مُقَدِّمَة، تضمنت أهداف التنمية المستدامة 2030، جملة أهداف تؤكد في مجملها على ضرورة توفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والضعيفة والمهمشة، فمعظم تلك الأهداف الأمميّة، نصت صراحةً على الحق في توفير الحماية الاجتماعية، من خلال: القضاء على الفقر، القضاء على الجوع، الصحة الجيدة والرفاه، التعليم الجيد والشامل للجميع، المساواة بين الجنسين، المياه النظيفة والنظافة الصحية، العمل اللائق، الحد من أوجه عدم المساواة ...، وغيرها من الأهداف . كما تضمنت خطة التنمية الوطنية 2021-2023، محور "التنمية المستدامة" والذي تضمن عدة أولويات وسياسات وطنية، منها الأولوية الوطنية السابعة التي نصت على "القانون فوق الجميع لتحقيق العدالة الاجتماعية"، واشتملت على خمس سياسات وطنية عامة وهي:
حيث نصت السياسة الوطنية "توفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة" على أن التنمية المقصودة تقوم أيضاً على أساس من الخدمات الاجتماعية النوعية التي تراعي النوع الاجتماعي، وتهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة. ومن هنا أهمية إنفاذ قانون عادل للضمان الاجتماعي بشكل خاص وتطوير المسؤولية الاجتماعية بشكل عام. كما أنه من الضروري توسيع حلقة الحوار المجتمعي حول قضايا الشأن العام، من خلال التدخلات السياساتية التالية:
للاطلاع على ورقة الحقائق كاملة بصيغة PDF
اقرأ المزيد...
بقلم: مفتاح
تاريخ النشر: 2023/12/23
×
ورقة حقائق لقياس الإنجاز على مستوى الأهداف الخاصة بالخطة الوطنية لتطبيق القرار الأممي 1325 في فلسطين 2020-2024
تتابع مؤسسة "مفتاح" منذ العام 2006 مع المؤسسات الحقوقية والنسوية القرار الأممي 1325، والبحث في آليات تنفيذه ضمن السياق الفلسطيني من حيث بلورة الرؤى والتوجهات الاستراتيجية وحملات المناصرة الدولية، والتأثير في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية. وتابعت "مفتاح" ومجموعة المؤسسات الفرص لتعزيز مشاركة النساء السياسية، وإعلاء صوت المرأة الفلسطينية على المنابر الدولية للمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ومساءلة إسرائيل عن الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني. كذلك عملت "مفتاح" والمؤسسات على مطالبة اللجان والبعثات الأممية والدولية بالتحقيق في هذه الجرائم لحماية النساء والفتيات الفلسطينيات من الإرهاب المتتالي والمستمر في الأرض الفلسطينية المحتلة. من جانب آخر، تساهم "مفتاح" مع المؤسسات ذات الاختصاص في متابعة تنفيذ الخطط الوطنية من خلال رصد أداء الجهات الرسمية/الحكومية والأهلية المنضوية ضمن اللجنة الوطنية للعمل بالقرار الأممي 1325 في فلسطين، وآخرها الخطة الوطنية (الجيل الثاني) للعمل بالقرار 1325 في فلسطين 2020-2024؛ وتقوم "مفتاح" حالياً بالتحضير لمشاركة الجهات المعنية، ووضع مؤشرات قياس لمستوى الإنجاز للأهداف المحددة في الخطة الوطنية 2020-2024، من خلال تتبع أداء الجهات الحكومية والأهلية والدولية، ومساهمة هذه الجهات في تحقيق الأهداف المحددة وفقاً للأدوار التي حددتها الخطة الوطنية. ولهذا الغرض، تقوم "مفتاح" بجمع الحقائق والبيانات وعكسها في نسب قياس إحصائية لمستوى تحقيق مؤشرات الإنجاز والأداء ضمن ورقة الحقائق هذه، التي توثق مستوى الإنجاز لأهداف الخطة. وستركز هذه الورقة على محورين من محاور الخطة الوطنية التي تحمل آمالاً وتوجهات خاصة في الإطار العام لتحقيق غايات القرار فلسطينياً، وهما محور الوقاية والحماية ومحور المساءلة، لإجراء قياس عام لمدى الوصول إلى أهداف الخطة وغاياتها محلياً. نظرياً، وبشكل منهجي، يمكن استنباط مؤشرات الخطة الوطنية الفلسطينية ضمن الإطار العام لمؤشرات الأداء التي تتعلق بالمحورين سابقي الذكر (الوقاية والحماية، والمساءلة) بتركيز المؤشرات ضمن المقترحات التالية:
للاطلاع على ورقة الحقائق كاملة بصيغة PDF
بقلم: مفتاح
تاريخ النشر: 2023/10/23
×
ورقة حقائق حول انتهاكات القانون الدولي في الحرب على غزة من قبل الاحتلال والتي اندلعت في السابع من أكتوبر لعام 2023
منذ انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، والأحداث والحروب تتوالى من فرض الحصار واستهداف عسكري متكرر لبقعة جغرافية تبلغ مساحتها (360 كم مربع) يعيش فيها نحو 2.2مليون نسمة فلسطيني، حيث ان الاحتلال الإسرائيلي وفي عام 2008 ، شنت عملية عسكرية واسعة على القطاع ، راح ضحيتها 1417 فلسطينياً، بينهم 400 طفل و240 امرأة ، وأصيب 5400 آخرين، كما دُمِّر أكثر من 10 آلاف منزل بشكل كامل أو جزئي، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، شهد قطاع غزة عدواناً جديدا كانت حصيلة الشهداء نحو 174 فلسطينياً، بينهم 42 طفلاً و11 امرأة، وأصيب نحو 1300 آخرين. وفي صيف 2014، قام الاحتلال الإسرائيلي بعدوان عسكري آخر على قطاع غزة استمر لمدة 51 يوماً، حيث وصلت حصيلة الضحايا الى 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً ، و489 امرأةً، .وأصيب أكثر من 11 ألفاً ،وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 شنت إسرائيل غارات جوية حربية على غزة، استشهد فيها 34 فلسطينياً وجرح نحو 100 آخرين، بينهم مدنيون وفي عام 2021، شنت إسرائيل حملة قصف جوي على قطاع غزة، أودت بحياة 240 فلسطينياً بينهم 59 طفلاً، و83 امرأة، وإصابة 1972مواطناَ اخرين . وفي التاسع من أيار لعام 2023 شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة على القطاع اودت بحياة 13 فلسطينياً، بينهم 4 أطفال و6 نساء، وفي الخامس من أغسطس/آب 2022 شنت إسرائيل عدة غارات راح ضحيتها 24فلسطيناً ، من بينهم 6 أطفال، وأصيب 203 آخرون بجروح، جراء الغارات الإسرائيلية على غزة. في السابع من أكتوبر لعام 2023 بلغت القوة القائمة بالاحتلال الإسرائيلي في حربها الأخيرة منذ اندلاعها حد ارتكاب العديد من الانتهاكات الجسيمة لقانون الدولي، منها العقاب الجماعي، الإبادة الجماعية وإجبار المواطنين على ترك موطنهم من خلال