مساحة للتعبير عن وجهات نظر حول القضايا السياسية وغيرها وتداعيات وانعكاسات الأحداث على الوضع الداخلي والعربي والدولي وتخصص للراغبين في طرح وجهة نظرهم بموضوعية ومهنية، بحرية تامة
×
بميزانية أولية مقدارها 40 مليون شيكل..
الفلسطينيون: المشروع سيغيّر معالم البلدة القديمة ويضعف الحركة التجارية والسياحية المقدسية القدس المحتلة – تقرير - حذر مسؤولون وخبراء فلسطينيون من التداعيات الخطيرة الناجمة عن شروع سلطات الاحتلال الإٍسرائيلي مؤخراً بتنفيذ مشروع يستهدف تغيير معالم منطقة باب الخليل وساحة ميدان عمر بن الخطاب بالبلدة القديمة من القدس. يأتي ذلك، بعد أن أنهت لجان التخطيط التابعة لبلدية الاحتلال في القدس مخططاتها بهذا الشأن ودفعت بآلياتها للعمل هناك، حيث تواصل جرافات تابعة لسلطة الآثار والبلدية أعمال التجريف أسفل الجدار الغربي لقلعة القدس التاريخية والتي تضم مسجد النبي داود تمهيداً لبناء سوق ومجمع تجاري وسياحي في باطن الأرض لاستقطاب الحركة التجارية والسياحية الوافدة وتحويل الدخول إلى البلدة القديمة عبر باب الخليل بعد ربطه بشارع يافا والتجمعات اليهودية في القطاع الغربي المحتل من مدينة القدس. ويقول خليل تفكجي خبير الاستيطان المعروف أن ما يجري في منطقة باب الخليل يأتي في سياق مشروع أشمل يستهدف تغيير معالم المنطقة هناك خاصة ميدان عمر بن الخطاب المفضي إلى البلدة القديمة وتحديداً حي الأرمن وحارة الشرف أو ما تعرف الآن بالحي اليهودي حيث تتركز الكثافة الاستيطانية داخل البلدة القديمة في هذا الحي والذي يقطنه نحو 3000 مستوطن، عدا المئات من المستوطنين وطلاب المدارس الدينية الموزعين على عشرات العقارات التي تم الاستيلاء عليها من مقدسيين. أضاف:" نحن نتحدث عن مشروع سياحي ضخم سيقام في المنطقة، بعد أن أنهت لجان التخطيط التابعة لبلدية الاحتلال عملها ووضعت الخرائط والأمور اللوجستية، وبدأت بتهيئة المكان ووضع المعدات والجرافات لأجل تنفيذ هذا المشروع خلال العام ٢٠٢٢. ويتضمن المشروع إقامة ساحات وأسواق ومجمعات تجارية وسياحية، ومتحفاً تحت الأرض، لوصول السياح الأجانب واليهود إلى باب الخليل من خلال عدة ساحات قريبة وزجاجية واستراحات للسياح. فيما رصدت حكومة الاحتلال عبر سلطة الآثار ميزانية بقيمة 40 مليون شيكل، حيث سينفذ هذا المشروع بمبادرة من مؤسسة "Clore Israel. ويخشى المقدسيون من أن يؤدي المشروع الإسرائيلي هذا إلى انتكاسة إضافية للحركة التجارية والسياحية في البلدة القديمة والتي تعاني من ركود تجاري شبه تام ازداد تدهوراً مع جائحة كورونا، ما دفع العديد من التجار المقدسيين إلى إغلاق محلاتهم بحثاً عن مصادر رزق لعائلاتهم كما قال وليد الدجاني مدير فندق الإمبريال في باب الخليل والذي تخوض عائلته منذ نحو عقدين أو يزيد صراعاً قضائيا مع جمعيات استيطانية تدعي ملكيتها للفندق المملوك أصلاً لبطريركية الروم الأرثوذكس. وحذر الدجاني من التداعيات الديمغرافية لما يجري في المنطقة خاصة على الوجود المسيحي الفلسطيني في البلدة القديمة والذي لا يتجاوز حاليا 1% فقط من مجموع سكان القدس القديمة البالغ عددهم نحو أربعين ألف نسمة. وكانت تقديرات سابقة أشارت إلى ارتفاع بنسبة المحال التجارية التي أغلقها المقدسيون خلال جائحة كورونا ونتيجة الضرائب المفروضة عليهم إلى نحو 5% ليصل عدد تلك المحال إلى ما يقارب أل 350 محلاً اضطر أصحابها إلى إغلاقها على مدى سنوات الاحتلال والتحول إلى أماكن عمل بديلة، على ما أكده رئيس لجنة التجار المقدسيين وأمين سر الغرفة التجارية السابق حجازي الرشق/ مشيراً إلى أن الأوضاع في البلدة القديمة تحديداً هي الأسوأ حيث يمنى التجار يومياً بخسائر فادحة بسبب حالة الركود التجاري والتي تفاقمت مع ممارسات الاحتلال ضد الوافدين إليها وإخضاعهم لعمليات مهينة والتضييق على حركتهم. بدوره، قال طوني خشرم رئيس جمعية السياحة الوافدة في الأراضي المقدسة تعليقاً على ما يجري من تغيير لمعالم باب الخليل، أن توني خشرم أن التوجه الحالي للاحتلال يقوم على جعل القدس "مكة" اليهود عالميا أي للحجاج اليهود فقط، حيث يحكم اليهود الارثوذكس والمتدينين المتشددين القدس بالمال والسياسة وهم الذين يستثمرون أموالاً كثيرة في المواقع الدينية اليهودية في البلدة القديمة. في حين أن الاماكن المقدسة المسيحية والاسلامية هي بمثابة مواقع أثرية غير مهمة لليهود. أضاف:" باب الخليل هو الأسهل لدخول اليهود من القدس الغربية الى حائط البراق مشياً على الأٌقدام أو بالسيارات ومستقبلا بوسائل تنقل اخرى وفيما يتعلق بمستقبل الحركة التجارية بالبلدة القديمة على ضوء تنفيذ هذا المشروع قال خشرم:" بالنسبة للحركة التجارية في البلدة القديمة ستبقى ضعيفة جدا لأن اعتمادها على السياحة المسيحية والاسلامية ولا تعتمد على "السياحة اليهودية". ولفت خشرم في هذا الصدد إلى أن عدد السياح المسيحيين والمسلمين في سنة ٢٠١٩ كان أعلى رقم منذ ١٩٤٨، وقد شكلوا ٣٥٪ من مجموع السياح الذين دخلوا الاراضي المقدسة ومن جميع المعابر، أما الباقي فهم ٦٥٪ هم من اليهود الاجانب. ولا ينفصل ما يجري تنفيذه من مشاريع تهويد في القدس القديمة عن لب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خاصة فيما يتعلق بموضوع الرواية، وفي هذا يقول خشرم: “الجميع يعرف أن اليهود في "اسرائيل" والخارج لم يتوقفوا يوما واحدًا منذ ١٩٤٨ على ترويج فكرة بناء هيكل سليمان ونحن في مجال السياحة نعرف ذلك تماما ونسمعه دائما من قبل السائح الوافد.، علماً بأن حجم الاموال التي تقوم "إسرائيل" بتجنيدها من دول العالم والمنظمات اليهودية في الخارج بخصوص القدس ومشاريعهم الاستيطانية كبيرة جدا، وهذه الأموال تشغل جميع مزودي الخدمات السياحية والمقاولين وكل القطاعات الاقتصادية الأخرى في القدس والتي يمتلكها اليهود". بيد أن ضخ الأموال لتعزيز التواجد الديمغرافي الاستيطاني في البلدة القديمة لا يقتصر على ما تموله الحكومة الإسرائيلية من مشاريع تلتقي جميعها عند هدف واحد وهو تهويد المدينة المقدسة لكاملها، بل تمتد إلى مصادر أخرى أبرزها ما يضخ من ملايين الدولارات من قبل أثرياء يهود يقيمون في الولايات المتحدة الأميركية ومن أ[رزها المليونير اليهودي الأميركي إيرفينغ موسكوفيتش الذي يضخ سنوياً ما قيمته 100 مليون دولار تشكل مصدراً رئيسيا لأنشطة الجمعيات الاستيطانية اليهودية الناشطة في الاستيلاء على عقارات المقدسيين في القدس القديمة وسلوان والشيخ جراح، وبفضل هذه الأموال شيد حيّان استيطانيان في رأس العامود يطلق عليه "معاليه هزيتيم"، أما الحي الآخر فيقع في قلب الشيخ جراح ويطلق عليه "حي موسكوفيتش" الذي أقيم على أنقاض فندق شبرد.
