشهود إذا جاء إكتشافهم نتيجة تفتيش باطل. وحكم القضاء بإستبعاد الأدلة المستمدة من معلومات تم الحصول عليها بالإنتقاص من الحقوق الدستورية. الفصل الثاني صلاحيات جهاز الشرطة على المستوى المحلي لا يختلف دور جهاز الشرطة على المستوى المحلي عن دوره على المستوى الدولي في إطاره العام. إذ يتمتع جهاز الشرطة بنوعين من السلطات: سلطات الضبط الإداري، التي تقي المجتمع من الجريمة، وتنفذ الأوامر والقرارات الصادرة بمقتضى القوانين النافذة. وكذلك سلطات الضبط القضائي التي تمنح الشرطة صلاحيات ملاحقة الجرائم والكشف عن المجرمين. هذا بالرغم من إختلاف الأنظمة القانونية العالمية في حدود الصلاحيات المنوطة بجهاز الشرطة في التحقيق. المبحث الأول: صلاحيات جهـاز الشرطـة كسلطـة ضبـط إداري أولاً: التنظيم القانوني لصلاحيات الشرطة الفلسطينية كسلطة ضبط إداري لم تحدد التشريعات النافذة في فلسطين، كغيرها من تشريعات غالبية الدول، المقصود بمفهوم الضبط الإداري، أهدافه، وأغراضه المختلفة، وإنما تضمّنت القوانين النافذة نصوصا عامة مختصرة تحدد المهام الأساسية المنوطة بجهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، والمتمثلة في إتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع الجرائم والمحافظة على النظام العام، بأغراضه المختلفة (الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة). فقد نصّت المادة 84 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 على:" 1. قوّات الأمن والشرطة قوّة نظاميه وهي القوّة المسلحة في البلاد وتنحصر وظيفتها في الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب وحماية المجتمع والسهر على حفظ الأمن والنظام العام والآداب العامة وتؤدي واجبها في الحدود التي رسمها القانون في إحترام كامل للحقوق والحريات. 2. تنظم قوّات الأمن والشرطة بقانون". وبالرغم من نص القانون الأساسي على تنظيم قوّات الأمن والشرطة بقانون، إلا أنه لم يتم حتى الآن سن أية قوانين بهذا الخصوص، وإنما ظلت القوانين النافذة من السابق، هي السارية المفعول في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد نصّت المادة 3 من القرار بقانون رقم 6 لسنة 1963 النافذ المفعول في قطاع غزة على:" تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام والأمن العام، وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها وحماية الأرواح والأعراض والأموال، وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من تكاليف". ونصّت المادة 7 من القانون ذاته على:" يخوّل رجال الشرطة السلطات والإمتيازات المنصوص عليها في هذا القرار بقانون وفي غيره من القوانين الفلسطينية، وذلك للقيام بجميع الواجبات والمسؤوليات المترتبة على وظائفهم". بينما تضمنت المادة 4 من قانون الأمن العام المؤقت الأردني رقم 38 لسنة 1965 النافذ المفعول في الضفة الغربية واجبات الشرطة على النحو التالي:" واجبات القوّة الرئيسية كما يلي: 1) المحافظة على النظام والأمن وحماية الأرواح والأعراض والأموال. 2) منع الجرائم، والعمل على إكتشافها وتعقيبها والقبض على مرتكبيها وتقديمهم للعدالة. 3) إدارة السجون وحراسة السجناء. 4) تنفيذ القوانين والأنظمة والأوامر الرسمية المشروعة، ومعاونة السلطات العامة بتأدية وظائفها وفق أحكام القانون. 5) مراقبة وتنظيم النقل على الطرق. 6) الإشراف على الإجتماعات والمواكب العامة في الطرق والأماكن العامة. 7) القيام بأية واجبات أخرى تفرضها التشاريع المرعية الإجراء". كما تضمّنت مجموعة من القوانين صلاحيات جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، من بين هذه القوانين: 1) قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الفلسطيني رقم 6 لسنة 1998. 2) قانون الإجتماعات العامة رقم 12 لسنة 1998. 3) قانون المرور رقم 5 لسنة 2000. ثانيا: التبعية الإدارية لأفراد جهاز الشرطة (الضابطة الإدارية) كانت جميع الأجهزة الأمنية من الناحية الإدارية تتبع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية حتى العام 2002. بتاريخ 27/6/2002، أتخذ رئيس السلطة الوطنية قرارا بإلحاق جهاز الشرطة بوزارة الداخلية، وذلك بناء على ما جاء في خطة الحكومة الفلسطينية لمائة يوم عام 2002. ومع ذلك، لا يزال رئيس السلطة الوطنية، يتمتع بسلطات إدارية واسعة على هذا الجهاز. ثالثاً: المشكلات العملية في عمل جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري برزت العديد من المشكلات في ممارسة جهاز الشرطة لصلاحياته كسلطة ضبط إداري في مجال حفظ النظام والأمن العام. فقد سجلت الهيئة في تقاريرها السنوية الدورية جملة من التجاوزات التي إرتكبها جهاز الشرطة، وشكلت إعتداء على الحريات والحقوق الأساسية التي تكفلها بالعادة المواثيق الدولية، وتنصّ عليها الدساتير المحلية، تركزت بشكل أساسي في تدخل الجهاز في منع بعض المسيرات والمظاهرات والإجتماعات العامة خلافا للقانون، فقد منعت الشرطة الفلسطينية مسيرة في مدينة غزة بتاريخ 18/10/2002، تأييدا للشعب العراقي. وأغلقت الشرطة في العام 2001 عددا كبيرا من الجمعيات الخيرية والأهلية والصحف، مثل جمعية النور الخيرية لرعاية الأسرى وأسر الشهداء/ مدينة غزة، ومركز البراق للدراسات والأبحاث/ مدينة رام الله. وأصدر مدير عام الشرطة بتاريخ 31/10/2001، قرارا يقضي بحبس خمسة مواطنين إداريا لمدة ستة أشهر، مخالفة القواعد النموذجية في إستخدام السلاح، وعدم قيام جهاز الشرطة بالدور المنوط به في حفظ النظام والأمن العام، ما نجم عنه الكثير من مظاهر الفلتان الأمني. رابعاً: الرقابة القضائية على أعمال الشرطة كسلطة ضبط إداري يعتبر كل ما يصدر عن جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري في صورة أوامر أو تعليمات أو قرارات في حكم القرارات الإدارية التي تخضع لرقابة القضاء الإداري الفلسطيني (محكمة العدل العليا). إذ يملك كل شخص تضرّر من إحدى القرارات أو الأنظمة أو اللوائح الصادرة عن إحدى الإدارات أو الموظفين في جهاز الشرطة المطالبة بإلغاء تلك القرارات. فقد حدّدت المادة 33 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001 الصلاحيات المنوطة بمحكمة العدل العليا، ومن بينها: 1. النظر في الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء اللوائح أو الأنظمة أو القرارات الإدارية النهائية الماسة بالأشخاص أو الأموال الصادرة عن أشخاص القانون العام. 2. الطلبات التي هي من نوع المعارضة في الحبس التي يطلب فيها إصدار أوامر الإفراج عن الأشخاص الموقوفين بوجه غير مشروع. 3. رفض الجهة الإدارية أو إمتناعها عن إتخاذ أي قرار كان يجب إتخاذه وفقا لأحكام القوانين أو الأنظمة المعمول بها. 4. أية أمور أخرى ترفع إليها بموجب أحكام القانون. كما أوضحت المادة 34 من القانون ذاته الأسباب التي يمكن الإستناد إليها في الطلب من المحكمة إلغاء القرار أو الإجراء المتخذ من الجهة الإدارية المطعون في قرارها (جهاز الشرطة، مثلا). فقد نصّت المادة المذكورة على أنه:" يشترط في الطلبات والطعون المرفوعة لمحكمة العدل العليا من الأفراد أو الهيئات الواردة في المادة 33 من هذا القانون أن يكون سبب الطعن متعلقا بواحد أو أكثر مما يلي: 1. الإختصاص. 2. وجود عيب في الشكل. 3. مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها. 4. التعسف أو الإنحراف في إستعمال السلطة على الوجه المبين في القانون". المبحث الثاني: صلاحيات جهـاز الشرطة كسلطـة ضبـط قضائي إلى جانب الصفة التي يتمتع بها جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، يتمتع قسم منهم أيضا بصفة الضابطة القضائية، التي تختص بالكشف عن المجرمين وملاحقتهم، ومعاونة النيابة العامة في بعض سلطات التحقيق في الجرائم، إما بصفة أصلية، أو بصفتهم منتدبين من قبلها للقيام ببعض أعمال التحقيق. وتقترب المهام المنوطة بجهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي من المهام التي يؤديها جهاز الشرطة في فرنسا والدول التي أخذت عنها، وذلك من حيث طبيعة المهام وحدود الصلاحيات المنوطة بهذا الجهاز. أولا: مأمـورو الضبــط القضائــي وتبعيتهــم حدّدت المادة 21 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001 الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الضبط القضائي، وحصرتهم في الفئات التالية: 1. مدير الشرطة ونوابه ومساعدوه ومديرو شرطة المحافظات والإدارات العامة. 2. ضباط وضباط صف الشرطة، كل في دائرة إختصاصه. لكن ليس كل من يحملون هذه الرتب في جهاز الشرطة يتمتعون بحكم رتبتهم بصفة الضبطية القضائية، وإنما من يتم منحه هذه الصفة فقط. 3. رؤساء المراكب البحرية والجوية. 