محاولات تطهير عرقي غير مسبوق للشعب الفلسطيني في غزة، وتنفذ ضربات قاسية على المدنيين والعزل ضمن سياسة منهجية وتصعيديه لإنهاء الوجود في قطاع غزة وحرمان أهل القطاع من العيش، حيث تعمل على تقييد فرص الناس في الحصول على المواد الحياتية والأساسية، وتهاجم الكوادر الطبية في ظل ظرف صحي صعب يعيشه القطاع الصحي في غزة، وتستهدف دور العبادة والمدارس. نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على الانتهاكات التي تمارسها القوة القائمة بالاحتلال الإسرائيلي والتي تتعارض بشكل مباشر مع المعايير والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتعد جرائم حرب مستمرة: يؤكد النظام الأساسي للمحكمة أن تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية يشكل جريمة حرب. وهذا ما تقوم به "إسرائيل" خلال حربها التي تشنها على قطاع غزة باستهداف المنازل والعمارات السكنية وقصفها على رأس ساكنيها، ما خلّف آلاف الشهداء والمصابين حتى لحظة نشر هذه الورقة. وهذا ما يتعارض مع المادة 25 من اتفاقية لاهاي التي تنص على "حظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والأماكن السكنية أو المباني المجردة من وسائل الدفاع أيٍ كانت الوسيلة المستعملة" وهذا يشكل جريمة حرب وابادة جماعية للمواطنين. كما انتهكت دولة الاحتلال المادة 7 و8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واللتين يحظر بموجبهما ترحيل السكان المدنيين عن أراضيهم بغرض ارتكاب جريمة حرب، واستخدام تجويعهم كأسلوب حرب. وقد تجلى هذا الانتهاك بمطالبة الاحتلال للسكان الفلسطينيين للرحيل الى الجنوب او صحراء سيناء. ويحظر البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية جنيف "إصدار أوامر بالنزوح القسري للسكان المدنيين لأسباب تتعلق بالنزاع" وهذا ما يقوم الاحتلال الإسرائيلي به بشكل كامل؛ فقد تم إصدار أوامر مشفوعة بالصواريخ الثقيلة على منطقة شمال غزة ما أدى إلى نزوح أكثر من مليون شخص من منازلهم إلى مدارس الأونروا وساحات المستشفيات وأي مكان يظنونه آمناً، وتنص المادة (53) من ذات الاتفاقية على أنه: (يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد، أو جماعات، أو بالدولة، أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية، أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير). وعليه، فإنه لا يجوز لدولة الاحتلال تنفيذ "تهجير" كلي أو جزئي للسكان المدنيين في قطاع غزة لعدم وجود أي مبرر قانوني، فتهجيرهم هو بهدف التطهير العرقي والاستيطان غير الشرعي الأمر الذي يشكّل جريمة حرب. تنص اتفاقية جنيف الرابعة في بروتوكولها الإضافي الأول على السماح بمرور شحنات الإغاثة الإنسانية وحمايتها وتيسير مرورها، وهذا ما يتنافى بشكل كامل مع ما تقوم به "إسرائيل" بمنعها دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة من الأراضي المحتلة، وتهديد البعثات الإغاثية على الجانب المصري من خلال قصف محيط معبر رفح البري لمنع هذه المساعدات والبعثات من الدخول لما في ذلك من خطر حقيقي يهدد حياتهم. إن حصار إسرائيل لقطاع غزة يشكل انتهاكا لالتزاماتها كدولة احتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. الإجراءات المتعمدة للقوات الإسرائيلية والسياسات المعلنة للحكومة اشارت بشكل واضح إلى نية فرض عقاب جماعي على شعب قطاع غزة، إسرائيل أخلت بواجبها الذي يحتم عليها السماح بحرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية وأدوات المستشفيات، والأغذية والملابس والتي تعتبر حاجة ماسة لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان المدنيين. كما تتحكم إسرائيل بكامل المقومات الأساسية للحياة في غزة؛ فقد أشار وزير جيش الاحتلال إلى أنهم يفرضون حصاراً خانقاً ومستمراً منذ السابع من تشرين الثاني، وصل إلى قطع المياه والكهرباء عن القطاع كاملاً. كما أنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كان واضحاً باستهداف كل من المدنيين والأعيان المدنية. ووفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وبروتوكولها الأول الإضافي لسنة 1977، فإنه يجب حماية الأعيان المدنية (المادة 52)، وتحظر المادة 147 من الاتفاقية تدمير الممتلكات بشكل غير مشروع، معتبرةً ذلك من المخالفات الجسيمة. كما نصت المادة (25) من لائحة لاهاي الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 على حظر مهاجمة المدن أو القرى المدنية المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني. كما أنّ الفقرة (ب) من المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية اعتبرت أنّ استهداف المدنيين والمنشآت المدنية في ظل الحرب تعتبر جريمة حرب تدخل ضمن اختصاص المحكمة. وإلى جانب ذلك، يحظر القانون الدولي استهداف أفراد الخدمات الطبية كالأطباء والمسعفين ووسائل النقل الطبي والمستشفيات، علاوة على حظر الهجمات العشوائية وهي الضربات التي لا توجّه إلى هدف عسكري محدد، إلى جانب حظر العقوبات الجماعية حيث أدت هذه الموجة إلى خروج اثنا عشر مشفى عن الخدمة نتيجة القصف لمرافقها، ومن ضمنهم المستشفى الأندلسي ومستشفى العيون الدولي ومستشفى مدينة بيت حانون ومستشفى العودة. علاوة على ذلك، قصف المستشفى المعمداني التابع للكنيسة الأسقفية الأنغليكانية باستخدام سلاح فتاك يحمل أطنان من المتفجرات، وقد راح ضحيتها اكثر من 800 مواطن ما بين شهيد وجريح وما زالت هجمات الاحتلال مستمرة لتشمل أيضا استهداف المدارس ودور العبادة كالمساجد والكنائس دون اكتراث. وقد أمعن الاحتلال استهداف الكوادر الطبية وطواقم الإسعاف، ما أدى إلى استشهاد 57 شخصاً من الكادر الطبي وإصابة 100 آخرين بالإضافة إلى تضرر 32 مركزا طبياً جراء القصف الإسرائيلي. كما تم إلحاق الضرر بـالعديد من مركبات الإسعاف، والتي تعطلت عن العمل تماما. "للحرب قواعد يجب التمسك بها في جميع الأوقات لضمان حرية كل المدنيين في كل الأوقات تماشيا مع القانون الدولي الإنساني".