![]()
×
محللون وخبراء: تسوية وتسجيل أملاك الفلسطينيين هدفها نقل جزء كبير من الأملاك إلى سلطة الاحتلال
حذّر محللون سياسيون وخبراء في مجال الأراضي من أن تطبيق قانون تسجيل الأراضي والعقارات الذي بادر لطرحه ما يسمى بالصندوق القومي الإسرائيلي “الكيرن كييمت” والذي يشمل تسجيل آلاف الدونمات والعقارات في الداخل الفلسطيني خاصة في القدس لصالح هذا الصندوق يشكل أداة اخرى من أدوات الاحتلال لاستلاب أراضي الفلسطينيين وإجراء من إجراءات التهويد لمدينة القدس بعد تهويد أسماء الشوارع والأحياء ومحاولة أسرلة المواطنين. ثغرات وفجوات ويرى راسم عبيدات المحلل السياسي والإعلامي، أن الأحياء او المناطق التي جرى اختيار تطبيق قانون تسوية الأملاك فيها، لم يكن بمحض الصدفة، فحكومة الاحتلال وما يسمى بالصندوق القومي اليهودي "كاكال" يعتقدون بوجود ثغرات في تلك المناطق تساعد سلطات الاحتلال والصندوق على السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين، أو وجود مستوطنات قريبة في المنطقة، أو عدم وجود تسوية خلال الإدارة الأردنية للضفة الغربية بما فيها القدس. وأشار عبيدات إلى أن من بين الملفات التي سيتم فحصها وتسجيلها هناك حوالي 530 ملفا في الضفة الغربية و2050 ملفا في القدس تشمل 2000 قطعة أرض في مدينة القدس تصل مساحتها إلى 2500 دونم. أضاف:" مشروع تسوية الأملاك والأراضي في مدينة القدس هو مشروع تهويدي بامتياز يهدف الى تعزيز السيطرة على المدينة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها تحت ما يسمى ب" القدس الموحدة"، وتعزيز الاستيطان ومزيد من الاستيلاء على الأراضي وطرد وتهجير السكان الأصليين، في حين أن تفعيل وتطبيق ما يسمى بقانون أملاك الغائبين، بحيث تسيطر دولة الاحتلال على أملاك المقدسيين المقيمين في الخارج او حتى خارج القدس في مدن الضفة، من شأنه إضفاء الشرعية على عمليات تزوير وتزيف الأراضي والممتلكات والقيام بتسريبها بشكل قانوني". وقال:" هذا الوضع سيدفع المواطن المقدسي إلى دفع مبالغ مالية طائلة كتكاليف لعمليات تسجيل الأراضي، وإدخال العائلات في خلافات داخلية واحتراب عشائري حول الملكية، مع عدم توفر الأوراق والوثائق الثبوتية لعمليات التسجيل واثبات الملكية". أعمال التسوية من ناحيته قال خليل تفكجي خبير الأراضي والاستيطان، أنه بعد عام 1967 أوقفت إسرائيل أعمال التسوية المتعلقة بتسجيل الأراضي، ومنذ ذلك العام وحتى اليوم تم اتخاذ العديد من الإجراءات على هذه الأراضي منها ما تم بيعه، ومنها ما تم مصادرته، واليوم الجانب الاسرائيلي في قضية تسجيل هذه الاملاك إنما يريد أن يضرب بحجر واحد أكثر من عصفور من خلال نقل ما تدعيه سلطات الاحتلال أنها أملاك يهودية من أسماء اشخاص إلى الكيرن كييمت الاسرائيلي الذي لا يسمح بالبيع للعرب، نظراً لحدوث أعمال بيع من يهود إلى عرب، وفي نفس الوقت يريد أن يسجل جزءاً كبيراً من هذه الاملاك كأملاك غائبين، وبالتالي نقلها إلى حارس أملاك الغائبين، وفي الجزء الثالث من هذا الإطار يريد أن يسجل جزءاً من هذه الأملاك كأملاك بلدية التي تم مصادرة أراضيها وأقيمت عليها مدارس، بالإضافة إلى أن هناك مصادرات تمت منذ العام 1967 وحتى عام 1995 صودرت الأراضي فيها باعتبارها للمصلحة العامة، وبالتالي هو يريد أن ينقل الأملاك من أملاك شخصية فلسطينية إلى سلطة الأراضي أو أملاك الدولة. يضاف إلى هذا وذاك، ما يدخل في أعمال التسوية، وهو وجود مناطق سيتم إقامة مستوطنات عليها جزء منها استملكت باعتبارها كانت خزينة للمملكة الأردنية الهاشمية، يضاف إلى ذلك أملاك الكنيسة اللوثرية التي تم مصادرتها. وأشار تفكجي إلى قضية أخرى تتعلق بمستقبل عملية التسوية، وهي نسبة كبيرة من الأراضي التي تعود لمسلمين ومسيحيين ونتيجة للإرث تحولت مساحات كبيرة منها إلى قطع صغيرة، جزء كبير منها هي أملاك غائبين، وبالتالي يتدخل حارس أملاك الغائبين في هذه الأراضي ولا يسمح باستثمارها أو بيعها أو شرائها إلا بإذن من هذا الحارس. وعليه، فإن أعمال التسوية هي جزء من أعمال التهويد لمدينة القدس بعد تهويد الإنسان وأسماء الشوارع ونقل جزء كبير من الأملاك إلى الدولة. ملابسات عمليات الشراء وفيما يتعلق بملابسات وظروف عمليات الشراء التي تمت لأراض في فلسطين قبل العام 1948 أوضح تفكجي:" هي بالأصل كانت أملاك يهودية ضمن الفلسطينيين اليهود الذين كانوا يقطنون في هذه المنطقة وأديرت منذ عام 1948 وحتى عام 67 من قبل "حارس أملاك العدو الأردني" – وهي هيئة كان يرأسها موظف أردني مهمتها الحفاظ على أملاك كانت بملكية اليهود قبل العام 1948 – ومثل هذه الأراضي موجودة في شعفاط وبيت حنينا، بما في ذلك أراضي تقع في المنطقة الغربية من حي الشيخ جراح والمعروفة ب "كبانية أم هارون"، وكذلك بيوت العائلات المقدسية المهددة بالتهجير القسري من منازلها في المنطقة الشرقية من الحي، وفي مناطق أخرى. أيضا هناك أراض تم شراؤها بعد عام 67 وهذه الأراضي غير المسجلة في الطابو، واليوم يريد الاحتلال تسجيلها في الطابو، إضافة إلى الأملاك التي صودرت للمصلحة العامة، ولم يتم استعمالها حتى اللحظة حيث يريد الآن أن ينقلها إلى أملاك لدولة. وحسب التقديرات الإسرائيلية يوجد هناك حوالي 2500 دونم تشمل أراض في بلدتي كفر عقب ورافات حيث توجد هناك أراض مبني عليها سكن، فيما يقوم أرييه كينغ كل يوم بالذهاب إلى القاطنين في هاتين البلدتين، زاعماً بأنهم يقيمون على أراض يهودية، وكذلك نقل جزء من أملاك الغائبين ومنها فندق شبرد الذي يعود لعائلة الحسيني إلى حارس أملاك الغائبين أو لسلطة التطوير أو إلى أملاك الدولة". أملاك الورثة في الخارج ويلفت تفكجي إلى وجود مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالأملاك، وهي أن جزءا كبيراً منها تعود لورثة يقيمون خارج البلاد، وحسب نظام التسوية، فإن على هؤلاء أن يبرزوا ملكيتهم للأرض، وإذا فعلوا ذلك أو لم يفعلوا، تعتبر أملاك غائبين بسبب إقامتهم في الخارج، بمعنى أن هذه الأرض غير معرّفة الأصحاب وبالتالي يتم تسجيلها ضمن أموال الدولة. يضيف:" هنالك إشكالية أخرى في قضية تسوية الأراضي، حيث يتوقع أن يتم مستقبلاً فتح مشاريع إسرائيلية لا نعرفها الآن، ولكن ستتبين فيما بعد، وبالتالي هي تريد أن تستعجل في عملية تسجيل هذه الأراضي حتى يمكنها إقامة هذه المشاريع. الأملاك الفلسطينية المتروكة وحول مصير الأملاك الفلسطينية المتروكة وما إذا كان بالإمكان المطالبة باستردادها، يقول تفكجي:" إذا تركت للجانب الإسرائيلي، لا يمكن معالجتها لأنها باتت قضية سياسية.. وهناك أملاك مصادرة للمصلحة العامة حسب قانون 1943.. إذن هناك إشكالية لدى الجانب الفلسطيني.. وبالتالي تصبح القضية سياسية أكثر من أنها قانونية، والقانون يخدم الجانب الإسرائيلي سواء كان هذا القانون من الفترة الأردنية أو الانجليزية أو العثمانية، لأن الأراضي المتروكة حسب القانون العثماني ستعود للدولة القائمة أو الوريثة".