4. الموظفون الذين خوّلوا صلاحيات الضبط القضائي بموجب قوانين أخرى. وفي الأغلب، لا تكون هذه الفئة من بين أفراد الشرطة، وإنما من موظفي الإدارة الأخرى، وتنصّ عليهم القوانين ذات العلاقة. فمثلا، نصّت المادة 28 من قانون حماية الثروة الحيوانية على:" لغاية تنفيذ أحكام هذا القانون يكون للأطباء البيطريين التابعين للمديرية المختصة ولمعاونيهم صفة الضبطية القضائية ولهم في سبيل ذلك الدخول إلى الأماكن التي يوجد بها حيوانات – عدا الأماكن المخصصة للسكن- للتفتيش عليها وضبط ما يوجد بها من مخالفات وإتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها ولهم في سبيل أداء مهامهم الإستعانة برجال الشرطة عند الحاجة". كما نصّت المادة 20 من قانون دمغ ومراقبة المعادن الثمينة رقم 6 لسنة 1998:" يعتبر موظفو الجهة المختصة المفوضون من رجال الضبطية القضائية ويعمل بتقاريرهم وفقاً لهذه الصفة، وعلى جميع الجهات الحكومية أن تقدم لهم المساعدة للقيام بأعمال وظيفتهم". تبعيــة النيابــة العامــــة ألحق القانون المذكور أفراد الضابطة القضائية فيما يمارسونه من أعمال بالنيابة العامة. فقد نصّت المادة 19/1 من القانون المذكور على:" يتولى أعضاء النيابة العامة مهام الضبط القضائي والإشراف على مأموري الضبط كل في دائرة إختصاصه". ونصّت المادة 20 من القانون ذاته على:" 1- يشرف النائب العام على مأموري الضبط القضائي، ويخضعون لمراقبته فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم. 2- للنائب العام أن يطلب من الجهات المختصة إتخاذ الإجراءات التأديبية بحق كل من يقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله، ولا يمنع ذلك من مساءلته جزائيا". كما نصّت المادة 69 من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 على أنه:" أعضاء (مأمورو) الضبط القضائي يكونون فيما يتعلق بأعمال وظائفهم تابعين للنيابة العامة". من جانب آخر، حصرت المادة 54 من نفس القانون إختصاص رفع الدعوى الجزائية على مأمور الضبط القضائي لجناية أو جنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها في النائب العام أو مساعده فقط. ثانياً: صلاحيات ومهام جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي يختص مأمورو الضبط القضائي بموجب المادة 22 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني بما يلي: أ. قبول البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم، وعرضها دون تأخير على النيابة العامة. ب. إجراء الكشف والمعاينة والحصول على الإيضاحات اللازمة لتسهيل التحقيق، والإستعانة بالخبراء المختصين والشهود دون حلف يمين. ت. إتخاذ جميع الوسائل اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة. ث. إثبات جميع الإجراءات التي يقومون بها في محاضر رسمية بعد توقيعها منهم ومن المعنيين بها. وبصورة خاصة، يختص مأمورو الضبط القضائي بما يلي: 1) دور الضابطة القضائية في جمع الإستدلالات خوّل قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001 مأمورو الضبط القضائي بالبحث والتقصي عن الجرائم وجمع الإستدلالات اللازمة للتحقيق. فقد نصّت المادة 19/2 من القانون المذكور على:" يتولى مأمورو الضبط القضائي البحث والإستقصاء عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الإستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى". كما سمح القانون ذاته للنيابة العامة، أن تحيل الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة دون أن تقوم بأي تحقيقات، وإنما تستند فقط إلى محضر جمع الإستدلالات المعد من قبل مأمور الضبط القضائي. إذ نصّت المادة 53 من القانون ذاته على:" إذا رأت النيابة العامة في مواد المخالفات والجنح أن الدعوى صالحة لإقامتها بناء على محضر جمع الإستدلالات تكلّف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة". 2) دور مأموري الضبط القضائي في حالة التلبس عالجت المواد 26، 27، و28 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني سالف الذكر دور الضبط القضائي في حالة التلبس بالجرائم. فقد نصّت المادة 27 من القانون المذكور على:" يجب على مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فورا إلى مكان الجريمة، ويعاين الآثار المادية لها ويتحفظ عليها، ويثبت حالة الأماكن والأشخاص وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، ويسمع أقوال من كان حاضرا أو من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الجريمة ومرتكبيها، ويجب عليه أن يخطر النيابة العامة فورا بإنتقاله، ويجب على عضو النيابة المختص بمجرد إخطاره بجناية متلبس بها الإنتقال فورا إلى مكان الجريمة". أما المادة 28 فنصّت على أنه:" 1- لمأمور الضبط القضائي عند إنتقاله في حالة التلبس بالجرائم أن يمنع الحاضرين من مبارحة مكان الجريمة أو الإبتعاد عنها حتى يتم تحرير المحضر، وله أن يحضر في الحال من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة". بينما حدّدت المادة 26 من القانون المذكور ذاته الأحوال التي تتحقق فيها حالة التلبس، فنصّت على أنه:" تكون الجريمة متلبساً بها في إحدى الحالات التالية: أ) حال إرتكابها أو عقب إرتكابها ببرهة وجيزة. ب) إذا تبع المجني عليه مرتكبها أو تبعه العامة بصخب أو صياح إثر وقوعها. ت) إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقاً أو أشياءً أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها، أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك". 3) دور الضابطة القضائية في القبض على الأشخاص وتوقيفهم نصّت المادة 30 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني سالف الذكر على أن:" لمأمور الضبط القضائي أن يقبض بلا مذكرة على أي شخص حاضر توجد دلائل على إتهامه في الأحوال التالية: 1. حالة التلبس في الجنايات أو الجنح التي تستوجب عقوبة الحبس مدة تزيد على ستة أشهر. 2. إذا عارض مأمور الضبط القضائي أثناء قيامه بواجبات وظيفته أو كان موقوفا بوجه مشروع وفر أو حاول الفرار من مكان التوقيف. 3. إذا إرتكب جرما أو أتهم أمامه بإرتكاب جريمة، ورفض إعطاءه إسمه أو عنوانه أو لم يكن له مكان سكن معروف أو ثابت في فلسطين. أما إذا لم يكن المتهم في الحالات السابقة حاضرا، أو وجد مأمور الضبط القضائي دلائل كافية تستدعي القبض عليه جاز له أن يطلب من النيابة العامة إصدار مذكرة القبض. فقد نصّت المادة 31 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:" 1. إذا لم يكن المتهم حاضراً في الأحوال المبينة في المادة السابقة يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يستصدر أمراً بالقبض عليه وإحضاره ويدون ذلك في المحضر. 2. إذا وجدت دلائل كافية على إتهام شخص بإرتكاب جناية أو جنحة تزيد عقوبتها على الحبس ستة أشهر، جاز لمأمور الضبط القضائي أن يطلب من النيابة العامة إصدار أمر بالقبض عليه". وفي جميع الأحوال التي يجوز فيها لمأمور الضبط القضائي القبض على الأشخاص وتوقيفهم مؤقتا، يتوجب عليه بموجب المادة 34 أن يسمع فورا أقوال المقبوض عليه، فإذا لم يأت المقبوض عليه بمبرر إطلاق سراحه يرسله مأمور الضبط القضائي خلال أربع وعشرين ساعة إلى وكيل النيابة المختص. وقد حددت المواد 35، 36 من القانون ذاته بعض الإجراءات التي يجوز لمأمور الضبط القضائي إتخاذها إذا أبدى المقبوض عليه مقاومة أو حاول الفرار، ومنها إستعمال "جميع الوسائل المعقولة الضرورية" للقبض عليه، كما يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يجرّد المقبوض عليه من الأسلحة والأدوات التي يجدها بحوزته، وأن يسلّمها إلى الجهة المختصة التي يقضي القانون بإحضار المقبوض عليه أمامها. كما عالجت المواد 115- 117 من قانون الإجراءات الجزائية طبيعة السلطات المنوطة برجل الشرطة في حال القبض على أحد الأشخاص دون مذكرة إحضار. فنصّت المادة 115 على أنه:" على مأمور الضبط القضائي أن يسلّم المقبوض عليه فورا إلى مركز الشرطة"، ونصت المادة 116 على:" يتولى المسؤول عن مركز الشرطة الذي إستلم المقبوض عليه دون مذكرة إحضار التحقيق فورا في أسباب القبض". كما عالجت المادة 117 الأحوال التي يجوز فيها أن تقوم الشرطة بالتحفظ على المقبوض عليه وشروط ذلك، فنصّت على أنه:"1- على المسؤول عن مركز الشرطة أن يتحفظ على المقبوض عليه إذا ما تبين له: أ. أنه إرتكب جناية وفر أو حاول الفرار من المكان الموقوف فيه. ب. أنه إرتكب جنحة وليس له محل إقامة معروف أو ثابت في فلسطين. 2- لا يجوز أن تزيد مدة التحفظ في جميع الأحوال على أربع وعشرين ساعة ويتم إبلاغ النيابة العامة بذلك فوراً". 4) دور الضابطة القضائية في تفتيش الأماكن والأشخاص أ) تفتيش الأشخاص أجازت المادة 38 من قانون الإجراءات الجزائية لمأمور الضبط القضائي في الأحوال التي يجوز فيها قانوناً القبض على المتهم، أن يفتشه ويحرّر قائمة بالمضبوطات يوقعها والمقبوض عليه ويضعها في المكان المخصص لذلك، ويسلّم نسخة منها إلى المقبوض عليه. ب) تفتيش المنازل منع قانون الإجراءات الجزائية الضابطة القضائية من دخول المنازل وتفتيشها إلا بعد الحصول على مذكرة بذلك من النيابة العامة، وذلك لأن التفتيش عمل من أعمال التحقيق وليس من أعمال جمع الإستدلالات. فقد نصّت المادة 39 من القانون المذكور على أن:" 1- دخول المنازل وتفتيشها عمل من أعمال التحقيق لا يتم إلا بمذكرة من قبل النيابة العامة أو في حضورها، بناء على إتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بإرتكاب جناية أو جنحة أو بإشتراكه في إرتكابها، أو لوجود قرائن قوية على أنه يحوز أشياء تتعلق بالجريمة... 3- تحرر المذكرة بإسم واحد أو أكثر من مأموري الضبط القضائي". كما أجازت المادة 49 من القانون لمأموري الضبط القضائي، في حال قيامهم بواجباتهم، الإستعانة بقوّات من الشرطة أو القوّة العسكرية. وأوضحت المواد 40 و50 من نفس القانون بعض الأصول الواجب مراعاتها في التفتيش. فقد نصّت المادة 40 المذكورة على:" توقع مذكرات التفتيش من عضو النيابة المختص وتشمل ما يلي: 1) إسم صاحب المنزل المراد تفتيشه وشهرته. 2) عنوان المنزل المراد تفتيشه. 3) الغرض من التفتيش. 4) إسم مأمور الضبط القضائي المصرح له بالتفتيش. 5) المدة التي تسري خلالها مذكرة التفتيش. 6) تاريخ وساعة إصدارها". كما أوضحت المادة 50 المذكورة الأصول التي يتوجب على مأمور الضبط القضائي أن يحترمها لدى قيامه بالتفتيش وفق الصلاحيات الممنوحة في القانون، فنصّت على:" أ) لا يجوز التفتيش إلا عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري التحقيق بشأنها. ومع ذلك، إذا ظهر عرضا أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها في حد ذاتها جريمة، أو تفيد بكشف الحقيقة في جريمة أخرى، جاز لمأمور الضبط القضائي ضبطها. ب) يتم ضبط جميع الأشياء التي يعثر عليها أثناء إجراء التفتيش والمتعلقة بالجريمة وتحرز وتحفظ وتثبت في محضر التفتيش وتحال إلى الجهات المختصة. ت) إذا وجدت في المنزل الذي يتم تفتيشه أوراق مختومة أو مغلقة بأية طريقة أخرى فلا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفضها. ث) يحرر محضر التفتيش من قبل القائم عليه، ويذكر فيه الأشياء التي تم ضبطها والأمكنة التي وجدت فيها ويوقع عليه ومن حضر إجراءات التفتيش". 