المراجع :
بقلم: مفتاح
تاريخ النشر: 2023/5/16
×
المؤشرات المالية لمشروع قانون حماية الأسرة من العنف
يهدف تشريع حماية الأسرة من العنف إلى حماية الأسرة نفسها كمؤسسة وضمان بقائها لأهميتها المجتمعية؛ وقد أدرك المشرع الفلسطيني هذه الأهمية من خلال مشروع القرار بقانون، لذلك أكد على التزام جميع الوزارات والمؤسسات الرسمية كل حسب اختصاصه بتطوير البرامج، والسياسات والخطط التي من شأنها الإسهام في تعزيز الثقافة المجتمعية المناهضة له، وتعزيز استجابة السياسات العامة بما في ذلك التربوية، والصحية، والتشريعية، والإعلامية، ومراقبة أثرها وتقييمها دورياً وبالتعاون مع المؤسسات الأهلية الأخرى". تركز هذه الورقة على بعض المؤشرات المالية ذات العلافة بمشروع القرار بقانون. يتعرض جميع أفراد الأسرة في فلسطين للعنف سواءً الأطفال أو الأحداث أو النساء أو الرجال أو الأفراد غير المتزوجين، ولكن النساء المتزوجات هن أكثر الفئات تعرضاً للعنف الأسري، وفقاً لمسح العنف الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطين في العام 2019 29.4 من النساء المتزوجات لأحد أنواع العنف من قِبل الزوج، بالمقابل بلغت النسبة 13% للرجال من قِبل زوجاتهم بناءً على اعتراف الزوجات، و44.7% من الأفراد الذين لم يسبق لهم الزواج، و7.6% من كبار السن، و44.2% من الأطفال للأطفال (12-17 سنة) للعنف من قِبل أحد الوالدين. وعلى الرغم من النسبة الكبيرة لتعرض النساء للعنف من قِبل الزوج؛ إلا أن نسبة كبيرة منهن أي نحو 60.3% منهن فضلن السكوت على الاعتداء من أزواجهن ولم يبلغن أحداً بالأمر، ونسبة قليلة من النساء تلجأ للطرق الرسمية لطلب المساعدة؛ فإن 2.9% ذهبت إلى محامي لرفع قضية ضد الزوج، و1.3% ذهبت لمكتب الشرطة أو وحدة حماية الأسرة، و1.4% توجهت إلى مركز مساعدة نفسية واجتماعية وقانونية. يوضح الجدول أدناه تقدير لبعض التكاليف التي قد تنجم عن إصدار مشروع القرار بقانون وتطبيق أحكامه.
