مفتاح
2024 . الجمعة 26 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


حوادث إطلاق النار والقتل العشوائي وشبه العشوائي وتهديدات رئيس الوزراء الفلسطيني بتجميد عمل الوزارة يعيد مجدداً فتح ملف الانفلات الأمني في قطاع غزة والضفة الغربية ليعود السؤال القديم الجديد "هل من طريق؟"

"الشارع الفلسطيني يعيش انفلاتاً أمنياً" هكذا أجاب 94.1% من الشارع الفلسطيني في استطلاع الرأي العام الذي أجرته الهيئة العامة للاستعلامات –غزة- مؤخراً. نسبة مذهلة من الاتفاق على تعريف لا تشخيص الحالة التي تعيشها الأرض المباركة وبالأخص قطاع غزة, والتي يتضح منها بشكل جلي استفحال الشعور بالمشكلة أو القصور في فهم و تحديد مدلول الانفلات الأمني. ومن نافلة القول أن من الأجدر أولاً خلق الوعي بالمفاهيم ومدلولاتها وأسبابها قبل الخوض في استطلاعات رأي تضلل أو تحجب نصف الحقيقة.

الاستطلاع حمل الفصائل مجتمعة المسئولية بنسبة 35%. وتجدر الإشارة هنا إلى تجاوز محدود لبعض الفصائل نابع عن تجاوزات إدارية وفنية وليس تقصداً لتكريس حالة تفرد وهيمنة بالقرار والواقع الأمني. بينما أجاب 57.5% أن السلطات الثلاث هي المسئولة عن الانفلات, فقط 10.4% حملوا المسئولية للسلطة التنفيذية وحدها.

عدم تطبيق القانون ليست ظاهرة جديدة بل قديمة وربما تزامنت مع نهاية الانتفاضة الأولى وتكرست في ظل السلطة عبر تنوع وتعدد الأجهزة وتناحرها واستقوائها واستفحلت في ظل انتفاضة الأقصى وأعلى من بروزها ضياع هيبة السلطة. ولكنها ظاهرة أصبحت كقميص عثمان تستدعى وقت الضرورة والحاجة ويخلق منها مبرراً لتكريس وقائع جديدة خدمة للبعض دون الآخر. ويجري إثارة القضية الآن باعتبار الوضع الداخلي لفتح والسلطة والتي تمر بأشد أزمة بعد أن بات الحديث عن فتح واحدة أو سلطة واحدة أمر غاية في الصعوبة. هذا عدا عن الدور الخارجي بشتى ألوانه والدي يسعى لترسيخ حالة التشرذم لحاجة في نفس يعقوب يسعى لقضائها.

إن ما يجري من أحداث لا يمكن أن نطلق عليها مصطلح انفلات أمني وفوضى، حيث الانفلات الأمني ينصب على قيام مجموعات مسلحة من المدنيين بممارسة عمليات اعتداء وإطلاق نار وقتل فوضوي ضد عناصر الأمن، وأفراد من الشعب. ما نراه حالياً هو العكس تماماً حيث أن هناك مجموعات مسلحة من الأمن ومن جهات غير رسمية محسوبة على جهات رسمية تقوم بعمليات اعتداء وقتل ومداهمات جميعها مخالفة للقانون والنظام (من أطلق النار على الجبالي وضربه واختطفه؟, من احتل مبنى ديوان الموظفين؟, من اقتحم دائرة الأراضي؟, من هاجم محافظة خان يونس؟ من أحرق مبنى المخابرات؟ من اختطف الأجانب؟ من أطلق النار في عزاء الرئيس؟ من أشاع الفوضى وأطلق النار في رام الله, من و من ومن؟؟؟). ففوضى السلاح يرعاها السلاح الرسمي الذي يظهر خارج القانون, وأصحاب النمر الحمراء (الحكومية) أكثر من يتجاوزون الإشارة الحمراء, القرارات القضائية غير ملزمة, وتنفيذ الأحكام القضائية يتم بشكل انتقائي (إدا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد) بالمناسبة 89.5% من العينة أجابوا أن القانون لا يطبق على الحاكم والمحكوم بالسواء...

على كل حال يمكن إرجاع أسباب دلك الانفلات والفوضى إلى أسباب متنوعة وجهات عدة فهي وليدة مشاكل داخلية في أجهزة السلطة وفتح، تفرزها التركيبة الداخلية وسياسة الشللية في السلطة وحالة الصراع والتدافع بين الأجيال في الحركة. أو أن تكون هذه المظاهر والممارسات مفتعلة من قبل جهات معينة لحرف دفة الانتفاضة والمقاومة إلى طريق مهلك، وإقناع الجمهور بعدم جدواها وخطورة الاستمرار فيها والانحراف باتجاه طريق التسوية. أو أن ما يحدث اليوم من مظاهر وممارسات (والتي يطلق عليها مصطلح الانفلات الأمني) هي نتاج الأزمة السياسية والنظام السياسي الفاسد، الذي تنخر فيه السلطة ونتاج عدم وجود أفق سياسي، فأصبح الدور المتاح للسلطة هو دور أمني فقط، هذه الحقيقة عملت على تصدع حركة فتح والسلطة. أو يمكن القول أن هذه المظاهر والممارسات هي نتاج تركيبة شخصية معقدة تمت عبر تربية الأجيال المتعاقبة في الشعب الفلسطيني على عدم احترام القانون وتجاوز النظام.