2) تفويض الضابطة القضائية بالتحقيق من قبل الجهة المختصة بالتحقيق الأصل، أن تقوم النيابة العامة بعملية التحقيق في الجرائم بعد تحويل القضية إليها مع محضر جمع الإستدلالات من قبل الضابطة القضائية، إلا أنه يجوز لجهة التحقيق (النائب العام أو وكيل النيابة) تفويض أحد مأموري الضبط القضائي بأي إجراء من إجراءات التحقيق، عدا الإستجواب في قضايا الجنايات. فقد عالجت المادة 55 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني موضوع تفويض (ندب) مأموري الضبط القضائي للقيام بعمل من أعمال التحقيق، ونصّت على أنه:" 2- للنائب العام أو وكيل النيابة العامة المختص تفويض أحد أعضاء الضبط القضائي المختص بالقيام بأي من أعمال التحقيق في دعوى محددة، وذلك عدا إستجواب المتهم قي مواد الجنايات 3- لا يجوز أن يكون التفويض عاماً. 4- يتمتع المفوض في حدود تفويضه بجميع السلطات المخوّلة لوكيل النيابة". وبهذا، يخضع تفويض مأموري الضبط القضائي في التحقيق في الجرائم، بحسب النص المذكور إلى عدد من القيود: 1) لا يجوز ندب مأمور الضبط القضائي في إستجواب المتهم في الجرائم من نوع جناية. لكن في المقابل، يبقى من الجائز تفويض الضابطة القضائية بإستجواب المتهم في الجرائم من نوع الجنح. 2) لا يجوز لجهة التحقيق تفويض مأمور الضبط القضائي تفويضاً عاماً بالتحقيق في الجرائم التي قد يكون الجاني إرتكبها، ودون تحديد حادثة بعينها في أمر التفويض. 3) يتقيد مأمور الضبط القضائي في ممارسته لأعمال التحقيق بالحدود التي للجهة المفوّضة في التحقيق. ثالثاً: المشكلات العملية في عمل جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي غلب على المشكلات التي ظهرت في ممارسة جهاز الشرطة لصلاحياته كسلطة ضبط قضائي جملة من المشاكل، تركزت معظمها في الجانب العملي، وتمثلت فيما يلي: 1) عدم وجود معرفة أو فهم مشترك لأحكام القانون لدى ضباط الشرطة لا يوجد معرفة أو فهم مشترك بين ضباط الشرطة الذين يحملون صفة الضابطة القضائية في المدن والمحافظات الفلسطينية لطبيعة الصلاحيات والمهام المنوطة بهم. فمثلا، تقوم بعض مراكز التحقيق التابعة لجهاز الشرطة بإبلاغ وكيل النيابة في منطقتهم بالجرائم التي تقيّد ضد مجهول، ولا تتوصل فيها الشرطة إلى الفاعل الحقيقي للجريمة، بينما لا تقوم مراكز أخرى بإبلاغ النيابة العامة بهذا النوع من القضايا، وذلك بسبب عدم قبول النيابة العامة لها، وذلك بحجة عدم إكتمال المعلومات والتحقيقات اللازمة عن موضوع القضية من قبل جهاز الشرطة. هذا مع العلم أن النيابة العامة هي الجهة الأصلية المكلّفة بالتحقيق في الجرائم بالتعاون مع مأموري الضبط القضائي في جهاز الشرطة. 2) طغيان الواقع العملي على النصوص القانونية طغى الواقع العملي على تحليل بعض النصوص القانونية. فمثلا، يختلف بعض مأموري الضبط القضائي في جهاز الشرطة حول تفسير المادة 34 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني النافذ التي تنصّ على:" يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فورا أقوال المقبوض عليه، فإذا لم يأت بمبرر إطلاق سراحه يرسله خلال أربع وعشرين ساعة إلى وكيل النيابة المختص". ويختلفون بشكل أساسي في مدى كفاية مدة الـ 24 ساعة المذكورة لسماع أقوال الشخص المقبوض عليه قبل تحويله إلى النيابة العامة أو إطلاق سراحه: الرأي الأول: يرى أن مدة 24 ساعة كافية لسماع أقوال المقبوض عليه، ومن ثم إحالته إلى النيابة العامة إذا وجد مقتضى لذلك. وينطلق هذا الرأي من أن قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني جعل النيابة العامة صاحبة الإختصاص الأصيل في التحقيق بالجرائم، وأناط بالضابطة القضائية صلاحيات محدودة في التحقيق. وبهذا، تكفي مدة 24 ساعة لمأموري الضبط القضائي من أجل أخذ إفادة من المتهم، وأخذ المعلومات الأولية في القضية. الرأي الثاني: يرى أن مدة 24 ساعة غير كافية لسماع أقوال المقبوض عليه وإحالته للنيابة العامة، وأن هذه المدة بحاجة إلى زيادة. وينطلق هذا الرأي من الواقع العملي لعمل مأموري الضبط القضائي، حيث يقوم هؤلاء بالكثير من الإجراءات التي تندرج ضمن أعمال التحقيق في الجرائم، برغم أنها ليست من إختصاصهم الأصيل، وكان المفروض أن تقوم بها النيابة العامة. ويعود قيامهم بهذه الإجراءات إلى أن النيابة العامة ترفض قبول ملف أية قضية من الضابطة القضائية في جهاز الشرطة، ما لم يتضمن ملف القضية المعلومات والتحقيقات الكاملة اللازمة للإدانة. وفي هذه الحالة، لا تكفي مدة 24 ساعة للقيام بكافة الإجراءات اللازمة، والتي تكفل عدم إعادة ملف القضية من النيابة العامة. 3) توسع الدور الذي يمارسه جهاز الشرطة بالرغم من أن قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 يتبنى النظام اللاتيني، الذي يضيّق من الدور المنوط بجهاز الشرطة بصفة أصلية في الكشف عن الجرائم والتحقيق فيها وملاحقة المجرمين والقبض عليهم، إلا أن جهاز الشرطة يمارس بالفعل كثير من الصلاحيات في هذا المجال، بعضها وفق إجراءات قانونية سليمة، وكثير منها وفق إجراءات غير قانونية، ولا تنسجم مع الأسس التي فرضها قانون الإجراءات الجزائية. وعلى وجه الخصوص، يمارس الجهاز كثير من الصلاحيات المنوطة أصلا بالنيابة العامة بموجب تفويض شفوي (ندب) تشوبه كثير من الإشكاليات القانونية. 4) العمل وفق تفويضات بالتحقيق في الجرائم لا تنسجم مع أحكام القانون يمارس جهاز الشرطة مهمة التحقيق في الجرائم، بصفة إستثنائية، بموجب تفويض من النيابة العامة، غير أن هذه التفويضات غير مستوفية للشروط القانونية، ويشوبها العديد من الإشكالات القانونية، أهمها: أ) التفويض الشفوي: في أغلب الأحيان، لا يحصل ضابط الشرطة القائم بالتحقيق على تفويض مكتوب من النيابة العامة للتحقيق في الجريمة، وإنما يحصل على تفويض شفوي عبر الهاتف، وبعد ذلك يقوم وكيل النيابة المختص بوضع التفويض المكتوب عندما يصله ملف القضية الكامل من جهاز الشرطة، وذلك لتسوية الأمور القانونية المتعلقة بالتفويض قبل وصول الملف إلى القضاء. وبما أن التفويض يتم شفويا، فهذا يعني أنه لا يحدد الشروط المختلفة المتعلقة بالتفويض، وعلى وجه الخصوص الإجراء محل التفويض، الشخص المفوّض بتنفيذ الإجراء التحقيقي، ومدة التفويض. مما يسمح بوقوع تجاوزات مختلفة من قبل مأموري الضبط القضائي في جهاز الشرطة في تنفيذ أمر التفويض، ويحد من قدرة النيابة العامة في الرقابة على تنفيذ مأموري الضبط القضائي للتفويض. ب) التفويض العام: بالرغم من عدم قانونية التفويض العام بنص صريح وواضح في قانون الإجراءات الجزائية، إلا أن نسبة كبيرة من التفويضات التي تتم بالفعل تكون من هذا النوع. ففي بعض الأحوال، لا تفوّض النيابة العامة مأمور الضبط القضائي في جهاز الشرطة بالقيام بعمل معين من أعمال التحقيق في الجريمة، وأنما يفوّض تفويضا عاما للتحقيق في الجريمة بأكملها، وعندما تنهي الشرطة ملف التحقيق بالكامل، ترسله الى النيابة العامة. وهناك حالات ترفض فيها النيابة العامة قبول ملف القضية من جهاز الشرطة، إذا لم تكن التحقيقات في القضية مكتملة. يبدو أن مرد ذلك يعود إلى ما إعتادته النيابة العامة من إعطاء مأموري الضبط القضائي تفويض عام مفتوح أو على بياض للتحقيق في معظم الإجراءات المتعلقة بالجرم. ت) الإستجواب: بالرغم من أن القانون منع تفويض أعضاء الضبط القضائي في إستجواب المتهم في الجرائم المصنّفة "جناية"، إلا أن جهاز الشرطة يقوم بالعادة بأخذ أقوال المتهمين على هيئة إستجواب، لكن دون حلف اليمين، وفي صيغة ما يطلق عليه قانونا "أخذ إفادة". ولا يقلل من حجم هذه المخالفة القول بأن الإعتراف الذي يتم في هذه الإفادة لا يقبل لدى المحكمة إلا إذا قدمت النيابة العامة ما يثبت أن الإعتراف تم طوعا وإختيارا بحسب المادة 227 من قانون الإجراءات الجزائية. 5. ضعف رقابة النيابة العامة على الضابطة القضائية بالرغم من أن الضابطة القضائية تتبع من الناحية الفنية النيابة العامة، إلا أنها لا تخضع إلى رقابة حقيقية من قبلها. كما يسود إعتقاد مبرر لدى بعض أعضاء الضبط القضائي بأنهم الأقدر من الناحية العملية على التحقيق في الجرائم من غيرهم من وكلاء النيابة العامة. ويعود السبب وراء وجود مثل هذا الإعتقاد لدى أعضاء الضبط القضائي إلى قيامهم بالجزء الأكبر من أعمال التحقيق في الجرائم، سواء بصفة أصلية أو بصفة إستثنائية، بموجب تفويض من جهة التحقيق الأصلية (النيابة العامة). 6. تدخل أجهزة أمنية أخرى في عمل جهاز الشرطة تقوم أجهزة أمنية أخرى، مثل جهاز الأمن الوقائي، بعمل جهاز الشرطة، كسلطة ضبط قضائي. فتلاحق المجرمين أو المتهمين، وتقبض عليهم، وتحقق معهم، وذلك دون وجود الأساس القانوني الذي يمنحهم صفة الضابطة القضائية، هذا الأمر الذي أدى إلى إفلات العديد من المجرمين من العقاب نتيجة عدم قانونية الإجراءات المتبعة في التحقيق معهم. رابعا: الرقابة القضائية على أعمال الشرطة كسلطة ضبط قضائي لم يتضمن قانون الإجراءات الجنائية الفلسطيني حكماً عاماً حول قاعدة بطلان الإجراءات المتخذة من قبل النيابة العامة أو الضابطة القضائية عندما لا تلتزم هذه الجهات في ممارسة مهامها بأحكام هذا القانون. إلا أن القانون تضمن نصا يقضي ببطلان الإجراءات المخالفة للقانون، عندما تتعلق هذه الإجراءات بموضوع تفتيش المنازل أو ضبط الموجودات فيها. فقد نصّت المادة 52 من القانون المذكور على:" يترتب البطلان على عدم مراعاة أي حكم من أحكام هذا الفصل (الفصل الخاص بالتفتيش)". كما يجوز للمحكمة عدم قبول المحاضر المعدة من مأموري الضبط القضائي إذا ثبت لها عدم صحة الوقائع الواردة فيها. فقد نصت المادة 212 من القانون المذكور على أنه:" تعتبر المحاضر التي ينظمها مأمورو الضبط القضائي في الجنح والمخالفات المكلّفون بإثباتها بموجب أحكام القوانين حجة بالنسبة للوقائع المثبتة فيها إلى أن يثبت ما ينفيها". خاتمــة: خلاصــــة وتوصيــــات يتمتع جهاز الشرطة بصورة عامة بنوعين من السلطات: سلطات الضبط الإداري، وسلطات الضبط القضائي. أغلب الدول تمنح جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري صلاحيات الحفاظ على النظام العام بعناصره المختلفة (الأمن العام، السكينة العامة، الصحة العامة، والأخلاق والآداب العامة)، وعادة ما تتضمن تشريعاتها هذه الصلاحيات العامة، ولا تتضمن تفصيلات إضافية في هذا الصدد. أما بالنسبة لصلاحيات جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي، يلاحظ أن النظام القانوني الفلسطيني في هذا الصدد يتبنى النظام اللاتيني الذي يقيّد من الصلاحيات الممنوحة لجهاز الشرطة في التحقيق في الجرائم، ويجعل النيابة العامة الجهة الأصلية المختصة بذلك. كما يشوب الجانب العملي، كثير من المشكلات، أهمها قيام جهاز الشرطة بصلاحيات واسعة في التحقيق في الجرائم أكثر مما هو مرسوم لها في القانون، وذلك بسبب ضعف النيابة العامة في ممارسة الدور المنوط بها بموجب القانون. إضافة إلى أنه لا يوجد لدى أفراد الضبط القضائي إدراك مشترك لحدود الصلاحيات والمهام المنوطة بها بموجب القانون في مجال التحقيق بالجرائم. بغرض تجاوز السلبيات المحيطة بعمل جهاز الشرطة في الجانبين الإداري والقضائي نوصي بما يلي: 1. ضرورة وضع التشريعات التي تحكم عمل جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، تحدد الصلاحيات المنوطة به، وتنظم علاقته بغيره من الأجهزة الأمنية في مجال حفظ النظام والأمن العاميين. 