يتبين من الجدول أعلاه ان التكلفة الرئيسة الإضافية المقدرة لوزارة التنمية الاجتماعية نحو (4) مليون شيكل سنوياً، على اعتبار أن الجهات الأخرى (الشرطة، والنيابة، والمحاكم) تقوم بدورها حالياً دون تخصيص إدارات متخصصة بالكامل لصالح الحماية من العنف، ولكن في حال خصصت هذه الجهات إدارات متخصصة فقط للحماية من العنف ستصل التكلفة الاجمالية إلى نحو 16.2 مليون شيكل. ولكن حتى في حالة تم تكبد هذه التكلفة إلا أنها تُشكل جزءاً ضئيلاً من النفقات العامة أي نحو 0.1% فقط. حيث بلغ اجمالي النفقات العامة في العام 2022 حوالي (16.2) مليار شيكل، ويعني ذلك أن تكلفة إصدار مشروع القانون وتطبيق أحكامه لا تُشكل عبئاً مالياً على الموازنة العامة، ولا تُشكل عائقاً أمام إقرار مشروع القرار بقانون. من ناحية أخرى تجدر الإشاة إلى أنه بالرغم من أهمية احتساب بعض التكاليف الناجمة عن العنف ضد النساء إلا أن هناك تكاليف أخرى باهظة وهي التكاليف الاجتماعية التي تنعكس آثارها على المجتمع ككل. وقد أظهرت بيانات وزارة التنمية الاجتماعية كما يتبين من الشكل أن العنف الممارس ضد النساء قد دفع حوالي 60% منهن إلى الهروب من المنزل، وحاول 18% منهن الانتحار، إضافة إلى الإصابة بالأمراض النفسية والجسدية، والحمل غير الشرعي وغيرها. إن عملية احتساب التكلفة المترتبة على العنف ليست بالعملية السهلة، ولا توجد إحصائيات وحسابات وطنية لقياس مدى تأثير العنف على الموازنة العامة للدولة، بسبب النظرة السائدة إلى العنف كقضية خاصة ومرتبطة بالمرأة فقط، لاسيما عند الحديث عن الآثار غير المباشرة وغير المادية التي ينبغي قياسها. والتي منها على سبيل المثال: انتهاك حقوق الإنسان، والآثار سلبية على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتعرض المرأة العاملة إلى إصابة صحية جسدية، مما يؤدي إلى حاجتها إجازات مرضية، وقلة التركيز وعدم الإنتاجية، وتأثير العنف على الأطفال والفشل الدراسي، وارتفاع نسبة الأطفال المتسربين من المدارس، وارتفاع نسبة البطالة على المدى البعيد، ووجود نسبة من الأطفال المشردين الذين سيصبحون عالة على المجتمع. والنفقات الحكومية الخاصة بتوفير العلاج الصحي، وبيوت الأمان، والعلاج النفسي، ورصد حالات العنف ضد المرأة، والنفقات الخاصة بالفرد لمتابعة القضايا قانونياً وأتعاب المحامين، وفقدان الدخل بسبب الغياب المتكرر عن العمل أو عدم الفعالية في الإنجاز، وتكاليف اجتماعية ناتجة عن تفكك الأسرة، والتكلفة الخاصة بتدريب وتمكين أفراد حول التعامل مع حالات العنف، والتكلفة الخاصة بإصدار التشريعات والقوانين الخاصة بحماية النساء من العنف. ويؤكد على ذلك أن الأمم المتحدة ترى أنه لا تزال التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والصحية للعنف ضد المرأة غير موثَّقة وغير معترف بها إلى حد كبير، إلا أنها هائلة في رأي الباحثين والأخصائيين والمدافعين عن حقوق المرأة.
للاطلاع على ورقة الحقائق بصيغة PDF
لنفس الكاتب
تاريخ النشر: 2023/11/8
×
إيرادات المقاصّة، والقرصنة الإسرائيلية لها في ظل الحرب على غزة
يحدد بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994، العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومن أبرز بنوده قيام إسرائيل بجباية الجمارك والضرائب المختلفة للسلع المستوردة لمناطق السلطة الفلسطينية، كون إسرائيل تسيطر على المعابر والحدود، وبالتالي فإنها تسيطر على كل الصادرات والواردات الفلسطينية التي يجب أن تمر عبرها. وينص البروتوكول الاقتصادي على اقتطاع 3% من أموال الضرائب لصالح إسرائيل (كعمولة إدارية) وتسليم تلك الايرادات للسلطة الفلسطينية على أساس تقاص شهري. وكانت هذه الاتفاقية، عند توقيعها، مؤقتة لخمس سنوات، ولكن عملياً ما زال معمولاً بها لغاية إعداد هذه الورقة. وقد عملت إسرائيل على مدار السنوات السابقة إلى استخدام إيرادات المقاصة كسيف مسلط على رقاب الفلسطينيين، ووسيلة لقرصنة الأموال الفلسطينية؛ فعملت عدة مرات على احتجاز وعدم تحويل تلك الأموال، وعملت، وما زالت، على احتجاز واقتطاع من تلك الأموال تحت مسميات مختلفة. وفي العام 2003، تم استحداث مصطلح صافي الإقراض، وهو المبالغ التي تستقطعها إسرائيل من إيرادات المقاصة لتسوية ديون مستحقة للشركات الإسرائيلية المزودة للكهرباء، والمياه، وخدمات الصرف الصحي للبلديات ولشركات وجهات التوزيع الفلسطينية، وغيرها من البنود، وقد تجاوزت قيمة صافي الإقراض المليار شيكل سنوياً. وبتاريخ 8/7/2018، أقرّت (الكنيست) قانوناً عنصرياً "غير قانوني" لحجز أموال من إيرادات المقاصة تكافئ مخصصات الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم، وبدأت في العام 2019 بحجز تلك الأموال، وارتفعت وتيرتها في السنوات اللاحقة، لتصل إلى 51 مليون شيكل شهريا. كما عملت الحكومية الإسرائيلية الحالية المتطرفة