مفتاح
2024 . الأحد 19 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

شهر تشرين الثاني يبقى دائما تشرين الثاني. وحتى اذا لم يعد متوقعا بأن ينشر تقرير فينوغراد في هذا الشهر، فقد جاءنا مؤتمر بوش في واشنطن بدلا منه كعلامة فارقة في حياة اهود اولمرت، هذه العلامة التي يستعد لها ويُجهز نفسه بمشقة من خلال مباحثاته مع أبو مازن.

اذا كنت أفهم الامر بالصورة الصحيحة، فلدينا هنا أكثر من مجرد المنهج الهزلي العادي الذي يُدعّم بذل الجهود على عملية السلام بدلا من السلام ذاته. أي ليس مجرد عناق وقُبلات على الوجنتين وأكل الطعام من مطبخ السيدة عريقات في أريحا فقط من اجل الايهام بأنهم يتفاوضون الآن وليسوا متحاربين.

منطق العملية، اذا كنت أفهمه بصورة صحيحة، هو استغلال نافذتين للفرص: الفرصة الاولى هي الشرخ بين الضفة وغزة، بين فتح وحماس ونفخ الروح بأبو مازن الذي كان جوادا غير نافع قبل سنة فقط، والتوصل معه الى اتفاقات؛ أما الفرصة الثانية فهي تلك الآخذة في الزوال – استغلال خريف حكم بوش، الرئيس المناصر جدا لاسرائيل والمرتبط جدا برئيس الوزراء. المنطق هو أن الاتفاق مع أبو مازن، بما في ذلك توقيع رسمي مدوٍ من الادارة الامريكية يفضي الى توقيع دولي أوسع نطاقا، وتوقيع من دول عربية مركزية مثل مصر والاردن ودول الخليج وربما السعودية ايضا والاوروبيون وربما حتى الامم المتحدة – يمكنه أن يتمخض عن امتيازات ومكاسب لاسرائيل. في نهاية المطاف ستكون هذه الوثيقة تفصيلا لمبادىء الاتفاق والتطرق لمشكلات لب الصراع – المناطق، القدس وحق العودة.

هذه الاتفاقات التي ستحصل على الموافقة الدولية، يفترض أن تكون وثيقة اللباب المستقبلية لكل حل في المنطقة، وبفضل الشرعية الدولية سيكون من الصعب التشكيك فيها. في أجواء الفرص السانحة سيكون من الممكن تضمين هذا الاتفاق امتيازات لاسرائيل تتحول الى ثروات سياسية دائمة. الامتياز الآخر المتمخض عن هذه المسألة يكمن في أن المسألة تتعلق بالمبادىء فقط، أما التطبيق فبعيد. سيتحدثون عن مناطق، ولكنهم لن ينهضوا غدا صباحا لاخلاء مستوطنات. مشاعر المرارة والغضب ستكون وهمية مثلما سيكون هذا الاتفاق وهميا بدرجة كبيرة. ولأن المرارة ستسود في كافة الأنحاء إلا أن وخزاتها ستكون غامضة بسبب تأجيل التطبيق لموعد غير معروف في المستقبل الاوسط أو البعيد – فسيكون بامكان اولمرت وكذلك أبو مازن أن يجتازا الانتقادات والمظاهرات.

هل تعتقدون أن هذا الأمر لا يبدو سيئا كثيرا؟ الحقيقة هي أنه سيء جدا. بامكان اهود براك أن يُحدث رئيس وزرائه عما يمكن أن يحدث عندما تكون هناك توقعات من مؤتمر ومن اتفاق ما من دون أن تُنفذ هذه التوقعات. في اوساط الفلسطينيين توجد أطراف كافية لاشعال النار والقول بأن هذا الاتفاق خيانة. هذا ناهيك عن الحالة التي لا ينتهي فيها الامر بالاتفاق – فحينئذ ايضا قد تندلع انتفاضة كبرى لعدم وجود اتفاق وعدم وجود تسهيلات على حياة الفلسطينيين الفظيعة، ولا شيء باستثناء الله ونبيه حماس. الامر قد يُضعف أبو مازن وحكومته بدرجة كبيرة ويعزز من شكيمة الجهات المتطرفة. نحن نلعب هنا بالنار. الضفة الغربية التي تغلي هي آخر أمر نريد أن نراه. كما أن القيمة الكبيرة التي يرونها في القدس بوثيقة لب الصراع المذكورة مبالغ فيها. ليس لان هذه الوثيقة عديمة القيمة تماما، وانما لان الحياة تتدفق وتتغير باستمرار، ومن يتوقع بأن تكون هذه الوثيقة مرساة تعزز قوة السفينة في المياه الهائجة، مدعو لتذكّر مدى سهولة انفراط المراسي في الشرق الاوسط وفي الساحة الدولية.

حارة الحياة

هناك أطراف جدية في الحكم الفلسطيني تنظر باستخفاف وانعدام أمل للخطوات التي يُقدم عليها أبو مازن مع اولمرت، وتتمنى حدوث خطوات اسرائيلية عملية وأكثر واقعية. الامر العملي والواقعي في هذا السياق ليس أمرا معاكسا للافراط في الخيال والجرأة.

تخيلوا مثلا قيام اسرائيل بتحمل المسؤولية من خلال اعلان دراماتيكي، عن مشكلة اللاجئين. ليس المسؤولية التاريخية عن نشوء هذه المشكلة بأثر رجعي، وانما المسؤولية في الحاضر والمستقبل عن تخفيف معاناة سكان مخيمات اللاجئين، وعن اعادة تأهيلهم. البيضة التي تغلي في هذه المخيمات هي في نهاية المطاف المُنتج الأساسي للقوة البشرية بالنسبة لحماس والجهاد الاسلامي وصفوف المخربين الانتحاريين الذين رأيناهم والذين سنراهم في قادم الايام على ما يبدو لشدة الأسف.