![]() ![]()
![]() ![]()
×
هبة باب العامود، حملة التضامن مع حي الشيخ جراح، العدوان على غزة وأجندة المرأة، السلام والأمن
خلال ما يزيد على شهرين من الحراك الفلسطيني ضد انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، برزت فيها المرأة الفلسطينية الناشطة، المدافعة عن حقوق الإنسان والمتضامنة مع القضايا الإنسانية، شريكة النضال بأشكاله، وضحية جرائم الاحتلال. وبناء عليه يقوم تحليل الأحداث الأخيرة والمستمرة في ضوء أجندة المرأة، السلام والأمن على أن حالة حقوق النساء في الأراضي الفلسطينية المحتلة ترتبط بحالة حقوق الإنسان ككل ؛ وبالتالي فإن تحسين واقع النساء الفلسطينيات لا ينفصل عن التوصيف الدقيق للاحتلال الإسرائيلي باعتباره منظومة سيطرة مركبة مبنية على ثلاثة مفاعيل رئيسية؛ الاحتلال العسكري، الحكم الاستعماري والاستيطان إذ ترجم الاحتلال الإسرائيلي هذه المفاعيل الثلاثة في انتهاكات بارزة ضد حقوق الفلسطينيين المدنيين في أماكن تواجدهم (القدس المحتلة، الضفة الغربية، قطاع غزة، المخيمات الفلسطينية والشتات والداخل الفلسطيني المحتل) . وفي هذا السياق يعتبر قرار مجلس الأمن 1325 الأكثر علاقة بالنساء الفلسطينيات تحت الاحتلال إذ يتناول أربعة عناصر متكاملة؛ الوقاية، الحماية، المسائلة والمشاركة . حيث يبني القرار رؤيته على أساس أن وقاية وحماية النساء كونهن الأكثر تضرراً من النزاعات هو الخطوة الأولى لتعزيز مشاركتهن في عملية بناء السلام وبالتالي تحقيق نتيجة أفضل للسلام العالمي؛ دون إغفال لأهمية محاسبة الجناة ومنع الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ولأجل ذلك فإن إنهاء الاحتلال هو المطلب الأساسي للجهات الفاعلة في إطار أجندة المرأة، السلام والأمن . تحاول المقالة بيان أثر انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان خلال الهبة الأخيرة على النساء الفلسطينيات في القدس الشرقية وقطاع غزة، وتحليل أثر تلك الانتهاكات على تفعيل أجندة المرأة، السلام والأمن في فلسطين. نظرة عامة: المشهد المستمر في القدس المحتلة؛ شهدت القدس اعتداءات متواصلة منذ نيسان،2021 حيث اقتحمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي فيها الأماكن الدينية المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني؛ وهاجمت المرابطات وأصدرت أوامر عسكرية بمنع دخولهن المسجد الأقصى أو التواجد في محيط باب العامود، وإذ أججت دعوات المستوطنين لاقتحامات المسجد الأقصى بشكل متكرر الشعور الجمعي للفلسطينيين بالرفض، تزامن مع اشتداد وتيرة التهجير القسري الذي يهدد المدينة وبشكل خاص وأكثر وضوحاً في سلوان وحي الشيخ جراح. من المهم التنويه في معرض استعراض الانتهاكات الأخيرة في القدس الشرقية بأن المدينة تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي العسكري منذ عام 1967، وبالتالي فإن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان هما الواجهة القانونية الشرعية التي تحكم العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر . ولأغراض استعراض الأحداث في القدس المحتلة خلال نيسان وأيار 2021 تصنف المقالة الانتهاكات المتعاقبة وفقاً لما يلي:
لا يمكن حصر التحديات التي تواجه تفعيل أجندة المرأة، السلام والأمن في فلسطين ولكن على الأقل يمكن حصر أسباب محدوديتها. إن التحدي الأكبر الذي يواجه المرأة الفلسطينية في إطار أجندة المرأة، السلام والأمن، هو غياب الأمن في ظل منظومة سيطرة استعمار استيطاني إحلالي، يستهدف الفلسطينيين والفلسطينيات ويقنن إقصائهم عن بلادهم وتفكيك بنية المجتمع الطبيعي فضلاً عن الاعتداء المستمر، ما يجعل الضغط الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية ضغطاً مركباً اجتماعياً وسياسياً؛ ومهما عملت اللجان الفاعلة على تمكين وتعزيز مشاركة النساء ضمن منظومة الحقوق المدنية، فإنها تصطدم بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وتجعل جملة التدخلات قليلة الأثر إن لم تكن معدومة. وبناء عليه، فإن تفعيل أجندة المرأة، السلام والأمن يتطلب توفير تلك المقومات ليكون سعينا نحو بناء سلام عالمي مستند إلى رؤية نسوية تقوم على مشاركة النساء على قدم المساواة في عملية صنع السلام. إن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي خلال الشهرين الماضيين والتي تم استعراض بعضها من خلال هذا المقال، خلفت آثارها الجسيمة على النساء الفلسطينيات، فقد قتلت 39 امرأة في قطاع غزة، وفقدت ما يزيد عن 265 امرأة تقريباً فرداً من عائلتها قرابة درجة أولى، وخسرت آلاف النساء ملاذ العائلة الآمن "البيت" إثر تدمير المنشآت السكنية في قطاع غزة، وتعيش 250 امرأة تحت الخوف والخطر المحدق بخسارة منزلها في حي الشيخ جراح، فضلاً عن آلاف النساء في بلدة سلوان، وحرمت الفلسطينيات من حرية الحركة والتنقل، والحق في ممارسة الشعائر الدينية. بهذا يستمر الاحتلال الإسرائيلي في خلق ظروف قاهرة تعيق أي إمكانية للتنمية والتقدم ما ينعكس على واقع النساء الفلسطينيات، ومساهمتهن في إطار أجندة المرأة، السلام والأمن؛ وبناء عليه، فإنه من الواجب الإنساني التعامل الفوري مع آثار انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وإدانة إسرائيل على جرائمها بحق الفلسطينيين، ومحاسبة الجناة وضمان عدم تكرار المآسي المتلاحقة؛ ضمن إطار أجندة المرأة، السلام والأمن. يمكن عبر تفعيل قرار مجلس الأمن 1325 كأداة سياسية لإنهاء الاحتلال تحقيق العناصر الأربعة الأساسية؛ الحماية من النزاعات، الوقاية من الاضرار الناتجة عن النزاعات، المشاركة في عملية بناء السلام ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب ومنع الإفلات من العقاب. تخلص المقالة إلى التوصيات الآتية:
المراجع
×
المقدسيون: عقوبات صارمة تهدد إقامتهم وتمهد لترحيل المئات قسرياً
القدس المحتلة – خطر جديد يتهدد النشطاء المقدسيون وأفراد عائلاتهم على خلفية مشاركتهم أو اتهامهم بالمشاركة في هبّة الكرامة الأخيرة، ما ينذر بعمليات ترحيل وتهجير قسري لعشرات العائلات، بعد أن أبلغت سلطات الاحتلال الأسرى والنشطاء ومن حولوا للاعتقال الإداري بقرارها إسقاط الحقوق الصحية والاجتماعية والاقتصادية عن وعن عائلاتهم، وهي خطوة ستليها فقدان هؤلاء حق الإقامة الدائمة في القدس المحتلة. ويصف زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية – وهي مؤسسة مقدسية تعنى برصد انتهاكات الاحتلال في القدس المحتلة – هذا التطور بالخطير جداً وإن كان متوقعاً، مشيراً إلى أن مثل هذا الإجراء كان بدئ به قبل نحو خمسة عشر عاماً بحق الأسٍرى والمعتقلين المقدسيين، وكان برز لأول مرة في قضية الأسير شادي الشرفا من حي واد الجوز في المدينة المقدسة، إلا أن المركز وبعد توجهه إلى القضاء نجح في حينه نجح بتجميد هذا القرار. بيد أنّ الحموري يرى في القرارات الجديدة ادعاءات غريبة عجيبة، وفيها نوع من الخدعة. فالأسير المحرر ناصر أبو خضير على سبيل المثال مقيم في القدس وفي بلدته شعفاط تحديداً لم يغادرها إلى الضفة أبداً، وكان اعتقل أكثر من مرة من منزله وأعيد إطلاق سراحه إلى منزله هناك، حتى حين صدر الأمر بفرض الإقامة الجبرية عليه مؤخرا فرضت عليه في بلدته. ما حدث في قضية أبو خضير أنه توجه مؤخراً للعلاج، لكنه أبلغ من