2. ضرورة وضع التشريعات الأساسية والثانوية التي توضح لمأموري الضبط القضائي في جهاز الشرطة القضايا المختلفة المتعلقة بممارسة صلاحياتهم، وبخاصة الشروط والإجراءات المتعلقة بتفويض النيابة العامة لمأموري الضبط القضائي في التحقيق بالجرائم، وإجراءات منح ضباط الشرطة صفة الضبط القضائي والجهات المخوّلة بذلك. 3. ضرورة تفعيل دور النيابة العامة في التحقيق بالجرائم، وملاحقة المجرمين من جهة، والحد من الدور الممارس من قبل مأموري الضبط القضائي من جهة أخرى، وذلك عملا بالصلاحيات المحددة في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني. 4. ضرورة تفعيل دور النيابة في الإشراف على مأموري الضبط القضائي في مجال التحقيق بالجرائم. 5. بغرض التغلب على المشكلات المتعلقة بمحدودية الصلاحيات المنوطة بجهاز الشرطة في التحقيق بالجرائم من جهة، وإرتفاع عدد أفراد الشرطة الذين يتمتعون بصفة الضابطة القضائية بالمقارنة مع وكلاء النيابة من جهة أخرى، فإنه من الضروري البحث جديا في زيادة صلاحيات جهاز الشرطة في التحقيق بالجرائم وملاحقة المجرمين، والإستفادة من مزايا النظام الإتهامي الذي يعطي صلاحيات أوسع لجهاز الشرطة في التحقيق بالجرائم، والحد من سلبيات النظام التنقيبي، الذي يأخذ به قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني، ويحد من صلاحيات هذا الجهاز في ملاحقة المجرمين والتحقيق معهم. 6. بغرض توحيد وتعميق الفهم في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني بين الجهات المختلفة العاملة على تطبيق أحكامه من ناحية، وتوضيح الصلاحيات المنوطة بكل منها من ناحية أخرى، فإنه من الضروري عقد دورات تدريبية لأفراد جهاز الشرطة المتمتعين بصفة الضابطة القضائية ووكلاء النيابة العامة، وتعريفهم بحدود الصلاحيات المنوطة بكل منهم في التحقيق بالجرائم. 7. ضرورة تضمين قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني حكم عام، يشير إلى بطلان الإجراءات المتخذة في التحقيق بالجرائم، إذا لم تراع الأسس المحددة في القانون. 8. حتى لا يفلت المجرمون من العقاب أمام القضاء، نتيجة لعدم قانونية عمل معين من أعمال التحقيق، فإنه من الضروري إحترام الأسس القانونية المحددة لصلاحيات الجهات المختلفة في التحقيق بالجرائم، بحسب المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجزائية. 9. ضرورة وقف إجراءات التحقيق في الجرائم من قبل الجهات الأمنية التي لا تتمتع بصفة الضابطة القضائية. في الختام، لا تكفي القوانين وحدها من أجل إصلاح خلل قائم، وإنما لا بد من توفر إرادة حقيقية ونوايا حسنة في تطبيق تلك القوانين. تاريخ النشر: 2004/10/27
×
دور الجهــات الأمنيـــة فــي مجــال الوظيفــة العامـــة
مقدمـــــة يعتبر تقلّد المواطنين للوظائف العامة أحد الحقوق الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية ونصّت عليها معظم الدساتير والقوانين المحلية. كما تحدّد القوانين المحلية، بالعادة، الشروط العامة لتقلّد الوظيفة العامة، والإجراءات الواجب إتباعها في محاسبة الموظفين في حال إخلالهم بواجباتهم المهنية. خلال السنوات الماضية، تلقت الهيئة عدة شكاوى من مواطنين حُرموا من تقلّد الوظائف العامة، أو فصلوا من الوظيفة ليس وفقا للإجراءات التي يحددها قانون الخدمة المدنية، وإنما بناء على توصية إحدى الجهات الأمنية غير المخوّلة قانونا بأية صلاحية في مجال التعيين في الوظيفة العامة أو محاسبة العاملين فيها تأديبيا. إضافة إلى ذلك، أفاد ديوان الموظفين العام بأنه لا يتم إجراء أي تعيين في الخدمة المدنية، إلا بعد أخذ موافقة الجهات الأمنية على الشخص المراد تعيينه. وحتى في الأحوال التي يقوم فيها ديوان الموظفين بتعيين الموظف العام قبل وصول التوصية الأمنية، يتم توقيع الموظف على تعهد، يلتزم الموظف بموجبه بترك العمل دون الحصول على أية حقوق في حال عدم توصية الجهات الأمنية بتعيينه في الوظيفة العامة، هذا من جانب. ومن جانب آخر، هناك حالات قليلة أخرى من الفصل من الخدمة المدنية بناء على توصية من إحدى الجهات الأمنية. يعالج هذا التقرير الدور الذي تلعبه الجهات الأمنية الفلسطينية المختلفة في مجال الوظيفة العامة، سواء في مجال التعيين أو الفصل من الخدمة المدنية على المستويين القانوني والعملي. ويتعرض التقرير إلى الإجراءات التي يقوم بها ديوان الموظفين في التعيين في الوظيفة العامة، وعلى الأخص في مجال طلب الرأي من الجهات الأمنية في الشخص المراد تعيينه في الخدمة المدنية. كما يشير التقرير إلى موقف القضاء من تدخلات الأجهزة الأمنية في التعيين في الوظيفة العامة أو الفصل منها. في الختام، يسجل التقرير عدداً من الإستنتاجات، ويقدم مجموعة من التوصيات حول الإجراءات التي يجب إتخاذها من قبل الجهات الرسمية المختصة، وعلى رأسها ديوان الموظفين العام. أولاً: دور الجهـات الأمنيــة في مجـــال الوظيفـــة العامــة تقوم الجهات الأمنية الفلسطينية بدور كبير في مجال التعيين في الوظيفة العامة، وبدور محدود في مجال الفصل من الخدمة. فيما يلي تحديد للأسس القانونية التي تحكم عملية التعيين في الخدمة المدنية، والممارسة الفعلية من قبل الجهات الأمنية في هذا الصدد. 1) دور الجهات الأمنيـة في مجــال الوظيفــة العامـة مـــن الناحيــة القانونيـــة لا تخوّل التشريعات النافذة على المستوى المحلي الجهات الأمنية بممارسة أي دور في تعيين الموظف العام أو فصله من الخدمة. لقد نصّ القانون الأساسي المعدل لعام 2003 على الآلية التي يجب إتباعها في تنظيم شؤون الخدمة المدنية. فقد نصّت المادة 86 من القانون المذكور على:" يكون تعيين الموظفين العموميين، وسائر العاملين في الدولة وشروط إستخدامهم وفقاً للقانون". ونصّت المادة 87 من القانون ذاته على:" ينظم بقانون كل ما يتعلق بشؤون الخدمة المدنية، وعلى ديوان الموظفين العام بالتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة العمل على الإرتقاء بالإدارة العامة وتطويرها، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين واللوائح الخاصة بالإدارة العامة، والعاملين بها". ومن أجل تنظيم شؤون الخدمة المدنية، وضع المجلس التشريعي الفلسطيني قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998، الذي ينظم الأحكام المتعلقة بالوظيفة العامة، وخاصة شروط التعيين، والإجراءات التأديبية. وبالرجوع إلى الأحكام التي تضمنها هذا القانون، يلاحظ أنه لم يعطي الجهات الأمنية الفلسطينية أي دور في مجال تعيين الموظفين أو محاسبتهم تأديبيا. فقد نصّت المادة 24 من القانون المذكور على الشروط العامة الواجب توفرها فيمن يتولى وظيفة عامة، وهو أن يكون: 1. فلسطيني أو عربي الجنسية. 2. أتم السنة الثامنة عشرة من عمره. 3. خاليا من الأمراض والعاهات البدنية والعقلية التي تمنعه من القيام بأعمال الوظيفة التي سيُعين فيها بموجب قرار من المرجع الطبي المختص. 4. متمتعا بحقوقه المدنية غير محكوم عليه من محكمة فلسطينية مختصة بجناية أو بجنحة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يُرد إليه إعتباره. كما حدّد القانون ذاته الإجراءات والعقوبات التأديبية التي يجوز فرضها على الموظف العام، في حال مخالفته للقانون. فقد نصّت المادة 68 من القانون المذكور على الآتي:" إذا ثبت إرتكاب الموظف مخالفة للقوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات المعمول بها في الخدمة المدنية أو في تطبيقها فتوقع عليه إحدى العقوبات التأديبية التالية: 1. التنبيه أو لفت النظر. 2. الإنذار. 3. الخصم من الراتب بما لا يزيد عن راتب خمسة عشر يوماً. 4. الحرمان من العلاوة الدورية أو تأجيلها مدة لا تزيد عن ستة أشهر. 5. الحرمان من الترقية حسب أحكام هذا القانون. 6. الوقف عن العمل مدة لا تتجاوز ستة أشهر مع صرف نصف الراتب. 7. تخفيض الدرجة. 8. الإنذار بالفصل. 9. الإحالة إلى المعاش. 10. الفصل من الخدمة. كما حدّدت المادة 69 من القانون ذاته عدداً من المسائل الإجرائية الواجب إتباعها لمحاسبة الموظف العام تأديبيا، فنصّت على:" 1. تكون الإحالة للتحقيق على مخالفة تأديبية ممن يملك سلطة توقيع العقوبة على الموظف. 2. فيما عدا عقوبة التنبيه أو لفت النظر لا يجوز توقيع عقوبة على الموظف إلا بعد إحالته إلى لجنة للتحقيق معه وسماع أقواله، ويتم إثبات ذلك بالتسجيل في محضر خاص، ويكون القرار الصادر بتوقيع العقوبة مسبباً. 3. لا يجوز توقيع أكثر من عقوبة على نفس المخالفة". 