قرار محكمة العدل العليا تسويغ مئات الشقق الجديدة في حي متتياهو الشرقي، في مستوطنة موديعين عيلت، يثير التساؤل في شأن قرار محكمة العدل العليا ليوم أول أمس، في رفض مسار جدار الفصل على حدود المستوطنة. ماذا كان سيحصل لو كان تمكن المقاولون من بناء المرحلة الثانية من الحي، والذي كان يفترض أن يبنى غربي الجدار؟ فهل عندها أيضا كان سيتأزر القضاة بالشجاعة لاصدار الامر بنقل المسار، ومعه نقل مئات اليهود الى خارج الجدار؟ بقبولهم أول أمس التماس السلام الان وسكان بلعين، بالنسبة لمسار الجدار، كان القضاة تدخلوا في تفكر القائد العسكري، الامر الذي لا تسارع محكمة العدل العليا الى عمله. وبردهم أمس الالتماس ضد اسكان الحي، يكون القضاة امتنعوا عن التدخل في تفكر سلطات التخطيط المدنية، الامر الذي يعد خبز عيش محكمة العدل العليا. مبررات القرار هي تباكي قانوني، يدل على مسعى ثقافي للامتناع عن قرار صعب وغير مسبوق: هدم 1.500 شقة، في ظل المس بعائلات كادحة. "هل ينبغي لنا ان نأمر باتخاذ خطوات غايتها هدم ما بني بشكل غير قانوني!" تتساءل القاضية مريم ناؤور وترد بالسلب. "هذا عقاب غير متوازٍ في ملابسات القضية". وقضى القضاة بان الالتماس الاول، المتعلق بالخطة الاصلية للمرحلة الاولى، في القانون اساسها، بل وقرروا، لاول مرة، بان تدفع مستوطنة النفقات للسلام الان (اضافة الى دفع من الدولة وشركة البناء). واقتنعت محكمة العدل العليا بان البناء وبدون ترخيص او بقوة تراخيص صدرت دون وجه قانوني في متتياهو الشرقية (كيف لا؟ حتى النيابة العامة اعترفت بذلك). وكان صدر في كانون الثاني 2006 أمر احترازي يأمر المكلفين بالرد بتعليل لماذا لم يعلن عن الغاء الترخيص الذي اعطى المفعول للخطة الاولى، ولماذا لم تتخذ الاعمال اللازمة لفرض قوانين التخطيط والبناء. واتخذ في الالتماس أيضا أمرا احترازيا منع استمرار البناء والاسكان. وفي نفس الوقت شرعت الوحدة القطرية للتحقيق في الغش بتحقيق جنائي ضد المتورطين في اجراءات المصادقة على الخطة الاولى. بعد تقديم الالتماس الاول وبينما كان لا يزال قيد البحث، قررت الدولة الغاء اجراءات التخطيط للخطة الاولى والشروع في هذه الاجراءات من بدايتها. واقتنع القضاة بان المصادقة على الخطة الثانية عالجت نقاط الخلل التي كانت في الخطة الاولى، وهكذا انتهت برأيهم مزاعم الملتمسن. من أجل الامتناع عن البحث في مجرد صلاحية الخطة في اقامة مستوطنة في المكان، تمسكت محكمة العدل العليا في أنه العام 1999 تمت المصادقة على خطة خصصت المجال للسكن. ويجند القضاة ضد الملتمسين الحجة الفنية للتأخير – "التأخر" الكبير في تقديم الالتماس. منظمات حقوق الانسان يمكنها أن تروي لهم أي طريق آلام، لدرجة الدعاوى الادارية، يمرون فيه كي يحصلوا على مخطط هيكلي من سلطات التخطيط في المناطق. وبعد كل هذا ينبغي القول انه سبق لمثل هذه الامور أن حصلت. في نطاق اسرائيل ايضا، يعدل المقاولون الخطط وتسوغ السلطات الخلل. ولكن من الصعب ايجاد سابقة لتبييض هذا القدر الكبير من المباني، التي بنيت في ظل خرق لهذا القدر الكثير من القوانين، على هذا القدر الكثير من الاراضي المحتلة. مادة للتفكير لكل حكومة تبحث عن سبيل لتسويغ مواقع استيطانية غير قانونية.
اقرأ المزيد...
بقلم: الوف بن
تاريخ النشر: 2008/3/25
×
عودة «خريطة الطريق» - انعطافة في مسيرة أنابوليس
لدى زيارتها لاسرائيل والسلطة الفلسطينية في بداية شهر آذار، تحدثت وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس عن تفعيل آلية الرقابة الامريكية، برئاسة الجنرال تشارلز فرايزر، على تنفيذ تعهدات الطرفين بموجب خارطة الطريق. وشرح موظفون امريكيون بأن الادارة لم تيأس من احتمالات تحقيق تسوية في المسائل الجوهرية، ولكن يوجد منطق في التركيز الان على تحسين موازن للوضع على الارض. وحسب اقواله، فاذا لم يتغير الواقع فإن كل تسوية تتحقق ستكون نظرية فقط. يمكن التقدير بأن التغير في سلم الاولويات للادارة، والذي تسعى الى تحقيقه رايس ينبع من سببين. الاول، لا توجد مؤشرات على اي تقدم في المحادثات على «المسائل الجوهرية» بين رئيس الوزراء ايهود اولمرت، مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وبين وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، ورئيس الفريق الفلسطيني المفاوض احمد قريع. احتمالات التوصل الى تسوية حتى نهاية السنة، كما اعلن في مؤتمر انابوليس تبدو في هذه اللحظة طفيفة، وادارة بوش تتخذ صورة المسؤولة عن فشل آخر في المسيرة السلمية. ثانيا، تسعى الادارة الى مساعدة رئيس وزراء السلطة، سلام فياض، الذي يركز على تحسين الوضع في الضفة. لقد أدار فياض في الاشهر الاخيرة حملة علاقات عامة في الولايات المتحدة ابرزت الحاجة الى مساعدة المعتدلين الفلسطينيين في خلق فرص اقتصادية وتعليمية في الضفة الغربية. نداءات المساعدة من فياض تركز على رفع الحواجز والقيود الامنية التي وضعتها اسرائيل، والتي تفرض المصاعب على الحياة اليومية في المناطق وعلى اقامة منظومة سلطوية فلسطينية ناجعة. وعلى اي حال، فإن المرحلة الاولى من خارطة الطريق تفرض على الطرفين التزامات ينطوي تنفيذها على مصاعب داخلية لا بأس بها. فاسرائيل مطالبة بأن تجمد تماماً البناء في المستوطنات، وان تخلي المواقع الاستيطانية التي اقيمت منذ آذار 2001، ان تمتنع عن مهاجمة مدنيين فلسطينيين، وان تعيد فتح المؤسسات الفلسطينية في شرقي القدس. اما الفلسطينيون فمدعون لاعادة تنظيم قوات الامن في السلطة، العمل علناً ضد «افراد وجماعات» تخطط وتنفذ الارهاب ضد اسرائيليين والعمل على تفكيك بنية تحتية وقدرات ارهابية. وعلى نحو غير مفاجئ في السنوات الخمس التي انقضت منذ نشر «خريطة الطريق» تملص الطرفان بثبات من تنفيذ التزاماتهما. الجمود على الارض ادى الى احباط شديد لدى رايس، وقد عبرت عنه لدى عودتها من الزيارة الى الشرق الاوسط. ففي حديث مع المراسلين قالت: «لم يجري حتى ولو ما يقترب من الكافي كي يظهر ان الاسرائيليين والفلسطينيين يفهمون او يعملون ... واضح لي انه بدون تنفيذ التزامات خارطة الطريق، وبدون تحسن على الارض من الصعب جداً خوض المسيرة». كاتب الرأي الامريكي دافيد ايغنيشيوس المقرب من رايس اقتبس على لسان «موظف كبير في الادارة» شكاوى شديدة ضد اسرائيل، في انها على حد تعبيره لم تفكك حتى ولو موقع استيطاني واحد ولم تفعل شيئاً للتسهيل في الحواجز التي تلحق اهانة يومية بالفلسطينيين. واشتكى «الموظف الكبير» من ان «الجيش الاسرائيلي يفعل ذات الشيء ( في الحواجز منذ سبع سنين)».