قبل العيادة التي يعالج فيه بأنه فقد حقه في التأمين الصحي هو وعائلته، بذريعة أنه غير مواطن، وحين فحص الموضوع لدى مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية اكتشف أنهم بعثوا له تحذيراً بهذا الخصوص بتاريخ 1/5/2021، وبعد ذلك بيومين اتخذوا قرارهم بإسقاط حقه في التأمين الصحي هو وعائلته أي بتاريخ 3/5/2021 دون إبلاغه كتابياً بذلك أو تلقي أي بلاغ أو إخطار بهذا الخصوص. وختم الحموري بالقول:" في قضية أبو خضير هذا يمكننا إذا قرر التوجه للقضاء أن نبطل جميع الادعاءات التي تذرعوا بها وأهمها إقامته في الضفة، لكن يتوقع أن يستبدل هذا الإداء بادعاء آخر مفاده عدم الولاء لدولة الاحتلال، وهي تهمة وجهت لنواب القدس من حركة حماس الذين أبعدوا إلى الضفة الغربية وفقدوا حق إقامتهم". أما المحامي، مدحت ديبة، وهو واحد من طاقم محامين يتابعون قضايا المعتقلين المقدسيين في الهبة الأخيرة، فاعتبر أن سحب التأمين الصحي والإقامة من المقدسيين موضوع قديم جديد تلجأ إليه الحكومة الإسرائيلية ممثلة بوزير داخليتها المسؤول عن الإقامة المرتبطة بالتأمين الصحي وسائر الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في كل أمر أمني يحدث في البلاد، مع ملاحظة أنه في الفترة الأخيرة صدرت عديد قرارات الاعتقال الإداري بحق النشطاء المقدسيين بمن فيهم نشطاء شباب وصل عددها في غضون عدة أيام 15 قراراً وهو عدد كبير في فترة زمنية وجيزة. وأشار ديبة، إلى أن جميع من تم إسقاط الحقوق الصحية عنهم مؤخراً لم يتلقوا أي بلاغ بهذا الخصوص، وهو إجراء غير قانوني يستهدف إفقاد هؤلاء حق هم في الاستئناف على تلك القرارات في فترة يحددها القانون ما بين 30 – 45 يوماً، يلي ذلك التوجه إلى محكمة العمل للاعتراض على تلك القرارات. ولفت في هذا السياق، إلى قيام مؤسسة التأمين الوطني بالتسجيل في السجلات الداخلية لوزارة الداخلية بخصوص من أسقطوا عنهم حقوقهم في التأمين الصحي أنه تم إرسال هذا القرارات عبر البريد من خلال أرقام وهمية وغير صحيحة، وقد قمنا بفحص هذه الأرقام في موقع البريد فتبين لنا بأنها أرقام وهمية، وإنما وضعت تحايلاً على القانون حتى يتم تفويت الفرصة على الضحايا ومنعهم من تقديم الاعتراضات في فترة الاعتراضات المحددة حسب القانون، وهي ما بين 30 إلى 45 يوماً. وأكد ديبة ضرورة التحرك السريع لإبطال تلك القرارات التي تنافي قواعد القانون الدولي الإنساني والذي يمنع سلطة الاحتلال من تغيير الوضع القائم للمواطنين المحتلين من قبل دولة الاحتلال. كما يمكن التحرك لدى منظمات حقوق الإنسان ضد هذه الإجراءات الظالمة، والتوجه أيضاَ بشكوى للمحكمة الجنائية الدولية، علماً بأن الإجراءات الأخيرة تؤسس لشكل آخر من أشكال الترحيل والتهجير القسري بعد أن تفقد تلك العائلات حقها في الإقامة. ناصر أبو خضير نموذج الأسير المقدسي المحرر ناصر أبو خضير من بلدة شعفاط إلى الشمال من مدينة القدس نموذج ومثال حي لهذا الإجراء الاحتلالي الذي استهدفه وطال معه زوجته الأسيرة المحرر عبير أبو خضير وابنتهما بالإضافة إلى نجلهما عنان الذي اعتقل قبل أسبوع بتهمة التعرض لمستوطن كان حضر إلى محيط منزل العائلة وبحوزته سكين هدد فيه أهالي الحي الذي تقطن فيه عائلته. أبو خضير البالغ من العمر حاليا ستون عاماً أمضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال كان يعتقل من بيته في شعفاط وحين يفرج عنه كان يعود إليه وبالتالي هو مواطن أصلي في بلدته ومدينته لم يغادرهما أبداً للضفة الغربية، وهي الذريعة التي تذرعت بها سلطات الاحتلال لإسقاط حقوقه وحقوق عائلته الصحية والاجتماعية والاقتصادية بدعوى أنه غير مقيم في القدس. كان أبو خضير على مدى العقود الماضية وحتى لدى ترشحه لخوض الانتخابات العامة ضمن قائمة نبض هدفاً لسلطات الاحتلال، حيث أمضى تلك السنوات ما بين سجن وإطلاق سراح، وإبعاد عن الضفة الغربية ومنع دخولها، ثم تهديدات من قبل المخابرات الإسرائيلية تحذره من خوض الانتخابات العامة ضمن قائمة الجبهة الشعبية أو حماس. في حديثه يقول أبو خضير:" قبل أسبوعين تقريباً أبلغت لدى توجهي للعيادة الطبية بأنه تم قطع التأمين الصحي والوطني عني وعن زوجتي بحجة أنني لا أسكن القدس، وبأنني من سكان الضفة الغربية، وهذا يعني فقدان حق إقامتي في القدس، أي مقدمة لسحب هويتي المقدسية. لقد تسلمت مؤخراً قراراً بعدم دخول الضفة لمدة ستة اشهر، وقرار أسبق بعدم دخول كل أحياء القدس سوى مكان سكني حيث أقيم. أنا منذ ولادتي قبل ستين عاماً لم أغادر القدس الا زائرا لمعتقلاتهم، ولدت في القدس وعاهدت نفسي أن لا أموت إلا بين أحضانها وفوق ترابها، ومرحى لكل ضريبة ولكل ثمن ندفعه بكل قناعة دفاعا عن حقنا في الانغراس شوكة في خلق عدونا متمترسين في قدسنا والى الأبد". مع ذلك، يدعو أبو خضير إلى عدم الاستهانة أبداً بهذه الإجراءات الظالمة التي طالت حتى الآن أكثر من 20 أسيراً محرراً وناشطاً مع عائلاتهم. وربما غداً يصبح العدد خمسين وأكثر.. وفي حال تحول إلى نهج وممارسة يومية، فإننا سنجد المئات بل الآلاف قد فقدوا حق الإقامة وهجّروا قسرياً من مدينتهم التي ولدوا فيها وهم أهل هذه المدينة الأصليون والشرعيون. لذا يطالب أبو خضير مؤسسات حقوق الإنسان ومنظماتها المحلية والدولية إلى سرعة التحرك ولجم الاحتلال عن ممارساته غير القانونية والتي تنتهك حقوق المقدسيين كافة. إسقاط حق الإقامة بيْد أنّ الإجراءات الجديدة ضد هؤلاء الأسرى والنشطاء هي الأكثر خطورة وتأثيراً على المدى البعيد، حيث تفضي في النهاية إلى إسقاط حق الإقامة عنهم. وهو إجراء تكرّر سابقاً مع نواب القدس في المجلس التشريعي الفلسطيني، كما يقول الحموري. ويقدّر الحموري أعداد المقدسيين الذين فقدوا حق الإقامة وأُسقطت عنهم كامل حقوقهم الصحية، والاجتماعية، والاقتصادية منذ شرعت سلطات الاحتلال بتطبيق هذه السياسة مطلع التسعينيات، بنحو 20 ألف مقدسي، وبأعداد تتراوح سنوياً ما بين 800 و1000 مواطن. علماً أن ذروة هذه الإجراءات، سجلت ارتفاعاً في السنوات التي أعقبت استشهاد الفتى محمد أبو خضير في العام 2014. وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت قيب عدة سنوات التماساً تقدّمت به كل من جمعية حقوق المواطن ومركز الدفاع عن الفرد، "هموكيد"، تطالبان فيه بـ"وقف سياسة سحب الإقامات (الهويات) من سكان القدس الشرقية الفلسطينيين"، ومنحهم مكانة "مقيمين محميّين" من منطلق التمييز بين مكانتهم التي ترتكز على كونهم السكان الأصليين للمدينة، وبين مكانة الأجانب الذين هاجروا إلى البلاد وحصلوا على تصاريح إقامة دائمة. وتعتبر وزارة الداخلية الإسرائيلية أنّ الانتقال للعيش خارج القدس وفي باقي أنحاء الضفة الغربية أو قطاع غزة بمثابة الانتقال للعيش "خارج البلاد". وذلك، على الرغم من اعتراف إسرائيل باتفاقيات (أوسلو) بكون المقدسيين جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني في هذه الأراضي. وبهذه الطريقة، فقد كثير من الفلسطينيين مكانتهم القانونية على الرغم من أنّهم لا يزالون يسكنون على بعد أمتار عدة من بيوتهم. وتزايدت سياسة سحب الإقامات من سكان القدس بشكل كبير منذ عام 2006، كجزء من سياسة موجّهة تهدف لتقليص عدد السكان الفلسطينيين في القدس المحتلة، إذ سحبت الداخلية الإسرائيلية بطاقة الهوية من نحو 15000 مقدسي.