بقيادة نتنياهو- سموتريتش – بن غفير، على رفع تلك الاقتطاعات إلى (102) مليون شيكل شهريا. وتبعا لبيانات وزارة المالية، فقد بلغت تلك الاقتطاعات "غير القانونية" لغاية 30/9/2023 (770) مليون شيكل، عدا عن خصم صافي الإقراض والذي بلغ في ذات الفترة (984) مليون شيكل، ورسم تحصيل المقاصة الـ (3%) والتي بلغت في ذات الفترة 240 مليون شيكل. وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تعالت أصوات القيادة العنصرية في إسرائيل لحجز أموال المقاصة، وقرر المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت الموسع) الاقتطاع من أموال المقاصة التي تجبيها سلطات الاحتلال نيابة عن السلطة الفلسطينية، وتحويل الأموال للسلطة بعد خصم المبالغ المخصصة لقطاع غزة المحاصر وكذلك لذوي الشهداء والأسرى في سجون الاحتلال. ويعني هذا الخصم احتجاز ملايين الشواكل شهريا، كون الموازنة المخصصة لقطاع غزة تصل إلى حوالي (5.5) مليار شيكل، وتتضمن بدل أثمان كهرباء ومياه، ورواتب موظفين، خاصة في قطاعي التربية والتعليم والصحة، ومشاريع تطويرية تتعلق بالخدمات العامة (مياه/ صرف صحي/ شوارع/ إسكان). لذا لا بد من إجراءات على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي تجاه رفض قرصنة إسرائيل لأموال المقاصة، خاصة أنها تشكل حوالي ثلثي الإيرادات العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وحوالي (75%) من الإيرادات الضريبية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وقدرت في العام 2023 بمبلغ (12) مليار شيكل، وفي ظل مؤشرات الميزان التجاري، والتي تشير إلى مزيد من الاعتماد على إيرادات المقاصّة، في ظل تضخم الواردات، خاصة السلعية بشكل متسارع، مقابل تزايد أقل في حجم الصادرات. ومن الضروري إلغاء عمولة تحصيل إسرائيل لأموال المقاصة التي تبلغ 3%، خاصة وأن الجباية تتم بشكل الكتروني، وتبعا لتقديرات البنك الدولي، يجب ألا تتجاوز تلك العمولة بحدها الأعلى 0.6%، أي أن ما تجبيه إسرائيل 5 أضعاف الفعلي، ما يبين بشكل جلي حجم السرقات الإسرائيلية في هذا الملف فقط. ملاحظة هامة: تحويل إسرائيل لأموال المقاصّة ليس منّة أو منحة، وإنما هو معاملات تجارية بناء على اتفاقيات موقعة، وتأخذ إسرائيل عليها عمولات كبيرة، ولا يحق لإسرائيل بأي حال من الأحوال سرقة أو حجز هذه الأموال، تحت أي مسمى. بمقاربة بسيطة، فإن مجموع الأموال التي اقتطعتها إسرائيل تحت مسميات (حجز بدل أموال الأسرى/ صافي الإقراض/ عمولة إدارة مقاصة) بلغت لغاية 30/9/2023، قيمة (1,958) مليون شيكل، في حين أن كل الدعم الخارجي من الدول المانحة للموازنة العامة بشقيّ الخزينة العامة والتطويري بلغ فقط (841) مليون شيكل، أي أقل من نصف الاقتطاعات والقرصنة والسرقة الإسرائيلية لأموال الشعب الفلسطيني. التوصيات:
تاريخ النشر: 2020/7/1
×
النِظَامُ الضَرِيبِيُّ الفِلِسْطِينِّيُّ.. وَالعَدَالَةُ الاجْتِمَاعِيّةُ
تِبعاً لبيانات وزارة المالية مطلع العام 2020، فإن الإيرادات الضريبية تشكّل ما نسبته (92%) من إجمالي صافي الإيرادات للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتأتي تلك الإيرادات الضريبية عبر الإيرادات الضريبية المحلية، او الإيرادات الضريبية عبر "المقاصّة" مع إسرائيل. والإيرادات الضريبية على نوعين: الضرائب المباشرة؛ وهي الضرائب التي تُفرض وتُجبى من المكلفين المختلفين العاملين في أراضي الدولة ذات السيادة القانونية، وهي تفرض على أرباح الأعمال والرواتب وما شابه من الدخول المتحققة للأفراد والشركات. ومنها: ضريبة الدخل وضريبة الأملاك. أما النوع الاخر من الضرائب فهو الضرائب غير المباشرة وتفرض هذه الضرائب على أنشطة الاستهلاك والإنتاج والاستيراد، وتفرض كذلك على الثروة العقارية، ومنها: ضريبة القيمة المضافة، ضريبة الشراء، ضريبة المحروقات، الرسوم الجمركية والمكوس. وبالعودة الى الإطار الفلسفي للضرائب، فإن فلسفة الضريبة تقوم على مرتكزات مالية واقتصادية واجتماعية، فوظيفتها المالية تعمل على تأمين الإيرادات المالية لخزينة الدولة من أجل تغطية النفقات العامّة، أما وظيفتها الاقتصادية فتتمثل بكونها أداة رئيسة من أدوات السياسة المالية للدولة، والتي تستخدمها من أجل تحفيز النمو أو الحدّ من مستويات التضخم أو حماية الاقتصاد الوطني وغيرها، أما وظيفتها الاجتماعية فتتمثل في إعادة توزيع الثروة بما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية في الدولة، وتوظيف الإيرادات الضريبية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتوفير الخدمات الاجتماعية للفئات المهمشة والضعيفة والفقيرة. ومن هذا المنطلق، يجب أن يحقق النظام الضريبي الفلسطيني فلسفته بتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن ومن خلال قراءة معمّقة لواقع النظام الضريبي الفلسطيني، نجد أنه توجد به