زعم آخر كان في ان الجيش الاسرائيلي لا يثق بقوات امن السلطة ويفضل العمل بنفسه على الارض، مثلما في العملية لمصادرة الاموال في نابلس. من المثير للاهتمام انه في محادثات الخلفية مع كاتب الرأي، تركزت المزاعم على انتقاد اسرائيل، خلافاً للموقف الاكثر توازناً الذي عرضته رايس في استعراضها العلني امام الصحافيين. لدى زيارتها الى اسرائيل طلبت رايس عقد اجتماع لآلية المتابعة لتنفيذ «خريطة الطريق» برئاسة الجنرال فرايرز، لاول مرة منذ تعينه في المنصب في شهر كانون الثاني. وزير الدفاع ايهود باراك، رد بمعارضة شديدة لعقد الالية الثلاثية، واقترح عقد لقاءات متابعة منفصلة لفرايزر مع كل واحد من الطرفين. رايس لم تقتنع ، ورداً على ذلك بعث باراك الى اللقاء الثلاثي رئيس القيادة الامنية السياسية في وزارته، عاموس جلعاد بدل الذهاب هو نفسه. اما من الطرف الفلسطيني فشارك رئيس الوزراء فياض الذي يدير اتصالات ثابته مع باراك في الشؤون الجارية. اولمرت لم يتناول علناً الخلاف مع رايس، غير ان تصريحاته وافعاله اظهرت بأنه يتحفظ من الانعطافة التي تعقدها في مسيرة انابوليس. واعلن بأنه سيواصل المسيرة السياسية مع عباس، رغم التصعيد في قطاع غزة، وهكذا يكون شدد على التقدم في «المسائل الجوهرية» - وليس على تطبيق «خريطة الطريق» او التسهيل على حياة الفلسطينيين. بعد العملية في مدرسة «مركاز هراف» رد اولمرت بترخيص علني لاقامة 750 شقة في مستوطنة جفعات زئيف، بعد ان عمل في الاشهر الاخيرة على وقف البناء خلف الخط الاخضر. وتجاهل النقد المتوقع من السلطة الفلسطينية والادارة الامريكية على القرار الذي اتخذ قبل بضعة ايام من لقاء المتابعة برئاسة فرايزر، والذي فسر كخرق فظ «لخريطة الطريق». كما ان الاحتمال في رفع حواجز وتسهيلات حركة للفلسطينيين في الضفة يبدو صفراً، على خلفية التصعيد العسكري في غزة والخوف في اسرائيل من «انتفاضة ثالثة» في الضفة الغربية. اسرائيل غير مستعدة لان تكف عن نشاطاتها واعتقال المشبوهين بالارهاب في المدن الفلسطينية، والاعتمال على قوات امن السلطة. كما انها تصر على معارضتها تدريبهم وتسليحهم كقوة عسكرية، مع وسائل مثل السترات الواقية والمصفحات. كما انتقدت رايس في الماضي اسرائيل بشدة، وفي خطابها امام مؤتمر انابوليس شبهت الحواجز في الضفة بالتفرقة العنصرية التي عاشتها طفله في الباما، حتى وان كانت وازنة اقوالها بانتقاد للارهاب الفلسطيني. غير ان الخلاف الحالي يتخذ صورة الشرخ الحقيقي بين وزيرة الخارجية الامريكية والقيادة الإسرائيلية. رغم ذلك، من الصعب الافتراض بأن الادارة الامريكية ستختار المواجهة العلنية مع اسرائيل او عرضها كرافضة للسلام. الرئيس جورج بوش سيزور اسرائيل في ايار وسيشارك في احتفالات الستين للدولة، وفي الايام القريبة القادمة سيصل الى اسرائيل نائبة ديك تشيني، خصم رايس ورائد الخط المحافظ في الادارة. من الصعب التصديق بأن بوش سيثقل على مظاهرة صداقته لاسرائيل بخلاف على المواقع الاستيطانية والحواجز. كما ان الادارة تراعي حتى اليوم الاضطرارات السياسية لاولمرت، وستبذل كل جهد مستطاع لمنع سقوط حكومته. ولا بد انهم في واشنطن فهموا رغبة رئيس الوزراء في تهدئة خواطر اليمين بعد العملية في «مركاز هراف» ولهذا فقد اكتفوا بنقد واهن على البناء المتجدد في جفعات زئيف. يمكن الافتراض في انه كلما واصل اولمرت محادثاته مع عباس، فإنه سيتمتع باسناد من البيت الابيض. تحليل: الوف بن- «هآرتس»
بقلم: تسفي بارئيل
تاريخ النشر: 2008/2/25
×
إسرائيل لا تريد السلام بل إرضاء واشنطن
مثل الطفل في رسومات الالغاز التي تُعرض في الصحف عادة نرى الرئيس جورج بوش قد اختفى من الصورة. ولكن خلافاً لتلك الرسومات البريئة البسيطة التي يتوجب فيها تركيز النظر قليلاً وادارة الصحيفة يميناً ويساراً حتى يظهر الطفل الضائع ضمن الصورة فانه في حالة بوش نرى ان الحكاية اشد تعقيداً وصعوبة. هناك رسم الا ان الرئيس غير موجود. من قمة انابوليس الى جولات كوندوليزا رايس السياحية لم نعد نرى الا الشعار الصدئ "عملية السلام"، الذي يذكرنا بأن شيئا ما كهذا كان هنا ذات مرة. ايهود اولمرت ومحمود عباس ما زالا يلتقيان مثل العجوزين اللذين يصلان الى الفرع المحلي لصندوق المرضى حتى يتبادلا اطراف الحديث ثم يعودان لقيلولة الظهيرة. كلاهما ينظران للافتة الجديدة التي نصبت من قبل مقاولي السلام الاميركيين وتقول: "هنا سيبنى فرع جديد لعملية السلام". ليس معروفاً بعد من سيكون المقاول ــ هيلاري، اوباما، ام مكين ــ ولكن بدأ الناس من الان يبثون التحليلات المنمقة "من سيكون الافضل لاسرائيل ومن الذي سيدفع عملية السلام للامام".. هناك ايضا شعار جديد "اسمه التغيير". هذا تعبيرٌ يتسبب برجفة خفيفة في العمود الفقري القومي التغيير من ماذا؟ التغيير لماذا؟ خصوصاً عندما يصدر هذا المصطلح عن اوباما الذي ينظر له تلقائياً كمن قد يتسبب بتغيير الاتجاه في البيت الابيض والادارة الاميركية كلها ضد اسرائيل. هذا بالضبط نفس التهديد الذي تحمله السيدة كلينتون في جعبتها خصوصاً بالنسبة لمن يخشى ان تنشأ عملية سلام ــ لا قدر الله ــ من التوجه نحو السلام. القلق لا داعي له. ادارة بوش التي تعتبر "الادارة الاميركية الفضلى لاسرائيل" اكتفت فقط بتحديد خطوط حمراء حول تجاوزات انسانية ارتكبتها اسرائيل، ومن خلال ذلك أيضاً لم تسجل لنفسها انجازات ذات اهمية. هي لم تنجح في التوصل لتفكيك بؤر استيطانية او ازالة مهمة للحواجز وحكمت على نفسها بالصمت المطبق في ظل الاغلاق والحصار الذي فرضته اسرائيل على غزة ولم تتداعَ عندما اتضح لها ان اسرائيل تحول التزاماتها امامها الى أضحوكة. في الاسبوع الماضي تحدثت رايس عن "احباط" من سياسة اسرائيل، وقال مساعدها، ديفيد ولش، في لقاء الرباعية الدولية ان "الولايات المتحدة لا تشعر بالارتياح من التحركات الاسرائيلية في غزة". يا ويلتاه الدولة العظمى تتعذب وتعاني من الاحباط، ولكنها كسولة ايضاً. وما الذي توقعه من الرئيس الجديد الذي سيخطط من اليوم الاول لولايته الثانية في البيت الابيض؟ ان يأمر بتقسيم القدس ويتصادم مع يهود الولايات المتحدة؟ ان يقوم بإزالة خارطة الطريق عن الخارطة؟ وربما سيضغط الصوت اليهودي في هذه المرة؟ قائد احدى المؤسسات اليهودية المهمة في الولايات المتحدة قال، هذا الاسبوع، لمحادثة من دون ذكر اسمه ان هدف المؤسسات اليهودية هو دفع الادارة الاميركية والكونغرس لتأييد كل سياسات حكومة اسرائيل. هذا يعني ان الجمهور اليهودي نفسه الذي يفترض به ان يكون قلقاً من طابع "الملجأ اليهودي" يعفي نفسه من التمعن في سياسات اسرائيل من خلال التعليم المريح القائل: "ان كنا لا نخاطر بأرواحنا من خلال العيش في اسرائيل فليس لنا الحق بأن نقول رأينا حول سياستها". ليس مهما الان ما هي درجة قوة وصحة هذا الامر، ولكن الامر الاهم هو ان كل رئيس اميركي يمكنه ان يشعر بالثقة بالحصول على الصوت اليهودي طالما كان مؤيداً لسياسات حكومة اسرائيل كائنة ما كانت. الافتراض الثابت هو ان سياسة السلام الاسرائيلية قد أتت من اجل ارضاء واشنطن اكثر من كونها وسيلة للوصول الى السلام الحقيقي. لولا الضغط الاميركي لما التقى اولمرت مع ابو مازن وبالعكس، ولولا معارضة بوش لكانت اسرائيل الان في ذروة عملية سلام مع سورية. هذا الافتراض تجسد علنياً وبصورة ملونة في كل مرة كانت تأتي فيها الى المنطقة شخصية اميركية بارزة. هذه الحركة الوهمية أعطت الانطباع بأن اتفاق السلام سيتحقق حتى آخر 8200. عن "هآرتس"
بقلم: شيلدون شريتر
تاريخ النشر: 2008/2/14
×
من أجل القضية، يجب أن تذهب المستوطنات
تل أبيب يبدو أن الإسرائيليين فقدوا إيمانهم بصحة قضيتنا، حسبما أبداه المراقبون مؤخراً بهلع. وإذا كان ذلك مردّه الوهن الأيديولوجي أو النزعة العالمية للسعي وراء الأهداف الشخصية والمادية بدلاً من الجماعية، أو فقدان الإيمان بوعد الله إعطاء هذه الأرض لإبراهيم، فإن هناك سببا حقيقيا للقلق. إذا أخذنا بالاعتبار التحديات التي تواجه إسرائيل والمتطلبات المفروضة على مواطنيها، فإن الإجماع الوطني على الحرب أو السلام والعلاقات مع جيراننا العرب وعلى الأولويات المجتمعية ليست ترفاً وإنما ضرورة. كيف وصلنا إلى هذا الوضع وكيف نستطيع الوصول إلى مكان أفضل؟ لقد أطلق نصر إسرائيل الساحق في حرب الأيام الستة موجة من الطاقة المجنونة داخل الدولة وفي كامل العالم اليهودي. فهو، ضمن أمور أخرى، أدى بأناس مثلي لأن يقوموا بالعودة للحصول على الجنسية الإسرائيلية. ولكنه أطلق كذلك أموراً كثيرة على خط تماس ضخم، مسببة الانحراف عن الصهيونية البراغماتية المسؤولة عن إيجاد الدولة اليهودية، فقد انصبّت طاقات هائلة وموارد ضخمة وابتكارية لا نهاية لها في المستوطنات في المناطق التي احتُلّت عام 1967. أنا من أتباع الحوافز اليهودية، رغم أني لست مع أعمال العديد من الذين يعيشون في هذه المستوطنات أو عقائدهم المتطرفة. من بينهم بعض أفضل مواطنينا، ولكنهم يضمون كذلك أقلية صغيرة، متطرفة وعنفية، تسببت أعمالها بالأذى لقضية الدولة اليهودية ومشروع الاستيطان نفسه. قرأت مؤخراً كتاب دافيد شولمان، \"الأمل القاتم\"، وهو تقرير شاهد على الأعمال المتطرفة التي ترتكب في الضفة الغربية باسم الشعب اليهودي. ورغم أنني أشارك العديد من المستوطنين التزاماتهم، إلا أن ذلك لا يغير قناعتي بأنهم على خطأ، بعمق وخطورة، لأنهم يرهنون المؤسسة الاسرائيلية بأكملها من خلال قضية الاستيطان. نتيجة لذلك فقد تسببوا بأذى خطير غير مقصود لصدق قضيتنا الوطنية الواسعة على مستويين اثنين: أولاً، منظور الصدق الأساسي لقضيتنا عند شعوب العالم. كانت تلك حالة لا يمكن الاستغناء عنها عند ولادة دولة إسرائيل عام 1948، وما زالت قضية حرجة اليوم. من الغباء أن نقلل من أهمية هذه القضية أو أن نهزأ منها. الحفاظ عليها صعب، حيث أن أعداءنا يسّوقون الافتراء أن إسرائيل مجرد أداة زرعها الاستعمار، دولة فصل عنصري أخرى مثل جنوب أفريقيا، أو في أفضل الحالات، تصدير أوروبا لمشكلتها اليهودية إلى الشرق الأوسط. أهم إثبات في ترسانة أعدائنا هي المستوطنات، والاتهام بأننا نسرق أرض جيراننا وموارد رزقهم. لو تم بناء جدار الأمن على حدود الهدنة لعام 1967 أو بالقرب منه لما أثار ذلك معارضة شديدة، محلياً أو دولياً، وكون الجدار قد استُغلّ حجّة لسرقة أراضٍ واسعة إنما يؤكد ادعاء أعدائنا. الإعلانات الأخيرة عن إنشاءات واسعة النطاق في القدس الشرقية بعد اجتماع أنابوليس مباشرة إنما هي دليل على ذلك. ثانياً، هو الأثر الذي كان للمستوطنات على إجماعنا الداخلي وإيماننا بصدق قضيتنا. تؤكد نتائج الانتخابات، إضافة إلى حواراتنا اليومية، الانشقاق العميق في المجتمع الإسرائيلي حول المستوطنات. عوارض هذا الانشقاق كثيرة، من حرب لبنان الثانية إلى المرارة المثبطة للهمّة والسخرية من قدر كبير من طرحنا العام، إلى ما بعد الصهيونية للعديد من مفكرينا، إلى معدلات الهجرة إلى الخارج. ليست المستوطنات هي السبب الوحيد وإنما هي سبب إستراتيجي. تقوض المستوطنات