من المذهل جدا بعد اربعين عاما من الاحتلال وبعد 14 عاما من السلطة الفلسطينية التي تحلب التبرعات، انه لم يتم فعل شيء في مخيمات اللاجئين هذه. نابلس وجنين ورام الله وأريحا ازدهرت وتنامت والى جانبها تماما واصلت مخيمات اللاجئين مشوار الاهمال وتزايد الاكتظاظ والتلوث الذي لا يطاق. لو طُبقت بسرعة مبادرة اسرائيلية – بما في ذلك المال وبمبالغ جيدة، لنقل عشرة مليارات دولار لعشر سنوات – لاعادة تأهيل مخيمات اللاجئين بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، لكانت هذه الخطوة الحقيقية في خضم لب الصراع، الذي لن يقترب حتى من حل مبدئي أو حقيقي إلا اذا تمت معالجة الفجوة الاقتصادية الاجتماعية التي لا تطاق بين المجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني.

نموذج الشركات المشتركة للاسرائيليين والفلسطينيين والاجانب يمكن أن ينفذ العمل. تخيلوا بينكم وبين أنفسكم عملا كهذا يأخذ كتجربة أولية مخيما أو اثنين للاجئين، الجلزون والدهيشة مثلا، وبناء مساكن وعيادات ومراكز جماهيرية ومدارس وحدائق اطفال على وجه السرعة من اجلهما. خلال هذا البناء السريع يتم تشغيل قوة عمل فلسطينية ذات دخل مرتفع، بينما تقوم الشركات الاسرائيلية والفلسطينية بكسب المال ويرى السكان أمام أعينهم مستقبلهم وهو يُشيد أمامهم بصورة تجمع سكاني مفتخر كبير نسبيا. سيكون لدى هؤلاء السكان ما يكسبونه وكذلك ما يخسرونه.

بعد مدة من الزمن ستدخل أول العائلات الى المنازل، ويلعب الاطفال في الحدائق، وتبدأ العيادات بالعمل، وتضج المدارس بالحياة، ويأتي الناس من كل أرجاء الضفة للمشاهدة – هناك مستقبل. سيكون هناك من يحاول عرقلة هذه العملية ايضا، ولكن سيكون هناك من يعارضونهم من الناحية الاخرى. ربما من الجدير ايضا التفكير في هذا السياق باقامة قوة أمنية اوروبية لحراسة مواقع البناء. ليس من المستبعد ايضا الافتراض أنه بعد أن تتحمل اسرائيل مسؤولية مالية كبيرة على عاتقها، ستتبعها دول اوروبية اخرى وكذلك امريكا واليابان والدول العربية والمنظمات الدولية الخيّرة التي ستتولى تعبئة خزينة المشروع.

المال يتكلم

عندما تبدأ البنايات في الارتفاع ويبدأ العمال بجلب اموال جيدة الى منازلهم، فربما يبدأون في غزة الحمساوية ايضا التي لن تتمتع بسبب الظروف من هذا المشروع، في التفكير بسبب عدم أحقيتهم لمثله. من السهل الافتراض أن قادة الحكم الفلسطيني سيؤكدون في خطاباتهم بأن اعادة بناء المخيمات وتأهيلها لا تلغي مطلبهم بحق العودة. فليقولوا ما يريدون. فهم ملزمون بقول ذلك كما نعلم. الحقائق على الارض ستتحدث بصوت أقوى، وكل هذا سيستوجب بالطبع اقامة ادارة مستقلة لا تراقب فقط تقدم الاعمال، وانما بالأساس حركة الاموال. لدى أبناء عمومتنا الفلسطينيين مواهب غير عادية في دس أياديهم في الخزينة، وبناء فيلات فاخرة لأنفسهم بدلا من تشييد أحياء لسكان المخيمات. هذه مسألة يتوجب منع حدوثها بأي ثمن.

بناء مخيمين كخطوة تجريبية اولى سيكون ثورة حقيقية في المنطقة. ثورة خيّرة وانسانية تُعبر عن الحِكمة السياسية التي تأخذ في الحسبان أن الوقت قد حان لترتيب الاوضاع الأساسية التي توفر الفرصة للتسوية في المستقبل اذا لم تكن هذه الفرصة قائمة الآن، للتقدم نحو تسوية حقيقية. كل صرخات المعارضين الباكين من إهدار الاموال الاسرائيلية على مخيمات اللاجئين في الوقت الذي يوجد فيه عدد كبير من الفقراء هنا والناجين من الكارثة ومشكلات التعليم والجيش وهذه النواقص أو تلك التي تتعطش للمال – سيُرد عليها بسهولة من خلال القول بأن كل دولار يدخل من ميزانية الدولة لمشروع اعادة بناء مخيمات اللاجئين هو إسهام مباشر ومقنع في أمن اسرائيل ومستقبلها.

بعد أن قمنا بسكب كل هذه الاموال على المشروع الاستيطاني صاحب الأسطح القرميدية الحمراء وشبكة الطرقات الالتفافية العلوية والأنفاق وجلبنا على أنفسنا بالأساس مشكلات مريرة، هلموا بنا نحول هذه الاموال لحل مشكلة اللباب الحقيقية التي تتسبب في غليان الوضع هنا مرة تلو اخرى: مشكلة اللاجئين.

من الناحية الاخرى، من الممكن بالطبع، اعداد شتى التحركات والخطوات السياسية باشراف جورج بوش. من الجدير الاعتماد على نصائحه الجيدة. فلتروا كيف ينجح في العراق!.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required