2) دور الجهــات الأمنية في مجــال الوظيفــة العامــة مــن الناحيــة الفعليـــة على الرغم من عدم وجود الأحكام القانونية التي تفوّض الجهات الأمنية ممارسة أية إجراءات في مجال التعيين في الوظيفة العامة أو إتخاذ إجراءات إدارية بحقهم في محاسبة موظف معين، إلا أن هذه الجهات تقوم بالفعل بدور كبير في الموافقة على تعيين الأشخاص في الخدمة المدنية، وبدور أقل في مجال محاسبة الموظفين تأديبيا. لكن يختلف طبيعة الدور الذي تقوم به هذه الجهات في حالة التعيين في الوظيفة العامة عنه في حالة محاسبة الموظف تأديبيا. أ) دور الجهــات الأمنيــة فــي التعييــن فــي الوظيفــة العامــــة بناء على ما أفاد به ديوان الموظفين العام، تشكل أخذ موافقة الجهات الأمنية (جهاز الأمن الوقائي، أمن المؤسسات، والمخابرات العامة) على تعيين الشخص المعين في الوظيفة العامة أحد الإجراءات الرئيسية المتبعة من قبل الديوان، بصدد كافة حالات التعيين في الخدمة المدنية. وفي حال توصية الجهات الأمنية برفض تعيين أحد الأشخاص، يلتزم ديوان الموظفين بهذه التوصية. هذا بالرغم من عدم وجود أساس قانوني يفرض على الجهات الإدارية في السلطة الوطنية الفلسطينية واجب أخذ رأي الجهات الأمنية فيمن يعينون في الوظيفة العامة، أو الإلتزام بتوصياتها في هذا الصدد. كما يشير ديوان الموظفين العام إلى أنه في حال تأخر الجهات الأمنية في إبداء رأيها في الشخص المراد تعيينه في الوظيفة العامة لأكثر من أسبوعين، يقوم الديوان بتعيين الشخص المذكور، لكن بعد توقيعه على تعهد يلتزم بموجبه بأن يترك العمل دون أية حقوق، في حال توصية الجهات الأمنية بعدم التعيين. ويفيد ديوان الموظفين العام أنه يستند في قيامه بهذا الإجراء، المتمثل في أخذ موافقة الجهات الأمنية على التعيين في الوظيفة العامة إلى نظام الخدمة المدنية الأردني رقم 23 لسنة 1966 الذي ينصّ على حسن سيرة وسلوك الأشخاص المعينين في الوظيفة العامة، وليس إلى أحكام قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 النافذ المفعول في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية. فبالرغم من أن هذا القانون الأخير يشترط فيمن يعين في الوظيفة العامة أن لا يكون محكوما من محكمة فلسطينية مختصة بجرم مخل بالشرف أو بالأمانة، إلا أن ديوان الموظفين لا يسعى الى الجهات القضائية المختصة للتأكد من عدم وجود حكم قضائي بحق من سيعين في الوظيفة العامة، وإنما يكتفي بالتوجه إلى الجهات الأمنية، للحصول على رأيها. ويعتقد ديوان الموظفين العام أنه لا سبيل للتأكد من عدم محكومية الشخص المعين في الوظيفة العامة أو من "سلامته الأمنية" إلا عن طريق الجهات الأمنية، لأنه لا توجد آلية أخرى للتحقق من هذا الإجراء. فمثلا، قد يكون الشخص المراد تعيينه في الوظيفة العامة من مدينة رام الله، ولكن صدر بحقه حكم قضائي من محكمة فلسطينية في مدينة أخرى، فلا سبيل للتأكد من هذا الأمر عند مراجعة القضاء. ومن الجدير بالذكر، أن المخالفة القانونية في إجراءات التعيين في الوظيفة العامة هذه، لا تقتصر على من يتم رفض تعيينه من الجهات الأمنية، والتي لا تزيد عن 5% من الطلبات المقدمة إليها (بحسب ما أفاد به جهاز الأمن الوقائي)، وإنما تشمل الإجراء الذي يقوم به ديوان الموظفين بشأن كافة طلبات التعيين في الوظيفة العامة بحد ذاته، والمتمثل في أخذ موافقة هذه الجهات على كل من يعين في الوظيفة العامة. وإذا ما علمنا أن هناك ما يزيد عن 75 ألف موظف في الخدمة المدنية، عُيّن قسم كبير منهم بعد سريان قانون الخدمة المدنية الفلسطيني في العام 1998، الذي لا يعطي للجهات الأمنية أي صلاحية في مجال التعيين في الخدمة المدنية أو الفصل منها، فهذا يعني أن هناك عشرات آلاف المخالفات القانونية التي إرتكبت من قبل ديوان الموظفين في موضوع تعيين الموظفين العامين، عندما أخذ الديوان موافقة الجهات الأمنية على تعيينهم. ومن بين الأمثلة الصريحة على عدم موافقة الجهات الأمنية على التعيين في الوظيفة العامة، والتي أخذ بها ديوان الموظفين، ما ورد في بعض الشكاوى التي وردت للهيئة: 1. شكوى المواطن م. ص. 41 سنة، من سكان حيّ الترك/ مدينة جباليا – قطاع غزة وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 20/7/2003 تلقت الهيئة شكوى من المواطن م. ص، من سكان حي الترك/ مخيم جباليا – قطاع غزة، أفاد فيها بما يلي: (أنا حاصل على بكالوريوس شريعة ودبلوم تربية. في سنة 2002، تقدمت للعمل في وظيفة معلم في وزارة التربية والتعليم العالي، فتم قبولي للعمل حسب الإجراءات القانونية المتبعة في الوزارة. بدأت العمل فعليا في شهر أيلول 2002، كمعلم في مدرّسة معاوية بن أبي سفيان في مدينة بيت لاهيا، إلا أن أربعة أشهر مضت على عملي دون أن أتلقى أي راتب. راجعت ديوان الموظفين العام، فقالو لي: ستتلقى راتبك الشهر القادم، إلا أن هذا لم يحدث. راجعت ديوان الموظفين العام مرة أخرى، فأخبروني بضرورة مراجعة جهاز الأمن الوقائي، فقمت بمراجعة مدير جهاز الأمن الوقائي في المنطقة الشمالية من قطاع غزة، فوعدني بمراجعة ملفي، إلا أنني لم أُبلّغ بأي إجراء في هذا الشأن. فتقدمت في شهر نيسان 2003 بشكوى لمدير عام جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة، إلا أنه لم يرد على شكواي. خلال مراجعاتي المستمرّة لمسؤول التعيينات في وزارة التربية والتعليم العالي كان يطلب مني مراجعة جهاز الأمن الوقائي، وأخبرني أن ملفي لدى مسؤول الملف السياسي بالجهاز المذكور). متابعـــات الهيئـــة بتاريخ 3/8/2003 بعثت الهيئة برسالة إلى رئيس ديوان الموظفين العام، وبتاريخ 25/10/2003، بعثت برسالة إلى مدير الأمن الوقائي/ المحافظات الجنوبية، طالبة منهم التحقيق في شكوى المواطن المذكور، وتوضيح سبب عدم حصوله على راتبه الشهري. نتيجـــة المتابعـــة بتاريخ 13/10/2003 تلقت الهيئة رداً من قبل ديوان الموظفين العام جاء فيه:" يرجى التكرم بالعلم أن الجهات المختصة أفادتنا بأن طلب المذكور (طلب التوظيف) مرفوض لأسباب محفوظة لديهم". (تبين من الردود الشفوية لديوان الموظفين العام على مراجعات المواطن المذكور أن المقصود "بالجهات المختصة" هي الجهات الأمنية، وعلى وجه التحديد جهاز الأمن الوقائي). وبتاريخ 6/12/2003 تلقت الهيئة رداً من قبل الدائرة القانونية - جهاز الأمن الوقائي جاء فيه:" نفيد سيادتكم بأن المذكور قد تمّت مراسلة بخصوصه من قبل الأخ/ مدير عام الأمن الوقائي للأخ/ رئيس ديوان الموظفين العام بالموافقة عليه، والكتاب صادر بتاريخ 2/10/2002 على كشف رقم 891/2002". بالنتيجة، أفاد المواطن المذكور بتاريخ 13/7/2004 بأن قضيته حُلّت، وأنه على رأس عمله، ويتلقى راتبه الشهري المعتاد. 2. شكوى المواطن ج. ك. 44 سنة، من سكان قرية رمون/ رام الله. وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 15/1/2001 تلقت الهيئة شكوى من المواطن ج. ك المذكور، قرية رمون – رام الله، أفاد فيها بما يلي: (عملت كإمام مسجد في قرية دير جرير – رام الله منذ عام 1984 ولغاية 22/5/1999، حيث أجبرت على تقديم إستقالتي تحت ضغط وتهديد مدير أوقاف رام الله. بعد مرور ستة شهور على إستقالتي، قام مدير أوقاف رام الله، وبناء على طلب أهالي قرية دير جرير، بمخاطبة الوزارة لإعادتي إلى العمل. بعد مضي 6 شهور على مخاطبة الوزارة، تمت الموافقة على تعييني من جديد، على أن أباشر عملي في مسجد قرية عارورة/ رام الله. بعد أسبوع من مباشرة العمل في القرية المذكورة، تم فصلي من العمل من جديد من قبل وزارة الأوقاف بناء على توصية الجهات الأمنية. راجعت أمن المؤسسات من خلال محاميّ الخاص، فأبلغوني بأنه لا يوجد لديهم مانع في عودتي للعمل في الوزارة من جديد، إذا أرادت الوزارة ذلك. بناء على متابعة المحامي لوزارة الأوقاف، تمت الموافقة مرة ثالثة على إعادتي للعمل كإمام مسجد في قرية كفر عقب/ رام الله، إلا أن إجراءات التعيين لم تُستكمل من قبل ديوان الموظفين العام دون توضيح الأسباب التي تمنع ذلك). متابعـــات الهيئــــة بتاريخ 13/2/2001 بعثت الهيئة برسالة إلى وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، طالبة منه إتخاذ ما يلزم من إجراءات لإعادة المواطن المذكور إلى عمله. نتيجـــة المتابعــــة بتاريخ 22/3/2001 تلقت الهيئة رداً من وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية جاء فيه:" يرجى العلم بأن الوزارة قد كثّفت مساعيها لإعادة تعيين الموظف المذكور من خلال مخاطبة عطوفة رئيس ديوان الموظفين العام... بتاريخ 13/5/2001... وقد رد علينا الديوان بكتابه رقم 35764 تاريخ 22/1/2001 بأنه لا إمكانية في إستمرار إجراءات تعيين المذكور حسب توصيات الجهات الأمنية. مما تقدم يتضح أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قد عملت ما بوسعها لإعادة تعيين هذا الموظف، ولكن الديوان والجهات المختصة حالتا دون ذلك". وبالنتيجة، لم يعد المواطن المذكور إلى وظيفته حتى الآن. ب) دور الجهــات الأمنيــة في إتخــاذ إجراءات إداريــة تأديبية بحق المــوظف العــام يختلف الدور الذي تقوم به الجهات الأمنية في هذا الصدد عن حالة التعيين في الوظيفة العامة. فبالعادة، يقوم ديوان الموظفين بالإجراءات اللازمة لمحاسبة الموظف العام المخل بواجبات وظيفته أو أية إجراءات إدارية أخرى دون أخذ رأي أو موافقة الجهات الأمنية، إلا في حالة واحدة فقط، وهي عندما يُعتقل الموظف العام لدى قوّات الإحتلال، ومن أجل معرفة سبب إعتقاله، فيما إذا كان على خلفية أمنية أم جنائية، يلجأ ديوان الموظفين إلى الجهات الأمنية للإستفسار عن سبب إعتقال الموظف. إذا كان ذلك هو الوضع المعتاد لدى ديوان الموظفين، فإن هناك حالات إستثنائية أخرى، يقوم فيها الديوان بإتخاذ إجراءات إدارية معينة كالفصل من الخدمة أو توقيف الراتب بناء على توصية الجهات الأمنية، وذلك لأسباب يجهلها ديوان الموظفين، وتعلمها الجهات الأمنية التي أوصت بذلك الإجراء. ومع ذلك، لم يصرح ديوان الموظفين بعدد الحالات التي تم فيها إتخاذ إجراءات إدارية معينة بناء على توصية الجهات الأمنية خلال السنوات السابقة اللاحقة على سريان قانون الخدمة المدنية لعام 1998. كما أفاد ديوان الموظفين بأنه لا توجد لديه أية إحصائيات أو نسب مئوية لهذه الحالات، لكنها تبقى قليلة جداً، بالمقارنة مع الحالات الأخرى التي يقوم فيها الديوان بنفسه بإتخاذ إجراءات إدارية بشأنها. لكن في المقابل، سجّلت الهيئة عدداً من الحالات التي يقوم فيها ديوان الموظفين العام بإتخاذ إجراءات إدارية بشأنها (الفصل مثلا)، بناء على توصية من الجهات الأمنية، وليس وفق الإجراءات القانونية التي نصّ عليها قانون الخدمة المدنية لعام 1998. فيما يلي موجز عن هذه القضايا: 1. شكوى المواطن م. ج. 57 سنة، من سكان قرية بيتين – رام الله وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 28/9/2003 تلقت الهيئة شكوى من المواطن م.