أركان المنظور الخارجي لنا، وكذلك منظورنا الداخلي بصدق قضيتنا. لذا، وفي تناقض صارخ مع نوايا العديد من سكان هذه المستوطنات، ينتهي الأمر بأن تضعف المستوطنات من قوتنا بدلاً من أن ترفدها، وتشكل خطراً كبيراً على وجود الدولة اليهودية الوحيدة التي نملكها. هناك رابط غريب متناقض بين لهفة المستوطنين للحصول على كامل أرض إسرائيل ومطالب العرب بدولة واحدة علمانية ديمقراطية لكل مواطنيها. كلاهما سوف يؤدي إلى دمار إسرائيل. لن يرضي الانسحاب من المستوطنات خصومنا، كما لا يجب علينا أن ننسحب من طرف واحد، دون ضمانات وحمايات ونقاط نقف عندها للتقييم والتأكيد. ولكن علينا أن ننسحب، لأجل حاجاتنا ومصالحنا. احتلال الفلسطينيين يفترسنا من الداخل، مثل نمو سرطاني يحتاج إلى عملية جراحية لاستئصاله حتى يتسنى للجسم أن يعيش. ليس من قبيل المصادفة أن العديد من أبرز جنرالاتنا الذين تحولوا إلى ساسة، مثل ديان ووايزمان ورابين وباراك وشارون، توصلوا إلى نتيجة أن الفصل عن الفلسطينيين في المناطق كان حاسماً لإسرائيل وبقائها كدولة يهودية. علينا أن نصحو من غفوتنا، وأن نضع الأولويات وأن نجمّع أنفسنا قبل فوات الأوان. علينا أن نتنازل عن الانشقاق العميق في داخلنا حول إسرائيل الكبرى حتى نتوحد بفعالية لصالح إسرائيل ما قبل عام 1967 (مع إضافات قليلة متفاوض عليها). إيماننا المشترك في صدق قضيتنا، والذي بدونه سوف نسقط، لا يمكن إعادة بنائه طالما كنا نحتل شعباً آخر ونفرض نزوحه. سيكون من المؤلم ترك أماكن مرتبطة بذاكرتنا الجماعية التي نقدسها، ولكنه سيكون مأساوياً إلى درجة أبعد بكثير أن نخاطر باحتمالات تداعي دولة إسرائيل وتفككها، وهو ثمن أكبر بكثير من أن نتحمله. . شيلدون شريتر رجل اعمال من رعنانا، من مواطني مونتريال اصلاً، وقد هاجر الى اسرائيل عام 1976
لنفس الكاتب
تاريخ النشر: 2007/11/13
×
يستعد لسنة انسانية سيئة
"العقوبات الجماعية مثل قطع التيار الكهربائي لاسباب سياسية، ليست مقبولة على العقل"، قال هولمز في يوم الاربعاء الماضي في مقابلة في مكتبه في أعالي البناية الزجاجية في نيويورك. "عزل غزة سيؤدي الى زيادة تطرف المدنيين وهو لا يتساوق بأي شكل من الاشكال مع الأحاديث حول التفاؤل قبيل انعقاد قمة انابوليس والتقدم السياسي الذي نأمل جميعا لرؤيته إثر القمة. من الصعب أن نرى كيف سيسهم الحصار في عملية السلام". امين عام الامم المتحدة بان كيمون يدرك الوضع الصعب السائد في القطاع، وهولمز على قناعة بأنه رئيسه المباشر الذي سيشارك في المؤتمر كأحد قادة الرباعية الدولية لن ينسى طرح الوضع السائد في غزة من على منبر انابوليس. وفقا للمسؤول الكبير في الامم المتحدة، اسرائيل لا تقوم باحسان انساني عندما تمد غزة بالكهرباء وتتيح امدادات المواد الضرورية للسكان المحاصرين وإن كان بصعوبة. "رغم الانسحاب من غزة قرر خبراء القانون عندنا بأن اسرائيل ستبقى مسؤولة عن القطاع من الناحية الرسمية والقانونية، ولذلك يعتبر قطع الكهرباء مخالفا للقانون الانساني الدولي ولا يمكن أن يكون مقبولا على الأسرة الدولية. الأمين العام أوضح ذلك لاسرائيل بكل طريقة ممكنة". هولمز يحرص على القول بأنه من البديهي أن يكون لاسرائيل حق في الدفاع عن مواطنيها وأن صواريخ القسام هي مشكلة يتوجب التصدي لها. ولكنه على قناعة بأن الطريقة التي تواجه فيها اسرائيل هذه المشكلة ليست غير قانونية فقط وانما غير ناجعة ايضا. "من يعتقدون أن التسبب بالمعاناة للناس سينجح في ابعادهم عمن يسيطرون عليهم يقع في خطأ كبير". هولمز يجد صعوبة في فهم كيفية تساوق تصريحات اسرائيل بأنها ليست معنية بكارثة انسانية في القطاع مع قيامها باغلاق المعابر الحدودية أمام دخول المواد الخام بما في ذلك تلك المطلوبة لبرامج التنمية والبناء في وكالة غوث اللاجئين. "حتى اذا لم يكن هناك جوع في غزة بعد، فضرر الحصار آخذ في التراكم. وحتى اذا حدثت انطلاقة في انابوليس فلن يكون من السهل اعادة بناء القطاع على المدى القصير، وارجاعه الى الوضع الصعب الذي كانت المنطقة واقعة فيه قبل الحصار". مصر هي الاخرى تنجو بالعين والسن: هولمز يتوقع من القاهرة توضيحات لسبب اغلاقها معبر رفح أمام الناس والبضائع. لا، هو لا يدعي أن حماس مجموعة من الملائكة. "مهمتي هي أن أحرص على سكان القطاع وأن أمنع ازمة اقتصادية سيكون من الصعب الشفاء منها". وبالفعل، هو يشعر بالاحباط وبالقلق بدرجة اكبر من ذلك. التقرير الذي ينشره مكتبه في القدس في كل شهر يبدو اكثر تكدرا من ذي قبل، والوضع آخذ في التدهور. هولمز لا يرى الضوء في نهاية النفق، ويُعد نفسه لـ "سنة انسانية سيئة". مكتب تنسيق الخدمات الانسانية يأمل في تجنيد 450 مليون دولار في هذه السنة للامور الطارئة فقط. لا يتحدث أحد عن التأهيل والاعمار. الأسرة الدولية مستعدة للاستثمار في التنمية الاقتصادية، ولكن المستثمر يريد أن يعرف بأن ماله لن يذهب هباءا منثورا قبل أن يتبرع به، كما حدث معه في الماضي. "الامم المتحدة لا تملك وسائل اخرى باستثناء هذه التقارير والرسائل التي نرسلها لاسرائيل. صحيح أن مجلس الأمن يمتلك صلاحيات اكبر، ولكنني لا اعتقد انه سيستخدمها". كان من المهم لهولمز أن يؤكد انه وأتباعه لا يمتلكون اية أجندة سياسية، في اطار مسعاهم لاتخاذ خطوة وقائية قبل الانتقادات المتوقعة من اسرائيل ومن اصدقائها في امريكا لتصريحاته الصعبة. صحيح أن من الممكن توقع امور أكثر من الدولة الديمقراطية بالمقارنة مع الانظمة الفاشلة، ولكن مكتب التنسيق لا يجري حسابات كهذه. هو يقرع الأجراس في كل دولة مسؤولة عن الازمة الانسانية – دارفور، العراق، سريلانكا وتشاد. "الشيطان في أنابوليس" البروفيسور رشيد الخالدي (57 عاما)، رئيس معهد دراسات الشرق الاوسط في جامعة كولومبيا، لا يفهم سبب اصرار اسرائيل فجأة على اعتراف الفلسطينيين بدولتهم باعتبارها دولة يهودية. المؤرخ الفلسطيني الذي يعتبر خليفة لادوارد سعيد يقول بأن م.