ولكن ما يثار حول الانفلات الأمني المقصود منه أحياناً تلبيس مسئولية الانفلات الأمني للغير لذلك لا بد من إحقاق الحق وتحديد الجهات المسئولة حالة الانفلات الأمني، وذلك بإثارة علامات تساؤل واستفهام حول اليد التي تقف وراء الممارسات والانتهاكات التي يطلق عليها فلتاناً أمنياً، من الذي لا يطبق القانون؟ من الذي يثير الفوضى؟ من الذي يعمل على تجاوز القانون؟ لابد هنا من إحصاء جميع المظاهر والحالات التي تمثل الانفلات الأمني ومن يقف وراءها ونشرها. ويجب أن يدرك الجميع أن عليه واجب حماية المجتمع الفلسطيني، و تعزيز الإصلاح والسعي نحو تحقيق سيادة القانون ومحاسبة المسئول علناً على التقصير أو الإهمال أو السرقة في أداء حقوق الناس، وذلك كله بشكل قانوني ومشروع، لذا لا بد أن تحدد القوى الفاعلة موقفها بشكل إيجابي من القضايا المدنية، ولا بد أن تفرق بين التعاطي مع المواقف السياسية والتعاطي مع الحياة المدنية اليومية. وهنا لا بد من تعزيز التفرقة عند أفراد المجتمع في التعامل بين شرطي المرور مثلاً والمسئولون عن الفساد، بين موظف الخدمات وأماكن الخدمة العامة، المستشفيات، الدوائر الحكومية، وبين الموقف القضائي والقانوني من المسئولين عن الفساد وممارستهم. لا بد أن يتعزز في مفهوم أبناء الشعب الفلسطيني أن ليس أحداً منهم غريباً عن مؤسسات الدولة والسلطة، بل هم شركاء في المجتمع ولهم الحق في الوظيفة، ولهم الحق في الخدمة كما عليهم الواجب في تحمل المسئولية كاملة سواء بسواء.

وحول النصائح المقترحة التعامل مع ظاهرة الانفلات الأمني 42.6% من العينة المستهدفة يري ضرورة محاسبة من يتجاوز القانون دون تهاون أو تمييز. وهنا يجدر القول أن من الضروري ملاحقة الظاهرة ثقافياً عبر ترسيخ مفهوم المجتمع المدني والحوار وتعزيز مبدأ الدفاع عن الحقوق، من خلال ندوات، ورشات عمل، دورات، تعميمات، بيانات...

كذلك لا بد من الملاحقة الإعلامية وذلك عبر إظهار حالة الانفلات الأمني أنها نابعة من الجهات المكلفة بإنفاذ القانون، والتركيز الإعلامي على أن ما يحدث هو إفراز لغياب القانون والانتقائية في تطبيقه قبل وأثناء الانتفاضة. لا بد من حصر المظاهر والممارسات التي تمثل ظاهرة الانفلات الأمني والإشارة لمن قام بها، ومن ثم الدعوة لتعزيز سيادة القانون وعدم الانتقائية في تطبيقه ورفض مبدأ استدعاء القانون عند الحاجة والمطالبة بتطبيق القانون على الجميع. ولا بد كذلك من إثارة الكتاب والصحافيين لتعزيز المبادئ السابقة وإظهارها في كتاباتهم أو حديثهم عبر الصحف والإذاعة والتلفزيون، كما لا بد أن يكون هناك بيانات داخلية وخارجية توضح تعزيز ذلك وتبين أن الجميع مع سيادة القانون وأن هناك رفضاً جماهيريا لحالة التسيب والانتقائية في تنفيذ القانون.

أما على صعيد الملاحقة القانونية يجب أولاً تسمية حالة الانفلات الأمني باسمها وهي غياب القانون والتركيز على أن من يمارس الانفلات الأمني هو من يجب أن يقضي عليه. مع المطالبة بأن يكون القانون والقانون وحده هو الحكم في الساحة الفلسطينية. وكذلك فلا بد من تبني قضايا الرأي العام في المجتمع المدني، وعدم الاقتصار على تبني القضايا السياسية، فيجب السعي إلى تبني القضايا المدنية والعامة عن طريق التحشيد وتكوين جماعات الضغط، واستخدام كافة الوسائل المشروعة من مسيرات ومراسلات واتصالات وغيرها من وسائل الضغط والتي تنتهي بالتوجه للمحكمة لنقل القضية إلى ساحة القضاء، والضغط من أجل تنفيذ الأحكام ولا ينبغي استثناء دور مؤسسات حقوق الإنسان. وعلى صعيد الملاحقة الاجتماعية فتتمثل في أن تؤدي العائلات والعشائر عبر مجالسها وتجمعاتها الاجتماعية دوراً ضاغطاً لصالح سيادة القانون بما يحقق العدالة لا ما يحقق الانتصار العائلي النتن. وكل ذلك لا يستثنى منه الدور الجماهيري والسياسي الضاغط عبر تشكيل لوبي يرفض كل الممارسات التي تبرز ظاهرة الانفلات الأمني سواء عبر رسائل الاحتجاج والمسيرات والاعتصامات.

الأمر جد خطير والنار ستحرق الأخضر واليابس إن لم يتداركها والبحر سيبتلع الجميع "اتقوا فتنةً لا تصيبن الدين ظلموا منكم خاصة" والسفينة ستغرق بالجميع إن لم يتم الأخذ على يد من يخرقها. هل سيتم التدارك عبر إصلاح شامل أم أن الخرق اتسع على الرقع؟ هذا ما ستكشفه الأيام والأسابيع القادمة الحبلى بكل جديد وغريب.

الحقائق (22/6/2005).

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required