×
مشروع قانون حماية الأسرة بين مد وجزر
استمرّ مشروع قانون حماية الأسرة في فلسطين بين مد وجزر محلي داخل أروقة مؤسسات السلطة ومؤسسات المجتمع المدني منذ ما يزيد عن 10 سنوات، ولكن بعد الموافقة عليه بالقراءة الأولى، لقي مشروع القانون معارضةً شديدة في الوسط الفلسطيني، على اعتبار أنه مستنبط من اتفاقية "سيداو"، التي لاقت معارضة أيضاً. فقد قامت دولة فلسطين بتوقيع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والمصطلح عليها اختصاراً بـ “سيداو". وتم إقرار هذه الاتفاقية في الجمعية العامّة للأمم المتحدة عام 1979، ومنذ ذلك الحين، قامت 189 دولة بالتوقيع عليها، ومن ضمنهم معظم الدول العربية والإسلامية. ولقد جاء سياق الاتفاقية ليحمي حقوق المرأة من الاضطهاد حول العالم، كونها من أكثر الفئات اضطهاداً وتعرضاً للتمييز على أكثر من صعيد، وجسّدت أغلب بنود الاتفاقية انعكاساً للإجماع العالمي على مسائل مثل تجريم الاغتصاب والإساءة والتحرش والاستغلال الجنسي والاقتصادي للمرأة. لقد أطلق مئات المحامين حراكًا ضدّ هذا القانون ووقّعوا على عريضة للرئيس محمود عباس ولرئاسة الوزراء، ضد الاتفاقيات الدولية التي تفرض ما أسموه "بالنموذج الغربي" على الأسرة الفلسطينية، إلى جانب إرفاق دراسات قانونية تبين أخطار اعتماد وإصدار قانون حماية الأسرة، مؤكدين أنه سطو على المرجعية الدينية والفكرية، وأن صاحب القول الفصل في مثل هذه القوانين هو المجلس التشريعي. كما سيشجع القانون، حسب اعتقادهم، على خلق حالة من الانفلات الاجتماعي وربما الأخلاقي وسيؤدي إلى استغلال الفتيات من قبل ذئاب الطرق والإنترنت في ظل عدم وجود الولي. كما أشار المحامون إلى إمكانية استغلال نصوص القانون من قبل أفراد الأسرة غير مكتملي الأهلية بشكل سلبي يؤثر على تربيتهم وتوجيههم من قبل أولياء أمورهم، موضحين أنه يحوي إعادة تعريف وما أسموه "بتمييع” مفهوم الأسرة فلا يشترط عقدًا، ويشجع على المثلية، والعلاقات دون زواج، إضافة إلى التبني. لقد تم ربط مشروع قانون حماية الأسرة باتفاقية "سيداو"، رغم عدم وجود أي ذكر للاتفاقية فيه، إلا أنّ عدداً من المواد كانت متشابهة إلى حد كبير، مما غذّى فكرة كونه مستمداً من الاتفاقية. وكان هذا الربط في ذاته محل انتقاد. ويتكون مشروع القانون من 54 مادّة، وتنص مادّته رقم (52) على إلغاء "كل ما يتعارض مع أحكام هذا القرار بقانون"، وتم ربط هذه المادة بالمادّة الثانية من اتفاقية "سيداو"، التي تنص على واجب الدول في تعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة. وقد فُهم من هذا النص أنه قد يشمل قانون الأحوال الشخصية الإردني المطبق بالضفة الغربية المستمد من أحكام الشريعة الاسلامية . جاء هذا الهجوم بالرغم من تأكيد وزارتي التنمية الاجتماعية وشؤون المرأة خلال الاجتماعات السابقة لهما حول هذا المشروع أن فلسفة القانون ترتكز على العملية الإصلاحية للمجتمع وتوفير الحماية والرعاية والتمكين للأسرة الفلسطينية، انطلاقًا من مبدأ تساوي الفرص بين الذكور والإناث، وأن المرجعيات الأساسية للقانون هي وثيقة إعلان الاستقلال والنظام الأساسي الفلسطيني والمرجعيات الدولية المتمثلة بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها دولة فلسطين. كما أكدتا على دوافع المؤيدين للقانون بدءا بالاضطهاد الذي تعاني منه المرأة الفلسطينية أسرياً، والتمييز الذي تعاني منه مجتمعياً ومهنياً، والاستغلال الذي تتعرض له النساء، سواء في المنازل وتسلط الزوج أو الأب على مالهن الخاص، والتعنيف غير المبرر من الأبوين للأبناء - وخاصةً الإناث - في حالات عديدة، والتي تصل في عدة حالات إلى العنف الجسدي. وتقول منظمات حقوقية أيضاً بأن المرأة تعاني من التمييز في القوانين، مثل قضايا الزواج والطلاق والقضايا المتعلقة بالأطفال، وعدم وجود حماية كافية للمرأة في قضايا الاغتصاب والعنف الجنسي. ويذكر المؤيدون كذلك بأن المرأة ما تزال هي الفئة الأكثر استضعافاً في المجتمع الفلسطيني وتحتاج إلى حماية حقيقية، ويبرهنون على ذلك بالحالات العديدة التي اضطهدت فيها المرأة مثل إسراء غريب التي قتلها أهلها لمجرد خروجها بمفردها مع خطيبها. وبالتالي، وفي ظل فشل القوانين الحالية في حمايتها، تبدو الحاجة ماسة لوجود قانون جديد يعالج ثغرات القوانين الموجودة ويشدّد العقوبة بهدف الردع لتحقيق نتائج ملموسة. وإضافة إلى ذلك، يشير المؤيدون لمشروع القانون إلى مسألة "صلاحيات القضاة"، حيث إن مشروع قانون حماية الأسرة اعطاهم قدراً عاليا من المرونة بما يجعل موائمته مع الشريعة أمراً ممكناً. كما أنّ القانون لا يقتصر على العقوبات، بل يدعو ويؤسس إلى التوعية للحدّ من العنف الأسري من خلال برامج عبر المؤسسات الحقوقية والنسوية. بسبب انقسام الرأي العام بين مؤيد لمشروع القانون لما يرونه من حماية تحتاجها المرأة بحق، وإصلاح لإشكاليات مجتمعية سائدة، وبين من يعارض مشروع القانون لما يرونه من تعارض بعض بنوده مع تعليمات الشريعة الاسلامية وموروثات ثقافية حساسة للمجتمع الفلسطيني. فعلى مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني تعريف البنود الواردة في مشروع القانون بالتفصيل وشرح حول اتفاقية "سيداو"، من أجل إزالة المفهوم الخاطئ في المجتمع، ولا سيما معالجة النصوص الفضفاضة، ووضع حدود واضحة بين ما يمثل "اعتداء وجريمة"، وما يمثل "تصرفاً طبيعياً ومقبولاً ضمن العرف المجتمعي السائد في جو أسري مطمئن"، وذلك بما يضمن حماية الأسرة من ناحية، ويحمي حق الآباء والأمهات في ممارسة التربية من ناحية أخرى. وعلى ذلك يجب القيام بنشر وقائع المؤتمر التحضيري الخاصّة بمشروع القانون، حتى تكون مرجعاً تفسيرياً لفهم سياق القانون ومعانيه مستقبلاً وتشكيل لجنة حوار مجتمعي يجمع علماء الشريعة مع لجنة صياغة القانون ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة والأسرة، للوصول إلى صيغ مناسبة تلائم المجتمع الفلسطيني وتحمي المرأة. في النهاية، فإنّ إقرار قانون حماية الأسرة سيكون بمثابة خطوة كبيرة بالنسبة للشعب الفلسطيني، النساء والأطفال بشكل خاص. فإقرار القانون سيعزز صوت المرأة وقدرتها على الوصول للمساعدة مع توفر المراكز المناسبة والداعمة بشكل أقوى في الوطن. كشخص وامرأة مؤيدة لإقرار القانون أشدد على أهمية عمل المؤسسات المدنية على تعريف البنود الواردة في مشروع القانون وشرح حول اتفاقية "سيداو" بالتفصيل، كما أؤكد على أهمية العمل مع والتركيز على الفئات المعارضة للقانون بشكل خاص لإصلاح ما قاموا به من الانقلاب على كل ما هو حضاري وتقدمي وعلى كل منجز وطني أو اجتماعي، وبعد انطلاق بيانات وتهديدات ومسيرات ومؤتمرات وخطب" ضد " اتفاقية "سيداو" التي هوجمت وشوّهت دون أن يطّلع عليها أو يحاول فهمها.
×
لا حرية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون حرية
تعتبر حرية الرأي والتعبير بحسب بعض المفكرين روح الديمقراطية، وترتبط الحرية بالديمقراطية من خلال علاقة لا انفصام فيها، ولا أحد ينكر بأنها مؤشر مهم للمستوى الحضاري للشعوب وتطورها وسعيها لحياة أفضل. لقد شكّلت حرية الرأي والتعبير مصدراً مهماً للتحولات التاريخية وتحقيق منجزات بشرية قادت إلى وجود أنظمة سياسية قادرة على الانخراط في عملية تحديث مستمرة لأدواتها، بهدف تعزيز اندماج الفئات المجتمعية المختلفة في إطار كيان سياسي ثقافي قابل للتعددية والاختلاف وقبول الآخر، لا ينكر على أفراده حرياتهم وحقوقهم. كما شكّلت حرية الرأي والتعبير مصدراً مهماً لبلورة مفاهيم حديثة مثل المواطنة وتحديد علاقة الدولة وحدود مسؤوليتها تجاه المواطن وواجبات الأخير تجاه الدولة، مما يعزّز جوّاً من التناغم بين الفئات المجتمعية المُحتكمة لسيادة القانون الذي يفضي بدوره إلى إرساء قواعد الأمن والسلم المجتمعي دون الحاجة إلى استخدام أدوات القمع في ضبط سلوكيات أفراده. إنّ تنمية المجتمع وتحقيق اندماج أفراده في عملية التحديث بشكلٍ تشاركيّ، لا يمكن لها أن تحدث إلا بانخراط أصحاب الرأي والفاعلين والناشطين في عمل جماعي يؤدي إلى خلق توعية جمعية تبرز حجم التحديات ومسؤوليات الحاضر والمستقبل. فحرية الرأي والتعبير تشكل الأداة لكل الأفراد والطبقات والفئات المجتمعية لوعي واقعهم المٌعاش والتعبير عن همومهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم، وصولاً إلى إبداع الطرق في التحرر وتحقيق الاستقلال الحقيقي الذي يعبر عن طموح المواطن في بناء علاقة طبيعية مع نظامه السياسي ومجتمعه ومكوناته. لقد كفل القانون الأساسي الفلسطيني لجميع المواطنين والمواطنات دون تمييز، وفي نص صريح الحق في حرية التجمع السلمي والرأي والتعبير وضمن عدم التعدّي على الحريات وممارساتها، إذ يعتبر التضييق عليها بمثابة خروج السلطة التنفيذية عن التزاماتها وأهمها تكريس واجب احترام وحماية حقوق الإنسان. كما تضمنت العديد من الاتفاقيات الدولية وأبرزها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 19، والذي يعتبر الإطار الدولي الأساسي لاحترام حرية الرأي والتعبير. إنّ لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة ولكل إنسان الحق في التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار ونقلها للآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو عن طريق أي وسيلة أخرى، واعتبار هذا الحق مسؤولية لا يجوز إخضاعها للقيد أو التضييق عليها إلا بما يتعرض لسمعة الآخرين أو تهديد للأمن القومي. فالإنجاز الحضاري للبشرية في العصر الحالي يتجلى في اعتراف كل الجهات الدولية بمنظومة الحقوق والحريات الإنسانية الحالية ومنها حرية الرأي والتعبير، والتي كلفت البشرية ثمناً باهظاً من الأرواح والثورات على كل أشكال الظلم والعبودية، ومنها نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي طيلة العقود الماضية لنيل حريته وانتزاع حقه في تقرير المصير وبناء دولته، والتي شكّلت الفكرة الجوهرية التي قام عليها نضال شعبي فلسطيني لاسترداد كرامته وأرضه حتى يومنا هذا، إذ لهذا الشعب لا عزاء إلا باسترداد حريته وحقوقه. ويعيش اليوم الشعب الفلسطيني استمراراً للانتهاكات بحق الرأي والتعبير داخلياً وبوتيرة متفاوتة، وخاصة في ظل تعطل العملية الديمقراطية وانسداد الأفق السياسي، وعلى الرغم من تعهد جميع السلطات التنفيذية باحترام حرية الرأي والتعبير إلاّ أنّ هناك استمراراً في الانتهاكات، ومنذ تسلم الحكومة الفلسطينية الأخيرة في العام 2019 لمهامها، تعهد رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد اشتية بالتزام حكومته احترام حرية الرأي والتعبير وعدم المساس بها أو التضييق عليها، وفي ظل استمرار إعلان حالة الطوارئ منذ الخامس من شهر آذار لمواجهة خطر فايروس كورونا ومنع تفشيه، نشهد تزايداً في وتيرة الانتهاكات الصريحة التي تمس بحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وكان آخرها احتجاز عدد ٍمن الناشطين ضد الفساد، ومن جانب آخر نشهد في الآونة الأخيرة هجوماً على ناشطين مجتمعيين عبّروا عن مساندتهم واستمرار ضغطهم لسن قوانين حديثة لحماية حقوق الأسرة. إن مثل هذه الأحداث تدق ناقوس الخطر لدى مكونات المجتمع المدني الفلسطيني من أحزاب ومؤسسات وناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان، الأمر الذي يتطلب تكافل الجهود في المطالبة والتأكيد على أهمية حماية الحقوق والحريات، كما ويتطلب اليقظة الدائمة لحماية هذه المنظومة من الحقوق والحريات- والتي تعتبر انجازاً فلسطينياً وجب الدفاع عنه- يقظة دائمة من قبل المجتمع المدني، بغية الحدّ من هيمنة الدولة والسلطة الاجتماعية على ممارسة المواطنين لحرياتهم في التعبير وإبداء الرأي، وخاصة في ظل هذه المرحلة الحرجة التي تتطلب عملاً تشاركياُ فاعلاُ ومستمراُ وصولاً لإرساء قواعد ديمقراطية ومساحات مدنية تضمن ممارسة حرية الرأي والتعبير دون خوف أو قيود.