ت.ف قد اعترفت وبدرجة كبيرة بالدولة اليهودية. في إطلالة للوراء، الى السنوات العجاف التي مرت منذ اتفاق اوسلو، ليس هناك تأكيد بأن الخالدي الذي يمثل الخط المتطرف في قضية حق العودة، سعيد بهذا الاعتراف. ولكن ما العمل، أصبح الاعتراف كائنا حيا، فقبل عشرين عاما تقريبا اعترف الجسم الممثل للشعب الفلسطيني بالدولة اليهودية في ارض اسرائيل. المجلس الوطني الفلسطيني اعترف في بيان الجزائر في 15/11/1988 بمبدأ تقسيم البلاد الى دولة يهودية واخرى عربية، كما تجسد في قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة رقم 181. بعد ذلك بشهر، في جنيف، صرح ياسر عرفات عن اعترافه بالقرار 242 الذي يتطرق لحدود الرابع من حزيران 1967. في نهاية الشهر الحالي ستحتفل اسرائيل بمرور ستين عاما على قرار الامم المتحدة لعام 1947. رئيس الوزراء سينظم بالتأكيد لقاءه مع محرري الصحف كما جرى بصورة تقليدية، وستكون لدى هؤلاء فرصة سانحة لسؤال اولمرت اذا كان يؤيد مطلب اهود براك بأن تعترف م.ت.ف باسرائيل كدولة يهودية، رغم أن م.ت.ف قد اعترفت بنفس القرار الذي يقسم البلاد الى دولة يهودية واخرى عربية، والنظام الدولي الخاص للقدس... من الأجدر سؤال رئيس الوزراء عن سبب وجوب مطالبة اسرائيل محمود عباس بادخال البند الذي لم يطلبه مناحيم بيغن من أنور السادات في كامب ديفيد، ولم يطالب به رابين الملك حسين، الى الاتفاق المستقبلي. من الممكن تذكيره ايضا بأن اهود براك نفسه لم يطالب حافظ الاسد بالاعتراف بالهوية اليهودية لجارته التي يبلغ خُمس سكانها من العرب. قبل رحيل ياسر عرفات الى العالم الآخر باسابيع قلائل، طلبت منه أن يفسر لي رفضه التصريح بأنه يعترف باسرائيل كدولة يهودية. "أنا أعرف عددا كبيرا من اليهود في اسرائيل الذين يدعون انها يجب أن تكون دولة لكل المواطنين"، رد عرفات، "وعموما أنا لا أفهم لماذا تدخلونني في جدلكم الداخلي في قضية من هو اليهودي. أنا لا أطالبكم بتحديد ما هي فلسطين، وأنا لا أريد أن احدد دولتكم. على كل طرف أن يحدد مصيره بنفسه". القائد الفلسطيني حافظ على صلة وثيقة مع قادة الاقلية العربية في اسرائيل وعلى رأسهم احمد الطيبي الذي كان مستشاره الخاص لشؤون اسرائيل. الاعتراف بقرار التقسيم تسبب بشرخ في م.ت.ف وانشقاق فصائل الرفض عنها. عباس مثل عرفات يخشى من أن يؤدي تصريح آخر بفوقية اليهود في دولة اسرائيل الى اثارة حفيظة عرب اسرائيل ضده. تكفيه الانتفاضة التي سيقوم بها الخالدي ورفاقه في قيادة الشتات الفلسطيني عندما يتضح انه وافق على أن تحدد اسرائيل من منهم سيحق له العودة الى الدولة اليهودية، هذا اذا حدث ذلك. عاموس جلعاد، مبعوث براك للمفاوضات مع الفلسطينيين، نقل له بالتأكيد أن الفلسطينيين يظهرون انهم شركاء في صياغات تسووية في قضية حق العودة. الاعتراف بالدولة اليهودية بقي وسيلته الوحيدة للبرهنة على انه كان محقا عندما ابتدع شعار "اللاشريك"، والمحطة النهائية قبل أنابوليس. بالمناسبة، عنوان المقال الرئيس في موقع حماس الرسمي على الانترنت هو "الشيطان في أنابوليس". - هآرتس 13/11/2007 - تاريخ النشر: 2007/9/22
×
هناك حاجة لدولة ثالثة
كارين كونينغ أبو زيد تقول بأن تفكيرها بأن غزة ستبقى تحت الحصار بعد سنة – موعد انهاء منصبها – يثير الرعب في نفسها. من الجدير أخذها على محمل الجد – بعد أكثر من نصف يوبيل من العمل مع اللاجئين في كافة أرجاء العالم لا يسارع الناس عادة للاصابة بالفزع (بسبب التعود). كونينغ أبو زيد، الممثلة العليا لوكالة الاونروا التابعة للامم المتحدة في الشرق الاوسط شاهدت عن كثب مخيمات اللاجئين الاكثر اكتظاظا مما في افريقيا والبلقان، هي كانت قد بدأت عملها الانساني في السودان حيث تعرفت على زوجها الذي رحل عن عالمه قبل مدة غير بعيدة، وهناك تولت رعاية اللاجئين الفارين من مناطق القتال في اوغندا وتشاد واثيوبيا. في عام 1989 انتقلت الى ناميبيا للمساعدة في اعادة تاهيل لاجئي التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا، وبعدها ارسلت الى سيراليون لاقامة 600 قرية لتوطين 100 ألف لاجيء فارين من الحرب الوحشية في ليبيريا. في اواسط التسعينيات تمركزت في منطقة حرب جديدة، ولكن في اوروبا في هذه المرة. في ذروة الحرب في البوسنة كانت على رأس مكتب وكالة اللاجئين في سراييفو. مكتبها هذا أنقذ آلاف المشردين الفارين من عمليات التطهير العرقي، ورزم الاغذية الهابطة من السماء انقذت اربعة ملايين انسان. كونينغ أبو زيد وصلت الى الشرق الاوسط قبل سبع سنوات بين ايام النشوة في كامب ديفيد والايام الاولى للانتفاضة الثانية، وخلال خمس سنوات كانت نائبة لمفوض اللاجئين الفلسطينيين، ومنذ صيف 2005 أصبحت رئيسا للمفوضية التي تتولى معالجة 4.4 ملايين لاجيء وتشغيل 25 ألف موظف اغلبهم من اللاجئين. في عام 1950 سجل في الاونروا 914 ألف لاجيء، الا ان عددهم اليوم في غزة وحدها يبلغ مليون نسمة، نصفهم مكتظون في ثمانية مخيمات، وفي كل يوم تتزايد اعداد متزايدة من الناس على مكاتبها في غزة، والى جانب ذلك تشعر كونينغ ان الضائقة لا تقلص تأييد الناس لحماس والتطلع للعودة الى المنازل التي تركوها قبل ستين عاما. "غزة هادئة من الخارج، الا انها تغلي تحت السطح مع انفجارات تشير الى توترات خفية"، كونينغ تصف الوضع في غزة، "أنا اقول بأسف كبير ان اعدادا متزايدة من الناس تفقد الأمل. قبل سبع سنوات قال لي بعض الاشخاص "قد لا اشاهد الدولة الفلسطينية في حياتي، الا انني اعتقد ان اطفالي سيرونها"، اما اليوم فاصبحوا يقولون انهم قد يئسوا من هذا المكان وانهم يرغبون بالرحيل والمغادرة. هم يتحدثون عن اطفالهم، الآلاف يطلبون تأثيرات للدول الغربية وهم من خيرة الناس من الحرفيين والاختصاصيين والمتعلمين والماهرين. نحن نتحدث بالطبع عن اقلية يوجد لها مكان تذهب اليه، اما الاغلبية فعالقة في غزة وتهبط تحت خط الفقر ولا ترى نهاية لذلك. أنا اتساءل كم يمكن ان يستمر مثل هذا الوضع. مقعد صغير ومثقوب - ما هو رأيك بالاقتراح الذي يجري تداوله في اسرائيل لقطع امدادات المياه والكهرباء على قطاع غزة ردا على صواريخ القسام؟ + أنا لا اعتقد أن اسرائيل ستفعل ذلك. أنا على قناعة ان الأطراف التي تدرس مثل هذه الخطوات ستتوصل الى استنتاج بأنها لا تتساوق مع القانون الدولي. ومن دون ذلك أصلا يعتبر فرض الطوق على غزة وعزلها وتحويلها الى سجن كبير كما يصف ذلك سكانها، عقوبة جماعية. حتى اذا كانت هناك استطلاعات تشير الى نتيجة اخرى فأنا اعتقد أن هذه الخطوات تزيد التأييد للجهات المتطرفة. كلما زدت من الضغط كلما تمترس الناس عميقا بعقائدهم. أنا اعتقد ان المخيمات الصيفية التي نظمتها الاونروا في الاشهر الاخيرة تبرهن على ايجابيات وامتيازات النهج المعاكس وهو تشجيع الاطفال والشبان على الشعور بأنهم أحرار وانهم قادرون على الاستمتاع بوقتهم وتعلم مهارات جديدة. هذه خطوة تعطيهم منظورا مختلفا أكثر ايجابية عن العالم. المشكلة الأشد خطورة هي أن الاكتظاظ يزداد سنويا. الاطفال يجلسون في المدرسة كل ثلاثة على مقعد واحد مثقوب كان أهاليهم قد جلسوا عليه، ويكتبون على نفس الطاولات التي كتب عليها آباؤهم وأمهاتهم. الدول العربية وعلى رأسها السعودية والامارات تساعد كثيرا في تمويل مشاريع البناء للسكن والمباني العامة، الا اننا نجد صعوبة في جمع التبرعات لتحسين الظروف في المدارس والعيادات، وبسبب الطوق هناك مشكلة ايضا في ادخال المواد الخام مثل الاسمنت. عندما انظر الى صراعات اخرى والى اوضاع لاجئين آخرين أرى سبلا للخروج من ذلك حتى من الصراعات التي امتدت لسنوات اطول. لقد آن أوان الاستيقاظ من الاوهام فالناس في نهاية المطاف يملون من تبديد حياتهم على الصراع من دون أمل بمستقبل افضل. - لو كنت اسرائيلية فهل كنت ستثقين بالفلسطينيين؟ + بالتأكيد. فأنا اؤمن بانهم بالفعل معنيون بحل الدولتين وان هذا الامر يمكن ان ينجح. حتى اتباع حماس قبلوا هذا الحل. بطبيعة الحال ومثلما هو الامر في اية تسوية هناك درجة من الخطورة ولكنني اعتقد ان الخطورة الاكبر تتمثل بتأجيل التسوية وتكريس الوضع القائم. الفلسطينيون هم اشخاص مجتهدون مواظبون يرغبون في العمل. لو فتحتم غزة والضفة لازدهر الاقتصاد. أنظر ما الذي نجحوا في القيام به خلال سنة ونصف رغم الانتفاضة والحصار. انا نفسي فوجئت عندما سمعت بان 3900 مشغل في غزة قد أغلقت في الاشهر الاخيرة بسبب اغلاق معبر كارني امام البضائع. لم اصدق ان مثل هذا العدد من المصانع قد نجح في البقاء حتى الان. هناك حاجة بالطبع الى اعادة فتح معبر رفح ايضا. المشكلة هي انهم اعطوا لاسرائيل ذريعة لاغلاق المعابر من اجل معاقبتهم من خلال اطلاق صواريخ القسام. هناك دائرة سحرية مغلقة محبطة جدا. اللاجئون هم مشروع العمر - اذا عاد ابو مازن من القمة التي ستعقد في الخريف في امريكا مع وثيقة مبادىء وطلب تاييد الجمهور فهل سيدير الغزاويون ظهورهم لحماس؟ + انا لا استطيع الحديث باسمهم ولكن المعطيات تشير بان 30 في المائة من الغزاويين يؤيدون حماس و30 في المائة يؤيدون فتح و40 في المائة يعتبرون انفسهم مستقلين واحتمالية التغيير تكمن في المجموعة الاخيرة. هناك اعداد متزايدة من الناس تعلن عن نفسها انها براغماتية في مواجهة اولئك الذين يستطيعون اقتراح شيء ما للشعب الفلسطيني. - هل سيؤيد اللاجئون الفلسطينيون حكومة فلسطينية تتنازل عن حق العودة؟ + قبل كل شيء آخر اللاجئون يصرون على ان يتم الاعتراف بحقهم بالعودة الى منازلهم. من المحتمل ان يختاروا امكانيات اخرى ولكنهم لن يتنازلوا عن الحق بالعودة باي شكل من الاشكال. اللاجئون سيعارضون بشدة كل تسوية تؤجل حل مشكلتهم للمستقبل الابعد. هم يقولون ان الآن هو وقت متأخر اصلا. الناس ينتظرون ذلك طوال سنين، سيكون من الصعب جدا محاولة تغيير ذلك ولكن القيادة موجودة من اجل هذا الغرض بالضبط. - هل تلاحظين تطلعا من اللاجئين في الدول العربية المجاورة للانتقال الى الدولة الفلسطينية التي ستقام في المناطق؟ + انطباعي هو ان اغلبية هؤلاء الموجودين يتمسكون بحلم العودة الى منازلهم في اسرائيل. عندما سيعرضون عليهم الهجرة الى الدولة الفلسطينية سيكون عليهم ان يقرروا اذا كانوا يريدون الانتقال الى المكان الذي لم يعيشوا فيه بالمرة او البقاء في اماكنهم. - ما هو موقفكم من هذه المسألة؟ + موقفنا هو انه يتوجب ان يكون للاجئين الحق في اختيار المكان الذي يذهبون اليه واذا كانوا يفضلون التعويضات. وفقا لقرار الامم المتحدة 194 يتوجب اعطاءهم دورا في هذه القضية. هذه كانت احدى نقاط ضعف عدد من المبررات السلمية السابقة التي كان بعضها جيدا. هذا الامر هام بصورة خاصة في غزة حيث يشكل اللاجئون هناك 80 في المائة من السكان. نحن نصر على ان تكون قضية اللاجئين على جدول اعمال كل مفاوضات حول التسوية الدائمة بين اسرائيل والفلسطينيين. اللاجئون هم مشروع العمر بالنسبة لي وأنا ادرك ما هو معنى العودة للبيت بالنسبة للاجيء، هذه اولويتهم الاولى. - أنت تقولين انه يتوجب ان يكون للاجئين الحق في اختيار المكان الذي يذهبون اليه. ولكن اسرائيل قد قررت عنهم بانهم لن يأتوا اليها. + من الصعب البدء بالتحدث مع اللاجئين اذا انتزعنا منهم الامكانية الاهم بالنسبة لهم وهي العودة الى منازلهم. هناك امكانيات اخرى بالطبع – توطينهم في اماكنهم الحالية، الانتقال الى الدولة الفلسطينية او الهجرة الى دولة ثالثة. الامكانية الاخيرة تلائم اللاجئين الذين يعيشون في مخيمات لبنان خصوصا حيث ان وضعهم اصعب من وضع الاخرين رغم الجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانية في العامين الاخيرين بالتعاون معنا لتحسينها. عرفات ايضا تحدث عن هذا الخيار.