ج، من سكان قرية بيتين – رام الله، أفاد فيها بما يلي: (أعمل في وزارة الشؤون الإجتماعية منذ تاريخ 4/12/1972. بتاريخ 14/5/1997 قام ديوان الموظفين العام بإيقافي عن العمل بناء على توصية من جهاز الأمن الوقائي. في أعقاب ذلك، قمت برفع دعوى ضد قرار ديوان الموظفين العام المذكور لدى محكمة العدل العليا. وبتاريخ 13/11/1999 حصلت على قرار من المحكمة المذكورة بإعادتي إلى العمل. كما طلبت وزارة الشؤون الإجتماعية من ديوان الموظفين العام بتاريخ 18/12/1999 وبتاريخ 8/1/2001 صرف مستحقاتي عن الفترة الواقعة بين 13/5/1997- 14/4/2000. لكن الجهات الرسمية المختصة لم تنفذ قرار المحكمة القاضي بإعادتي إلى العمل، إلا بتاريخ 15/4/2000. كما أنها لم تصرف لي أية مستحقات مالية، ولم أحصل على الترقيات المستحقة لي عن فترة فصلي غير القانونية الواقعة بين 14/5/1997 – 15/4/2000، بالرغم من مطالباتي المستمرة لديوان الموظفين العام بذلك). متابعـــات الهيئـــة بتاريخ 8/10/2003 بعثت الهيئة برسالة إلى رئيس ديوان الموظفين العام، طالبة منه التحقيق في شكوى المواطن المذكور. وبتاريخ 26/10/2003 بعثت الهيئة برسالة تذكيرية أخرى بالخصوص. النتيجـــة لم يرد ديوان الموظفين العام على مراسلات الهيئة في شكوى المواطن المذكور. وأفاد المواطن المذكور للهيئة بتاريخ 13/7/2004 بأنه تم إعادته إلى العمل، وحصل على المستحقات المالية المترصدة له، بعد تدخل بعض الأفراد لدى جهات الإختصاص، غير أنه للآن لم يحصل على الترقيات التي يستحقها عن فترة فصله، رغم المطالبات المتكررة بذلك. 2. شكوى المواطن ر. ع. 32 سنة، قرية فرعون – طولكرم، ومن سكان مدينة رام الله وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 20/11/2002 تلقت الهيئة شكوى من المواطن ر. ع المذكور من سكان مدينة رام الله أفاد فيها بما يلي: (بدأت العمل في وزارة الصحة بتاريخ 11/10/1995، وكان عملي "مسؤول الإعاشة لمستشفيات الضفة الغربية". بتاريخ 1/7/2000 تم وقفي عن العمل من قبل ديوان الموظفين العام، بناء على توصية الجهات الأمنية المختصة (جهاز الأمن الوقائي)، بموجب كتاب ديوان الموظفين العام رقم 17528 المؤرخ في 2/7/2000، الموجه إلى وكيل وزارة الصحة. إذ جاء في الكتاب المذكور ما يلي:" بالإشارة لكتاب الجهات الأمنية المختصة رقم ر- 836/6/2000 بتاريخ 13/6/2000... يرجى التكرم بإيقافه (المواطن ر. ع) عن العمل إعتبارا من 1/7/2000 لحين صدور تعليمات أخرى". هذا بالرغم من أنني لم أرتكب أي مخالفة خلال فترة عملي، ولم يوجه لي أي تنبيه أو إنذار، ولم أقدم إلى أي جهة تأديبية أو محكمة لمحاسبتي عن أي فعل. في أعقاب قرار الفصل، راجعت ديوان الموظفين العام عدة مرات للإستفسار عن أسباب فصلي، دون جدوى). في وقت لاحق لتاريخ تقديم الشكوى، أفاد المواطن المذكور بما يلي: (لدى مراجعتي لجهاز الأمن الوقائي، أفادوني بأنهم رجعوا عن توصيتهم لديوان الموظفين العام بوقفي عن العمل، وأنهم طلبوا من ديوان الموظفين العام بتاريخ 17/4/2003 إعادتي إلى العمل. وجاء في كتاب جهاز الأمن الوقائي الموجه إلى وكيل وزارة الصحة ما يلي:" لا مانع لدينا من عودة الأخ المذكور أعلاه للعمل في وزارة الصحة، علما بأنه تم وقفه عن العمل بناء على توصية سابقة بتاريخ 1/7/2000، وقد تم لاحقا مخاطبة ديوان الموظفين العام بإعادته للعمل لعدم وجود مانع". لدى مراجعتي ديوان الموظفين العام، أفادني المسؤولون بأنهم طلبوا بتاريخ 18/3/2003 من وزارة الصحة إعادتي إلى العمل. وقد جاء في كتاب ديوان الموظفين العام الموجه لوزارة الصحة ما يلي:" لاحقا لكتابنا رقم 21/ 29717 بتاريخ 2/7/2000، والمتضمن إيقاف المذكور أعلاه عن العمل إعتباراً من 1/7/2000، بناءً على طلب الجهات المختصة، وحيث أفادت تلك الجهات وهي نفس الجهة التي طلبت وقفه عن العمل بعدم ممانعتها من إعادته إلى عمله. لذا نرجو تزويدنا بمباشرة عمله لإمكان عمل اللازم". لكن إلى الآن ترفض وزارة الصحة إعادتي إلى العمل، بحجة أن الوزارة عيّنت موظفاً آخر في الوظيفة التي كنت أشغلها). متابعـــات الهيئـــة بتاريخ 23/11/2002 بعثت الهيئة برسالة إلى وكيل وزارة الصحة، وبتاريخ 17/12/2002 بعثت الهيئة برسالة إلى رئيس ديوان الموظفين العام، طالبة منهم النظر في شكوى المواطن المذكور، وبيان أسباب فصله من وظيفته. وبتاريخ 14/7/2003 بعثت الهيئة برسالة إلى وزير الصحة، طالبة منه النظر في شكوى المواطن المذكور، وتوضيح الأسباب التي تمنع وزارة الصحة من تنفيذ قرار ديوان الموظفين العام القاضي بإعادة المواطن المذكور إلى عمله. نتيجـــة المتابعـــة بتاريخ 4/12/2002 تلقت الهيئة رداً من وكيل وزارة الصحة جاء فيه:" نفيدكم علما أن إيقافه (المواطن ر. ع) عن العمل تم من قبل ديوان الموظفين العام". وبتاريخ 18/3/2003 تلقت رداً من رئيس ديوان الموظفين العام جاء فيه:" نرجو العلم بأنه تم مخاطبة وزارة الصحة بهذا الشأن وعلى المذكور مراجعة الوزارة لمتابعة وضعه". كما تلقت الهيئة بتاريخ 3/8/2003 رداً من وكيل وزارة الصحة جاء فيه:" نفيدكم علما أن الشاغر الوظيفي الذي كان يشغله المذكور قد تم ملأه منذ فترة طويلة، علما بأن توصية المسؤولين المباشرين عنه تفيد أن أداءه الوظيفي سيء، وبالتالي لا مجال لإعادة تعيينه". بالنتيجة، تم إعادة تعيين المواطن المذكور في وزارة الصحة، لكن في وظيفة أخرى غير وظيفته السابقة، ودون الإلتفات إلى سنوات الخدمة السابقة. 3. شكوى المواطن ي. ف. 40 سنة، من سكان بلوك 1/ مخيم النصيرات – قطاع غزة وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 6/5/2002 تلقت الهيئة شكوى من المواطن ي. ف، من سكان بلوك 1/ مخيم النصيرات/ قطاع غزة، أفاد فيها بما يلي: (أنا موظف في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية منذ تاريخ 1/12/1995، وأعمل إماما وخطيبا في مساجد معسكر النصيرات، درجتي الوظيفية السادسة، وكان آخر راتب حصلت عليه هو راتب شهر آذار 2002. بتاريخ 5/5/2002 سلّمني المسؤولون في وزارة الأوقاف/ دير البلح قراراً بفصلي من العمل، وأبلغوني أن القرار خارج عن إرادتهم وأنه وصل من ديوان الموظفين العام. وقد جاء في كتاب ديوان الموظفين العام الذي وجه إلى وزارة الأوقاف بتاريخ 24/3/2002، وإستلمت نسخة منه ما يلي:"نرجو التكرم بالعلم بأنه بناء على طلب الجهات الأمنية المختصة، فقد تقرر إنهاء التعاقد مع المذكور عالية (المواطن ي. ف)، إعتبارا من 1/4/2002". علما بأنه لم يسبق أن وجه إليّ أي إنذار أو لفت نظر أو أي عقوبة تأديبية خلال فترة عملي السابقة في الوزارة). متابعـــات الهيئـــة بتاريخ 12/5/2002 بعثت الهيئة برسالة إلى وكيل وزارة الأوقاف، طالبة منه التحقيق في شكوى المواطن المذكور، وتوضيح أسباب فصله من العمل. نتيجـــة المتابعـــة بتاريخ 19/5/2002 تلقت الهيئة رداً من مدير عام المديريات في وزارة الأوقاف، جاء فيه ما يلي:" نود إفادتكم بأن المذكور أعلاه عمل بوظيفة إمام وخطيب بدائرة أوقاف دير البلح منذ 2/12/1995. وردنا كتاب من ديوان الموظفين العام بتاريخ 24/3/2002 يتضمن إنهاء التعاقد مع السيد/ ي. ف إعتباراً من 1/4/2002، ولا علاقة لوزارة الأوقاف بإنهاء التعاقد، مع العلم بأن إجراءات التعيينات وإنهاء الخدمة فقط من صلاحيات ديوان الموظفين العام". وبالنتيجة، عاد المواطن المذكور إلى عمله بتاريخ 31/5/2002. 4. شكوى المواطن ج. د. 35 سنة، من سكان قرية كرزا – مدينة الخليل وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 5/3/2002، تلقت الهيئة شكوى من المواطن ج. د، من سكان قرية كرزا/ دورا/ الخليل، أفاد فيها بما يلي: (أعمل إمام مسجد في قرية أبو الغزلان/ دورا/ الخليل منذ 1/3/1997. بتاريخ 26/2/2002 أبلغني مدير أوقاف مدينة دورا شفاهة بقرار ديوان الموظفين العام القاضي بوقفي عن العمل، وأفادني بأن وزارة الأوقاف تدعي أن السبب في وقفي عن العمل عائد إلى أنني أقوم بإثارة المشاكل والفتن العائلية بين الناس في القرية التي أعمل بها. فيما بعد تسّلمت كتاباً موقعا من مدير أوقاف مدينة دورا/ الخليل يقضي بوقفي عن العمل بناء على قرار ديوان الموظفين العام، وجاء في الكتاب المذكور:" إشارة إلى كتاب سماحة الوكيل رقم 341 تاريخ 2/3/2002 والمستند لكتاب ديوان الموظفين العام رقم 507 تاريخ 16/2/2002. أرجو العلم أن الجهات الأمنية المختصة قررت إيقافك عن العمل إعتبارا من 20/2/2002 لحين صدور تعليمات أخرى". بعد سماعي بالقرار المذكور بوقفي عن العمل، توجهت إلى مقر أمن المؤسسات في مدينة الخليل، وإستفسرت منهم عن سبب صدور قرار بوقفي عن العمل، فأفادوني أنه لا يوجد توصية من قبلهم بوقفي عن العمل، ولا يوجد لي ملف أمني. يذكر أنني متزوج ولي خمسة أطفال ووظيفتي هي مصدر رزقي الوحيد، وأعيل والداي وأسرة شقيقي المتوفي، وعددهم ثمانية أشخاص. كما لا يوجد ما يوجب صدور مثل هذا القرار، خاصة وأنه لم يسبق أن إرتكبت أي جنحة أو مخالفة توجب وقفي عن العمل، ولم يوجه ليّ أي تحذير أو تنبيه طوال سنوات عملي). متابعـــات الهيئـــة بتاريخ 20/3/2002 بعثت الهيئة برسالة إلى وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وبتاريخ 26/3/2002 بعثت برسالة إلى رئيس ديوان الموظفين العام، طالبة منهم توضيح أسباب إيقاف المواطن المذكور عن العمل. نتيجـــة المتابعـــة بتاريخ 18/8/2002 تلقت الهيئة رداً من وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية جاء فيه:" يرجى العلم بأننا قمنا بمخاطبة ديوان الموظفين العام بكتابنا رقم 981 تاريخ 6/7/2002، المرفق صورة عنه، والذي جاء فيه أنه تم التنسيق مع الأخ جبريل الرجوب في حينه للإكتفاء بنقل الموظف المذكور أعلاه من مكان سكنه إلى قرية مجاورة وقد تم ذلك، ووعد الأخ جبريل الرجوب في ذلك الوقت بوقف إجراء الفصل". وبتاريخ 17/12/2002، أفاد المواطن مقدم الشكوى بأن قضيته حلّت، وأنه عاد إلى عمله، وإستلم كافة مستحقاته المالية. 