ثغرات تتنافى ومفهوم العدالة الاجتماعية، فعلى سبيل المثال تشكل ضريبة القيمة المضافة ( (VATما نسبته 30% من الإيرادات الضريبة، وبمبلغ وصل في العام 2019 الى (3.2) مليار شيكل، إن كان من خلال الإيرادات الضريبة المحلية أو عبر المقاصّة، وهي ضريبة "عمياء"، تمس كافة الفئات في المجتمع دون تمييز وتبلغ نسبتها (16%) من قيمة المبيعات، وهي مرتبطة بإسرائيل تبعا لبرتوكول باريس الاقتصادي، والمرونة فيها فقط 2% عن نسبتها داخل إسرائيل، رغم الفارق الكبير في مستوى الدخل والمعيشة للمواطن الفلسطيني مع ذاك المستوى داخل إسرائيل، ومن مؤشرات ذاك التباين أن الحد الأدنى للأجور في إسرائيل (5300) شيكل، في حين انه في فلسطين (1450) شيكل فقط، وعمليا لا يوجد التزام حتى بدفع الحد الأدنى للأجور في قطاعات كثيرة، وتكمن إشكالية ضريبة القيمة المضافة أن الفقير مجبر على دفعها كونها على السلع والخدمات دون تمييز، فعلى سبيل المثال تتم جباية ضريبة القيمة المضافة عن الخبز وعن الشوكولاتة الفاخرة بذات النسبة رغم ضرورية الأولى وترفية الثانية، وكذا الامر بالنسبة لباقي السلع الأساسية مثل السكر والحليب والزيت وغيرها، بمعنى أن الفقير مضطر لدفعها رغم أن سلعه أساسية للحياة وليست كمالية أو للرفاهية، علما أن العديد من الدول تعمل على تخفيض نسبة تلك الضريبة على السلع الأساسية كنوع من الدعم الحكومي غير المباشر للفقراء وذوي الدخل المحدود، للمساهمة في العدالة الاجتماعية. ومن الثغرات الأخرى في النظام الضريبي الفلسطيني والتي تتنافى ومفهوم العدالة الاجتماعية، ضريبة الدخل، والتي رغم أهميتها الكبيرة في إعادة توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء، الا أن مساهمتها في الإيرادات الضريبية عام 2019، لم تتجاوز (8.7%) فقط من إجمالي الإيرادات الضريبية، إن كان ذلك من خلال ضريبة الدخل المجباة محليا أو عبر المقاصة، وبمبلغ (972) مليون شيكل فقط، من أصل اكثر من (11) مليار شيكل قيمة الإيرادات الضريبية، وبمقارنة مع بعض الدول في المنطقة، نلاحظ أن نسبة إسهامات ضريبة الدخل في اجمالي الإيرادات الضريبية أعلى بكثير من فلسطين، فمثلاً وصلت هذه النسبة إلى (17%) في الأردن و (28%) في مصر، علما أن المعدل العام في العديد من الدول الأخرى يصل إلى حوالي (35%) من إجمالي الإيرادات الضريبية. ومن خلال تحليل قانون ضريبة الدخل وتعديلاته، يلاحظ أن التعديلات عليه كانت لصالح الأغنياء وكبار المكلفين والشركات الكبيرة، من خلال ضغط الشرائح الضريبية الى 3 شرائح فقط، (5%، 10%، 15%) نسبة الضريبة من "الدخل الخاضع للضريبة"، وإبقاء شريحة الـ (20%) فقط للشركات الاحتكارية والاتصالات، رغم وجود مقترحات سابقة بإضافة شريحتين جديدين (22.5%، 30%) للشركات العملاقة وذات الأرباح الكبيرة، الا ان تلك المقترحات لم ترى النور، وبالتالي فان ضغط الشرائح الضريبية في 3 فقط، حرم الموازنة العامة من إيرادات ضريبية كانت ستساهم في تقديم وتطوير الخدمات العامة من تعليم وصحة وحماية اجتماعية، والتي يستفيد منها الفئات الأقل حظا والأكثر تهميشا في المجتمع، كما أنه لم يحقق فلسفة الضريبة بإعادة توزيع الثروة بما يَكْفل العدالة الاجتماعية. في ضوء ما تقدم فإن النظام الضريبي الفلسطيني يعاني من ثغرات لا تستقيم وفلسفة العدالة الاجتماعية، وهو بحاجة إلى تعديلات جوهرية تجاه التمييز الإيجابي للفقراء والفئات المهمشة والضعيفة من خلال تعديل قانون ضريبة الدخل بما يكفل توسيع الشرائح الضريبية، وإضافة شرائح بنسب مرتفعة للأغنياء والشركات ذات الأرباح الكبيرة، وتحقيق مبدأ تصاعدية الضريبة، والتوسع الافقي في جباية الضريبة ليشمل المهن الحرة بشكل علمي ومنهجي وبما يضمن حقوق كافة الفئات، ومكافحة التهرب الضريبي، وفي ذات الوقت توسيع شريحة الإعفاء الضريبي للفئات الأقل دخلا، الامر الذي يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، كما توجد ضرورة أن يكون هناك تدخل حكومي في ضريبة القيمة المضافة تجاه إعفاءات ضريبية أو تخفيض نسبة الضريبة المفروضة على السلع والخدمات الأساسية، من أجل دعم الفئات الفقيرة والمهمشة، وإن كان برتوكول باريس الاقتصادي يحكم نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى أن هناك العديد من الطرق للالتفاف عليه، خاصة مع قرار القيادة الفلسطينية بالانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل، ووقف العمل بالاتفاقيات مع اسرائيل، وبما يكفل المصلحة الوطنية العليا، ومن ضمنها المساهمة في انفاذ العدالة الاجتماعية.
تاريخ النشر: 2012/1/12
×
الصمت ظاهرة إنسانية .. أم حالة فلسطينية خاصة!!