تاريخ النشر: 2007/9/6
×
محكمة شلومو
قرار محكمة العدل العليا تسويغ مئات الشقق الجديدة في حي متتياهو الشرقي، في مستوطنة موديعين عيلت، يثير التساؤل في شأن قرار محكمة العدل العليا ليوم أول أمس، في رفض مسار جدار الفصل على حدود المستوطنة. ماذا كان سيحصل لو كان تمكن المقاولون من بناء المرحلة الثانية من الحي، والذي كان يفترض أن يبنى غربي الجدار؟ فهل عندها أيضا كان سيتأزر القضاة بالشجاعة لاصدار الامر بنقل المسار، ومعه نقل مئات اليهود الى خارج الجدار؟ بقبولهم أول أمس التماس السلام الان وسكان بلعين، بالنسبة لمسار الجدار، كان القضاة تدخلوا في تفكر القائد العسكري، الامر الذي لا تسارع محكمة العدل العليا الى عمله. وبردهم أمس الالتماس ضد اسكان الحي، يكون القضاة امتنعوا عن التدخل في تفكر سلطات التخطيط المدنية، الامر الذي يعد خبز عيش محكمة العدل العليا. مبررات القرار هي تباكي قانوني، يدل على مسعى ثقافي للامتناع عن قرار صعب وغير مسبوق: هدم 1.500 شقة، في ظل المس بعائلات كادحة. "هل ينبغي لنا ان نأمر باتخاذ خطوات غايتها هدم ما بني بشكل غير قانوني!" تتساءل القاضية مريم ناؤور وترد بالسلب. "هذا عقاب غير متوازٍ في ملابسات القضية". وقضى القضاة بان الالتماس الاول، المتعلق بالخطة الاصلية للمرحلة الاولى، في القانون اساسها، بل وقرروا، لاول مرة، بان تدفع مستوطنة النفقات للسلام الان (اضافة الى دفع من الدولة وشركة البناء). واقتنعت محكمة العدل العليا بان البناء وبدون ترخيص او بقوة تراخيص صدرت دون وجه قانوني في متتياهو الشرقية (كيف لا؟ حتى النيابة العامة اعترفت بذلك). وكان صدر في كانون الثاني 2006 أمر احترازي يأمر المكلفين بالرد بتعليل لماذا لم يعلن عن الغاء الترخيص الذي اعطى المفعول للخطة الاولى، ولماذا لم تتخذ الاعمال اللازمة لفرض قوانين التخطيط والبناء. واتخذ في الالتماس أيضا أمرا احترازيا منع استمرار البناء والاسكان. وفي نفس الوقت شرعت الوحدة القطرية للتحقيق في الغش بتحقيق جنائي ضد المتورطين في اجراءات المصادقة على الخطة الاولى. بعد تقديم الالتماس الاول وبينما كان لا يزال قيد البحث، قررت الدولة الغاء اجراءات التخطيط للخطة الاولى والشروع في هذه الاجراءات من بدايتها. واقتنع القضاة بان المصادقة على الخطة الثانية عالجت نقاط الخلل التي كانت في الخطة الاولى، وهكذا انتهت برأيهم مزاعم الملتمسن. من أجل الامتناع عن البحث في مجرد صلاحية الخطة في اقامة مستوطنة في المكان، تمسكت محكمة العدل العليا في أنه العام 1999 تمت المصادقة على خطة خصصت المجال للسكن. ويجند القضاة ضد الملتمسين الحجة الفنية للتأخير – "التأخر" الكبير في تقديم الالتماس. منظمات حقوق الانسان يمكنها أن تروي لهم أي طريق آلام، لدرجة الدعاوى الادارية، يمرون فيه كي يحصلوا على مخطط هيكلي من سلطات التخطيط في المناطق. وبعد كل هذا ينبغي القول انه سبق لمثل هذه الامور أن حصلت. في نطاق اسرائيل ايضا، يعدل المقاولون الخطط وتسوغ السلطات الخلل. ولكن من الصعب ايجاد سابقة لتبييض هذا القدر الكبير من المباني، التي بنيت في ظل خرق لهذا القدر الكثير من القوانين، على هذا القدر الكثير من الاراضي المحتلة. مادة للتفكير لكل حكومة تبحث عن سبيل لتسويغ مواقع استيطانية غير قانونية.
تاريخ النشر: 2007/9/5
×
المتفائل من شرقي القدس
لم يكن عفيف صافية ملزما بالقراءة في الصحيفة عن أن وزيرة الخارجية تسيبي لفني تقترح تخفيض التوقعات من مؤتمرالسلام المزمع في الخريف القادم. ممثل م.ت.ف في الولايات المتحدة عاد في نهاية الاسبوع الى واشنطن مع قدر أقل من التوقعات مما كان لديه عندما حلق من هناك لزيارة الوطن قبل ذلك بأسبوعين. مروره عبر الحواجز وهو متوجه الى رام الله وأريحا جسد له الفجوة الكبيرة بين الوعود البهيجة التي أعطتها اسرائيل للامريكيين لتسهيل حياة سكان المناطق وتحسين مكانة أبو مازن وبين الواقع المحزن هناك. "أنت تعرف ما هو تعريف المتشائم؟"، سأل صافية، ورد على نفسه بابتسامة مريرة: "هو متفائل مع قدر من المعلومات". كما أن توقعات عفيف صافية من الامريكيين المستضيفين الدوريين له متدنية حتى معدومة. "لقد آن الأوان لأن تُفطم الادارة الامريكية من عقدة الازدواجية التي تعاني منها. أنا آمل جدا بأن يكون المؤتمر نقطة انعطافية تكون مؤشرا لعملية سلام موثوقة وغير قابلة للتغيير. صافية يقتبس كلمات القائد الصهيوني ناحوم غولدمان الذي وصف رحلات هنري كيسنجر المكوكية في اواسط السبعينيات قائلا: "الدبلوماسية في الشرق الاوسط هي فن تأجيل الامور التي لا يمكن ردها قدر المستطاع". صافية ما زال يأمل بأن ينجح المؤتمر القادم في دحض مقولة غولدمان المذكورة. لو منحوا لقب "آبا ايبان الدبلوماسية الفلسطينية"، لكان هناك شك بأن يكون لعفيف صافية منافسين على هذا اللقب. وزارة الخارجية الاسرائيلية كانت ستكون مسرورة جدا لو امتلكت دبلوماسيين ذوي روح دعابة وطلاقة لسان مثله بالانجليزية والفرنسية. عفيف صافية يعمل في مجال العلاقات الخارجية في اطار م.ت.ف طوال عمره منذ أن غادر مسقط رأسه مدينة القدس وتوجه للدراسة في بلجيكا. في سن التاسعة عشرة كان عفيف صافية رئيسا للفرع البلجيكي لاتحاد الطلبة الفلسطينيين. بعد ذلك بخمس سنوات عندما أنهى في باريس شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية كان على رأس الفرع الفرنسي لاتحاد الطلبة الفلسطينيين، ومن هناك انتقل ابن العائلة المقدسية الكاثوليكية التي انتقلت من حي البقعة في غربي المدينة الى حي الشيخ جراح شرقيها للعمل في ممثليات م.ت.ف مع الامم المتحدة في جنيف. وعمل صافية كذلك في مكتب عرفات في بيروت (من 1978 – 1981) كمسؤول عن الشؤون الاوروبية وشؤون الامم المتحدة. في عام 1988 عندما كان ممثلا لـ م.ت.ف في هولندا كان صافية مشاركا في المفاوضات التي جرت بوساطة وزير الخارجية السويدي، ستان أندرسون، والتي أفضت الى فتح حوار مباشر بين الولايات المتحدة وم.ت.ف. وفي عام 1992 بعد أن عُين ممثلا لـ م.ت.