×
النِظَامُ الضَرِيبِيُّ الفِلِسْطِينِّيُّ.. وَالعَدَالَةُ الاجْتِمَاعِيّةُ
تِبعاً لبيانات وزارة المالية مطلع العام 2020، فإن الإيرادات الضريبية تشكّل ما نسبته (92%) من إجمالي صافي الإيرادات للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتأتي تلك الإيرادات الضريبية عبر الإيرادات الضريبية المحلية، او الإيرادات الضريبية عبر "المقاصّة" مع إسرائيل. والإيرادات الضريبية على نوعين: الضرائب المباشرة؛ وهي الضرائب التي تُفرض وتُجبى من المكلفين المختلفين العاملين في أراضي الدولة ذات السيادة القانونية، وهي تفرض على أرباح الأعمال والرواتب وما شابه من الدخول المتحققة للأفراد والشركات. ومنها: ضريبة الدخل وضريبة الأملاك. أما النوع الاخر من الضرائب فهو الضرائب غير المباشرة وتفرض هذه الضرائب على أنشطة الاستهلاك والإنتاج والاستيراد، وتفرض كذلك على الثروة العقارية، ومنها: ضريبة القيمة المضافة، ضريبة الشراء، ضريبة المحروقات، الرسوم الجمركية والمكوس. وبالعودة الى الإطار الفلسفي للضرائب، فإن فلسفة الضريبة تقوم على مرتكزات مالية واقتصادية واجتماعية، فوظيفتها المالية تعمل على تأمين الإيرادات المالية لخزينة الدولة من أجل تغطية النفقات العامّة، أما وظيفتها الاقتصادية فتتمثل بكونها أداة رئيسة من أدوات السياسة المالية للدولة، والتي تستخدمها من أجل تحفيز النمو أو الحدّ من مستويات التضخم أو حماية الاقتصاد الوطني وغيرها، أما وظيفتها الاجتماعية فتتمثل في إعادة توزيع الثروة بما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية في الدولة، وتوظيف الإيرادات الضريبية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتوفير الخدمات الاجتماعية للفئات المهمشة والضعيفة والفقيرة. ومن هذا المنطلق، يجب أن يحقق النظام الضريبي الفلسطيني فلسفته بتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن ومن خلال قراءة معمّقة لواقع النظام الضريبي الفلسطيني، نجد أنه توجد به ثغرات تتنافى ومفهوم العدالة الاجتماعية، فعلى سبيل المثال تشكل ضريبة القيمة المضافة ( (VATما نسبته 30% من الإيرادات الضريبة، وبمبلغ وصل في العام 2019 الى (3.2) مليار شيكل، إن كان من خلال الإيرادات الضريبة المحلية أو عبر المقاصّة، وهي ضريبة "عمياء"، تمس كافة الفئات في المجتمع دون تمييز وتبلغ نسبتها (16%) من قيمة المبيعات، وهي مرتبطة بإسرائيل تبعا لبرتوكول باريس الاقتصادي، والمرونة فيها فقط 2% عن نسبتها داخل إسرائيل، رغم الفارق الكبير في مستوى الدخل والمعيشة للمواطن الفلسطيني مع ذاك المستوى داخل إسرائيل، ومن مؤشرات ذاك التباين أن الحد الأدنى للأجور في إسرائيل (5300) شيكل، في حين انه في فلسطين (1450) شيكل فقط، وعمليا لا يوجد التزام حتى بدفع الحد الأدنى للأجور في قطاعات كثيرة، وتكمن إشكالية ضريبة القيمة المضافة أن الفقير مجبر على دفعها كونها على السلع والخدمات دون تمييز، فعلى سبيل المثال تتم جباية ضريبة القيمة المضافة عن الخبز وعن الشوكولاتة الفاخرة بذات النسبة رغم ضرورية الأولى وترفية الثانية، وكذا الامر بالنسبة لباقي السلع الأساسية مثل السكر والحليب والزيت وغيرها، بمعنى أن الفقير مضطر لدفعها رغم أن سلعه أساسية للحياة وليست كمالية أو للرفاهية، علما أن العديد من الدول تعمل على تخفيض نسبة تلك الضريبة على السلع الأساسية كنوع من الدعم الحكومي غير المباشر للفقراء وذوي الدخل المحدود، للمساهمة في العدالة الاجتماعية. ومن الثغرات الأخرى في النظام الضريبي الفلسطيني والتي تتنافى ومفهوم العدالة الاجتماعية، ضريبة الدخل، والتي رغم أهميتها الكبيرة في إعادة توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء، الا أن مساهمتها في الإيرادات الضريبية عام 2019، لم تتجاوز (8.7%) فقط من إجمالي الإيرادات الضريبية، إن كان ذلك من خلال ضريبة الدخل المجباة محليا أو عبر المقاصة، وبمبلغ (972) مليون شيكل فقط، من أصل اكثر من (11) مليار شيكل قيمة الإيرادات الضريبية، وبمقارنة مع بعض الدول في المنطقة، نلاحظ أن نسبة إسهامات ضريبة الدخل في اجمالي الإيرادات الضريبية أعلى بكثير من فلسطين، فمثلاً وصلت هذه النسبة إلى (17%) في الأردن و (28%) في مصر، علما أن المعدل العام في العديد من الدول الأخرى يصل إلى حوالي (35%) من إجمالي الإيرادات الضريبية. ومن خلال تحليل قانون ضريبة الدخل وتعديلاته، يلاحظ أن التعديلات عليه كانت لصالح الأغنياء وكبار المكلفين والشركات الكبيرة، من خلال ضغط الشرائح الضريبية الى 3 شرائح فقط، (5%، 10%، 15%) نسبة الضريبة من "الدخل الخاضع للضريبة"، وإبقاء شريحة الـ (20%) فقط للشركات الاحتكارية والاتصالات، رغم وجود مقترحات سابقة بإضافة شريحتين جديدين (22.5%، 30%) للشركات العملاقة وذات الأرباح الكبيرة، الا ان تلك المقترحات لم ترى النور، وبالتالي فان ضغط الشرائح الضريبية في 3 فقط، حرم الموازنة العامة من إيرادات ضريبية كانت ستساهم في تقديم وتطوير الخدمات العامة من تعليم وصحة وحماية اجتماعية، والتي يستفيد منها الفئات الأقل حظا والأكثر تهميشا في المجتمع، كما أنه لم يحقق فلسفة الضريبة بإعادة توزيع الثروة بما يَكْفل العدالة الاجتماعية. في ضوء ما تقدم فإن النظام الضريبي الفلسطيني يعاني من ثغرات لا تستقيم وفلسفة العدالة الاجتماعية، وهو بحاجة إلى تعديلات جوهرية تجاه التمييز الإيجابي للفقراء والفئات المهمشة والضعيفة من خلال تعديل قانون ضريبة الدخل بما يكفل توسيع الشرائح الضريبية، وإضافة شرائح بنسب مرتفعة للأغنياء والشركات ذات الأرباح الكبيرة، وتحقيق مبدأ تصاعدية الضريبة، والتوسع الافقي في جباية الضريبة ليشمل المهن الحرة بشكل علمي ومنهجي وبما يضمن حقوق كافة الفئات، ومكافحة التهرب الضريبي، وفي ذات الوقت توسيع شريحة الإعفاء الضريبي للفئات الأقل دخلا، الامر الذي يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، كما توجد ضرورة أن يكون هناك تدخل حكومي في ضريبة القيمة المضافة تجاه إعفاءات ضريبية أو تخفيض نسبة الضريبة المفروضة على السلع والخدمات الأساسية، من أجل دعم الفئات الفقيرة والمهمشة، وإن كان برتوكول باريس الاقتصادي يحكم نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى أن هناك العديد من الطرق للالتفاف عليه، خاصة مع قرار القيادة الفلسطينية بالانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل، ووقف العمل بالاتفاقيات مع اسرائيل، وبما يكفل المصلحة الوطنية العليا، ومن ضمنها المساهمة في انفاذ العدالة الاجتماعية.