إن نقاش ظاهرة الصمت في المجتمعات هو نقاش عميق في سيكولوجيا المجتمعات، وفي صميم الحياة الإنسانية، بحكم أن الصمت تجلٍ من تجليات السلوك الإنساني. والصمت المقصود هنا هو نقيض حرية الرأي والتعبير والتي تعتبر إحدى ركائز رقي الأمم وتقدم المجتمعات، والصمت مظهر من مظاهرِ استلابِ القيم في المجتمعات وصورة من صور القهر والاضطهاد والتي تعاني منها الأغلبية الصامتة إن كانت أفرادا أو مجتمعات . والحديث عن حرية الرأي والتعبير في المجتمعات هو حديثٌ قديمٌ قِدَم الحضارة اليونانية ذاتها، ورغم مرور آلاف السنين عن انبثاق أولى الكيانات الديمقراطية والتي قامت على حرية الرأي والتعبير، إلا أننا ما زلنا نعاني من مشكلة الصمت كظاهرة إنسانية، الصمت خوفا من السلطة الحاكمة، أو الصمت خوفا من عادات المجتمع وثقافته السائدة، أو الصمت خوفا من التغيير والتجديد، والأكثر بشاعةً أن يتحول الصمت إلى مَْعلمٍ من معالم الشخصية ذاتها، او سمة عامة من سمات المجتمع! بحيث نقبل بالظلم المجتمعي المستند إلى مسلّمات اعتباطية فرضت علينا بلا منطق أو أساس علمي، وإذا ما أخضعت للمنطق أو التفكير البسيط بدت لنا غير مسلّمٍ بها إطلاقا! ومع ذلك ما زال المجتمع يتبناها ويشكل منظومته القيمية بناءً عليها! ومن خلال استقراء تاريخ الأمم التي ارتقت بقيمها الإنسانية وحققت العدالة الاجتماعية لمواطنيها، نجد أن هذه الأمم كسرت حاجز الصمت وتمردت على خوفها، وشقّت جبل اليأس بمعول الأمل، حتى وان كانت هناك تضحيات أو عقبات أو مخاض مجتمعي عسير، فأشد آلام المخاض هو الذي يسبق انبثاق حياة جديدة، وأشد حالات الليل ظلمة هي التي تسبق الفجر الجديد، فجر العدالة الاجتماعية وحرية التعبير ورفض كل حالات القمع الفكري والاستغلال بكل صوره وأشكاله، ورفض الظلم المجتمعي الممارس على الشرائح والفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، وصولا إلى تفتّح أزهار ربيع قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية في المجتمعات، ولن يزهر هذا الربيع إلا بكسر أغلال الخوف من حرية الرأي والتعبير، وهدم جدار الصمت الجاثم على صدر المجتمع محوِّلا إياه إلى "ظل مجتمع" مبهمِ الملامح مشوّه، أسير خوفه وعاداته البالية، ومُقزِّماً طموحات المجتمع وآماله إلى درجات لا ترقى حسب نظرية "سلم الحاجات" لعالم النفس "أبراهام ماسلو" إلا إلى الدرجات الدنيا، وهي الحاجات الفسيولوجية والغريزية والتي يشترك فيها الإنسان والحيوان، ولن يرتقيَ مثل هذا المجتمع إلى الحاجات الإنسانية الأكثر رُقياً كالحاجات والقيم الاجتماعية (الوفاء، الإخلاص، الصدق، التضحية) أو السمو إلى حاجات الاحترام والتقدير، وصولاً إلى تحقيق الذات والكينونة . والربيع العربي الذي أزهر وأينعت أوراقه واشتد عود أشجاره في تونس ومصر وليبيا وغيرها من الدول العربية كانت قطرة الغيث الأولى التي روت بذوره تضحية الشاب محمد بوعزيزي وكسره لحاجز الصمت والخوف، وتمرده على الظلم والطغيان، والانتصار لكرامته حتى ولو بحرق نفسه، لتتحول النيران التي التهمت جسده إلى قطرات غيث نزلت على الأرض العربية العطشى للتغيير، والمسودّة من الظلم، فاهتزت الأرض العربية وربت وانبتت زهور الربيع العربي والتي فاح شذاها إلى العالم أجمع. وبالعودة بالتاريخ إلى الوراء قليلا وتحديدا إلى العام 1963 ، نجد أن السود من أصول افريقية في الولايات المتحدة الأمريكية كسروا حاجز الصمت والظلم المجتمعي والعنصرية العرقية البغيضة على يد القس مارتن لوثر كينغ، وقد تجلى تحطيم جدار الصمت في خطابه الشهير "لدي حُلم" والذي نادى فيه بالحقوق المدنية للسود، ودفع "كينغ" حياته ثمنا لكسره جدار الصمت حيث اغتيل في العام 1968، إلا أن حُلم "كينغ" تحقق وكُسر حاجز الصمت والخوف وحصل السود على حقوقهم المدنية، وبعد حوالي أربعين عاماً من مقتل "كينغ" تحقق حُلمه الأكبر من خلال وصول أول "أسْوَد" رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية من أصولٍ إفريقية . ولأن فلسطين تستحق الأفضل دائماً، ولأن فلسطين تأبى إلا أن تكون في مقدمة ركب التغيير، فيجب علينا أفرادا وجماعات، حكومةً ومؤسسات أهلية أن نعمل معاً على كسر جدار الصمت والخوف في المجتمع الفلسطيني، وتعرية كل الشوائب والعوالق المجتمعية التي تبيح الظلم المجتمعي، وتغلِّف حرية الرأي والتعبير بغلاف الخوف، خاصة في ظل الانتكاسة الكبيرة في منظومتنا القيميّة بعد الانقسام البغيض والذي عانى وما زال يعانى منه المجتمع الفلسطيني ومنذ ما يقارب الخمس سنوات، وصولا إلى التغيير الايجابي في المجتمع، لا التغيير من أجل التغيير فحسب، بل التغيير من اجل واقع أفضل، ومنظومة قيميّة أرقى، وكسر جدار الصمت والخوف في فلسطين وبكافة أشكاله، الصمت على الفساد، الصمت على الاستغلال أياً كانت صوره، الصمت على الظلم المجتمعي وعدم توفر العدالة الاجتماعية، الصمت على استلاب ثقافتنا الوطنية، الصمت على الانتكاسة القيميّة، ولن يرحم "تاريخ الأمم" الشعب الفلسطيني إن بقي صامتاً على أي من مظاهر انتكاس القيم بعد اليوم!!
تاريخ النشر: 2011/12/26
×
العنف الرمزي ... والمجتمع الفلسطيني!!