ف في لندن بعامين عقد عفيف صافية لقاءا بين أبو العلاء وبين الدكتورين الاسرائيليين يائير هيرشفيلد ورون فونداك. هذا كان اللقاء المباشر الاول وليس الأخير بين شخصية فلسطينية بارزة مع اسرائيليين. امتداد ذلك كان اتفاق اوسلو كما نعلم. بعد التوقيع على الاتفاق التاريخي قدّم عفيف صافية لوزارة الداخلية الاسرائيلية طلبا بالعودة الى أحضان عائلته في القدس في اطار جمع شمل العائلات، وخطط لاصدار اسبوعية نوعية باللغة الانجليزية مُتمكنا من تجنيد عدد من المُبدعين والكُتاب البارزين وعلى رأسهم البروفيسور ادوارد سعيد. اسرائيل أغلقت أبوابها أمامه رغم أن السبب لا يعود لعدم وجوده في سجل السكان الذي نُظم في احصاء عام 1967 إبان دراسته في الخارج. قبل أقل من عامين، وبعد قدر غير قليل من الجهود نجح رئيس السلطة محمود عباس ووزير الخارجية السابق في حكومته ناصر القدوة باقناع وزير خارجية م.ت.ف، فاروق القدومي، بنقل رئيس الممثلية الفلسطينية في واشنطن حسن عبد الرحمن الى مكاتب م.ت.ف في المغرب. بعد 15 عاما تحول خلالها عفيف صافية وزوجته البلجيكية الى جزء من المشهد الدبلوماسي اللندني، أبحرا مع ابنتيهما الطالبتين عبر المحيط باتجاه القارة الامريكية. ضربة قاتلة عفيف صافية يسبح منذئذ في مياه عكرة. العربي المسيحي (صافية هو ايضا ممثل م.ت.ف في الفاتيكان)، اضطر الى التصدي لوباء الخوف من الاسلام الذي أصاب الامريكيين بعد عمليات ايلول 2001. لم يكفيه فقط أن عليه أن يواجه اللوبي اليهودي، صاحب التأثير الواسع في العاصمة الامريكية، وانما كان عليه أن يناور كذلك بين م.ت.ف المناطق وم.ت.ف الشتات، بين حكومة فتح الضفة وحكومة حماس – غزة. صافية يقول انه لا يرقص على أنغام أي طرف كان. في كل صباح يقرأ الصحف بالانجليزية والعربية ويبني لنفسه جدول اعمال وخطوطا للسياسة التي يتبعها. "بسبب عدم التوازن بيننا لا يمكننا أن نتقدم من دون تدخل طرف ثالث"، يقول صافية في محادثة من شرفة فندق "نوتردام". "مع كل الاحترام للرباعية الدولية إلا أن الولايات المتحدة تبقى الدولة الوحيدة الأعظم في العالم، وهي تتصرف على هذا النحو بالفعل تجاه العرب. إلا أنها تتصرف نحو اسرائيل وكأنها بوزن ليختنشتاين أو لوكسمبورغ سياسيا. أنا أُرحب بقرار بوش لعقد القمة الدولية، ولكن فشل هذه القمة سيكون ضربة قاتلة للعملية التي تبدو أصلا في نظر الكثيرين مجرد كلام فارغ. صافية يسعى للتأكيد على أنه لا يتطلع لدق إسفين بين امريكا واسرائيل، إلا أنه يؤمن أن اليوم الذي سيقول فيه الامريكيون لاسرائيل بأنها لا تستطيع مواصلة أخذ ما تبقى لديهم منهم، ليس ببعيد. المقصود هنا المساعدة ورفض ما هو غير مريح لها من النصائح. "رسالتي كدبلوماسي فلسطيني للمجتمع الامريكي ليست المطالبة بأن يتنازلوا عن صديقتهم وانما أُطالبهم باضافة صديق جديد. ليست لدي مشكلة مع الالتزام الامريكي بوجود اسرائيل وأمنها. أنا فقط اسأل اصدقائي الامريكيين: هل أنتم ملتزمون ايضا بتوسع اسرائيل الاقليمي؟ هل تتضمن مصلحتكم وجود الاحتلال الاسرائيلي في المناطق؟ وهل يساوي ذلك تخاصمكم مع كل العالم العربي؟. "أنا أقول لاصدقائي الامريكيين بأن امريكا هي مجتمع رائع متعدد ومتنوع، وأمة الأمم. امريكا استوعبت ثمانية ملايين مسلم، نصفهم من العرب، و400 ألف فلسطيني. خسارة أن الكثيرين منهم يشعرون بأن الدولة التي تبنتهم ليست حساسة لمأساة وطنهم. استطلاعات الرأي تشير الى أن 60 في المائة من الامريكيين كانوا يرغبون برؤية سياسة أكثر توازنا تجاهنا. اغلبيتهم لم تؤيد قرار الادارة الامريكية برفض وقف اطلاق النار خلال حرب لبنان الثانية، و70 في المائة يؤيدون حل الدولتين". صافية لا يتنازل عن الصوت اليهودي خلال وجوده في واشنطن مثلما لم يفعل ذلك خلال خدمته الطويلة في لندن. في شهر شباط نشرت الاسبوعية اليهودية "بورفارد" مقالة كتبها عفيف صافية الممثل الفلسطيني في امريكا، حيث حاول من خلالها اقناع القُراء اليهود بأن عليهم أن لا ينخدعوا من السياسيين الاسرائيليين الذين يبيعونهم وهْم "عدم وجود شريك فلسطيني". صافية كتب بأن السلام والأمن لا ينموان من خلال التوسع الاقليمي وانما من خلال القبول المتبادل بين الطرفين. "العالم العربي من المغرب حتى مسقط أبدى استعداده خلال سنوات للاعتراف بوجود اسرائيل اذا انسحبت حتى خطوط حزيران 1967"، ادعى عفيف صافية، "الصراع العربي – الاسرائيلي لا يتواصل بسبب الرفض العربي للاعتراف بوجود اسرائيل، وانما بسبب الرفض الاسرائيلي للموافقة العربية"، هذا الموقف تكرر كلمة بكلمة ايضا خلال المقابلة التي أُجريت معه في القدس. انجاز متواضع عفيف صافية يُحدثنا بالدعابة حول الاسرائيلي الذي سُئل اذا كان يريد بأن تكون دولته الولاية 51 للولايات المتحدة الامريكية، فرد "هل جُننتم؟ لماذا نرغب بالاكتفاء بنائبين في مجلس الشيوخ". بعد أن ضحكنا للحظة اقترح عفيف صافية على الاسرائيليين بأن ينتبهوا للتيارات الجديدة في الجالية اليهودية في امريكا. "الكثيرون من مؤيدينا أفرادا ومنظمات يأتون من الجالية اليهودية. نحن نتحدث عن اشخاص ذوي حساسية اخلاقية عالية يعانون من السلوك الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين. العهد الذهبي لايباك قد أصبح من ورائنا. تحفظ اللوبي من اتفاق اوسلو وعدم حماسة بعض قادته لخطة فك الارتباط التي طرحها شارون أظهرت هذا اللوبي حتى في نظر قادة اسرائيليين على صورة المنظمة ذات المواقف المتطرفة. بعد قضية التجسس التي اتُهم فيها موظفين في ايباك يزداد الشعور في واشنطن بأن هذه المنظمة تستغل سطوتها بصورة مفرطة جدا". الدبلوماسي الفلسطيني يشعر بالتشجيع من أن منظمات يهودية ليبرالية مثل "اصدقاء السلام الآن"، "تحالف العدالة والسلام"، و "فوروم السياسة الاسرائيلية" تتحدى احتكار ايباك، ويقول أن تأييد هذه المنظمات للتسوية مع العرب يؤثر على الكثيرين في مجلس النواب. "الشركاء اليهود يُتيحون لهم التقدم في الاتجاه الصحيح من دون أن يحولوهم الى لاساميين". مع ذلك يضطر عفيف صافية وأفراد طاقمه الصغير (اربعة مبعوثين) الى التعرق وهم يعملون بجهد في مقر مجلسي النواب والشيوخ حتى يقنعوا النواب بأن ليس كل فلسطيني مخربا محتملا، ويتذكر بأسى عضو الكونغرس الذي قال له من دون تردد بأنه يشك بأن يكون هناك شيء اسمه "فلسطيني معتدل".
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647 القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14 حي المصايف، رام الله الرمز البريدي P6058131
للانضمام الى القائمة البريدية
|