×
مستقبل الوظائف في سوق العمل... والتحديات في فلسطين
شهدت العقود الماضية تنامياً وتحديثاً مضطرد للتكنولوجيا وتطبيقاتها في كل مجالات الحياة البشرية ومنها سوق العمل، تزايدت خلالها أتمتة الأنشطة والوظائف والأعمال التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي، وهذا ما تؤكده نتائج تقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي في العام 2017، والذي أشار إلى أن 50% من الأنشطة الاقتصادية يجري أتمتها في الوقت الحالي للاستغناء عن التدخل البشري فيها، كما لفت التقرير إلى 5% من مجمل الوظائف تم أتمتتها بشكل كامل، في حين أن 60% من الوظائف والأعمال والأنشطة هي قابلة للأتمتة في المراحل المقبلة. تعتبر هذه الأرقام والاحصائيات دليل على التغير المتسارع في الأسواق العالمية، والتي تتنبأ بخلق تحديات جديدة بالتحولات المستقبلية لطبيعة الوظائف والأعمال في سوق العمل، مما يعظم من حجم التحديات التي تواجه الدول في سعيها لحل مشكلة البطالة في مجتمعاتها، وباعتبار فلسطين جزء من السوق العالمي، فإنّ التحديات ستكون لدينا أكبر، وخاصة في مدى قدرة مؤسسات الدولة على تكييف قدرات أفرادها لمتطلبات سوق عمل قادر على خلق وظائف في ظل تحولات جذرية لطبيعة الاقتصاد العالمي وأدواته. ومن أبرز هذه التحديات استمرار اتساع الهوَة بين التغيرات التكنلوجية المتسارعة من ناحية، ونظم التعليم التقليدي السائد لدى مؤسساتنا التعليمية من ناحية أخرى، وهو ما يؤدي إلى تباعد مستمر بين ما يتطلبه السوق الوظيفي وما تطرحه الأنظمة التعليمية، مما يجعل الاستثمار في تعليم عصري وحديث أمراً ضروريا وهما مجتمعيا لضمان خلق فرد مستقل قادر على الانتاج من خلال الانخراط في تحديث متطلبات سوق العمل الحالي. إن الاستثمار في نظام تعليمي عصري قائم بالأساس على تطوير أنظمة التعليم المهني والتقني، يتطلب وضع خطة وطنية قادرة على إحداث تغيير يجاري التطور السريع في طبيعة متطلبات الوظائف في سوق العمل، وأن تأخذ في الحسبان كل المتغيرات المستقبلية للحفاظ على قدرة مؤسسات الدولة في تخفيض معدلات البطالة المتزايدة والمتفاقمة في فلسطين، ويقع ذلك ضمن مسؤوليات الحكومة في إدارة الشأن العام باتجاه تعظيم مصلحة المواطن وضمان مستقبل مستقر ومنتج لشباب فلسطين. ما زال التعليم المهني والتقني، رغم الوعود والخطابات الحكومية التي تؤكد في كل مرة أولية هذا القطاع وضرورة تحديثه، لا يعكس ترجمة لهذه الوعود، فقد أشارت ورقة حقائق صدرت عن المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" بعنوان "واقع التدريب المهني والتقني في فلسطين من منظور النوع الاجتماعي، 2019" إلى أنه لا يوجد موازنة مخصصة مستقلة لدعم وتطوير التعليم المهني والتقني وإنما تتولى كل وزارة تخصيص جزء من موازنتها لتطوير هذا القطاع، وتوجد العديد من المؤسسات التي يُعتمد على تمويلها لهذا القطاع، ومن أبرزها منظمة العمل الدولية والمؤسسة الألمانية للتعاون، كما بينت الورقة أنه وتبعاً لبيانات الدائرة المالية في وزارة العمل، أن حجم الإنفاق المتحقق والفعلي على مشاريع مرتبطة ببرامج التدريب المهني والتقني (النفقات التطويرية) والتي تشمل توسعة وتطوير مراكز التدريب والتعليم المهني والتقني ودعم البرامج الريادية بلغت 0%. وهذا ما يدلل على عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف ذات العلاقة بعملية تحديث شامل للقطاع المهني والتقني الأمر الذي يبقي أزمة بطالة الشباب في تفاقم وتزايد مستمر. أولويات الاستثمار باعتقادي أنه توجد لدينا فرصاً حقيقية للاستثمار في عصرنة التعليم من خلال دعم وتأهيل خريجي الجامعات والتدريب المهني والتقني بما يضمن قدرتهم على العمل الحر عبر الشبكات والمنصات الإلكترونية التي يتعاقد خلالها مقدمو الخدمات مع شركات متنوعة ومتعددة حول العالم، والتي بحسب تقرير صادر عن منصة (WorkUp) العالمية أنه توجد أعداد متزايدة من الشباب لديهم توجهات بالعمل الحر لدى شركات عالمية من خلال تقديم الخدمات والاستشارات عبر المنصات الإلكترونية، كما وبين في نفس الوقت أن هناك الكثير من الشركات العالمية التي أصبح لديها إيمان بأن هذه المنصات أثبتت نجاحها في الربط بين حاجة الشركة ومقدم الخدمة بغض النظر عن مكان تواجده في العالم. يعتبر العمل الحر عبر المنصات التفاعلية ملاذاً مهماً للشباب الفلسطيني الذي يعاني من معدلات بطالة مرتفعة، لذا يمكننا اعتبارها فرصة جيدة للاستثمار أيضاً، حيث أن كثيراً من الشباب لديهم هذا التوجه، ولكن في نفس الوقت بحاجة إلى تزويدهم بالمهارات اللازمة والمتنوعة إضافة إلى ضرورة تحديثها بشكل مستمر، وهذا ما يتطلب برامج تعليمية قادرة على تزويد الشباب بمهارات احترافية تضمن بشكل أساسي قدرته على الاستمرار في سوق حر شديد التنافسية.