5. شكوى المواطن ن. ز. من سكان حي أم الشرايط – مدينة البيرة وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 20/2/2000 تلقت الهيئة شكوى من المواطن أ. ز، بخصوص إيقاف راتب شقيقه ن، حي أم الشرايط/ البيرة، أفاد فيها بما يلي: (أتقدم بشكوى بخصوص شقيقي ن. ز، وهو معتقل لدى سلطات الإحتلال الإسرائيلي منذ تاريخ 25/2/1999، ومازال موقوفا دون أن يصدر بحقه حكم. كان شقيقي يعمل مؤذناً لمسجد تميم الداري في حي أم الشرايط/ مدينة البيرة، ومنذ إعتقاله وحتى وقت قريب كان يتقاضى راتبه من خلال حسابه البنكي بشكل إعتيادي. في بداية هذا العام، توجه والدي إلى البنك لقبض راتب شقيقي، غير أنهم أخبروه في البنك بأن الراتب لم يتم تحويله إلى الحساب. لدى مراجعة والدي لوزارة الأوقاف (مكتب رام الله) للإستفسار عن سبب عدم تحويل راتب شقيقي كالمعتاد، أُبلِغ بأن شقيقي فُصل من العمل، ودون توضيح أسباب الفصل. وقد جاء في الكتاب الموجه إلى شقيقي ن. ز من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بتاريخ 1/2/2000 ما يلي:" إشارة لكتاب سماحة وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية رقم 273 بتاريخ 30/1/2000 أنه بناء على توصية الجهات الأمنية المختصة، فقد تقرر إيقافك عن العمل والتحفظ على راتبك إعتباراً من 1/1/2000". لهذا، أطالب بمتابعة قضية أخي مع الجهات الإدارية المختصة، ومعرفة سبب وقفه عن العمل). متابعـــات الهيئـــة بتاريخ 20/2/2000 بعثت الهيئة برسالة إلى وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بتاريخ 13/5/2000 بعثت برسالة إلى وزير شؤون الأسرى، وبتاريخ 18/9/2000 بعثت برسالة إلى رئيس ديوان الموظفين العام، طالبة منهم إعادة النظر في قرار فصل المواطن المذكور. كما بعثت الهيئة بتاريخ 7/6/2000 برسالة إلى رئيس لجنة الرقابة وحقوق الإنسان في المجلس التشريعي، طالبة منه مراجعة قرار فصل المواطن المذكور مع الجهات المختصة. نتيجـــة المتابعـــة بتاريخ 16/8/2000 تلقت الهيئة رداً من وزير شؤون الأسرى والمحررين، جاء فيه:" قمنا بالإتصال بوزارة الأوقاف والإستفسار منها عن سبب وقف المذكور أعلاه (المواطن ن. ز) عن العمل والتحفظ على راتبه. وتبيّن أن المسألة تتعلق بديوان الموظفين العام، حيث تلقت وزارة الأوقاف كتاب خاص من ديوان الموظفين العام يفيد بأنه بناءً على توصيات من جهات أمنية تم وقف المذكور أعلاه عن العمل". 6. شكوى المواطن ر. أ. 26 سنة، من سكان ضاحية شويكة في مدينة طولكرم وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 13/6/2000 تلقت الهيئة شكوى من المواطن ر. أ / ضاحية شويكة – مدينة طولكرم، أفاد فيها بما يلي: (عُيّنت بمديرية أوقاف مدينة طولكرم كمؤذن وخادم لمسجد شويكة الجديد بتاريخ 25/9/1998 ولغاية 20/5/2000، حيث تم وقفي عن العمل. ففي التاريخ المذكور، أُبلغت شفويا من مديرية أوقاف مدينة طولكرم بقرار الوزارة وقفي عن العمل بناء على قرار إتخذه ديوان الموظفين العام، وذلك دون إبداء الأسباب. كما تم وقف صرف راتبي الذي كنت أتقاضاه إعتبارا من 7/4/2000. وكنت قد أستُدعيت من قبل "أمن المؤسسات" في مدينة رام الله قبل شهرين تقريبا من تاريخ تبليغي بالفصل، وذلك للتحقيق معي، الأمر الذي يجعلني أستشف أن قرار وقفي عن العمل كان بناء على توصية من أمن المؤسسات وجّهت إلى ديوان الموظفين العام، وبالتالي إلى الوزارة. لهذا، أطالب بعودتي إلى العمل، خصوصا وأن قرار فصلي من العمل كان قرارا تعسفيا لا يحمل أي صفة قانونية، أو يوضح أسباب فصلي من العمل، كما أنه لم يسبق أن حوّلت إلى لجنة تأديبية لمعاقبتي عن أي فعل، ولم يوجه لي أي إنذار أو تنبيه أو أي عقوبة تأديبية أخرى). متابعـــات الهيئـــة بتاريخ 21/6/2000 بعثت الهيئة برسالة إلى وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، طالبة منه توضيح الأسباب الداعية إلى وقف المواطن المذكور عن العمل. نتيجـــة المتابعـــة بتاريخ 22/7/2000 تلقت الهيئة رداً من وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية جاء فيه:" يرجى العلم أن وقف المذكور أعلاه عن العمل كان بناء على كتاب من ديوان الموظفين العام، وبطلب من الجهات الأمنية إعتبارا من 21/5/2000". وبتاريخ 18/7/2004، أفاد المواطن المذكور بأنه قد تم إعادة تعيينه في وظيفته السابقة من جديد، ودون إحتساب سنوات خدمته السابقة، ودون دفع أية رواتب أو مستحقات مالية عن فترة فصله غير القانوني. 7. شكوى المواطن خ. أ. 34 سنة، قرية قبيا – رام الله وقائـــع الشكـــوى بتاريخ 19/2/2000 تلقت الهيئة شكوى من المواطن خ. أ / قرية قبيا – رام الله، أفاد فيها بما يلي: (إلتحقت بالعمل في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية كإمام لمسجد قرية قبيا – رام الله بتاريخ 3/6/1992. بتاريخ 27/1/2000 إتصل بي المسؤولون في مديرية أوقاف رام الله وطلبوا مني مراجعة المديرية. لدى زيارتي لمديرية أوقاف رام الله في اليوم التالي، أبلغني أحد المسؤولين بأن الوزارة قرّرت إيقافي عن العمل والتحفّظ على راتبي، وذلك بناء على توصية الجهات الأمنية. بتاريخ 3/2/2000 إستلمت كتاب وقفي عن العمل، حيث جاء في الكتاب المذكور:" إشارة لكتاب سماحة وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية رقم 273 بتاريخ 30/1/2000 المتضمن عدم توصية الجهات الأمنية المختصة (كتاب رقم 8/ د. م/م تاريخ 3/1/2000)، فقد تقرر إيقافك عن العمل والتحفظ على راتبك إعتبارا من 1/1/2000". في أعقاب ذلك، تقدمت بطلب تظلم إلى وزارة الأوقاف، من خلال مديرية أوقاف رام الله، إلا أنني لم أحصل على رد). متابعـــات الهيئـــة بتاريخ 20/2/2000 بعثت الهيئة برسالة إلى وكيل وزارة الأوقاف، طالبة منه أن لا يكون للأجهزة الأمنية الحق في التحكم بوظائف المواطنين وفصلهم، لمخالفة ذلك للقانون، وكذلك طلبت منه إعادة النظر في قرار وقف المواطن خ. أ المذكور عن العمل. نتيجـــة المتابعـــة بتاريخ 19/4/2000 تلقت الهيئة رداً من وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية جاء فيه:" يرجى العلم أن وقف راتب الموظف وإنهاء خدمته لا يأتيان من قبل الوزارة، وإنما يردان من ديوان الموظفين العام. يرجى مخاطبة المعنيين في الأجهزة الأمنية بخصوص ذلك". وبتاريخ 25/6/2000 أعيد المواطن المذكور إلى عمله كإمام لقرية قبيا/ رام الله، وذلك بعد تراجع الجهات الأمنية عن توصيتها السابقة، وعدم ممانعتها في عودة المواطن المذكور إلى عمله. فقد بعثت مديرية أوقاف محافظة رام الله إلى المواطن المذكور برسالة من أجل العودة إلى العمل، بعد أن أفادها ديوان الموظفين العام بعدم ممانعة الجهات الأمنية "المختصة" في عودة المواطن المذكور إلى العمل. وجاء في رسالة الوزارة الموجه إلى المواطن المذكور:" أرجو موافاتنا بمباشرة عملك بنفس وظيفتك إماما لمسجد قبيا بعد أن ورد من الجهات المختصة (الجهات الأمنية) عدم ممانعة تعيينك". بالنتيجة، وقّع المواطن خ.أ المذكور على إقرار يفيد إستلام العمل إعتبارا من 18/6/2000. ثانياً: موقــف الجهــات الرسميــة مــن التوصيــات الأمنيــة في مجــال الوظيفــة العامــة 1) موقــف جهــاز الأمــن الوقائــــي بالأساس، لا توجد أحكام قانونية محددة تعطي الصلاحية لجهاز الأمن الوقائي في إبداء الرأى والمشورة في المسائل المتعلقة بالتعيين في الوظيفة العامة أو الفصل من الخدمة، كما لم يعطي قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 النافذ المفعول جهاز الأمن الوقائي أو غيره من الأجهزة الأمنية أي دور في مجال الوظيفة العامة (التعيين أو الفصل، مثلا)، لكن يرى جهاز الأمن الوقائي أنه من صلاحياته حماية المؤسسات الفلسطينية العامة والخاصة من "الإختراقات المعادية"، الفساد المالي، الإداري والأخلاقي. ويمارس الجهاز مهمته تلك بوسائل عدة منها، إبداء رأيه في الأشخاص المعينين في الوظيفة العامة، وتحديد مدى ملاءمتهم لتولي الوظيفة العامة. تختلف الإجراءات التي يتبعها جهاز الأمن الوقائي في إصدار التوصية الأمنية في حال كون الشخص المراد فحص سيرته الذاتية معين في الوظيفة العامة أم أنه لم يعين بعد: الفحــص قبــل التعييــن فــي الوظيفـــة العامـــة تقوم دائرة أمن المؤسسات في جهاز الأمن الوقائي بإجراء الفحص اللازم عن الشخص المراد تعيينة في الوظيفة، بناء على طلب من ديوان الموظفين العام أو الجهة صاحبة الشأن (عامة أو خاصة). وفي هذا الشأن، ينحصر دور جهاز الأمن الوقائي في إعطاء توصية حول وضع الشخص الذي تم الإستفسار عنه. وبالعادة، لا تكون هذا التوصية ملزمة للجهة التي طلبت "الفحص الأمني" إذا كانت جهة غير حكومية، أما إذا كانت جهة حكومية فالتوصية ملزمة لها. ويعتقد الجهاز أن السبب الرئيسي وراء إلزامية توصياته في هذا الشأن يعود إلى أن حق المواطن مكفول باللجوء إلى القضاء والإعتراض على سبب الفصل، إذا وجد مقتضى لذلك. يذكر أن الجهاز لا يكشف بالعادة عن الأسباب الكامنة وراء توصيته بعدم التعيين أو بالفصل من الخدمة العامة، إلا بناء على طلب القضاء. الفحــص بعــد التعييـــن فــي الوظيفـــة العامـــة يقوم جهاز الأمن الوقائي بإجراء فحص السلامة الأمنية على الموظف المعين في الخدمة المدنية، إما بناء على طلب من الجهة التي يعمل فيها الموظف أو ديوان الموظفين العام أو من تلقاء نفسه. إذ يرى الجهاز المذكور، أنه لا يستطيع أن يقف مكتوف اليدين أمام حالة