وردني عشرات من الردود الجميلة حول مقالتي الأخيرة (العنف ضد المرأة ... وجدار الصمت)، كما وردتني العديد من التساؤلات حول مفهوم "العنف الرمزي"، الأمر الذي دفعني للكتابة مرة أخرى حول ما تتعرض له المرأة بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص من أشكال مختلفة للعنف وخاصة العنف الرمزي. فإعادة التفكير في ظاهرة العنف ليست من باب الترف الفكري أو الاستعراض الأدبي، بل أن سبب العودة لموضوع العنف في المجتمعات هو أن التفكير في ظاهرة العنف هو تفكير في صميم وعمق الحياة الإنسانية، أو بالأحرى في تجلٍ من تجليات السلوك الإنساني، حيث أن العنف ظاهرة إنسانية بامتياز، إن لم نقل ظاهرة ثقافية اجتماعية. والعنف الرمزي هو العنف الذي يسكن "لاوعي المجتمع"، ويبدو إذا أن صفة الاختفاء والتواري تسم هذا العنف إذ يحضر على هيئات وأشكال تجعله مرغوبا فيه من قبل ضحاياه أنفسهم. وبحسب المفكرة التونسية رجاء بن سلامة: "هو عنف هادئ، لا مرئي، لا محسوس، حتى بالنسبة إلى ضحاياه، ويتمثل في أن تشترك الضحية وجلادها في التصورات نفسها عن العالم والمقولات التصنيفية ذاتها، وأن يعتبرا معا بنى الهيمنة من المسلّمات والثوابت. فالعنف الرمزي هو الذي يفرض المسلّمات التي إذا انتبهنا إليها وفكرنا فيها ملياً بدت لنا غير مسلّم بها!" وهي مسلّمات تجعلنا نعتبر الظواهر التاريخية الثقافية طبيعة سرمدية أو نظاما سماوياً عابراً للأزمنة. واشد أنواع العنف الرمزي هو ذاك الذي يبدو بديهيا، ويفرض نفسه على الضحية والجلاد والقاضي معاً، ويقول عن نفسه انه ليس عنفا، بل عادات وتقاليد ومنظومة قيم متوارثة! ويمكن القول أيضاً أن العنف الرمزي هو مختلف أشكال الإكراه المباشر أو غير المباشر التي يفرضها فرد على آخر أو جماعة على أخرى مثل طريقة الكلام والجلوس والأكل واللباس، وهو موجود ليس بين الأغنياء والفقراء فحسب كما يذهب إلى ذلك "كارل ماركس" في نقاشه لقضايا البورجوازية والبروليتاريا، بل نجده بين الأغنياء فيما بينهم والفقراء فيما بينهم ولمزيد من التوضيح سنأخذ بعض الأمثلة التي تمارس من خلالها العنف الرمزي بتوظيفها لغرض فرض منظومة معينة من القيم والدلالات على الأفراد على أنها النموذج الأرقى والأسمى، فعلى سبيل المثال نلاحظ أن سكان فلسطين مثلا بما فيهم الفلاحون يعتبرون لهجة المدينة مهذبة وأنيقة واللهجات الريفية غليظة وغير حضارية، على الرغم من أن اللهجة المدنية ليست لها بحد ذاتها قيمة أعلى عن اللهجة الريفية. وإنما هي لغة الغالبية من المثقفين والساسة ومقدمي البرامج التلفزيونية والإذاعية وطلبة الجامعات، وأصبح مجمل الناس يسلّمون بأنها أفضل وبأن لغة الريف رديئة. فهذه العملية مظهر من مظاهر استلابات العنف الرمزي في المجتمع . الأمر ذاته نسجله في الإعلام من خلال استخدامه للمرأة "كأنثى" في الترويج لسلعة معينة أو خدمة ما، حتى لو كانت تلك السلعة إطارات للسيارات، او شاحن موبايل! والشواهد هنا لا تعد ولا تحصى وتبلغ درجة موغلة في الاستغلال البشع للمرأة لكونها أنثى!، ومن صور العنف الرمزي أيضاً الأمنيات والدعوات الدينية والاجتماعية البسيطة الطيبة المتداولة في المجتمع والموجهة فقط للذكور-حتى لو كان المخاطِب والمخاطَب أنثى- وهي شاهدٌ جليّ على العنف الرمزي الممارس من قبل الضحية والجلاد معاً! حيث أن أقبح أصناف العنف الرمزي ذلك الذي أسسه المجتمع الذكوري في التعامل مع المرأة، وانساقت المرأة ذاتها في "التواطؤ اللاواعي" مع الظاهرة، وانعكس هذا التواطؤ في السلوكيات الاجتماعية، ليصبح السلوك حاملاً الكثير من الرموز التي تحطّ من قيمة المرأة. إن التواطؤ الاجتماعي، بحسب عالم الاجتماع الفرنسي "بيير بورديو" يعمل من خلال: "تواطؤ الاستعدادات، تُتّبعُ بعمق لأجل تأبيدها أو تحويلها- بتأبيد أو تحوّل البنى- التي كانت تلك الاستعدادات نتاجاً لها" . فكل عنف ضد المرأة يتضمن بالضرورة تمييزا، وعقد الصلة بين العنف والتمييز يكشف ما في التمييز من عنف يتم باسم مبادئ رمزية. ويزداد هذا العنف الرمزي حدةً، عندما نجد "رجع الصدى" لهذا العنف محلّ إجماع صامت أو صريح بين الضّحايا والجلاّدين في الوقت نفسه. فيصبح المجتمع عبارة عن مصنع منتج للعنف الهادئ الذي يفعل فعله باسم مبادئ تصف نفسها بأنّها أخلاقيّة وتحاط بهالة من التّقديس. هذه المبادئ تقدّم على أنّها بديهيّة وطبيعيّة لا تحتاج إلى النّقاش وهي في الحقيقة اعتباطيّة وقائمة على خواء علمي وأخلاقي، مستغلة ثقافة المجتمع السّائدة . وختاماً، لا بد لنا أن نعمل معاً من اجل مناهضة ظاهرة العنف عموما، والعنف الرمزي بشكل خاص نظرا لخطورته وتغلغله في ثقافتنا ومنظومتنا القيمية، وذلك من خلال الوعي والثقافة وكسر جدار الصمت لكل مظاهر العنف والاستغلال للمرأة، وصولا إلى حقوق كاملة غير منقوصة للمرأة الفلسطينية، وأقول للقارئة الكريمة التي أبرقت لي بأن هذه المهمة "حُلم"!، لا .. هي ليست بالحلم، فنحن قبلنا التحدي لمكافحة كل مظاهر العنف وانتهاك حقوق الإنسان، وليست المرأة فحسب، لأن المرأة هي الإنسان، ولن تكون فلسطين بحرائرها وأحرارها اقل من دول ومجتمعات عديدة تحترم حقوق الإنسان، وتصون الكرامة الإنسانية، وتفتحت زهور ربيعها القيميّ، وكسرت فيها المرأة جدار الصمت وإلى الأبد.
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647 القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14 حي المصايف، رام الله الرمز البريدي P6058131
للانضمام الى القائمة البريدية
|