×
الشباب الفلسطيني بين نظام السوق الحر واستراتيجية تعزيز الصمود
طوبى لمن يستطيع الاحتفاظ بالشباب حتى كهولته ولا يسمح لروحه أن يعتريها البرود والقسوة والتحجر وتبقى روح الوطن في شبابه. في التاسع عشر من شهر كانون الأول للعام 2019، وجهت لأعضاء شبكة الشباب الفلسطيني الفاعل سياسياً ومجتمعياً دعوة من قبل مؤسسة "مفتاح" لحضور جلسة استماع حول واقع التدريب المهني والتقني في فلسطين من منظور النوع الاجتماعي، قام خلالها ممثلِون عن وزارات العمل والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية بتقديم عرض لخطط الحكومة وتوجهاتها بغية تطوير قطاع التعليم المهني والتقني، وزيادة فرص انخراط النساء والشباب في هذا القطاع. يُنظر لأهمية تطوير قطاع التعليم المهني والتقني في فلسطين على أنه السبيل لتخفيض معدلات نسب البطالة في صفوف الشباب والنساء من ناحية وترجمة للاستراتيجية الوطنية في تثبيت صمود المواطنين في مواجهة سياسات الإحلال الإسرائيلية والتي يسعى الاحتلال من خلالها إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها عن طريق حرمانهم من الوصول إلى مصادر عيشهم، وخلال النقاش الذي دار في جلسة الاستماع توقف الحضور عند سؤال حول كيف يمكن للحكومة تطوير قطاع التعليم المهني والتقني ودعم المشاريع الاقتصادية والريادية للشباب في ظل نظام اقتصاد حر لا تتوفر فيه أدنى الضمانات لصمود المشاريع الشبابية الصغيرة والمتوسطة. تحظى فلسطين بوجود شريحه واسعة من الشباب ضمن نسيجها المجتمعي حيث يعتبر ذلك سيفاً ذو حدين، فالشباب هم الطاقة النابضة لأي مجتمع والتي يمكن استغلالها إما بالشكل الايجابي من خلال تمكينهم بأن يصبحوا قوة اقتصادية ومصدر تغيير سياسي واجتماعي أو بالشكل السلبي الذي يعني أن يصبحوا عالة على الدولة ونفقاتها، ومعيقاً خطيراً لكل توجهات التطور والحداثة، وذلك بحسب ما أشار له المختص بالعلوم السياسة Valerie Hudson في كتابه الصادر بعنوان "Bare Branches" عام 2005 أوضح أن زيادة نسبة جيل الشباب لدى الدولة العاجزة عن استثمار طاقاتهم ترتبط بشكل مباشر في زيادة معدلات العنف وتعزيز استقرار الأنظمة الدكتاتورية. ولا يخفى على أحد الظروف المعيشية التي يعيشها عامة الناس في وطننا والشباب بشكل خاص، مما يعطينا الدافع والرغبة في تحديد الجهود لتنمية طاقاتهم الفكرية والاجتماعية والاقتصادية في المسار الصحيح في سبيل تنمية قدراتهم وتعزيز استقلاليتهم الاقتصادية التي توفر لهم المساحة للإبداع والتطور والمشاركة السياسية والاجتماعية بغية تحقيق التطوير والتقدم والمساهمة الايجابية في رفعة الحضارة الانسانية. انطلاقاً من نظرتي لواقع الشباب، أرى أنّ الاقتصاد الفلسطيني يعاني من تشوه هيكلي يحد من قدرته على مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تستهدفه، ويمنعه من تحقيق أهدافه كاقتصاد وطني مستقل يعزز الصمود على الأرض. فلم تستطع خطط التنمية الفلسطينية منذ العام 2008 وحتى الآن، أن تعالج هذا التشوه، بل على العكس تتزايد الأسباب المؤدية إلى زيادة حدة هذا التشوه، وتتنوع الأسباب ما بين ذاتية وداخلية وخارجية، ولكل منها تأثيره المباشر على هيكلية الاقتصاد الوطني الفلسطيني. إنّ القطاع الاقتصادي هو القطاع الرائد في أي عملية تنموية، وأن الإنتاج هو العمود الفقري لأي اقتصاد، وكوننا دولة تحت مطرقة الاحتلال يمكن تعريف الاقتصاد المقاوم بشكل إجرائي بأنه "مجموعة السياسات والإجراءات الاقتصادية، التي يتخذها بلد ما لمواجهة عقوبات تقع عليه، عبر أدوات محلية تقلل الاعتماد على الخارج إلى أقصى درجة، والتحول نحو اقتصاد تكيفي، يسعى إلى إيجاد حلول إبداعية للأزمات المحلية والخارجية وتجاوزها". كون النظام الاقتصادي المتبع حالياً هو نظام "السوق الحر" والذي يبقي على كل الجهود الوطنية سواء الرسمية منها أو غير الرسمية في مهب الريح وغير قابلة للاستدامة على المنظور البعيد، ويحد من قدرة الشباب على تطوير الانتاج لديهم، وذلك لافتقاد قدرة الدولة على وضع أنظمة وقوانين وإجراءات تكفل حماية المشاريع الصغيرة وتدعمها وتعزز من صمودها كونها مشاريع تتبناها بالعادة الفئات والمكونات المجتمعية المهمشة ومنها الشباب والنساء. لذا، يتوجب علينا أن نواجه هذا النظام من خلال فكرة تعزيز اقتصاد الصمود الذي يطور الشباب من خلال إعطائه فرصة الابداع، وتخفيض نسبة البطالة التي تتزايد باستمرار ولنتمكن من تحقيق متطلبات بناء اقتصاد مقاوم؛ علينا البدء بمعالجة الأسباب الداخلية التي تعيق ذلك، ومن أهمها تشوه هيكلية الاقتصاد الفلسطيني، الذي يعتبر معيقاً لقدرة الاقتصاد الفلسطيني على تحقيق الأهداف المرجوة منه بخلق فرص عمل عبر القطاع الخاص وتعزيز قيم الاقتصاد الوطني لديه، ودعم قدرته الانتاجية، وخلق شراكات تعاونية تتيح للمواطنين تحقيق مصالح اقتصادية مشتركة، وبالتالي بلورة سياسات حكومية تضمن تطوير السوق الفلسطيني الذي يعتمد على المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الريادة، وتزويد الشباب بالمهارات والقدرات المهنية والتقنية التي تتوافق ومتطلبات السوق المقاوم، لتمكين الاقتصاد من مواجهة السياسات الإسرائيلية. إنّ معالجة التشوهات في الهيكل الاقتصادي الفلسطيني بحاجة إلى توحيد الجهود في العمل السياسي والنشاط الديبلوماسي والعمل الحكومي على الأرض، بالإضافة إلى الاخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية، نعم، قد يحدث تأخير في تنفيذ ذلك في ظل الصعوبات الحالية، ولكن إذا ما وضعنا كل الامكانيات والجهود وحددنا الأهداف ضمن استراتيجية وطنية شامله حتماً سنصل لبناء اقتصاد فلسطيني قادر على الصمود ويلبي مصالح وطموحات الفلسطيني.
×
عام 2020 عام الشباب الفلسطيني ....والبطالة ما تزال من أكبر التحديات
ينظر إلى البطالة بوصفها مشكلة عالمية تعاني منها الدول المتقدمة والدول النامية، ولا يكاد مجتمع يخلو من هذه الظاهرة بشكل أو بآخر، وتعد البطالة مشكلة اجتماعية تحتاج منا تحليل نتائجها وآثارها وفق منهج علمي لمعرفة حجمها وتحديد أسبابها وآثارها، فهي مرض خطير يصيب الاقتصاد الوطني ومعيق رئيسي لعملية التنمية في المجتمع. لقد حظي مفهوم البطالة على أهمية كبرى في المجتمعات المعاصرة ، لذا لا تكاد تصدر دورية علمية متخصصة ذات علاقة بعلم الاقتصاد والاجتماع إلا وتتعرض لموضوع البطالة بالتحليل والنقاش. وقد عرّف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني البطالة بأنها: جميع الأفراد الذين ينتمون لسن العمل (15 سنة فأكثر) ولم يعملوا أبداً خلال فترة الإسناد في أي نوع من الأعمال، وكانوا خلال هذه الفترة مستعدين للعمل، وقاموا بالبحث عنه بإحدى الطرق مثل مطالعة الصحف، التسجيل في مكاتب الاستخدام، سؤال الأصدقاء والأقارب، أو غير ذلك من الطرق. (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2012) يشكل الشباب (18-29) ما نسبته 23% من إجمالي عدد السكان في فلسطين، والذي بلغ في العام 2019 ما مجموعه 4.98 مليون نسمة، ويرئس الشباب 15% من الأسر الفلسطينية، وعلى الرغم من الازدياد الملحوظ في نسب الشباب الملتحقة بالتعليم وتلاشي الأمية في صفوفهم، إلا أن معدلات البطالة في ارتفاع متزايد خلال السنوات الأخيرة لتصل إلى ما نسبته 45% (36% بين الذكور و 70% بين الإناث) مقارنة مع 37% في العام 2008. ومن جانب آخر انخفض معدل البطالة بين الشباب في الضفة الغربية من 28% في العام 2008 إلى 27% في العام 2018، قابلها ارتفاع ملحوظ في معدلات البطالة لدى شباب قطاع غزة لتصل من 35% إلى 69% لذات الفترة (تقرير الإحصاء الفلسطيني- 12/08/2019). وتكمن أسباب شيوع وانتشار ظاهرة البطالة في فلسطين إلى العديد من العوامل والأسباب ومنها السياسات والممارسات الإسرائيلية التي دفعت نحو تشوهات واختلالات هيكلية في البنية الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية. وضعف قدرة الاقتصاد الفلسطيني في توليد فرص عمل ، نتيجة إلى ضعف النشاط الاقتصادي وعلاقات التبعية مع إسرائيل، مما أدى إلى خنق الاقتصاد من خلال سياسة الحصار والإغلاق والسيطرة على المعابر. ونمو القوى العاملة بمعدلات أسرع من معدلات نمو فرص العمل وعدم تخصيص الموازنات الكافية لتمويل مشاريع تنموية تقود إلى الحد من معدلات البطالة. والاتجاه نحو تقليص الوظائف الحكومية، نتيجة تطبيق برامج الخصخصة والإصلاح الاقتصادي وانتشار ظاهرة الفساد الإداري، والواسطة، والمحسوبية في تشغيل الباحثين عن العمل. إن للبطالة آثاراً اجتماعية وسياسية لا تقل خطورتها عن الآثار الاقتصادية، كضعف الولاء والانتماء للمجتمع، و كذلك زيادة المشكلات الأسرية، واضطراب العلاقات الاجتماعية داخل الأسر وخارجها. وما يهمنا هنا وارتباطاً بالقضايا التي تضعها شبكة الشباب الفلسطيني الفاعل سياسياً ضمن أولوياتها، فإن للبطالة الأثر الكبير على معدلات مشاركة الشباب سياسياً، وتجعلهم الأكثر عرضة للفقر والتهميش. فمن الناحية السياسية ترتبط البطالة بعدم استقرار النظام السياسي، حيث تعمل البطالة على إضعاف الولاء والانتماء للوطن، مما يوفر المناخ المواتي لانتشار التطرف والانحراف، وتعميق تبعية الدول الفقيرة للدول الغنية، وبالتالي فقدان استقلالها السياسي، حيث تلجأ الدول الفقيرة إلى الحصول على الدعم والمساعدات المالية الخارجية المشروطة. لذا، فإن المخرج المتحقق من هذه الآثار هو بذل الجهد الحقيقي واللازم في معالجة الأسباب، والتي تتمثل في تخفيض معدلات البطالة في صفوف الشباب، ويتطلب ذلك دمج الشباب الفلسطيني وممثليهم في بلورة خطط وسياسات وطنية قائمة على توجهاتهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم، وأن يتم توفير المساحة اللازمة للشباب للتعامل مع قضاياهم والتحديات التي تواجههم خاصة موضوع البطالة والسماح لهم بأخذ زمام المبادرة في تطبيق هذه السياسات على أرض الواقع.
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647 القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14 حي المصايف، رام الله الرمز البريدي W607
للانضمام الى القائمة البريدية
|