من الفساد الإداري أو المالي أو أمام حالة من تخريب المؤسسات الوطنية والإضرار بها. فإذا وجد أن موظف معين إرتكب ما يمكن أن يحاسب عليه قضائيا، فإن الجهاز يوصي بفصله من الخدمة، حتى وإن لم يكن هناك حكما قضائيا بإدانته بالجرم محل التوصية، صادرا عن المحكمة المختصة. حــق الإعتــراض علــى توصيــة الجهــــاز بحسب جهاز الأمن الوقائي، ليس هناك ما يمنع المواطن من الإعتراض على التوصية الأمنية الصادرة عنه، لكن ليس هناك طريقة معينة للإعتراض، وإنما بإمكان المواطن صاحب الشأن الإعتراض بالطريقة التي يراها مناسبة، إما بالحضور إلى دائرة أمن المؤسسات في الجهاز بنفسه أو بواسطة محاميه. وفي هذه الأحوال، قد يتراجع جهاز الأمن الوقائي عن توصيته بعدم التعيين أو بالفصل، لكن ليس لعدم سلامة المعلومات التي بُنيت عليها التوصية، وإنما لأسباب إنسانية بحتة. 2) موقــف القضـــاء الفلسطينــــي عارض القضاء الفلسطيني في العديد من القرارات الصادرة عن محكمة العدل العليا تدخل الجهات الأمنية المختلفة (جهازي الأمن الوقائي والمخابرات العامة، مثلا) في تعيين موظفين عموميين أو فصلهم، لمخالفة ذلك لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003، ولقانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998. فقد قضت محكمة العدل العليا الفلسطينية في قطاع غزة مؤخراً في الدعوى رقم 189/ 2003 بتاريخ 25/5/ 2004 بإجابة طلب المستدعي (المواطن هشام عاشور عبد المالك ديب) وإستكمال إجراءات تعيينه في وظيفة مدرّس بوزارة التربية والتعليم منذ تاريخ 28/8/2001، تمهيدا لصرف ما يستحقه من رواتب، غير مستجيبة لرأي الجهات الأمنية التي أوصت ديوان الموظفين العام بعدم تعيين المواطن المذكور. وجاء في قرار المحكمة المذكور ما يلي: أ) حــول وقائــع الدعـــوى: شرح القرار المذكور وقائع الطلب (الدعوى) على لسان مقدمه. ومما جاء في القرار، أن المدعي" حاصل على شهادة الليسانس بتقدير جيد جداً من كلية التربية- قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر...، وأنه كان قد تقدم بطلب الحصول على وظيفة معلم بوزارة التربية والتعليم، وبعد أن إجتاز كافة المسابقات الكتابية والشفوية والطبية وإستكمال كافة الشروط القانونية تم قبوله للوظيفة من قبل ديوان الموظفين العام ووزارة التربية والتعليم. وقام المستدعي بمباشرة عمله منذ تاريخ 28/8/2001. وقد قام بعمله خير قيام وحصل في تقاريره السنوية على تقدير جيد جداً. منذ ذلك التاريخ، لم يتم صرف مرتبه بسبب عدم الموافقة الأمنية من جهاز المخابرات، بالرغم من ورود الموافقة من جهاز الأمن الوقائي، مما حدا به إلى توجيه كتاب إلى المستدعى ضده (ديوان الموظفين العام)، لم يتفضل بالرد عليه، مما حدا (بالمستدعي) إلى تقديم هذا الطلب (الدعوى)". وتوصلت المحكمة مما جاء في وقائع الدعوى إلى الحقائق التالية: - أن المستدعي رُشّح للعمل كمدرّس في التربية والتعليم، بعد أن إجتاز الإختبارات الشفوية والتجريبية. وقد تسلّم العمل في المدرسة بتاريخ 28/8/2001، وباشر عمله بالفعل بتاريخ 3/9/2001. - لا يوجد لدى وزارة التربية والتعليم أو ديوان الموظفين العام أي مانع من تعيين المستدعي، لولا معارضة بعض الجهات الأمنية، التي وافق بعضها وعارض البعض الآخر. - بعد إدعاء إحدى جهات الأمن أن المستدعي يعاني من أمراض وإكتئاب، ثبت من الفحص الطبي الذي أجرته اللجنة الطبية للمرة الثانية، سلامة المستدعي من أي أمراض عضوية أو نفسية أو عقلية، بما يستشف منه إصرار الجهة الأمنية في ممانعة تعيين المستدعي المذكور بأي وسيلة. - بعد التحقيق مع المستدعي من قبل النيابة العامة، لم توجه له أي تهمة وقرّر النائب العام، أنه لا مانع في عودته إلى عمله. - أبرزت شهادة المستشار القانوني لديوان الموظفين العام قوله:" أن القانون نصّ على خلو المتقدم (إلى الوظيفة) من السوابق، إلا أن العمل درج على تنفيذ التعليمات السارية في الديوان، (وهي أخذ) موافقة الجهات الأمنية". كما أفاد المستشار القانوني أن سبب معارضة إحدى الجهات الأمنية تعيين المواطن ديب المذكور يرجع إلى طبيعة إنتمائه السياسي. ب) الحكـــم: بناء على ما سبق، قضت المحكمة بأن عدم تعيين المواطن ديب المذكور في وظيفة مدرّس في وزارة التربية والتعليم مخالف للقانون الأساسي، ولقانون الخدمة المدنية. وأشار القرار إلى المادة 9 من القانون الأساسي الفلسطيني، التي نصّت على أن:" الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة". كما قضت المحكمة بـ" أن المادة الرابعة والعشرين من قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 نصّت في فقرتها الرابعة على أنه يشترط في من يعين في أي وظيفة بالإضافة إلى (ما جاء في) الفقرات السابقة أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية غير محكوم عليه من محكمة فلسطينية مختصة بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يرد إليه إعتباره، الأمر الذي لم يتحقق بحق المستدعي. فلم تقدم بحقه صحيفة سوابق (تثبت) أنه حُكم بأية جناية أو جنحة مخلة بالشرف، وهذا هو الشرط الوحيد في هذا الموضوع الذي يتعيين الأخذ به ومراعاته". كما ألزمت المحكمة الجهات الإدارية صاحبة الإختصاص بإستكمال إجراءات تعيين المواطن هشام ديب المذكور منذ تاريخ إستلامه للعمل بوزارة التربية والتعليم من تاريخ 28/8/2001، تمهيدا لصرف ما يستحقه من رواتب. ثالثاً: إستنتاجـــات وتوصيــــات مما جاء في التقرير نستنتج ما يلي: 1. لا يقوم ديوان الموظفين بتعيين أي شخص في الخدمة المدنية، إلا بعد أخذ موافقة الجهات الأمنية على هذا التعيين. وفي الحالات التي يتم فيها التعيين دون إنتظار توصية الجهات الأمنية، يلتزم الشخص المعيّن بترك الخدمة دون أية حقوق، إذا مانعت الجهات الأمنية في التعيين. 2. يقوم ديوان الموظفين، بالعادة، بإتخاذ الإجراءات الإدارية التأديبية بحق الموظف العام بنفسه، غير أنه في حالات إستثنائية أخرى يقوم بإتخاذ تلك الإجراءات بناء على توصية وطلب من الجهات الأمنية، بالرغم من عدم قانونية هذا الإجراء. 3. بعد إقرار قانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم 4 لسنة 1998، لا يوجد أية أحكام قانونية فلسطينية نافذة تلزم ديوان الموظفين بأخذ رأي الجهات الأمنية فيمن يعين في الخدمة المدنية. كما لا يوجد أية أحكام قانونية تخوّل الجهات الأمنية الفلسطينية الطلب من ديوان الموظفين إتخاذ أي إجراء إداري بحق موظف عام، كفصله أو حرمانه من راتبه. 4. فوّض القانون السلطة القضائية تحديد أحد شروط من يتولى الوظيفة العامة، عندما إشترط في الشخص المعين في الوظيفة العامة أن لا يكون محكوما من محكمة فلسطينية مختصة بجنحة أو جناية مخلة بالشرف والأمانة. غير أن الجهات الأمنية تصدر توصيتها بعدم التعيين أو الفصل من الخدمة العامة ليس بناء على حكم قضائي، وإنما بناء على تحقيقاتها الذاتية التي تشير إلى إرتكاب الشخص فعل يستحق العقاب عليه من القضاء. 5. أعلن القضاء الفلسطيني رأيه في الإجراء الإداري الذي يتم بمعرفة الجهات الأمنية في مجال الوظيفة العامة، وقضى بعدم قانونية الإجراءات التي تتخذها الجهات الإدارية المختصة في مجال الوظيفة العامة، إذا تمت هذه الإجراءات بناء على توصية من الجهات الأمنية. كما كشفت بعض قرارات المحاكم عن وجود تعارض بين توصيات الجهات الأمنية المختلفة، حيث وافقت بعضها على التعيين ورفضت الأخرى. من أجل حماية حق المواطن في تقلّد الوظائف العامة، وفي نفس الوقت حماية الوظيفة العامة من التعدي عليها، توصي الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن الإدارات الفلسطينية عامة، وديوان الموظفين العام والأجهزة الأمنية خاصة، بما يلي: 1. ضرورة توقف الجهات الأمنية المختلفة عن التدخل في إجراءات التعيين أو الفصل من الوظيفة العامة، وذلك لعدم وجود أي دور قانوني لها في التشريعات النافذة. 2. ضرورة توقف الجهات الإدارية عن فصل الموظفين العموميين أو الإمتناع عن تعيينهم بالإستناد إلى توصيات الجهات الأمنية. 3. ضرورة وقف العمل بالأعراف الإدارية غير القانونية المعمول بها لدى ديوان الموظفين العام، والقاضية بعرض أي طلب تعيين في الوظيفة العامة على الأجهزة الأمنية لأخذ موافقتها. 4. ضرورة إعتماد الجهات الإدارية على أحكام المحاكم لتحديد الأشخاص المحكومين، الذين يفتقدوا أحد شروط تقلّد الوظيفة العامة، وعدم الإعتماد على الشبهات التي تثيرها الأجهزة الأمنية. 5. ضرورة إتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية فيما يتعلق بتعيين الموظفين أو في التحقيق معهم، وإيقاع العقوبات التأديبية بحقهم. 6. ضرورة إعادة النظر في ملفات الأشخاص الذين أتخذت بحقهم إجراءات غير قانونية، بناء على توصية الجهات الأمنية، وإنصاف المتضررين من هذه التوصيات، وإعادة من فصل منهم إلى وظيفته، ومنحهم مستحقاتهم المالية، والترقيات اللازمة عن سنوات خدمتهم السابقة على الفصل. 7. في حال الحاجة إلى إعطاء الجهات الأمنية صلاحيات معينة في مجال الوظيفة العامة، فإنه من الضروري أن تسلك هذه الجهات الطريق القانوني السليم في هذا الشأن، وذلك بتعديل التشريعات النافذة بهذا الشأن. 8. ضرورة أن يقوم الشخص المتضرر من توصية إحدى الجهات الأمنية بالطعن في قرار الإدارة أمام القضاء الفلسطيني المختص، وذلك لمخالفة مثل هذه القرارات للقوانين النافذة. 9. ضرورة أن يقوم المجلس التشريعي، بما يملك من أدوات الرقابة على السلطة التنفيذية، بمساءلتها عن عدم تنفيذ أحكام القوانين عموماً، والقوانين ذات العلاقة بالخدمة المدنية على وجه الخصوص. وأخيراً، إنّ سيادة القانون تفترض بالضرورة الإلتزام بالقانون من الكافة، ومن باب أولى الإلتزام بالقانون من الجهات الرسمية، المكلّفة أصلاً بتنفيذ القانون، ومحاسبة الخارجين عليه. اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647 القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14 حي المصايف، رام الله الرمز البريدي P6058131
للانضمام الى القائمة البريدية
|